دراسة أمريكية: العمالة السورية.. كفاءات عالية وفرص مهدرة!
دينا عمارة طباعة المقال لاجئون سوريون يعملون فى مصانع النسيج بتركياحزم أمتعته وقرر السفر إلى تركيا تاركا خلفه أحلامه بأن يصبح فى يوم من الأيام مهندسا وأن يعمل فى شركة تضمن له مستقبلا باهرا، ترك بلاده دون أن ينظر خلفه حتى لا يرى التمزق الذى باتت سوريا تعانيه مع دخول الصراع فيها عامه الثامن، وقرر بدلا من ذلك أن ينظر إلى الأمام حيث المشهد أكثر إغراء فى بلد جديد وبالتالى مستقبل أكثر إشراقا، أو هكذا اعتقد. ولكن نسى الشاب عمرو طه أو تناسى أن كونه لاجئا سوريا فذلك يعنى أن فرصته فى إيجاد وظيفة تلائم طبيعة دراسته يعد أمرا غاية فى الصعوبة خاصة أنه لم يستطع أن يكمل دراسته فى بلده الأم.
احجز شقتك كاملة التشطيب بأحدث مناطق العمارات بمدينتى أنظمة سداد حتى 10 سنوات
bit.lyوهكذا، انتهى به الحال من الجلوس فى مدرجات الجامعة إلى الوقوف خلف آلات المصانع وورش البناء والخياطة، وظل يتنقل من وظيفة لأخرى حتى استقر أخيرا إلى العمل فى مغسلة سيارات أملا فى الحصول على منحة دراسية تؤهله يوما ما إلى إيجاد فرصة عمل تلائم دراسته.
الحقيقة أن قصة عمرو وإن اختلفت فى تفاصيلها إلا انها تتشابه إلى حد كبير مع روايات العديد من اللاجئين السوريين الذين ضاقت بهم سبل العيش فى بلدهم الأم وباتوا يبحثون عن فرص أخرى فى الدول المجاورة كالأردن ولبنان وتركيا، وبينما يكافح هؤلاء لإيجاد وظيفة تغنيهم عن السؤال وتضمن لهم ولعائلاتهم مصدر رزق، فإن أغلبهم لا يتمكن من إيجاد فرص عمل فى المجالات المناسبة لتخصصهم، وهو ما أدى إلى امتهان بعضهم لوظائف أقل كثيرا من قدراتهم ومهاراتهم، بينما عدد قليل جدا منهم نجح فى إيجاد عمل يتناسب مع دراسته ومهاراته واستطاع التطوير من إمكاناته.
وفى دراسة قامت بها مؤسسة الأبحاث والتطوير الأمريكية «راند» كشفت عن أن احتياجات أكثر من 6 ملايين لاجئ سورى تستضيفهم الدول المجاورة تجاوزت كثيرا ما تقدمه المساعدات الإنسانية، فقد بذلت كل من تركيا ولبنان والأردن جهودا لا يمكن إغفالها فى هذا الشأن وقدمت تضحيات كبيرة من أجل استيعاب اللاجئين السوريين، إلا أن الواقع يشير إلى ارتفاع نسبة البطالة فى صفوف اللاجئين، فى حين يعمل معظمهم، سواء رجالا أو نساء، والذين يتراوح أعمارهم ما بين 18 و 55 عاما، فى وظائف تتطلب مهارات قليلة ومنخفضة الأجور وأحيانا غير رسمية، بالإضافة إلى ذلك، لا تساعد المخصصات التى تتاح لهم العمل بصورة قانونية بحسب ما كان مخططا له، ولا يعيش من هو قادر ومؤهل للعمل فى المدن حيث تتوافر الوظائف، وهو ما يعد هدرا كبيرا للفرص لكل من السوريين والدول المضيفة على حد السواء.
الدراسة أكدت أيضا أن ثلث السوريين فى تركيا والأردن يعملون فى المهن نفسها التى كانوا يمارسونها فى بلدهم الأم، بينما يعمل الجزء الآخر فى وظائف ليست لها علاقة بما درسوه أو بالخبرات والمهارات التى يتمتعون بها، فمثلا موظف الإطفاء يعمل خياطا، والكيميائى يعمل ميكانيكيا، وأخصائى تكنولوجيا المعلومات يعمل فى وظائف وأعمال عشوائية متفرقة. وأشارت الدراسة إلى أنه حتى فى لبنان، فإن أكثر من نصف السوريين يعملون فى المجال نفسه كما فى بلدهم، بينما النصف الآخر يضطر إلى القبول بأى وظيفة تضمن له كرامة العيش، وهو ما أكده أحد اللاجئين السوريين فى لبنان بقوله «عندما نجد وظيفة، فإننا نغتنمها، حتى لو لم تكن فى مجال تخصصنا أو مهنتنا، نحن بحاجة إلى المال لهذا نقبل بأى وظيفة حتى نعيش!«.أما بالنسبة للأعمال اليدوية التى لا تتطلب مهارة كبيرة فقد أكدت الدراسة أن أعدادا كبيرة من اللاجئين السوريين قد امتهنوا هذه الأعمال فى الدول المضيفة فى حين أنهم لم يكونوا يمتهنونها فى سوريا، بينما أوضح عدد أقل من المشاركين فى الدراسة أنهم أصبحوا أصحاب مهن مستقلين أو أصحاب شركات مثلما كانوا فى سوريا، وهذا كشف - إلى حد ما- عن المستوى التعليمى الذى يتمتع به هؤلاء اللاجئون، فأقل من نصف اللاجئين فى تركيا ونحو ثلثهم فى لبنان حصلوا على مؤهلات أعلى من التعليم الابتدائى، بينما كانت مستويات التعليم للاجئى سوريا فى الأردن أعلى بنسبة طفيفة، فثلثا اللاجئين وصلوا لمراحل التعليم المتوسط أو أعلى، ورغم ذلك فإن أغلبهم يعمل فى وظائف تتطلب مهارات متوسطة.
وبصفة عامة، فإن هذه الدراسة أوضحت أن هناك نسبة كبيرة من السوريين لديهم المهارات التى لا تستغل كما ينبغى، وهذه الفرص المهدرة تشكل مفارقة صادمة، لأن معظم الدراسات التى أجريت فى هذا المجال كشفت أن معظم الشركات فى الدول المضيفة تجد صعوبة فى سد حاجتها من العمالة التى تحتاج إلى مهارات معينة.
كل ما سبق دفع القائمين على هذه الدراسة إلى اقتراح حلول لمعالجة مشكلات توظيف اللاجئين، وكيفية الاستفادة القصوى من خبراتهم منها على سبيل المثال وليس الحصر تسهيل القيود القانونية على المهن والقطاعات التى يسمح للسوريين العمل بها، وذلك من شأنه أن يساعدهم على الاستفادة من مهاراتهم ويسهم أيضا فى سد الفرص الشاغرة فى شركات الدول المضيفة، ومثل هذه الخطوة تحفز أيضا السوريين وتدفعهم إلى الانتقال خارج المنطقة التى تم تسجيلهم بها إذا وجدوا وظائف مناسبة، وهذا بدوره سيقضى على تمركز اللاجئين وتكدسهم فى مناطق معينة وتوزيعهم فى الأماكن التى يزداد فيها الطلب كثيرا على العمالة ذات المهارات المتوسطة. وبجانب تسهيل القيود القانونية هناك أيضا اقتراح بإعداد برنامج تدريبى وظيفى هدفه تأهيل السوريين للفرص المناسبة، وهذا البرنامج الذى يمكن إجراؤه بالشراكة مع جمعية أو اتحاد، يستهدف السوريين وكذلك العمال فى الدول المضيفة، ومن شأنه أن يوفر فرص وظيفية للجميع، بالإضافة أيضا إلى ضرورة تيسير حصول اللاجئين السوريين فى الدول المضيفة على تمويلات مالية والمشاركة بصورة قانونية لبدء شركاتهم الخاصة، وهذه الخطوة ستؤدى إلى توفير فرص عمل حالية لهم وستفتح أسواق عمل جديدة تستفيد منها الدولة المضيفة.
رابط دائم:
ساحة النقاش