رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ (19)[[ النمل:19] وأصلي وأسلم على خير هاد الذي علمه ربه فعلم وعلم، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
أما بعد
قد يشعر المرء يوما بنوع من الإحباط، وينتابه إحساس بازدراء المجتمع له، وقد يتوقف أحيانا مع نفسه يسائلها عن السبب فيما يتعرض له من مواقف محبطة؛ ومعه نتساءل عن الأسباب التي تجعل المجتمع ينبذ شخصا ما؟
والإجابة لها شقان:
الشق الأول متعلق بالمجتمع: فقد يكون المجتمع من النوع الذي تحكمه المصالح الشخصية، وبالتالي ينبذ كل من لا يعود عليه بالمنفعة سواء كانت مادية أو معنوية، أو كما يقول بعض الناس: "معك قرش تساوي قرشا"، وهذا النوع من المجتمعات يطلب من الشخص ما يسمى أحيانا بتفتيح المخ، بمعنى أن يدرك أنه ليس هناك خدمات غير مدفوعة الثمن، وهنا يجد الشخص نفسه في دوامة هذا الثمن: هل هو حلال أم حرام؟؟؟؟ هل يستطيع توفيره أم لا؟؟ مما يجعل التأقلم مع مثل هذا المجتمع عسيرا، لذلك ننتقل إلى الشق الآخر الذي يمكن تصحيحه0
الشق الثاني متعلق بالشخص نفسه: كيف يتعامل هذا الشخص مع من حوله في المجتمع؟ لأن أسلوب الشخص في التعامل مع الناس يجعلهم يقبلون عليه أو ينفرون منه0
ورغم اعتقاد بعض الناس بأحقيته في الحرية المطلقة دون قيد أو شرط، طالما لا يفعل شيئا خطأ، فإن الواقع يؤكد أن حرية الشخص تنتهي عند وجود الآخر، لأن بعض التصرفات مقبولة شرعا وعرفا، ولكن لا يستطيع الإنسان فعلها في وجود الآخرين مثل قضاء الحاجة، حيث يؤجل الإنسان قضاء حاجته لحين الوصول للمكان المهيأ لذلك، رغم أن قضاء الحاجة في حد ذاته ليس عيبا ولا حراما، وقس على ذلك كثيرا من السلوكيات مثل: أن الإنسان له الحرية في فتح نافذة بيته كما يشاء، ولكن إذا كانت هذه النافذة تطل على جاره، وتكشف عورات بيته تقيدت الحرية، والإنسان حر فيما يسمع، ولكن إذا كان صوت المسجل سوف يؤرق جاره المريض تقيدت الحرية، مما يؤكد أن حرية الشخص مقيدة بوجوده في المجتمع، وإذا نسى أو تناسى المجتمع من حوله وجب على المجتمع رده إلى صوابه، لذلك روي عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي r قال:" مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة؛ فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا؛ فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا"[رواه البخاري]0
وهذا الحديث يوضح أن المجتمع وحدة واحدة لكل فرد مكانه فيها، وحدوده التي يجب ألا يتخطاها حتى لا يضار المجتمع بأثره، ومع الرسول الكريم نطل على بعض التعاملات المرغوبة حيث قال أبو ذر "قال رسول اللهr: تبسمك في وجه أخيك لك صدقة، وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة، وإرشادك الرجل في أرض الضلال لك صدقة، وبصرك للرجل الرديء البصر لك صدقة، وإماطتك الحجر والشوكة والعظم عن الطريق لك صدقة، وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة"[رواه الترمزي]:
أولا: آداب عامة:
أ- إفشاء السلام: لأن الإسلام دين السلام، فمن المستحب المبادرة بالسلام، وسرعة رد السلام، حتى تسود روح المحبة والود بين أفراد المجتمع، فعندما تبادر غيرك بالسلام يشعر أن قدومك لن يعود عليه بالضرر، فيطمئن نفسيا، والعكس حينما يرد عليك السلام، تطمئن أنه تقبل قدومك عليه، إضافة إلى ما في السلام ذاته من الدعاء الذي يعود على الطرفين بالخير، ومن الطريف أن اليهود كانوا يقولون السام"الموت" عليكم عن عبد الله بن عمر أنه قال: قال رسول الله r:"إن اليهود إذا سلم عليكم أحدهم فإنما يقول السام عليكم فقل عليك"[رواه مالك] فيرد ما دعوا به من الشر عليهم0
ب- حينما يحيك أحد تحية رد التحية بأفضل منها أو على الأقل ردها، قال تعالى:] وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً (86) [[النساء]0
ت- حينما تلقى الناس كن ضاحكا، عن أبي ذر قال: قال لي النبي r:"لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق"[رواه مسلم]0
ث- غض البصر لما في النظر للغير من فتن وإثارة للشهوات؛ لذلك ربط القرآن الكريم بين غض البصر وحفظ الفروج عن المحرمات" الشرف" في أمره تعالى للرسول الكريم:] قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) [ [النــور]، وفي غض البصر عدم تتبع عورات الآخرين، عن عبد الله بن عمر، قال:"صعد رسول الله rالمنبر، فنادى بصوت رفيع، فقال: يا معشر من قد أسلم بلسانه، ولم يفض الإيمان إلى قلبه، لا تؤذوا المسلمين، ولا تعيروهم، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم، تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو بجوف رحله" [أخرجه الترمزي] فأستر على إخوانك المسلمين، حتى لو ارتكبوا الذنوب، فقد يكون ذلك مدعاة للتوبة، لقولهr:"من ستر مسلماً، ستره الله_ تعالى_ في الدنيا والآخرة , ومن نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا; نفّس الله_تعالى_ عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسّر علة معسر , يسّر الله _تعالى_ حسابه " [رواه مسلم]. وقوله:" من رأى عورة فسترها كان كمن أحيا موءودة"[رواه أبو داوود]0
ج- تشميت العاطس: قيل إن العطس عملية فسيولوجية يطرد الإنسان من خلالها3000 آلاف مكروب من جسده دون أن يشعر، وقد يحدث أثناء ذلك أن يتعرض الإنسان لنوع من الخطورة؛ فالعطسة سرعتها 100كم/س في الساعة، وإذا عطس الإنسان بشدة من الممكن أن يكسر ضلع من أضلاعه، وإذا حاول إيقاف عطسة مفاجئة من الخروج، يؤدي إلى ارتداد الدم في الرقبة أو الرأس، ومن ثم إلى الوفاة، وإذا تركت العينان مفتوحتان أثناء العطس، من المحتمل أن تخرجا من جحورهما، وأثناء العطسة تتوقف جميع أجهزة الجسم: ومنها التنفسي والهضمي والبولي، بما فيها القلب رغم إن وقت العطسة ( ثانية أو جزء من الثانية) وبعدها تعمل إن أراد الله لها أن تعمل، لذلك وجب على المسلم أن يحمد الله على هذه النعمة، ووجب على من يسمعه أن يدعو له بالرحمة بقول"رحمكم الله" فيرد العاطس الدعاء بالدعاء"رحمنا ورحمكم" عن أبي هريرة- رضى الله تعالى عنه- عن النبي r قال:" إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله، وليقل له أخوه أو صاحبه يرحمك الله، فإذا قال له: يرحمك الله، فليقل يهديكم الله ويصلح بالكم [رواه البخاري]، وعن البراء -رضي الله عنه- قال:" أمرنا النبي r بسبع ونهانا عن سبع: أمرنا بعيادة المريض، وأتباع الجنازة، وتشميت العاطس، وإجابة الداعي، ورد السلام، ونصر المظلوم، وإبرار المقسم"[رواه البخاري]، وعن أنس بن مالك- رضى الله تعالى عنه- قال عطس رجلان عند النبي r فشمت أحدهما، ولم يشمت الآخر، فقيل له فقال: هذا حمد الله، وهذا لم يحمد الله [رواه البخاري]،ومن آداب العطس أن يضع الإنسان منديلا على فمه أو يضع يده على فمه، ويلتفت بعيدا عمن يحدثهم حتى لا يصيب المكروب الخارج من جسده أحدهم، وكذلك الحال في الكحة، والتثاؤب، وقبل ذلك عند نفخ دخان السجائر، فإذا احترمك شخص وجالسك لا تؤذه بدخان سيجارتك0
ح- انفق على نفسك ثم الأقرب فالأقرب، فتلبية الاحتياجات الشخصية أفضل من الإنفاق بعيدا ثم مد اليد، وذلك صونا للنفس والأقربين عن السؤال، عن جابر قال أعتق رجل من بني عذرة عبدا له عن دبر فبلغ ذلك رسول الله r، فقال:" ألك مال غيره؟ فقال: لا فقال من يشتريه مني؟ فاشتراه نعيم بن عبد الله العدوي بثمانمائة درهم، فجاء بها رسول الله r، فدفعها إليه، ثم قال: ابدأ بنفسك فتصدق عليها، فإن فضل شيء فلأهلك، فإن فضل عن أهلك شيء فلذي قرابتك، فإن فضل عن ذي قرابتك شيء، فهكذا وهكذا، يقول فبين يديك، وعن يمينك وعن شمالك"[رواه مسلم]، وعن أنس بن مالك-رضى الله تعالى عنه-يقول كان أبو طلحة أكثر أنصاري بالمدينة نخلا وكان أحب أمواله إليه بيرحاء وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول اللهrيدخلها ويشرب من ماء فيها طيب فلما أنزلت { لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون } قال أبو طلحة:يا رسول الله إن الله يقول: { لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون } وإن أحب أموالي إلى بيرحاء، وإنها صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله، قال رسول الله rبخ ذلك مال رايح ذلك مال رايح، وقد سمعت ما قلت، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين، قال أبو طلحة: أفعل يا رسول الله، فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه[رواه البخاري]0
ب- إذا أقرضت أحدا مالا وجاء موعد السداد وتيقنت أنه معسر اصبر عليه، قال تعالى: ] وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (280) [[البقرة]
أ- إتباع الجنائز: لأن الموت ودخول القبر له وحشة، وكثرة عدد المشيعين يؤنس أهل الميت، كما أن الميت نفسه انقطع عمله وهو أحوج ما يكون للشفاعة، فإذا تبعه مائة مسلم شفعوا له بنص حديث الرسول r عن عائشة- رضي الله عنها -عن النبي r قال: "ما من ميت تصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة كلهم يشفعون له إلا شفعوا فيه"[رواه مسلم]، عن عبد الله بن عباس أنه مات بن له بقديد أو بعسفان، فقال: يا كريب انظر ما اجتمع له من الناس؟ قال: فخرجت؛ فإذا ناس قد اجتمعوا له، فأخبرته، فقال: تقول هم أربعون؟ قال: نعم، قال أخرجوه، فإني سمعت رسول الله r يقول: "ما من رجل مسلم يموت؛ فيقوم على جنازته أربعون رجلا لا يشركون بالله شيئا إلا شفعهم الله فيه"[رواه مسلم]، ولما لإتباع الجنازة من فضل عظيم أبيح للمعتكف إتباع الجنازة وعيادة المريض عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله r: "المعتكف يتبع الجنازة ويعود المريض"[رواه ابن ماجة]، عن أبي هريرة-رضي الله عنه- أن رسول الله rقال:" من اتبع جنازة مسلم إيمانا واحتسابا، وكان معه حتى يصلي عليها، ويفرغ من دفنها، فإنه يرجع من الأجر بقيراطين كل قيراط مثل أحد، ومن صلى عليها ثم رجع قبل أن تدفن فإنه يرجع بقيراط" [رواه البخاري]، فكما تحب أن يتبعك الآخرين اتبعهم، على أن يكون الإتباع دون ما يغضب الله من عويل ونواح، عن عمر عن النبيr قال: "الميت يعذب في قبره بما نيح عليه"[ رواه مسلم]0
ب- لا تظلم أحدا فالله لا يحب الظلم، عن النبي r فيما روى عن الله -تبارك وتعالى- أنه قال:" يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرما، فلا تظالموا، يا عبادي، كلكم ضال إلا من هديته، فاستهدونى أهدكم" [رواه مسلم]، وعن النبي r قال:" المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه"[رواه البخاري]، وعن أبي بكرة أنه قال: سمعت رسول الله rيقول:" إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار، فقلت يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: إنه كان حريصا على قتل صاحبه"[رواه البخاري]، وعن رسول الله rقال:" المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة"[رواه البخاري]0
ت- قف إلى جوار من تحب في الشدائد حتى يصل لحقه، وإذا كان ظالما اضرب على يديه حتى يعود للصواب قال رسول الله r:" انصر أخاك ظالما أو مظلوما قالوا يا رسول الله هذا ننصره مظلوما فكيف ننصره ظالما؟ قال: تأخذ فوق يديه"[رواه البخاري]، من خلال تذكيره بالقرآن الذي هو حبل الله الذي يعصم من اتبعه عن الوقوع في الخطأ الذي يؤدي بدوره إلى فرقة المجتمع، التي نهى عنها الله تعالى في قوله: ]وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) [[ ال عمران]، وعن أبي هريرة-رضي الله عنه-, أن رسول الله r قال «إن الله يرضى لكم ثلاثاً ويسخط لكم ثلاثاً, يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا, وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا, وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم, ويسخط لكم ثلاثا: قيل وقال, وكثرة السؤال, وإضاعة المال»[رواه مسلم]0
ث- الصبر عند الشدائد، والرضا بقضاء الله، يقول تعالى:] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153)[[البقرة]، وحتى يتسنى ذلك يجب على من نزلت به ضائقة ما أن ينظر لمن نزلت بهم ضائقة أشد مما أصابته حتى يحمد الله على ما أصابه، فعندما يصاب الإنسان بمرض ما ويذهب إلى المستشفى ويرى الأمراض التي أصابت غيره؛ يحمد الله على ما أصابه0
ج- التواضع في المشي وعدم الدب على الأرض، حيث جرى العرف أن المختال بنفسه يتعمد الدب بقدمه على الأرض، بينما ما أولاه الله من نعم يختال بها هي من صنع الله لو شاء سلبه إياها، فالأولى به أن يتواضع لله خالق هذه النعم بدلا من الزهو بها على الناس، لذلك يقول تعالى:]وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً (63)[[الفرقان]، وعنعبد الله قال: قال رسول الله r :" لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، قال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا، ونعله حسنة، قال، إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق، وغمط الناس "[رواه مسلم]،وعن النبي r"أن موسى قام خطيبا في بني إسرائيل فسئل أي الناس أعلم؟ فقال:أنا؛ فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه، فقال: له بلى لي عبد بمجمع البحرين هو أعلم منك،قال:أي رب ومن لي به؟ قال تأخذ حوتا فتجعله في مكتل حيثما فقدت الحوت فهو ثم، قال ابن عباس: حدثني أبي بن كعب عن رسول الله rأن موسى بني إسرائيل سأل ربه, فقال: أي رب إن كان في عبادك أحد هو أعلم مني فدلني عليه, فقال له: نعم في عبادي من هو أعلم منك, ثم نعت له مكانه وأذن له في لقيه, فخرج موسى ومعه فتاه ومعه حوت مليح, قد قيل له: إذا حيي هذا الحوت في مكان, فصاحبك هنالك وقد أدركت حاجتك, فخرج موسى ومعه فتاه ومعه ذلك الحوت يحملانه, فسار حتى جهده السير وانتهى إلى الصخرة وإلى ذلك الماء, وذلك الماء ماء الحياة, من شرب منه خلد ولا يقارنه شيء ميت إلا حيي, فلما نزلا ومس الحوت الماء حيي, فاتخذ سبيله في البحر سربا, فانطلقا فلما جاوزا النقلة قال موسى لفتاه: آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا, قال الفتى وذكر: أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة, فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره, واتخذ سبيله في البحر عجبا, قال ابن عباس فظهر موسى على الصخرة حتى إذا انتهيا إليها, فإذا رجل متلفف في كساء له, فسلم موسى عليه فرد عليه السلام, ثم قال له: ما جاء بك إن كان لك في قومك لشغل؟ قال له موسى: جئتك لتعلمني مما علمت رشداً، قال: إنك لن تستطيع معي صبرا, وكان رجلاً يعلم علم الغيب, قد علم ذلك, فقال موسى: بلى. قال: {وكيف تصبر على ما لم تحط به خبراً} أي إنما تعرف ظاهر ما ترى من العدل, ولم تحط من علم الغيب بما أعلم {قال ستجدني إن شاء الله صابراً ولا أعصي لك أمراً} وإن رأيت ما يخالفني, قال: {فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء} وإن أنكرته {حتى أحدث لك منه ذكرا} فانطلقا يمشيان على ساحل البحر يتعرضان الناس يلتمسان من يحملهما, حتى مرت بهما سفينة جديدة وثيقة لم يمر بهما من السفن شيء أحسن, ولا أجمل ولا أوثق منها, فسأل أهلها أن يحملوهما فحملوهما, فلما أطمأنا فيها ولجت بهما مع أهلها, أخرج منقاراً له ومطرقة, ثم عمد إلى ناحية فضرب فيها بالمنقار حتى خرقها, ثم أخذ لوحاً فطبقه عليها, ثم جلس عليها يرقعها, فقال له موسى ورأى أمراً أفظع به {أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئاً إمراً * قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا * قال لا تؤاخذني بما نسيت} أي بما تركت من عهدك {ولا ترهقني من أمري عسراً} ثم خرجا من السفينة, فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية, فإذا غلمان يلعبون خلفها, فيهم غلام ليس في الغلمان أظرف منه, ولا أثرى ولا أوضأ منه فأخذه بيده وأخذ حجراً فضرب به رأسه حتى دمغه فقتله, قال: فرأى موسى أمراً فظيعاً لا صبر عليه, صبي صغير قتله لا ذنب له, قال: {أقتلت نفساً زكية} أي صغيرة {بغير نفس لقد جئت شيئاً نكراً * قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبراً * قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا} أي قد أعذرت في شأني {فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جداراً يريد أن ينقض} فهدمه ثم قعد يبنيه, فضجر موسى مما يراه يصنع من التكليف وما ليس له عليه صبر فأقامه, قال: {لو شئت لاتخذت عليه أجراً} أي قد استطعمناهم فلم يطعمونا وضفناهم فلم يضيفونا, ثم قعدت تعمل من غير صنيعة, ولو شئت لأعطيت عليه أجراً في عمله, قال: {هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبراً * أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها, وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا} وفي قراءة ابن كعب {كل سفينة صالحة} وإنما عبتها لأرده عنها, فسلمت منه حين رأى العيب الذي صنعت بها, {وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغياناً وكفرا, فأردنا أن يبدلهما ربهما خيراً منه زكاة وأقرب رحما}. {وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن أمري} أي ما فعلته عن نفسي {ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا}"[ تفسير ابن كثير] وفي كلام الخضر رضي الله عنه" وما فعلته عن أمري" دليل على أن ما فعله كان وحيا من عند الله تعالى ميز به عن سائر خلقه0
ح- عيادة المريض:أي تكرار زيارته، لأن المرض اختبار من الله- تعالى- للإنسان، وقد ابتلي الأنبياء بالمرض ومنهم أيوب -عليه السلام-الذي أعطى نموذجا رائعا في الصبر على البلاء، وتوقف فضيلة الإمام القرضاوي مع قصته وصبره على المرض، قائلا: إن المأزق الذي تعرض له سيدنا أيوب ابتلاء في الجسد والصحة والعافية، لكن محنة أيوب محنة شخصية في نفسه، وكأن الله سبحانه أراد أن يجعل منه مثلا للبطولة الفردية في الصبر، فقد أصيب في نفسه وأهله وماله، وقالوا إنه كان صاحب أموال وخيل وأنعام، وحرث، فأهلك الله –تعالى- هذا كله، وكان له أبناء وبنات فماتوا كلهم، وكان يتمتع بعافية وصحة جيدة فأصيب في صحته حتى قيل إنه لم يبق إلا قلبه ولسانه، وفي هذا مثال يحتذى في الصبر على البلاء، وعن عبد الله قال: دخلت على رسول الله r وهو يوعك فمسسته بيدي فقلت: يا رسول الله إنك لتوعك وعكا شديدا، فقال رسول الله r: " أجل إني أوعك كما يوعك رجلان منكم، قال: فقلت: ذلك أن لك أجرين؟ فقال رسول الله r :أجل، ثم قال رسول الله r : ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه إلا حط الله به سيئاته كما تحط الشجرة ورقها" [رواه مسلم]، والإنسان في مرضه يحتاج من يمرضه، ومن يشعره بالمشاركة الوجدانية التي تخفف عنه عناء المرض، إضافة إلى ما قد يحتاجه من نفقات العلاج، لذلك حث الإسلام على زيارة المريض كما ذكر في الأحاديث السابقة، وفي ذلك يقول مصعب بن عبد الله الزبيري معاتبا من لا يزوره في مرضه:
ما لي مرضت فلم يعدني عائد منكم ويمرض كلبكم فأعود
خ- حسن المعاملة بين المسلمين وعدم رد الإساءة بالإساءة، ردك الحسن على من أساء إليك يجعله يخجل من نفسه، ومرة تلو الأخرى يصوب أخطاءه، ويعاملك معاملة حسنة، كما حدث مع أبي سفيان حيث أعطاه النبي r في غزوة حنين أربعين أوقية ومائة من الإبل، فقال: ابني يزيد؟ فقال: "أعطوه أربعين أوقية ومائة من الإبل"، فقال ابني معاوية ؟ قال: " أعطوه أربعين أوقية ومائة من الإبل" مع أن أبا سفيان في ذلك الوقت كان على غير دين الإسلام، فأعطاه النبي r من الغنيمة حتى يؤلف قلبه للإسلام، لذلك يقول تعالى:] وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34)[[فصلت]، وبالفعل أسلم أبو سفيان، وقد نهى الإسلام عن تقاتل المسلمين وغش بعضهم لبعض عن أبي موسى عن النبي r قال:" من حمل علينا السلاح فليس منا ومن غشنا فليس منا " [رواه مسلم]0
د- قابل ضيفك مقابلة حسنة وأكرمه، عن أبي هريرة-رضى الله تعالى عنه- أن رجلا أتى النبي rفبعث إلى نسائه فقلن ما معنا إلا الماء فقال رسول الله rمن يضم أو يضيف هذا؟ فقال رجل من الأنصار أنا، فانطلق به إلى امرأته، فقال: أكرمي ضيف رسول الله r، فقالت: ما عندنا إلا قوت صبياني، فقال: هيئي طعامك، وأصبحي سراجك، ونومي صبيانك، إذا أرادوا عشاء، فهيأت طعامها، وأصبحت سراجها، ونومت صبيانها، ثم قامت كأنها تصلح سراجها فأطفأته، فجعلا يريانه أنهما يأكلان، فباتا طاويين، فلما أصبح غدا إلى رسول الله r، فقال: ضحك الله الليلة أو عجب من فعالكما فأنزل الله قوله تعالى: { وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (9) }[رواه البخاري]
ذ- لا ينبغي أن تهجر أخاك فوق ثلاث ليال حفاظا على وحدة الأمة الإسلامية،"لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام" [رواه مسلم]0
ر- اعلم أن ما كتبه الله لك فهو لك؛ لذلك لا تكن لحوحا في طلب الشيء من غيرك حتى لا يمل منك حفاظا على كرامتك، يكفيك طلب الشيء مرة، والتذكير به مرة أخرى، وهذا لا يتعارض مع السعي في طلب الرزق، فعلى الإنسان ألا يمل من السعي في طلب الرزق فقد قدر الله الأرزاق، وعلى الإنسان أن يسعى في طلب رزقه، قال تعالى: ]وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (6) [[هود] 0
ز- إذا كنت حارسا على مال يتيم فلتتق الله فيه] وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152)[[ الأنعام]، وقوله تعالى: ]وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً (2) )[[ النساء]0
س- كن حسن الظن بأن الله –تعالى- سيجعل لك من بعد الضيق فرجا، فقد مس إبراهيم عليه السلام الكبر وفقد الأمل في أن يرزق بالذرية، وحينما بشرته الملائكة تعجب فقالت له الملائكة: لا تيأس من رحمة الله، قال تعالى:] قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِي الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (54) قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنْ الْقَانِطِينَ (55) قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ (56) [ [الحجر]، وعن رسول الله rأنه قال:" قال الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حيث يذكرني، والله لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم يجد ضالته بالفلاة، ومن تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا، ومن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا وإذا أقبل إلي يمشى، أقبلت إليه أهرول"[رواه مسلم]0
ت- لا تستغل ضائقة الناس لتضاعف أموالك، قال تعالى: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275) يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276) [[البقرة]، وعن جابر قال: لعن رسول الله r آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه، وقال:" هم سواء"[رواه مسلم]0
ث- عندما تبيع سلعة أوفي الكيل والميزان ولا تنتقص شيئا، قال تعالى:]وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ (85) [ [ الأعراف]، فقد توعد الله –تعالى- من يبخس الناس أشياءهم بقوله: ] وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) [ [ المطففين ]
ج- اخفض صوتك عند التحدث: جرت العادة أن الإنسان يعلي من صوته عند الانفعال في المشادات الكلامية، وقد تكون درجة الصوت عالية بطبيعتها؛ فيعتقد من حولك أنك ترفع صوتك عليهم كنوع من عدم الاحترام، وقد يسبب ارتفاع الصوت ضجيجا يؤذي من حولك، وقد يتيح الفرصة للتجسس عليك، ومعرفة أخبارك، لذلك يستحب خفض الصوت في الحديث كما ورد بالآية ] وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19)[ [لقمان] وفي ذلك يقول الدكتور زغلول النجار:"الدراسات الحديثة تؤكد أن الضوضاء صورة من صور تلوث البيئة, وأن هناك علاقة وثيقة بين الاستقرار البدني والنفسي للكائن الحي، بل وللجمادات في وسط ما, وبين مستوى الضجيج السائد في ذلك الوسط، فالضوضاء الصاخبة تؤدي إلى خلل واضح في أنشطة ووظائف الأجهزة المختلفة في جسم الإنسان، مثل زيادة إفراز مادة الأدرينالين مما يؤدي إلى توتره العصبي، ويقظته الزائدة، وشدة انتباهه فوق الطاقة، مما يزيد من إرهاقه، وشعوره بالإعياء الفائق عن الحد: فجسم الإنسان كأي كائن آخر يستقبل الموجات الصوتية، وينتج عن ذلك فيه قدر من ردود الأفعال المُتبايِنة في مختلف أجهزته، خاصة في كلٍ من جهازه العصبي المركزي، وجهازه الدوري، وجهازه السمعي، وفي أنظمة غدده وإفرازاتها الداخلية; وذلك لأن الأصوات تُحدث تغيرات في ضغط الهواء بالزيادة ـ التضاغط، والنقصان ـ التخلخل، وتندفع هذه التغيرات على هيئة موجات من الذبذبات المُنتشِرة في كل الاتجاهات من مصدر الصوت بسرعات تُقدَّر بنحو 330 متراً في الثانية في المتوسط، وتعتمد طبقة الصوت على عدد الذبذبات في الثانية التي تؤثر في طبقة الهواء, دون أن تتأثر سرعة الصوت، أما شدة الصوت فتعتمد أساساً على سعة الذبذبة، وتتناقص بالتدريج بالبعد عن مصدر الصوت، وأقل تردد للموجات الصوتية تسمعه أذن الإنسان هو (20) هيرتزـ أي عشرين ذبذبة في الثانية ـ، وأعلاه هو000, 15 إلى 20.000) هيرتزـ أي 15 .000 إلى20.000 ذبذبة في الثانية، والموجات الصوتية تنقل الطاقة من المصدر إلى أذن المستمع، أو إلى أجهزة الاستقبال، ومع زيادة كثافة الوسط الذي تتحرك فيه الموجات الصوتية؛ فإن سرعتها تزداد بصورة مطردة حتى تصل إلى (4800) كم في الساعة في الأوساط المائية؛ وإلى أضعاف تلك السرعة في الجوامد" .
ح- لا تضع نفسك في موقف قد يساء تفسيره فتكون موضع شبهة، عن النعمان بن بشير، قال سمعت رسول الله r يقول: " إن الحلال بين وإن الحرام بين، وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب"[رواه مسلم]0
خ- اتق الله في كل تصرفاتك فإن لم تكن تراه فهو يراك، وإذا وقعت في خطأ دون قصد بادر بالتوبة، قال تعالى:] وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136) [[ ال عمران]
د- اقصد في المشي: و(القصد) هنا من الاقتصاد أي عدم الإسراف أو الاتزان بين الإسراف والتقتير، ومدلوله هنا هو التوسط في المشي بين البطء والإسراع في شيء من السكينة والوقار، الذي لا يشوبه التبختر والاختيال والعجب بالذات، وقد يقصد به تحديد الهدف من المشي من القصد وهو الاتجاه نحو الهدف، فعندما يحدد الشخص هدفا ما يسعى إليه في مشيه يكون ذلك توفيرا للوقت والجهد.
ذ- حافظ على المرافق العامة: أي تلف في المرفق العام سيعود علينا بالأذى سواء من منظره السيئ أو نقص الخدمات، وبدلا من إجبار المسئولين على الإنفاق في إصلاح ما أتلفناه يمكن أن تنفق نفس النقود في خدمات جديدة، لذا قال لقمان لابنه:" يا بني : بئراً شربت منه، لا ترمي فيه حجراً"، والطريق مرفق عام، يضم جميع الفئات المختلفة في كل شيء، والاختلاف قد يؤدي إلى تصادم الآراء، وتصادم الآراء قد يؤدي إلى نتائج غير مرغوبة، لما في ذلك من حرج للمارة، ومصادرة لحريات الآخرين عند شعورهم بمراقبة من يجلسون في الطرقات لهم، لذلك يجب الحفاظ على آداب الطريق قال النبيr لأصحابه: (إياكم والجلوسَ على الطرقات) فقالوا: ما لنا بد، إنما هي مجالسنا نتحدث فيها. قالr: (فإذا أبيتم إلا المجالس؛ فأعطوا الطريق حقها)قالوا:وما حق الطريق؟ قال r: (غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، وأمر بالمعروف، ونهى عن المنكر) [متفق عليه]0
ر- إذا كنت تاجرا لا تحتكر السلعة قال رسول الله r:"من احتكر فهو خاطئ"[ رواه مسلم]، وارض بالمكسب القليل لأن ذلك يجلب لك عددا أكبر من الزبائن، فيكون مجمل ما تكسب أكثر من الذي يرفع السعر، لأن المشتري حينما يكتشف أنه اشترى بسعر أعلى من سعر المتجر الآخر لن يدخل المتجر الذي غالى عليه مرة أخرى، كما أن السلع تتلف نتيجة طول المدة حينما يُهجر المتجر لسوء سمعته، وإذا كان في سلعتك عيب لا تخفه عن المشتري، فعندما يكتشف أنك خدعته لن يعد للشراء منك، وقد يسوء سمعة متجرك، وإذا صارحته بالعيب قبل الشراء ستكتسب ثقته، عن أبي هريرة-رضي الله عنه- أن رسول الله r مر على صبرة طعام، فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللا، فقال:" ما هذا يا صاحب الطعام؟ قال أصابته السماء يا رسول الله، قال أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس؟ من غش فليس مني"[رواه مسلم]،وتحر الصدق في البيع والشراء عن النبي r قال:"البيعان بالخيار ما لم يتفرقا أو قال حتى يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما"[رواه البحاري]، وقد نهى الرسول عن الحلف في البيع عن أبي هريرة-رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله rيقول:" الحلف منفقة للسلعة ممحقة للبركة"[رواه البحاري]، وعنه عن النبي rقال:" ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم رجل حلف على سلعة لقد أعطى بها أكثر مما أعطى وهو كاذب ورجل حلف على يمين كاذبة بعد العصر ليقتطع بها مال رجل مسلم ورجل منع فضل ماء، فيقول الله: اليوم أمنعك فضلي كما منعت فضل ما لم تعمل يداك"[رواه البحاري]
ز- إذا أردت البناء كن حريصا على ترك حرم لمنزلك، وأن تكون فتحات النوافذ بعيدة عن فتحات جارك حتى لا يجرح أحد منكما الآخر، وتنتج مشكلات يصعب حلها فيما بعد[1]0
س- أعط كل ذي حق حقه، ولا تطمع في ملك غيرك عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل أن رسول الله rقال:" من اقتطع شبرا من الأرض ظلما طوقه الله إياه يوم القيامة من سبع أرضين"[رواه مسلم]0
ش- إذا وجدت في الطريق ما يؤذي الناس مثل الحجر الذي قد يتعثر فيه المار أو النجاسة أو حفرة حاول إبعاد هذا الأذى عن الطريق؛ لأن الطريق مرفق عام يسير فيه الجميع، وقد يكون منهم الكفيف الذي لا يرى، ومنهم من أصيب بأذى جعله في حالة ذهول لا يرى ما أمامه، ومنهم من يسير بسرعة حتى يصل مكان ما، وغيرهم ممن قد لا يدركون الأذى قبل التعثر فيه، لذا يجب على المسلم حينما يرى ما يؤذي غيره أن يزيح هذا الأذى حتى يجنب هؤلاء الأضرار التي قد تلحق بعاجز مثلا إذا تعثر في حجر، أو ذاهب للصلاة إذا تعثر في شيء نجس إلخ، عن أبي هريرة-رضي الله عنه- عن النبي r قال:" لقد رأيت رجلا يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذى الناس"[ رواه مسلم]، وعن أبو برزة قال: قلت يا نبي الله علمني شيئا أنتفع به، قال:"اعزل الأذى عن طريق المسلمين"[ رواه مسلم]0
ص- ساعد المحتاجين، فمن رحمة الله بالعباد أنه أمرنا بمساعدة المحتاج حتى لو كان على غير الدين حيث قال تعالى للرسول الكريم:] وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ (6)[[ التوبة]، وعن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه- قال: بينما نحن في سفر مع النبي r إذ جاء رجل على راحلة له، قال فجعل: يصرف بصره يمينا وشمالا، فقال: رسول الله r:" من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان له فضل من زاد فليعد به على من لا زاد له"[رواه مسلم]، فعلى الإنسان أن يضع في ذهنه أن الأزمات هي التي تبرز معدن الإنسان، فالأزمة تجعل الإنسان يرى من حوله، ويكتشف عدوه من حبيبه، فمثلا لو تخيلنا إنسانا وقع في حفرة ماذا سيكون تصرف من حوله؟ سوف تجد من يقف ويقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، فلان وقع في الحفرة، وتجد الآخر يقول: الحمد لله خلصنا منه، وتجد آخرا يمد له حبلا ليخرجه من الحفرة، وتجد آخرا يلقي بنفسه في الحفرة ليخرجه على الرغم من احتمال إصابته بضرر قد يصل إلى الموت، وقد يكون الذي قال: الحمد لله خلصنا منه من أعز أصدقاء الذي وقع في الحفرة، فعلى الإنسان دائما أن يدرك أن هذه الأزمات هي التي ستظهر معدنه، وكلما كان متعاونا مع الناس كلما ارتفعت مكانته في المجتمع، وتحسنت نظرة المجتمع له، فكن حريصا على حب المجتمع لك، وتذكر دائما قول الرسول r عن أبي هريرة-رضي الله عنه- قال: قال رسول الله r:" من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده، ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه"[رواه مسلم]، وقال الشاعر:
إن أخاك الصدق من كان معك و من يضر نفسه لينفعك
و من إذا ريب زمان صدعك شتت شمل نفسه ليجمعك
ساحة النقاش