المعلوماتية والتنمية الثقافية.. وشروط التغيير!!
د.مصطفي عبد الغني
ما زال هذا التقرير يرسل لنا الكثير من أضواء الأمل في السرداب البعيد سواء علي الأسئلة التي يطرحها أو المنهجية التي يعتمد عليها.
سواء مضي هذا في خط' المسح الافقي' أو إلي خط' التعميق الرأسي' وهو يفسر ما سعي إليه التغيير عبر فهم التنمية الثقافية' في الواقع العربي الذي يعاني في بدايات هذه الألفية التخلف وضعف البني والتعبير في كثير من مؤسساته..
إنه التقرير الذي صدر أخيرا عن مؤسسة الفكر العربي..
وهو التقرير الذي يشير إلي ضرورة فهم شرط التغيير المعلوماتي استعادة لأهم معاني التغيير التي جاءت في الآية الكريمة' إن الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم'.
وأكثر ما يلفت النظر هنا السعي إلي أهم صور التغيير في الاحتفاء بالمعلوماتية; فإذا الاهتمام الأول بهذه الوسيلة الآن' المعلوماتية كرافعة للتنمية الثقافية' تسبق كل الملفات من إعلام وإبداع وحصاد فكري ليؤكد الأهمية القصوي للمعلوماتية في هذه الفترة من تاريخنا العربي الحديث.. وعلي هذا النحو, فرغم أن الملف يحتوي علي العديد من التجليات العلمية في هذا الصدد, يظل ملف المعلوماتية أول وأهم هذه الملفات قاطبة.. وهو ما نتمهل عنده الآن, قبل أن نمضي_ بعد ذلك- مع العديد من هذه الملفات علي أهميتها.. حين يظل ملف المعلوماتية كرافعة للتنمية الثقافية أهم هذه الملفات علي الإطلاق سواء من الواقع المعلوماتي أو الوجه الرقمي الراهن أو البحث عن هذا الدور المحتمل للمعلوماتية, فضلا عن قنوات ومسارات التوظيف عبر التطبيقات الثقافية..
وعبورا فوق واقع المجتمع العربي- الراهن والمحتمل ومساراته-.. فإن الوصول إلي رؤية مستقبلية للتنمية الثقافية العربية يظل أهم ما يسعي إليه الملف الأول- المعلوماتية_ التقرير; فنحن في السياق الأخير أمام العديد من نقاط الضعف التي نعيش فيها اليوم; كأن نذكر من البدهيات كيف أن معدل إتاحة تقنيات الاتصال والمعلومات في العالم العربي لا يزال منخفضا بصورة كبيرة ؟ كما تدل المؤشرات المتاحة علي أن أوضاع التعليم- الذي يعد أهم مقومات التنمية الثقافية ونشر وتفعيل تقنيات المعلومات والاتصالات في آن واحد- تعاني تدهورا واضحا في معظم مناحيها ولا تزال تكلفة استخدام مفردات البنية التحتية المعلوماتية وأدواتها المختلفة مرتفعة للغاية بالنسبة لغالبية دول العالم العربي, كما تشير الأرقام الواردة في الجداول البحثية العلمية هنا إلي أن أوضاع البحث العلمي والتدريب المتقدم في مؤسسات المجتمع ككل تعاني بصورة مفزعة.. وتتعدد الأمثلة علي ذلك.. وهو ما يظهر- علي سبيل المثال- في ضعف الحاسبات التي توجد بيننا ووجود فجوة بين الفعل الحكومي والقبول الجماهيري ومن ثم تطرح نقاط الضعف العديد من التحديات التي تطرحها البنية المعلوماتية العربية علي جهود توظيف تقنيات الاتصالات والمعلومات كرافعة لخدمة جهود التنمية الثقافية عبر نقاط محددة منها: الشرائح المحرومة وضعف الإبداع وتدني دخل الفرد وأزمة البحث العلمي وأعباء تشريعية للخروج من هذا كله بأمل التغيير..وهو ما يصل بنا عبر العديد من الملفات عبر التدقيق إلي العلاقة الغائبة بين الثقافة والمعرفة والمعلومات, فمجتمع المعرفة غير مجتمع المعلومات وهو ما يحتم إعادة النظر هنا في كثير من قضايانا المعاصرة: كقضية الهوية وتهميش الثقافة عبورا من الفجوة المعرفية إلي خطاب جديد واعادة النظر الي تأكيد ان نظم الحكومة الالكترونية تركز علي التخفيف من حدة الروتين والبيروقراطية في تقديم الخدمات الحكومية وصولا إلي قضية مهمة في هذا الصدد ونقصد بها قضية العلاقة بين الإنترنت وحرية التعبير, حيث أصبحت حرية التعبير ليست مجرد شأن سياسي لأنها ذات أبعاد اقتصادية واجتماعية وثقافية وهي_ من ثم_ كما يؤكد التقرير تظل-' وثيقة الصلة بالتنمية وبخاصة فيما يتعلق' بمجتمع المعرفة' الذي يستحيل بناؤه في بيئة تقمع الرأي.., ونتوقف هنا عند مثال المدونات, فلو نجحنا في ترشيح هذه المدونات وتخليصها مما يعرف' بضوضاء الويب' يمكن حينئذ أن تستفيد منها الحكومات العربية في التعرف بصورة واقعية ومباشرة علي توجهات الرأي العام وتوقع المشكلات في وقت مبكر تجنبا لطابع رد الفعل العنيف المنتظر..
فالشبكات الاجتماعية_ كما يؤكد التقرير_ تظل هي أداة المشاركة الجماهيرية; ثقافة الويب أو الثقافة الرقمية كما يسميها البعض, ثقافة جماعية بحكم طبيعتها ونشأتها وتطورها.. وهو ما يحتاج هنا إلي استعادة العديد من هذه الواجبات من حيث التنبه إلي ضرورة الوعي بالحاجة الماسة إلي اتجاه اقتصادي ثقافي جديد من منظور مجتمع المعرفة وإرساء البنية التحتية للتواصل الثقافي وتضييق الفجوة الرقمية بين البلدان العربية عبر العديد من الحلول المبتكرة في مجال الاتصالات التي تم تطبيقها في الدول النامية والبازغة والمتقدمة لإتاحة الفرصة للنفاذ إلي مصادر المعلومات للفئات محدودة الدخل يذكر منها الكثير كسياسة' الباب المفتوح' وتطوير الحاسوب الشخصي, فضلا عن إعطاء أولوية لإعلام المحليات والقري بحيث أثبتت تجارب الدول النامية أن إعلام الجماعات المحلية يمكن أن يلعب دورا أكثر تأثيرا من التقانات الأكثر تقدما..
غير أن العبور فوق واقع المجتمع العربي الراهن يقترب بنا أكثر من العديد من تجليات التغيير والسعي إليه أكثر عبر المستقبل: عبر المحتوي الثقافي مثل الوقفيات الجامعية مما نتمهل عنده بعد ذلك.. لما يلعبه نظام' الوقف'- إذا أمكن الاستفادة منه_ في تطوير عالمنا الحديث, خاصة عبر التغيير المعلوماتي وجدواه.. بشرط أن نعرف شروط التغيير ونعمل لها..
ساحة النقاش