ويدل علي ذلك ما حدث في المؤتمر العالمي للكبد الذي عقد أخيرا ببكين, حيث أعلن عن نتائج أبحاث وعلاجات جديدة تفتح باب الأمل أمام المرضي سواء في مجالات التشخيص أو العلاج, ولعل من أهم هذه النتائج إمكانية عودة نسيج الكبد المتليف بكل مراحله, لحالته الطبيعية مرة أخري مهما كانت درجة التليف, وذلك إذا ما تلقي المريض العلاج المناسب لسبب التليف. ففي أول بحث من نوعه علي حيوانات التجارب لعلاج التليف المتقدم من الدرجة الرابعة, أثبت الدكتور جمال شيحة أستاذ الجهاز الهضمي والكبد بطب المنصورة إمكانية تحسنه وعودة نسيج الكبد للحالة الطبيعية مرة أخري باستخدام مركب نوكيتونيب المستخدم حاليا في علاج سرطان الدم, كذلك أثبت الدكتور شيحة في بحث آخر علي مجموعة من الأطفال المصابين بتليف كبدي متقدم ناتج عن أسباب مناعية إمكانية تحسن مثل هذه الحالات مهما كانت درجة التليف فيها وعودتها لحالتها الطبيعية مع استمرار العلاج المناعي بمركب أزا ثايوبرين مع الكورتيزون, دون حاجة لاستخدام الإنترفيرون لكون التليف هنا ناتجا عن التهاب مناعي وليس فيروسيا. وقد تأكدت هذه النتيجة بمقارنة عينة من الكبد قبل وبعد العلاج. كذلك أمكن تفعيل علاج الفيروس سي والتخلص منه ـ كما يقول الدكتور هشام الخياط رئيس قسم الكبد بمعهد تيودور بلهارس ـ بمضادات الفيروسات, وذلك بإجراء تحليل البصمة الوراثية للمريض مسبقا قبل وصف العلاج, حيث وجد أن بعض المرضي يمتلكون أنواعا معينة من محفزات الخلايا التي تزيد من استجابتهم للعلاج منذ بدايته. ومن المعروف طبيا ـ علي حد قوله ـ أن نسبة شفاء المصابين بالنوع الرابع للفيروس سي الموجود بمصر لا تزيد علي60%, ولا يتم شفاء النسبة الباقية بالإنترفيرون والريبافارين رغم كونهما العلاج الوحيد المتاح حاليا, ولذلك يصابون بالإحباط بعد مرور عام علي العلاج دون نتيجة, وطالما بذل الأطباء محاولات مضنية لفك هذا اللغز حتي اكتشفوا وجود شفرة جينية علي الكروموزوم19, وتمكنوا باستخدامها من التنبؤ مسبقا بمدي استجابة أو عدم استجابة المرضي للعلاج قبل وصفه. وفي جلسة رأسها الدكتور جمال عصمت أستاذ الجهاز الهضمي والكبد بطب قصر العيني, جرت مناقشة لتقييم عمل جهاز فايبروسكان الجديد غير التداخلي كبديل عن العينة الكبدية لفحص وتحديد درجة مرونة أنسجة الكبد ومن ثم تليفه, حيث توجد علاقة عكسية بين المرونة وشدة التليف, أوضح العالم الياباني الدكتور ماساو أوماتا أستاذ ورئيس قسم الجهاز الهضمي والكبد بجامعة طوكيو أن هذا الجهاز هو وسيلة تشخيصية حديثة لمساعدة الأطباء علي وضع تقدير كمي لدرجة مرونة أنسجة الكبد التي تتناسب عكسيا مع تليفه, وتقوم فكرة عمل الجهاز علي تصوير انتقال الاهتزازات في الأنسجة تحت السيطرة, حيث يقوم الطبيب بوضع طرف الجهاز علي بطن المريض, وعند تشغيله تتولد موجه منخفضة التردد تنتشر بين الضلوع وتنتقل ميكانيكا للكبد, ويسمح قياس سرعة انتشار الموجات بوضع تقدير كمي لدرجة مرونة أنسجة الكبد, حيث تقوم إشارة فوق صوتية بقياس درجة انتشار الموجات الميكانيكية خلال أنسجة الكبد, بما يسمح بتقدير درجة مرونته, وتترجم زيادة الرقم الناتج والذي يقدر بالكيلوبسكال قلة مرونة أنسجة الكبد وزيادة درجة تليفه. ويتم هذا الإجراء في15 دقيقة دون أن يشعر المريض بأي ألم. وللمقارنة بين نتائج فحص خلايا الكبد بجهاز فايبروسكان الجديد وفحص عينة كبدية بالطرق التقليدية لتقدير حجم التليف في مرضي الالتهاب الكبدي, قام الدكتور جمال شيحة مشتركا مع الدكاترة أيمن الدسوقي وخالد زلطة ووليد سمير وأمير عادل بإجراء دراسة علي120 مريضا من المصابين بالتهاب كبدي فيروسي مزمن سي'96 رجلا,24 سيدة', وتم خلال الدراسة فحص أكبادهم بالطريقتين معا التليف بجهاز فايبروسكان ـ كما يقول الدكتور شيحة ـ حوالي76%, وذلك بدرجة حساسية وصلت إلي حوالي85%, كما بلغت درجة التخصصية لتحديد حجم التليف بجهاز فايبروسكان حوالي77%. كذلك كان هناك تطابق تام في نتائج الفحص الهيستولوجي للعينة والفحص بجهاز فايبروسكان في حوالي35% من الحالات. ويعد التشخيص الدقيق للتليف الناتج عن الالتهاب الكبدي الفيروسي سي أساسيا لتوقع تطور المرض وتحديد العلاج اللازم للحالة, ونظرا لأن العينة الكبدية غالبا ما تكون مصحوبة ببعض المضاعفات, كان من الضروري للعلماء أن يبحثوا عن وسائل بديلة, ومن هنا كان الماسح الجديد لخلايا الكبد كبديل عن العينة ثمرة لهذه الجهود, وكانت هناك حاجة ماسة من الأطباء أيضا ليقوموا بإجراء بعض الدراسات السريرية لتقييم هذه الوسيلة الحديثة ومقارنتها بنتائج العينة الكبدية في محاولة لتقليل من استخدامها عند متابعة درجة التليف وتقييم العلاج, إذا ما ثبتت فاعلية الوسيلة الجديدة. وفي مجال علاج ارتفاع الضغط البابي, أوضح الدكتور توماس بوير أستاذ الأشعة بجامعة أريزونا أنه برغم التطور الذي أحدثه عمل وصلة من الوريد البابي للدورة الدموية العامة كأحد خيارات العلاج لتخفيف الضغط علي الوريد البابي عند90% من مرضي الالتهاب الكبدي الفيروسي سي المزمن, إلا أنه يخشي من المبالغة في استخدامها دون مبرر كاف, حيث أنها لا تصلح في حالات ضيق الأوردة, وعند مقارنتها بالعلاج المنظاري ثبت فاعليتها في منع نزيف الدوالي وعلاج الاستسقاء, ولكنها زادت من أعراض الغيبوبة الكبدية. ولذا ينصح بالحرص في استخدامها. وعن عمليات زرع الكبد في آسيا, قال الدكتور شونج تا أستاذ الجراحة بهونج كونج أنهم يحاولون تطويرها لأنها لم تنضج بعد, ويتم ذلك علي محورين أولهما زيادة عمليات الزرع نقلا من الموتي, وتدريب الأطباء عليها من أجل تقليل العمليات التي تتم بتبرع الأحياء باعتبارها, جراحة كبري تتضمن خطورة علي المتبرع قبل المتلقي, وثانيهما هو زيادة المراكز المتخصصة, ويحتاج أسلوب الجراحة بصفة عامة للتطوير حتي يصبح أقل تعقيدا, ويعتمد تحقيق هذا الهدف في رأيه علي زيادة توعية الناس بأهمية قبول تبرع جيل سابق توفي لجيل قادم يحتاج للحياة, وهو اتجاه جيد تسير فيه آسيا بخطي حسيسة, وفي حين تعتمد الصين في عملياتها علي الموتي, تعتمد اليابان كليا علي تبرع الأحياء, وتصل هذه النسبة في هونج كونج علي50%, أما في الهند فتتم معظم العمليات من الأحياء. وفي بحث مصري أجري علي264 مريضا لدراسة علاقة تليف الكبد بحصوات المرارة, أثبت الدكتور إيهاب عبد الخالق أستاذ الجهاز الهضمي والكبد بطب المنصورة أن نسبة تكون هذه الحصوات تكون أكثر عند مرضي تليف الكبد, خاصة المصابين بارتفاع الضغط البابي, كما أثبت في بحث آخر وجود علاقة بين تليف الكبد بدرجاته المختلفة وكل من ارتفاع نسبة دهون الدم, ومقاومة الجسم للأنسولين, حيث لوحظ زيادة هذه المقاومة مع زيادة دهون الدم. ورغم أن دوالي المعدة أقل شيوعا من دوالي المرئ, إلا أن السنوات القليلة الماضية شهدت زيادة ملحوظة في عدد حالات القئ الدموي الناتج عن نزف دوالي المعدة, والذي يعد مشكلة كبيرة لما يحمله من مخاطر علي حياة المريض. وقد تطلب ذلك البحث عن وسائل أخري لعلاج هذه الحالة العنيدة. وللمقارنة بين علاج دوالي المعدة النازفة بطريقتي الربط الحلقي والحقن بمادة سيانوأكريل, قام الدكتور شيحة مع الدكتورين سيد عبد المقصود وأشرف الفخري بإجراء دراسة علي90 مريضا ممن أدخلوا مستشفي الطواريء لعلاج نزيف الدوالي, وتم تقسيم المرضي علاجيا لمجموعتين متساويتين, تلقت الأولي علاجا للدوالي النازفة بطريقة الحقن بمادة سيانوإكريل, وتلقت الثانية علاجا للدوالي بطريقة الربط الحلقي, وأظهرت النتائج تساوي الطريقتين من حيث الفاعلية والأمان, ولكن ظل ارتداد الدوالي وعودة النزف يمثل مشكلة بالنسبة للدوالي المعزولة في سقف المعدة وأيضا الدوالي ذات الحجم الكبير في مجموعة الربط الحلقي التي كان علاجها أكثر فاعلية بطريق الحقن.
|
ساحة النقاش