إعداد

مجدي علي محمد غيث

 

 إشراف            

الدكتور عبد الجبار حمد عبيد السبهاني 

 

حقل التخصص - الاقتصاد والمصارف الإسلامية

 

1427هـ

2006م


 

طبيعة الموضوع :

 

اهتمت النظريات الاقتصادية التقليدية بالزمن اهتماماً بالغاً، فبعضها وصفته بأنه عنصر إنتاجي من عناصر الإنتاج، واهتمت بتحليله كاهتمامها بتحليل بقية عناصر الإنتاج، حيث اعتبر أنصار المدرسة النمساوية الفائدة ثمن عامل إنتاج يسميه بوهم بافرك (الزمن).

والتحليل الاقتصادي الديناميكي للمتغيرات الاقتصادية- والتي تُقَسم إلى رصيد وتيار- يعتمد على الزمن لرصد تأثير المتغيرات المستقلة على التابعة عبر الزمن؛ بتحليل تأثير الدخل على الاستهلاك والادخار في المدى القصير والمدى الطويل. ويتجلى أثر الزمن في الاقتصاد التقليدي في القرار الاستثماري؛ إذ يتم اتخاذ قرار الاستثمار من عدمه بالاعتماد على سعر الخصم المعتمد على سعر الفائدة, فالزمن هو الركن الأساس في تقييم المشروعات، وعملية الخصم ستخفض القيمة الحالية للمبالغ المتوقعة لمعرفة قرار الاستثمار.

ومما هو جدير بالإشارة أن الزمن هو الحاكم لقيمة السلع المستقبلية عن الحاضرة، ولكن في الاقتصاد التقليدي لا فرق في اعتبار قيمة الزمن بين بيع أو قرض. أما الاقتصاد الإسلامي فيهتم بالزمن ولكنه يتعارض مع الفهم الوضعي لقيمة الزمن في البيع والقرض؛ فأحكام الزيادة مقابل الزمن في القرض مختلفة عن الزيادة مقابل الزمن في البيع(البيع الآجل، السلم).

أهمية الموضوع وسبب اختياره:

ازدادت في الآونة الأخيرة درجة تقييم الزمن عند الاقتصاديين فأدخلوه في جميع المعاملات المالية، وبرامج التنمية، وإنشاء المشروعات وتوسيعها، كما أدخلوه في العلاقات الاقتصادية والمالية الدولية، وغير ذلك من جوانب التحليل الاقتصادي حتى غدت وحدات الزمن لا تحتسب بالساعات، بل بالدقائق والثواني، من هنا كانت أهمية البحث عن الموقف الشرعيِّ للحسم الزمني والذي يعني: خصم الديون المؤجلة الناشئة عن البيوع نظير تعجيل السداد، وخصم الأرباح المتوقعة للوصول إلى القيمة الحالية. والمستند أساساً لفكرة التفضيل الزمني والتي تشير إلى أن العوض الحال أعلى قيمة من المؤجل. فالحسم بذلك يشير إلى تغيير قيم المبالغ المالية عبر الزمن.

فهل القيم المختلفة للمبالغ المالية التي تقع على شريط الزمن لها قيم مختلفة وإن استوت من حيث الكم والمقدار؟ خاصة وأن النقول الفقهية في كافة كتب المذاهب الفقهية أشارت وأيدت اختلاف قيمة المبالغ المالية عبر الزمن. ومن ذلك القول "بفضل الحلول على الأجل"، و"فضل العين على الدين وعدم استوائهما في المالية"، و"الثمن يزاد لمكان الأجل"، و"الخمسة نقدا تساوي ستة مؤجلة". وغيرها من النقول التي أيدت هذه الفكرة في كافة أبواب الفقه المالي كالشفعة، والرهن، والسلم، وبيع التقسيط، والمرابحة، وزكاة الديون.

ولمحاولة معرفة الآلية التي تؤدي لاختلاف القيم المالية بين فترتين زمنيتين كان لا بد من تسليط الضوء على المعيار الذي يُعتمد عليه في إيجاد هذه القيمة؛ لتوضيح كيفية إجراء الحسم، فقد تعددت محاولات الاقتصاديين المسلمين لإيجاد معيار مناسب للحسم الزمني. ويلاحظ في بحث نظرية الحسم الزمني الاعتبارات التالية:

1.   هل يقبل الاقتصاد الإسلامي فكرة الحسم؟ وكيف نميزه إذاً عن الربا؟ وإن قبلها فما هو المعيار الذي يكون موافقا للتشريع؟

2.   تبني الدراسات الاقتصادية المالية الوضعية فكرة التفضيل الزمني وعنصر الحسم في دراسات الجدوى وتقويم الاستثمار سواء على صعيد الحسابات الخاصة أو الاجتماعية. وفكرة الخصم ارتبطت في أساسها النظري بفكرة الفائدة حتى أصبحت مظهرا لها. فهل يا ترى يتجاهل فقه المعاملات فكرة التفضيل الزمني أو هل القول بأسلمة المعاملات ينفي إمكانية اعتماد سعر ما للخصم؟ إن هذه الدراسة تجيب عن هذه التساؤلات من خلال استقصاء وتبويب الأحكام والآثار ذات الصلة في نظام منطقي يعبر عنه بنظرية الحسم الزمني.  

3.   عدم وجود إجابات واضحة المعالم تستند إلى نظرية متكاملة حول التساؤلات والشبهات المثارة، حول بعض معاملات المصارف الإسلامية، شكَّل دافعاً قوياً لتجلية اللُبس، وإبراز الفارق بين المعاملات الربوية والمعتمدة على سعر الفائدة المبني على الزمن، وبين المعاملات والصيغ المستعملة في التطبيق المصرفي الإسلامي التي تعطي أهمية للزمن وتدخله في تقييمها للعقود والمعاملات، كما تدخله في حساباتها وبعلاقتها المالية بالمودعين والمستثمرين.

4.     إثبات أن المبالغ المتساوية من حيث المقدار والمختلفة في الزمن غير متساوية من حيث القيمة المالية.

5.     الحاجة إلى مناقشة الآراء التي أوجدت معدلاً للخصم الزمني. وما تسعى إليه هذه الدراسة هو صياغة أساس نظري لسعر الخصم تسترشد به التطبيقات المصرفية الإسلامية المعاصرة.

ونظراً لدور الزمن وأهميته كان لا بد من الإجابة على عدة تساؤلات تشكل مشكلة هذه الدراسة.

مشكلة الدراسة:

تكمن المشكلة الأساسية في هذه الأطروحة في محاولة الإجابة على التساؤل التالي:

  هل توجد نظرية متكاملة للحسم الزمني في الاقتصاد الإسلامي؟

ويرتبط بهذا التساؤل عدد من التساؤلات هي :

1.     هل تتضمن المبادئ التشريعية في الإسلام منطقاً تشريعياً واحدًا ومنضبطاً إزاء الزمن، وهل وجد في التراث الفقهي، وفي أدبيات الاقتصاد الإسلامي تطبيقات فقهية واقتصادية، تعطي للزمن أهمية وقيمة محددة يمكن احتسابها؟

2.     هل لأفضلية الزمن قيمة معتبرة في الاقتصاد الإسلامي من حيث تغيُّر قيمة المبالغ المالية على شريط الزمن، كما هو الحال في الاقتصاد التقليدي. وإذا كانت الإجابة بالإيجاب أو النفي فما المفارقة ؟ وما هو تحليلها وتبريرها النظري والشرعي؟

3.     ما هو الموقف الاقتصادي والفقهي من إعطاء قيمة مالية للزمن ؟

4.     هل يمكن أن نأخذ عوضاً مقابل تعجيل السداد ؟

5.     هل يوجد من الفقهاء والاقتصاديين من علل حرمة الربا بامتناع أخذ قيمة مقابل الزمن، وهل يركن إلى هذا التعليل ؟

6.     هل يشير التراث الفقهي الإسلامي إلى فكرة التفضيل الزمني. حيث إن العوض المعجل أعلى قيمة من العوض المؤجل، ولولا ذلك لما اختلف العوض المؤجل عن المعجل. فالنقص الحاصل في قيمة العوض المعجل يعوض بزيادة الثمن.

 

 فرضية الدراسة:

1.     تفترض هذه الدراسة أن قيم المبالغ المالية تختلف على شريط الزمن.

2.     تفترض هذه الدراسة أن هناك إمكانية مشروعة لحسم المبالغ المالية لتغير الزمن.

3.     تفترض هذه الدراسة وجود معيار مناسب لإجراء الحسم الزمني.

4.     يتجلى دور الزمن -أفضلية وحسماً- عند إعداد الخطط التنموية والمالية، وكذلك في القرارات الاستثمارية، والإقدام على المشروعات وتقييمها.

أهداف البحث:

يعمل هذا البحث على:

أولاً: بناء نظرية للحسم الزمني في الاقتصادالإسلامي؛ بها تفسر المسائل، وتنتظم الفروع، متضمنةً أركاناً وشروطاً، تلم شعث المتفرق، وتوحد المتبعثر من الآراء، فيما يتعلق بالقرارات الاقتصادية والمالية للوحدات الاقتصادية في المجتمع الإسلامي.

ثانياً: تحديد موقف الاقتصاد الإسلامي من تغيُّر قيمة المبالغ المالية على شريط الزمن.

ثالثاَ: مناقشة آراء العلماء ومقارنتها وبيان الراجح منها بشأن أخذ قيمة للزمن في المعاملات المالية، وذلك من أجل التعرف على وجهة نظر الاقتصاد الإسلامي في التقييم المالي/النقدي للزمن، وتحليل أصولها وفهم جذورها الفقهية.

رابعاً: وضع أسس وضوابط ومعايير تضمن السلامة الشرعية عند تطبيق النظرية في المجال المصرفي وبخاصة فيما يتعلق بتعجيل السداد.

خامساَ: إزالة اللبس الناشئ في بعض الأذهان بسبب وجود تداخل ظاهري بين تقييم الزمن في المبادلات خصوصاً في البيع الآجل، وبين حرمة الربا.

سادساَ: محاولة إيجاد أساس نظري لمعدل الخصم تسترشد به التطبيقات المصرفية الإسلامية المعاصرة.

مجال البحث وحدوده:

يتعين على البحث لتأصيل النظرية الرجوع لأمهات الكتب الفقهية في المذاهب الأربعة - وهذا لا يعني إهمال وإغفال الآراء الفقهية ذات العلاقة بالموضوع في بقية المذاهب- وأدبيات الاقتصاد الإسلامي، وكتب الاقتصاد التقليدي.

ولتحديد مجال البحث وحدوده من الناحية الاقتصادية يجدر التنويه إلى أن مستوى الأسعار يتغير عبر الزمن مما يؤثر على حجم السلع والخدمات التي يمكن شراؤها بوحدة نقدية واحدة  وذلك لتغير قيمة النقود، وبالتالي فيمكن أن يقال أن الحسم الزمني سببه تغير قيمة النقود وبما أن الحسم الزمني يتناول الديون الناجمة عن بيوع نظير تعجيل السداد فإن الدراسة تعالج الحسم لتعجيل السداد وتفترض الدراسة ثبات قيمة النقود.

ويمكن الإشارة باختصار أن من اشترى سلعة بمائة دينار مؤجلة إلى سنة فالواجب عليه أداء مائة دينار عند حلول الأجل، ولا عبرة بتغير الأسعار لتغير قيمة النقود لا لإن الزمن لا قيمة له في البيوع ولكن في ربط الدين بمستوى الأسعار محظور شرعي، وهو الغرر الناشىء عن الجهالة بمقدار الثمن فإن كلاً من البائع والمشتري لا يدري مقدار ما يجب دفعه عند حلول الأجل وهذه المعاملة شبيهة بالبيع بسعر السوق في وقت مستقبل*.  

الدراسات السابقة:

لم أقف على صياغة نظرية متكاملة للحسم الزمني، ولكني وجدت عدداً من الأبحاث والدراسات والآراء التي ناقشت بعض جوانب الحسم الزمني توزعت بين من يقول بقبوله، ومن يراه مرفوضا أو غير متوافق مع مبادئ المعاملات المالية الإسلامية.

وأهم هذه الدراسات السابقة للحسم الزمني ما يلي:

أولاً: دراسة رفيق المصري في كتابه "الربا والحسم الزمني في الاقتصاد الإسلامي"، دار المكتبي، دمشق، طـ1، 2000.

حيث وصل إلى نتيجة مفادها أن ليس كل زيادة بسبب الأجل – الزمن- ربا، وأن الزيادة الوحيدة المحرمة نظير الأجل هي في القرض، وهذه أهم نتيجة توصل إليها، ومن الأمور التي ناقشها:

1.     إباحة الإسلام للزيادة في الثمن في المعاوضات نظير الأجل (الزمن).

2.     عرضه للأدلة المختلفة لآراء العلماء القدامى المتعلقة بالزمن.

3.     الاستشهاد بمؤيدات لوجود قيم مالية للزمن كما في بيع التقسيط والبيع الآجل.

ثانياً: دراسة رضا سعد الله في كتابه "مفهوم الزمن في الاقتصاد الإسلامي"، ورقة مناقشة رقم (10)، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب، البنك الإسلامي للتنمية، جدة، ط 2، 2000.

 حيث توصل إلى النتيجة نفسها التي توصل إليها رفيق المصري، فقد ناقش بدايةً تأثير الزمن في البيوع والآراء المتعددة فيه، وبعدها قارن بين أثر الزمن في البيع وأثر الزمن في القرض مبيناً طبيعة الأجل في القرض، وحكمة تحريم الزيادة نظير الزمن في القرض، وحكمة التقابض في الصرف، كما أشار إلى التصور الضمني لأفضلية الزمن في القرض، ومعنى هذه الأفضلية وآثارها.

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 1040 مشاهدة
نشرت فى 14 نوفمبر 2014 بواسطة ahmedkordy

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

29,718,673

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters