أم عبد الرحمن محمد يوسف . مفكرة الإسلام
لا تكاد تخلو بيوتنا من إقبال الزائرين عليها ما بين أقارب وأصدقاء وجيران وغير ذلك، فلاشك أن الزوج له أقارب وأصدقاء يزورونه كل فترة، وكذلك المرأة له أقارب وصديقات يحرصن على زيارتها، وعلى كل شريك حياة أن يمنح الآخر الحق في زيارة المقربين له في بيته، بل يقدم له العون اللازم لضيافتهم.
فإن شعور كل شريك حياة بأن الطرف الآخر يرحب بأصدقائه وأقاربه ويجتهد في إكرامهم، يجعله يقدر شريكه ويحمل تجاهه مشاعر المودة والحب والتقدير.
فالمودة شعور جميل يعبر كلا الزوجين من خلاله (عن حبه للآخر بالأقوال والأفعال دون تردد أو خجل، ويكون هذا التعبير متجددًا بين كل لحظة وأخرى) [لمن يريد الزاوج وتزوج، فؤاد الصالح، ص(212)]، وإكرام كل طرف لأقارب وأصدقاء الطرف الآخر، من أبرز صور التعبير عن الحب لشريك الحياة.
ولا يتوقف الأمر عند مشاعر المودة والحب فقط، بل ما أجمل أن ينوي الزوجان بإكرام الضيوف التقرب إلى رب العالمين سبحانه، فتهب مع كل زيارة رياحين الثواب وتحل البركة على بيت رفع شعار (بيتنا بيت الكرم).
وقد بين لنا رسولنا صلى الله عليه وسلم أهيمة إكرام الضيف في حياة المؤمن، حتى جعله صلى الله عليه وسلم علامة على الإيمان، فقال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه) [متفق عليه]، وقال عليه الصلاة والسلام: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته، قالوا: وما جائزته يا رسول الله؟ قال: يوم وليلة، والضيافة ثلاثة أيام فما كان وراء ذلك فهو صدقة عليه، ولا يحل له أن يثوي عنده حتى يؤثمه) [متفق عليه].
ومعنى قوله عليه الصلاة والسلام: (جائزته يومٌ وليلة) أي: يكرمه ويتحفه ويحفظه يومًا، وثلاثة أيام ضيافة، وقال الخطابي معناه: أنه يتكلف له في اليوم الأول ما اتسع له من بر وإلطاف، وأما في اليوم الثاني والثالث فيقدم له ما كان بحضرته، الاجتهاد في اليوم الأول هو الجائزة، والثاني والثالث ما كان بحضرته ولا يزيد على عادته، وما كان بعد الثلاث فصدقة ومعروف ليس بواجب عليه، وإذا فعل فهو تطوع منه إن شاء فعل وإن شاء ترك [شرح السنة، الإمام البغوي، (11/337)].
تجنبوا المشاكل:
في بعض الأحيان تسبب الزيارات المتتالية لأصدقاء الزوج مشكلة في بيت الزوجية، إذ تبدأ مشاعر الغيرة تنتاب الزوجة رويدًا رويدًا، وحتى نتخلص من هذه المشكلة، ينبغي على الزوجة أن تفهم طبيعة الرجل، وأن معظم الرجال لا يستطيعون العيش من غير أصدقاء.
(وهذا ما يجب أن تفهمه كل زوجة، وما يجب أن يعلمه الزوجان حتى تستمر الحياة الزوجية هو إدراك الطرفين أنَّ الزواج ليسَ احتكارًا أو عقد ملكية للطرف الآخر بحيث تتدخل المرأة بخصوصيات الزوج وعلاقاته بأصدقائه.
وفيما يتعلق باعتقاد الزوجة أن أصدقاء زوجها (ضرة) فقد يرجع الأمر إلى شعور المرأة بالغيرة على زوجها أو الشك به أو نتيجة للفراغ الذي تشعر به من عدم وجود زوجها معها.
وأخيرًا: من أجل زواج ناجح يجب على كل زوج ألا يسمح أن تؤثر صداقاته على الحياة الزوجية وعلى مسئولياته تجاه زوجته، بحيث تكون لديه القدرة على التوفيق بين واجباته كزوج وواجباته كصديق، والزوج الذي ينجح في ذلك لا يمكن أن يجعل زوجته تشعر بوجود ضرة "الأصدقاء") [كوكب السعادة، هيام محمد يوسف، ص(113)].
دراسة علمية: أكثر الدول اهتمامًا بالضيافة:
الضيافة هي العلاقة بين الضيف والمستضيف، أو هي العمل أو الممارسة حتى تكون مضياف، وهى عبارة عن استقبال واستضافة الضيوف والزوار أو الغرباء بتسامح وحسن نية، فالضيافة كثيرًا ما تشير إلى صناعة الضيافة، والتي تتضمن الفنادق، والمطاعم، والكازينوهات، والمنتجعات، ونوادي العضوية، والاتفاقيات والجذب، والمناسبات الخاصة، وغيرها من الخدمات للمسافرين والسياح.
والضيافة كما هي معروفة عادة بأنها التصرف بسخاء لتوفير الرعاية والعطف على كل من هو في حاجة إليه.
وفي ثقافة الشرق الأوسط، فقد اعتبرت قاعدة ثقافية لرعاية الغرباء والأجانب الذين يعيشون بينهم، لما أضفته تعاليم الإسلام من إقراء الضيف وإكرامه.
الضيافة في ثقافات Celtic:
وأيضًا مجتمعات سلتيك تقدر مفهوم الضيافة، وخاصة في مجال الحماية، والمستضيف هو الذي يمنح الشخص ما طلب من أجل المأوى وهذا لا يكون فقط بتوفير الغذاء والمأوى للضيف أو الضيفة، ولكن للتأكد من أنهم لم يتعرضوا إلى أي أذى بينما هم تحت رعايتهم.
ومثال من الحياة الحقيقية على ذلك هو متجذر في التاريخ من عشيرة ماكجريجور الاسكتلندي، في الفترة من أوائل القرن السابع عشر، عندما وصل رئيس عشيرة كلان لامونت إلى منزل قائد ماكجريجور في Glenstrae، وقال له: إنه كان هاربًا من خصومه وطلب اللجوء، ورحب ماكجريجور بالرئيس شقيقه مع ذلك لم يسألة أي سؤال.
وفي وقت لاحق من تلك الليلة، جاء أفراد من عشيرة ماكجريجور يبحثون عن القائد لامونت، وأبلغوا رئيسهم أن لامونت في الواقع قد قتل ابنه ووريثه في مشاجرة، وعقد القانون المقدس من كرم الضيافة، فرفض ماكجريجور تسليم لامونت إلى رجال قبيلته، وليس ذلك فقط ولكن في صباح اليوم التالي اصطحبه معه إلى أراضي أجدادهم، خلال الوقت الذي كان ماكجريجور محظور عليه الذهاب إلى هناك، وأعطى لامونت توفير الأمن [تشارلز ماكينون، الاسكتلندي هايلاندرز (1984، بارنز أند نوبل كتب)، ص(76)].
الضيافة في الهند:
الهند هي واحدة من أقدم الحضارات على وجه الأرض، ومثل كل ثقافة لديها قناعاتها، بما في ذلك القصص المفضلة لعدد غير قليل عن كرم الضيافة. فمن السهولة تقاسم فتات هزيل مع الضيف الثقيل، وكثيرًا ما يرددون قصة لمرأة طهت بحب جميع Khichdi الذي تستطيع تحمله، من أجل الجياع... وفي يوم من الأيام عندما نفدت من المواد الغذائية لأخر شخص جائع الذي قدمت له نصيبها، كوفئت من قبل الإله بوعاء من Khichdi لاينتهي أبدًا.
ومعظم البالغين الهنود يستمعوا لهذة القصة مثل الأطفال. وهذا نابع من نهج الهندي من الحفاوة تجاه الضيوف في المنزل، وفي جميع الحالات الاجتماعية.
قضية للنقاش: ضياع الهدف وأثره على الحياة الزوجية:
(لقد تأملت كثيرًا في المشاكل التي تواجه الزوجين خلال مسيرة حياتهما، فوجدت أن جُلَّها يرجع إلى عدم تدبر كل منهما في الهدف من وجودهما في هذه الحياة، بل كل منهما يُقبل على الزواج وبناء الأسرة، ولم يعلم حقيقة هذه البناء وواجبات وحقوق كل دعامة فيه.
فإذا بالبناء يوشك أن يتقوَّض منذ لحظاته الأولى في كثير من الأحيان، وتبدأ محاولات رأب الصدوع منهما، ومن القريب والبعيد، ولكن بدون معرفة للسبب الرئيسي الذي أدَّى إلى مسائل الشقاق) [هدية كل عروس، الشيخ/ محمد بن رزق بن طرهوني، ص(776)].
ولذا كان من أهم عوامل نجاح الأسرة واستقرارها تحديد (أهداف واضحة معلومة، ويسعيا لتحقيقها بالتعاون بينهما.
أما إن كان لكل واحد منهما هدفه الخاص، كأن يكون هدف الزوج تأمين السكن الخاص للعائلة، وللزوجة هدفها الخاص وهو نيل شهادة عليا مثلًا.. ولا يحصل التعاون بينهما لتحقيق الأهداف، فهنا تكون الأسرة في شكلها مستقرة متفقة، ولكنها في حقيقتها مفككة، كل طرف يعيش لهدفه الخاص بطريقته الخاصة وأسلوبه الخاص.. وأشد من ذلك كله أن يكون الطرفان لا هدف لهما!! وإنما لديهما الأماني وكثرة الكلام، وهنا تكثر المشاكل الزوجية بسبب عدم وضوح الطريق) [الحروف الأبجدية في السعادة الزوجية، جاسم محمد المطوع، ص(53) بتصرف].
أما الأسرة التي حددت أهدافها بقوة، وسارت في طريق الحياة تقطع كل فترة مرحلة من مراحل أهدفها، فإنها أسرة يغمر الانسجام أفرادها، ويعم الاستقرار أرجاءها.
فالحياة الزوجية أشبه ما تكون بفريق الكرة، ولا يكون (هذا الفريق ناجحًا في اللعب، إلا إذا كان أفراده يسعون نحو هدف واحد مشترك! فلو أصاب الفريق هدفه، ولم يتطلع نحو إصابة هدف جديد، فهنا يغيب القاسم المشترك، ويبدأ خطر الخسارة والانهيار يهدد الفريق، نظرًا لاختلاف تصورات أفراد الفريق بشأن إصابة الهدفة المنشود.
إن وجود هدف مشترك هو شرط أساسي لبناء علاقة ناجحة وسعيدة.
ومن ناحية أخرى، فإن عدم تحديد أي هدف مشترك، لا يؤدي لأي نجاح يذكر) [بلوغ النجاح في الحياة الزوجية، كلاوديا إنكلمان، ص(101)].
لذا كان على كل زوجين أن يقوما بتحديد أهدافهما بدقة ووضوح، حتى تصبح الحياة أحلى وأمتع، ومما يسهل عليهما بعد ذلك أن يجيبا على تلك الأسئلة:
ما هي أهدافنا؟
ماذا نريد أن يحدث في حياتنا هذا الأسبوع؟ هذا الشهر؟ هذا العام؟ خلال الأعوام الخمسة المقبلة؟
ما المشكلة التي نريد حلها؟
ما هي الأشياء المادية التي نريد اقتناءها؟
ما هي التغييرات التي نريد القيام بها بأنفسنا؟
ماذا نودُّ أن نعمل في مجال عملنا؟
ما الذي نريد إنجازه؟
ولئن كان تحديد الهدف من الحياة الزوجية مهم، فإن اطلاع كل شريك حياة على أهداف وطموحات الطرف الآخر لا يقل عنه أهمية، فحديث الزوجين (حول أهداف كل منهما في الحياة، وأحلامه في المستقبل.. أمرٌ مهم، ومفيد بلاشك، لأنه من خلال ذلك فقط، يمكنهما معرفة المزيد عن بعضهما بعضا) [بلوغ النجاح في الحياة الزوجية، كلاوديا إنكلمان، ص(78)].
ومما يسهل ذلك على الزوجين؛ الإجابة عن هذه الأسئلة:
ما هي أحلام شريك حياتي؟
وما هو هدفه في الحياة؟
هل أعلم طموحاته؟
وما الذي يتمنى أن يفعله؟
وما هو تصوره للحياة التي يتمنى أن يحياها؟
وما الذي يمكن أن يجعله يشعر بالرضا عن حياته؟
أخي الزوج/ أختي الزوجة:
(اجعل لك هدفًا في الحياة عاليًا، ومقصدًا ساميًا، ذلك أنك ستدرك أنه لا سبيل للوصول إلى ذلك الهدف وهذا المقصد إلا أن تكون لك الحياة مستقرة، وهذا بلاشك سيجعلك أحرص على استقرار بيتك وأسرتك.
ويمكنك أن تحول كل شيء إلى هدف، فإذا كان لديك مشكلة مثلًا فلتجعل حلها هدفًا، ليس من الضروري أن تعرف الحل، ولكن يبقى هدفك مع شريك حياتك هو الوصول إلى حل لتلك المشكلة! فهذا مما يُبقي الحب بينكما، فليس الحب أن ينظر أحدكما في عيني حبيبه، وإنما الحب أن يتطلع الحبيبان كلاهما إلى اتجاه واحد، ويسعى كلاهما إلى هدف مشترك) [حتى يبقى الحب، محمد بدري، ص(738-740)].
المصادر:
· حتى يبقى الحب، محمد بدري.
· بلوغ النجاح في الحياة الزوجية، كلاوديا إنكلمان.
· لمن يريد الزاوج وتزوج، فؤاد الصالح.
· الحروف الأبجدية في السعادة الزوجية، جاسم محمد المطوع.
· هدية كل عروس، الشيخ/ محمد بن رزق بن طرهوني.
· كوكب السعادة، هيام محمد يوسف.
· تشارلز ماكينون، الاسكتلندي هايلاندرز (1984، بارنز أند نوبل كتب).