ماهية وأهمية التخطيط للذات.
فكل إنسان منا له أحلام وأهداف يسعى لتحقيقها فى حياته، وبدون خطة واضحة وسليمة نمشى عليها من أجل الوصول لهذه الغاية، تصبح أهدافنا مجرد أوهام فى خيالنا، لذا يجب أن نضع خطة لتحقيق أهدافنا وتكون هذه الخطة مكتوبة ومرتبطة بجدول زمنى لتنفيذها، لنستطيع إنجازها بنجاح.
دراسات عن تخطيط الذات:
وتثبت الدراسات أن 3% فقط هم من لهم أهداف واضحة ومحددة ومكتوبة في الحياة، فيما 14% يختارون أن يبقوا طوال حياتهم من المماطلين والمتمادين في حياة الأماني والروتين ولهم أهداف وأحلام لكنها غير دقيقة ومكتوبة، بينما 83% لهم مجرد أماني ملغمة بالتفكير السلبي والإحباط المستمر.
حيث قامت جامعة «ييل» بعمل بحث شمل خريجي إدارة الأعمال الذين تخرجوا من عشر سنوات، في محاولة لإكتشاف منهجية النجاح لديها، فوجدوا أن 83% من العينة لم يكن لديها أهداف محددة سلفاً، وكان من الملاحظ أنهم يعملون بجد ونشاط كي يبقوا على قيد الحياة ويوفروا لأنفسهم ولأسرهم متطلبات المعيشة.
ووجدوا أن 14% من العينة كان لديها أهداف لكنها غير مكتوبة، ولا تؤازرها خطط واضحة للتنفيذ, وكانت هذه العينة تكسب ثلاثة أضعاف العينة السابقة.
أما النسبة الباقية من العينة (3%) فقام أفرادها بتحديد أهداف واضحة، وصياغتها وكتابتها ووضع خطط لتنفيذها، وكان هؤلاء يربحون عشرة أضعاف دخل العينة الأولى.
وكانت هناك دراسة في احد الجامعات على شريحة من الشباب, وكان السؤال عن من هم الذين قاموا برسم خطه مستقبليه للانفسهم بعد التخرج ؟ فكان الجواب 10% وبعد عدة سنوات عملت دراسة أخرى على نفس الشريحة فوجدوا أن التفوق والنجاح كان حليف هؤلاء الذين خططوا لحياتهم, وأما البقية فهم كماهم عليه لم يستطيعوا أن يحققوا شيئا.
وهناك صفات للخطة الناجحة, أهمها
1- المـرونة: القدرة على تغيير الخطة عند تغير الظروف.
2- الشـمولية: بحيث تغطي الخطة كافة الإحتمالات والطوارئ وأن لا يكون شيء على حساب شيء آخر.
3- التنسـيق: التتابع المنطقي عند تنظيم خطوات العمل، بحيث لا يحصل تضارب أو إزدواجية أو التداخل.
4-الوضـوح: فلا غموض في مراحلها، الهدف واضح، والوسائل محددة، والمسؤوليات محددة .
5- الأخلاقـية: فلا تتعارض الخطة مع الأخلاقيات والضوابط الشرعية والأداب المرعية.
وقد لخص الدكتور صلاح الراشد بعض القناعات الأساسية في التخطيط وتنظيم الذات في كتابه: "كيف تخطط لحياتك" تعتبر مهمة جدا في إحراز النجاح, وتساعد كالتركيز على الإنجاز:
- إن فشلت في التخطيط فقد خططت للفشل.
- لن يتحقق شيئا مهما بالصدفة.
- إجعل خطتك في شيء (عمل, دراسة, نشاط.....) تتمتع به.
- ركز على الإنجاز وليس على الإستمتاع ( أثر ).
- ركز على ما تريد تحقيقه ليس ما لا تستطيع تحقيقه.
- النوعية قبل الكم والأهداف البعيدة قبل الطوارئ.
- أنت مسؤول عن نتائج أعمالك وإنجازاتك (لا تلم الآخرين).
- ابدأ دوما والنهاية في عقلك.
في لحظة ما تشعر أن حياتك تسير إلى غير الإتجاه الذي تريد.. تنظر إلى سنين عمرك السابقة فلا تشعر أنك قد فعلت فيها كل ما كنت تطمح إليه.. تنظر إلى ما هو قادم، وتدعو الله أن يهبك القدرة والطاقة والقوة على أن تفعل فيها كل ما لم تستطع عمله وتنجز فيها الكثير والكثير».
إن الله تعالى يؤكد لنا أهمية النظر إلى المستقبل وإستشراف ملامحه، وتأهيل النفس لخوضه والتعامل معه. يقول تعالى: يّا أّيٍَهّا الَّذٌينّ آمّنٍوا إتَّقٍوا اللَّهّ وّلًتّنظٍرً نّفًسِ مَّا قّدَّمّتً لٌغّدُ وّاتَّقٍوا اللَّهّ إنَّ اللَّهّ خّبٌيرِ بٌمّا تّعًمّلٍونّ » (الحشر:18). فلماذا نخشى النظر إلى الغد وإعداد العدة له ؟
لذا فإن التخطيط هو النشاط الذي ينقلك من وضعك الحالي إلى ما تطمح في الوصول إليه, وذلك من خلال الإستعانة بالخطط والإسترتيجيات المختلفة.
والتخطيط هو سر النجاح وأهم من التخطيط أن تكون لك رسالة ورؤية واضحة, وأن تحدد وتعرف دورك الحقيقي في هذه الحياة, قال تعالى: (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون)...!!
يرى العلماء: أن من يفتقد للرسالة والرؤية الواضحة يكون أكثر عرضة للمشاكل النفسية والصدمات.
فلماذا الإنسان يبحث عن خريطة لزيارة مكان أو متحف معين؟ ويعتمد على دراسة جدوى لأي مشروع إستثماري يسعى لتحقيقه؟ وتفاصيل عن أي جامعة يريد ان يلتحق بها؟
إن التخطيط والنجاح في الحياة بمثابة الفعل والأثر, فمن فاتته فرصة التخطيط وفشل فيها فإنه بذلك قد خطط للفشل. ومن يعمل بدون تخطيط يقنع بأقل النتائج ومن يخطط لا يرضى إلا بأكبر قدر ممكن من النتائج.
فالتخطيط إذاً عمل مرن ومتفتح الذهن يحث على التغيير بشكل مستمر، كما أنه يعطيك إنطباعاً عن الصورة المستقبلية.
إن الإنسان الذي لا يخطط لحياته هو واحد من ثلاثة:
- إما إنه لا يعرف ماذا يريد.
- أو أنه يعرف ماذا يريد ولكن لا يعرف الوسيلة التي تحقق له ما يريد.
- أو انه يعرف ماذا يريد ويعرف الوسيلة، لكنه يفتقر إلى الثقة في أنه يستطيع أن يحقق ما يريد.
يقول جورج برنارد شو: هناك أناس يصنعون الأحداث، وهناك أناس يتأثرون بما يحدث، وهناك أناس لا يدرون ماذا يحدث.. !! إن ما يفرق بين الإنسان الناجح والفاشل ليس الإمكانيات، ولكن القدرة على استخدام هذه الإمكانيات، والقدرة على الاستعداد لتلقى الفرص.
يقول أحد حكماء الصين كونفوشيوس: الناس بالفطرة متشابهون، وفى التطبيق مختلفون.
وحتى يكون هذا التخطيط ناجحاً, يجب أن تتأكد أن عقلك وجسدك وروحك يعملون بشكل تعاوني مع بعضهم بعضاً, لتحصل على الإتزان المطلوب، وعليك ان تخطط لكل منهم بشكل مناسب.
فمـثلاً:
- بالنسبة لروحك يجب أن تنمي قدراتها وتسمو بها عن الحرام والشبهات وتضعها في الإطار الذي تستحقه من العناية، وترسم لها أهدافها ضمن تعاليم دينية وقيم راقية، وعندما تعلو بها تدع لها القيادة لتقود الجسد والعقل في أطر مرسومة.
- أما العقـل فتنميه بالمعارف المختلفة والترفيه الراقي، وتوسع مداركه بالاطلاع والسفر والتعرف على الحضارات المختلفة والعلوم المتنوعة.
- والجـسد يحتاج منك رعاية خاصة تتكون من نشاط حركي مناسب وطعام صحي، وعندما تنمي تلك الأجزاء الثلاث بشكل جيد، وتكمل بعضها بعضاً ستكون أنت المستفيد من هذا التكامل.
تخيل أنك في مدينة جديدة، أول مرة تطأ قدماك أرضها وتسير فيها محاولاً الوصول إلى نقطة في نهايتها، قد تصل لهذه النقطة بعد ساعة أو ساعتين أو قد يكلف الأمر طوال اليوم، فيما أنك لو إستخدمت خريطة المدينة منذ البداية وأحسنت قراءتها لوفرت عليك الجهد والوقت وتوتر الأعصاب.
قد تشبه الحياة التي نعيشها تلك المدينة، فهي بها الكثير من المطبات وإشارات المرور والحوادث والفشل والنجاح والمنحنيات والمرتفعات والتحديات، ولكن قد تختلف الحياة عن المدينة, في أنك لن تجد من يعطيك خارطة جاهزة ويقول لك: إتبع تلك الخريطة لتصل للنهاية.
وأسباب ذلك كثيرة، فالنقطة التي تريد أن تصل لها تختلف من شخص إلى آخر، والطرق المهيأة لك قد تختلف، والآخرون وما يحيط بك من أحداث يختلف عما يحيط بالآخرين، ولهذا يجب ان أن تضع خارطتك الخاصة، بالطبع هناك الكثير من الأمور الأساسية التي ستساعدك في تضييق حدود الدائرة التي تبحث فيها.
فمـثلاً هناك شرع يجب أن تتبعه، ومبادئ تحافظ عليها، وقيم تتمسك بها، ولكن في النهاية عليك أن تضع خريطة لحياتك، وإلا كنت فريسة سهلة لآخرين سيقودونك لما يريدون أن يصلوا إليه، وستعيش أحلامهم هم وليس أحلامك، أو قد تضيع في طرقات الحياة وتتساقط أيامك من يدك دون أن تصل حتى إلى منتصف الطريق.
قد تصبح الخريطة للكثيرين معضلة, لأنهم لم يتبعوا الشرع أو القيم أو المبادئ أو الرغبة في تحقيق هدف معين في بداية التخطيط لحياتهم؛ فتصبح الدائرة أكبر والطريق أطول، وقد يمضي العمر وهم في دهليز الحياة دون أن يخرجوا لطرقها الواسعة ويصلوا لمحطاتها الرائعة.
لن يستطيع أي متخصص سواء في أمور الدين أو التنمية الشخصية أو مهارات الحياة أن يضمن لك حياة دون منغصات أو تعرجات، ولكن قد يعطيك الطريقة المثلى لتحول فشلك إلى نجاح وتعاود النهوض بعد السقوط وتستفيد من أخطائك وتتوب من ذنوبك وتعرف كيف تتعامل مع آلامك.
أسباب الإحجام عن التخطيط.
هناك بعض الأسباب التي قد تجعل الفرد يحجم عن عمل مخطط لحياته يسعى لتحقيقه لعوامل وإعتبارات شخصية, أهم هذه الأسباب ما يلي:
(1) الخوف من الفشـل:
حيث يحجم الشخص على الإقدام في تخطيط حياته وذلك للفشل في تجربة سابقة. والخائف إنسان مسجون في إطار من الأوهام والشكوك وعدم الثقة في الذات، لذا لا بد من محاربة الخوف والتسلح بالشجاعة في مواجهة أخطاء الماضي وتصحيحها، بدلاً من الوقوع في أسرها.
فإن إفتقار الإنسان لثقته في نفسه، وفى إمكانياته، يجعله يسير في الحياة بلا هدف وبلا معنى.!
(2) النظرة المشـوشة للذات:
فالرؤية المهزوزة للذات تنعكس على المرء في كافة شؤونه، مما يجعله يشعر بأنه غير كفء للنجاح والتميز، وأن النجاح قد خُلق للآخرين فقط، لذا نراه سائراً مع القلة الضالة لا يستطيع تحديد ما يريد.
(3) التأجيل والتسـويف:
فهو اللص الذي يسرق العمر، والمسوف المؤجِّل شخص «مبدع» في إستدعاء الحجج والمبررات التي تمنعه من قيامه بعمله. فالتأجيل رفيق الفشل..
وداء التسويف... داء عضال يصيب الشباب خاصة وينتشر إنتشار مفزعاً، وهو للذات معيقاً ومدمراً وتفشل معه إدارة الذات، ومرده إلى عدم حمل الهم، فالذات المريضة بهذا الداء تتحرك دون أن تحمل هماً، فإذا حمل المرء هم المسلمين فلا مجال عنده للتسويف وسينجح حينها في إدارة ذاته بالسرعة والفاعلية المطلوبين.
(4) عدم الإيمان بأهمية الأهـداف:
فهو لا يؤمن بأهمية التخطيط وتحديد الأهداف، بل قد يفاجئك بمثال لشخص ناجح، مع أنه لم يكتب أهدافه في الحياة! وهذا ما يجيبك به المدخن عندما تحدثه عن أضرار التدخين فيقول لك: هل ترى فلاناً الذي بلغ من الكبر عتياً؟! إنه يدخن بشراهة!
نعم.. هناك من لا يخطط وقد ينجح لموهبة لديه أو لتوافر عوامل النجاح، لكن هذا الاستثناء وليس القاعدة.
(5) عـدم المعـرفة:
ليس هناك أعجب من شخص يطمح في شيء، ثم لا يتسلح بالمعرفة كي يحقق هذا الشيء. قد تجد شخصاً يطمح أن يكون صحفياً ناجحاً ـ مـثلاً ـ ومع ذلك فهو لا يلتحق بكلية الإعلام أو الصحافة، ولا يحضر دورات، ولا يقرأ كتاباً عن العمل الصحفي، ولا يأخذ أي خطوة نحو تحقيق هدفه، لذا يظل هدفه مجرد حلم يراوده من وقت لآخر؛ فيزيده حسرةً على حسرة.
(6) الفهم الخـاطيء:
يظن البعض أن التخطيط يتطلب وقتا ثمينا من الأفضل أن نقضيه في إنجاز الأمور, فالإنسان لديه بالفطرة حب الإنجاز وحصاد الثمار, فالحقيقة أن كل ساعة تخطيط تعادل 4 ساعات إنجاز.