تعطل محرك الباخرة وحاول القبطان عمل كل ما في وسعه لإصلاحه، بما في ذلك الاستعانة بأحسن الخبراء في مجال البواخر، ولكن كل جهوده باءت بالفشل.
وفي أحد الأيام وأثناء مناقشة القبطان لأحد مساعديه بخصوص نفس المشكلة، اقترب منه أحد الأشخاص وقال له: (آسف لإزعاجك، فإن الباخرة معطلة منذ عشرة أيام، ومن باب الفضول سألت واحدًا من طاقم الباخرة؛ فقال لي أن المحرك به عطل ويحتاج إلى إصلاح، فهل ما زلت في حاجة لأحد يقوم بإصلاحه؟)، وبدون تردد قال القبطان: (نعم، ولماذا تسأل؟)، فرد الرجل قائلًا: (بإمكاني أن أقوم بإصلاحه).
ظهرت الدهشة على وجه القبطان؛ حيث أن هذا الشخص لم تكن تبدو عليه علامات تدل على أنه خبير بأمور البواخر، واصطحبه القبطان إلى مكان محرك الباخرة، وتركه ولكن ظل يراقبه من بعيد، فأخرج الرجل من جيبه مطرقة صغيرة وبدأ يطرق على المحرك بضربات متنوعة في أماكن مختلفة ويسمع، ويقوم بلمس المحرك ثم يقوم بالنظر إلى أماكن مختلفة في المحرك، وأخيرًا طرق جزءًا معينًا في المحرك، وقام بربط مسمار كان غير محكم، وبدت الدهشة على وجه القبطان عندما بدأ محرك الباخرة في العمل مرة أخرى.
سعد القبطان سعادة عارمة، وسأل الرجل: (كيف استطعت عمل ذلك؟)، فرد عليه الرجل بابتسامة، وقال: (المهارة)، وناول القبطان ورقة مكتوب عليها رقم واحد فقط: (ألف دولار)، نظر القبطان إلى الورقة وقال له: (ألف دولار مقابل عمل لمدة عشر دقائق، أرجوك اشرح لي هذا؟)، ورد عليه الرجل وقال: (بكل سرور)، وناوله ورقة أخرى كتب عليها: (دولار واحد مقابل الطرق على المحرك بالمطرقة، و999 دولار لأنني عرفت بالتحديد المكان الذي يجب أن أقوم بالطرق عليه في المحرك).


إذًا فالمهارة أساس من أسس نجاح أي فرد، وليس الحظ كما يعتقد البعض، ممن يتخذون المثل القائل: (أعطني حظًّا، وألقني في البحر) شعارًا لهم في حياتهم؛ وذلك لأنك إن أعطيت حظًّا لمن لا يجيد مهارة السباحة ثم ألقيته في البحر، فسيكون وليمة شهية لجميع الكائنات البحرية.
ولكن ليس معنى ذلك تركيز المرء على اكتساب المهارات من دون أن ينهل من نبع المعرفة الفياض، فكما يقول فرانسيس بيكون: (المعرفة هي قوة في حد ذاتها).


وإليك قصة تحكي عن موظف جديد كان يقف أمام الآلة التي تقوم بإتلاف الأوراق للتخلص منها، وكان يبدو عليه الحيرة والارتباك، فمر به أحد زملائه، وسأله: (هل تحتاج لأي مساعدة؟)، فرد عليه قائلًا: (نعم، كيف تعمل هذه الماكينة؟)، فقال له: (هذه بسيطة للغاية)، وأخذ التقرير الهام جدًا، الذي كان يحمله في يده، وأدخله في الماكينة التي بدأت في تمزيق الورق، بينما كانت تبدو الدهشة على وجه الموظف الجديد كأنه يشاهد لغزًا، ثم قال لزميله: (أشكرك جدًا، لكن هل في إمكانك أن تخبرني من أين تخرج النسخ المصورة من هذا التقرير؟!).
وإن كانت القصة تحمل شيئًا من الطرافة، ولكنها تحمل معنى عميقًا؛ فالموظف الجديد يمتلك المعرفة بأهمية التقرير الذي يحمله ويريد أن ينسخه، ولكن يفتقد المهارة اللازمة لتشغيل الماكينة، بينما زميله يمتلك تلك المهارة، ولكنه يفتقد إلى المعرفة بأهمية هذا التقرير.


ومن ذلك يتضح أهمية التزواج بين المعرفة من جهة والمهارة من جهة أخرى، وكأن تلك المعرفة بمثابة النظرية، بينما المهارة بمثابة تطبيق تلك النظرية وتفعيلها في أرض الواقع، إذًا فمعادلة النجاح هي كالآتي: (النجاح = مهارة + معرفة).


وفي ثنايا هذه السلسلة سوف نتناول مجموعة من المهارات التي لابد للموظف الجديد من حيازتها، وعليك أن تدرب موظفيك عليها، وسوف تقسم على النحو التالي:
1. مهارات عقلية: وتشمل مهارات تتيح للموظف إدارة فعالة للذات.
2. مهارات اجتماعية: وتكفل للموظف تواصلًا ناجحًا مع الآخرين.
3. مهارات عملية: وتحوي مهارات مهنية يحتاجها الموظف؛ من أجل أداء متميز لمهامه، وإنجاز فعال لأهدافه، وإنجاح لمؤسسته.


أولًا ـ المهارات العقلية:
(من غاسل صحون إلى مالك ومدير واحدة من أكبر شركات الخدمات السياحية والفندقية في العالم)، هكذا يمكن تخليص تجربة رجل أعمال مصري يدعى (عنان الجلالي)، مالك ومدير مجموعة (هلنان العالمية)، أو هكذا حكى قصة نجاحه، بل كفاحه.
إنها قصة تكشف اللثام عن أهمية إدارة المرء لذاته، وتحكمه في حياته، فقد (صارت حكاية نجاحه تشبه الأسطورة في الدنمارك، كيف فر من عارِ رسوبه الدراسي المتكرر في الثانوية العامة بمصر؟ وكيف اتقى التجمد حتى الموت في صقيع ليل فيينا بالنوم في أكشاك الهواتف بالشوارع؟ وكيف كان يقتات من فضلات الناس المطروحة في قمامة كوبنهاغن وأودينسا بالدنمارك؟
ثم كيف استطاع بدأب وفطنة مدهشين أن يشق لنفسه طريقًا مختصـرًا إلى قمة العمل الفندقي والسياحي في الدنمارك، فبدأ غاسلًا للصحون في فندق مقابل وجبة طعام، وقسَّم يومه بصرامة ثلاثة أقسام: قسم لعمل نهاري مجاني، يتدرب فيه على الوظيفة التي يطمح إليها، وقسم مسائي وهو العمل المتواضع الذي يرتزق منه، وقسم ليلي غالبًا ما كان يقضيه في دورة دراسية للحواسب وأنظمة الإدارة).
هكذا كان يوم ذلك الرجل، الذي تحوَّل من موظف عادي، بل من عامل لغسيل الصحون، إلى أن وصل إلى (مدير أحد أكبر فنادق الدرجة الأولى بالدانمارك وهو في منتصف العشرينات، ثم إلى رئيس أكبر سلسة فنادق دانماركية وهو في الثلاثين من عمره، وواصل جهده حتى أسس شركته الخاصة هلنان العالمية).
والسر ـ بعد توفيق الله ـ يكمن في تحكم هذا الرجل في ذاته، وإدراكه لقدراته وإمكاناته، وتحويله لفشله في الدراسة إلى نجاح عملي أهله للحصول على العشرات من درجات الدكتوراة الفخرية! لقد قسَّم أوقاته بين العمل من جهة، والتدريب والتطوير والمعرفة من جهة أخرى؛ فلا هو أغفل الجانب العملي الواقعي، ولا جانب التدريب والتطوير، ولا جانب المعرفة والعلم.


ما هي المهارات العقلية؟
هي مهارات تعين الموظف على إدارة فعالة لذاته، والتي يُعرِّفها الدكتور أكرم رضا بقوله: (هي قدرة الفرد على توجيه مشاعره وأفكاره وإمكانيات، نحو الأهداف التي يصبو إلى تحقيقها)، بل إن الدكتور عبدالكريم بكار ليجعل معرفة الإنسان العميقة لذاته، ومن ثَم إدارتها بشكل مثمر، من أفضل الجهود الذي يصرفها الإنسان في حياته، فيقول: (إن أفضل الجهود التي نبذلها هي تلك الجهود التي نوظفها في معرفة أحوالنا الخاصة، والوقوف على إمكاناتنا الكامنة).
ودعني أسألك سؤالًا: لو لم يدرك الإنسان نفسه التي بين جنبيه، ولم يكن عليها قادرًا، فكيف بالسيطرة على غيرها؟! وذلك لأنه (من غير معرفة الإنسان بنفسه لا يستطيع السيطرة عليها، ولا على البيئة التي يعيش فيها أو العلاقات التي يقيمها، ولو نظرت في أحوال الأشخاص الذين لم ينجزوا أي شيء مهم؛ لوجدت أن علتهم الكبرى هي الجهل بأنفسهم).
وفي هذه السلسلة سوف نتناول طائفة من أهم تلك المهارات إن شاء الله.

 


أهم المراجع:
1. المفاتيح العشرة للنجاح، د.إبراهيم الفقي.
2. إدارة الذات، د.أكرم رضا.
3. 265 بصيرة في الشخصية، د. عبدالكريم بكار.
4. برنامج موعد في المهجر، حلقة يوم 25/11/2008م، موقع قناة الجزيرة الفضائية: www.aljazeera.net، بتصرف واختصار.<!-- google_ad_section_end -->

ahmedkordy

خدمات البحث العلمي 01009848570

  • Currently 91/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
31 تصويتات / 1933 مشاهدة
نشرت فى 16 يناير 2011 بواسطة ahmedkordy

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

30,762,048

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters