المقدمة :

إن دارسة و تحليل سلوك المستهلك واحدة من أهم الأنشطة التسويقية في المنظمة , و التي أفرزتها تطورات المحيط الخارجي بسبب احتدام المنافسة و اتساع حجم و نوع البدائل المتاحة أمام المستهلك من جهة , و تغير و تنوع حاجاته ورغباته من جهة أخرى , بشكل أصبح يفرض على المنظمة ضرورة التميُز في منتجاتها سواء من حيث جودتها أو سعرها أو طريقة الإعلان عنها أو توزيعها و ذلك بما يتوافق مع المستهلك و إمكانياته المالية , و هذا لضمان دوام اقتنائها مما يمكن المؤسسة من النمو و البقاء , حيث تحولت السياسات الإنتاجية للمؤسسات من مفهوم بيع ما يمكن إنتاجه إلى مفهوم جديد يقوم على المستهلك باعتباره السيد في السوق وفق ما يسمى بإنتاج ما يمكن بيعه , و هذا لا يتأتى إلا من خلال نشاط تسويقي يرتكز على دراسة سلوك المستهلك و مجمل الظروف و العوامل المؤثرة و المحددة لتفضيلاته و أنماطه الاستهلاكية , من خلال التحري و الترصد المستمر لمجمل تصرفاته و آرائه حول ما يطرح عليه و ما يرغب و يتمنى الحصول عليه .

مبحث اول : سلوك المستهلك

تعريف سلوك المستهلك :

قبل التطرق إلى تعريف سلوك المستهلك وجب علينا أولا تحديد ماذا نعني بالمستهلك و الذي يعرف على انه : " الشخص الذي يشتري أو لديه القدرة لشراء السلع و الخدمات المعروضة للبيع , بهدف إشباع الحاجات و الرغبات الشخصية أو العائلية " . و يفهم من هذا التعريف أن كل شخص يعتبر مستهلك , بحيث يتمثل الدافع الأساسي له في هذا هو إشباع حاجاته و رغباته حسب ما هو متاح و متوفر من جهة , و حسب إمكانياته وقدراته الشرائية من جهة أخرى .
أما سلوك المستهلك فقد قدمت له العديد من التعاريف نذكر من بينها ما يلي :
- حسب محمد إبراهيم عبيدات فيعرف سلوك المستهلك على انه : " ذلك التصرف الذي يبرزه المستهلك في البحث عن شراء أو استخدام السلع و الخدمات و الأفكار , و التي يتوقع أنها ستشبع رغباته أو حاجاته حسب إمكانياته الشرائية المتاحة " .
- حسب محمد صالح المؤذن فان سلوك المستهلك يعرف على انه : " جميع الأفعال و التصرفات المباشرة و غير المباشرة , التي يقوم بها المستهلكون في سبيل الحصول على سلعة أو خدمة في مكان معين و في وقت محدد " .
- حسب محمد عبد السلام أبو قحف فيعرف سلوك المستهلك على انه : " مجموعة الأنشطة الذهنية و العضلية المرتبطة بعملية التقييم و المفاضلة و الحصول على السلع و الخدمات و الأفكار وكيفية استخدامها " .
ً العوامل البيئية الخارجية للمستهلك :
وتشمل هذه العوامل المؤثرات البيئية الخارجية التي تؤثر في المستهلك وهي تشمل المؤثرات الحضارية والثقافية والمؤثرات الاجتماعية والمؤثرات الموقفية والمؤثرات التسويقية.

تأثير ثقافة المجتمع على سلوك المستهلك:

ان لكل مجتمع ثقافته وحضارته ذات الطابع الخاص به وهذه الثقافة تتشكل عبر مئات السنين وتشكل شخصيته بالمقارنة بالمجتمعات الأخرى فثقافة وحضارة المجتمع هي مجموعة القيم والعادات والتقاليد والمعتقدات السائدة، والحضارة تتكون من عنصرين أحدهما تجريدي أو معنوي ويتمثل في القيم الجوهرية للمجتمع وعاداته وتقاليده ومعتقداته والعنصر الآخر مادي يتمثل في الناتج المادي لأفراد المجتمع ويؤدي التفاعل المستمر بين المجتمع والفرد إلى تشكيل تفضيلات الفرد الشرائية والاستهلاكية بصورة تتلاءم مع القيم الجوهرية للمجتمع فتتحدد تبعاً لذلك أنواع المنتجات التي يسمح المجتمع بشرائها واستهلاكها، وتتمتع هذه القيم الجوهرية للمجتمع بالالزام حيث لا يستطيع أي فرد أن يحيد عنها، فعلى سبيل المثال هناك بعض المجتمعات التي تسمح لها حضارتها بأكل لحم الكلاب والخنازير كما تسمح بعض المجتمعات بأكل لحم السمك حياً أو بأكل الضفادع، وهذه السلوكيات غير مقبولة في مجتمعات أخرى وخاصة المجتمعات الإسلامية لأن قيمها الجوهرية لا تقر ذلك ولا تسمح به، ولذلك يجب على مندوبي التسويق الذين يخططون لبيع منتجاتهم في السوق الدولية أن تتفق برامجهم ومنتجاتهم مع قيم وتقاليد المجتمعات الأجنبية ولا تتعارض معها فتفشل وتتسبب في مقاطعة العملاء الأجانب لبضائعهم. وهكذا نرى أن قيم المجتمع ومعتقداته وعاداته وتقاليده في السلوك العام لأفراده تشكل سلوكهم الشرائي والاستهلاكي من عدة جوانب أهمها:
1 تحديد الهيكل الاستهلاكي والفلسفة الاستهلاكية: تقوم ثقافة المجتمع بتحديد شكل وفلسفة الاستهلاك لأفراده من خلال القيم والمعتقدات المكونة لها. فمثلاً تتركز فلسفة الاستهلاك في المجتمعات الغربية حول الرفاهية المادية وتستهدف تعظيم الاستهلاك الاستمتاعي في الدنيا، بينما تقلل الفلسفة الاستهلاكية في المجتمعات الإسلامية من المبالغة في الاستغراق في الاستمتاع المادي وتطالب الفرد بالحفاظ على التوازن بين الجانب المادي والجانب الروحي في حياته.
2 تحديد نوعية المنتجات المباعة داخل المجتمعات: فتحرم الثقافة الإسلامية مثلاً استهلاك بعض المواد الغذائية أو الإتجار فيها كالدم ولحم الخنزير والخمور كما تحرم الثقافة الهندوسية ذبح البقر وأكله.
3 تحديد الثقافة الأسباب التي من أجلها يتم الشراء: فالمستهلكون يشترون المنتجات تبعاً لثقافة مجتمعاتهم لأسباب منها:
اعتقاد المستهلكين بأن السلعة أو الخدمة المشتراة ستقوم بوظيفتها خير أداء.
شراء السلعة من أجل شكلها وهيئتها والصورة التي تباع عليها.
شراء السلعة من أجل معناها الرمزي مثل ارتباط بعض الأكلات بالمناسبات الدينية والوطنية الخاصة بالمجتمع

تأثير الطبقات الاجتماعية على السلوك الاستهلاكي :

لقد خلق الله الناس على اختلافهم في الحظوظ والثروات، فالناس ينقسمون إلى طبقات اجتماعية مختلفة في كل المجتمعات، فيتمتع أفراد الطبقة العليا من ذوي الثروة والمستوى التعليمي الأعلى بمراكز اجتماعية أفضل من تلك التي يتمتع بها أفراد الطبقتين الوسطى والدنيا. وتؤثر الطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها الفرد على سلوكه الاستهلاكي والشرائي وتوجهه. فالقواعد والمعايير التي تحكم سلوك الأفراد المنتمين إلى طبقة اجتماعية معينة تؤثر في أنواع وأسعار السلع والخدمات التي يشترونها. ويمكن قياس الطبقات الاجتماعية للمستهلكين بعدة طرق منها ما يعتمد على الحكم الشخصي للأفراد (كتقدير الفرد للطبقة الاجتماعية التي ينتمي هو إليها أو تقديره للطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها الآخرون) ومنها ما يعتمد على معايير موضوعية مثل الخصائص الاجتماعية والاقتصادية للأفراد.
ويمر إعداد الاستراتيجية التسويقية للطبقات الاجتماعية بأربع خطوات هي تحديد العلاقة بين المكانة الاجتماعية للفرد واستهلاكه للمنتج. وتحديد الطبقة الاجتماعية المستهدفة، وتصميم الموقع التنافسي للمنتج وإعداد المزيج التسويقي المناسب.

تأثير الأسرة على سلوك المستهلك :

يهتم مديرو التسويق بدراسة تأثير الأسرة على سلوك المستهلك فهناك منتجات كثيرة يتم شراؤها بغرض الاستهلاك الأسري كما أن الأفراد يتأثرون بآراء ونصائح باقي أفراد الأسرة في قراراتهم الشرائية ويقسم الكاتب الأسرة إلى ثلاثة أنواع هي:
الأسرة النواة: وهي التي تتكون من الأب والأم فقط أو الأب والأم والأولاد ويعيشون جميعاً في نفس المسكن.
الأسرة الممتدة: تشمل الأسرة الممتدة الأسرة النواة بالإضافة إلى بعض الأقارب كالأجداد أو الأعمام أو الأخوال أو العمات أو الخالات وأبنائهم وأبنائهن وبناتهن.
الوحدة المعيشية: وهي تتكون من فرد واحد أو عدة أفراد يعيشون تحت سقف واحد من الأقارب أو غير الأقارب فمثلاً قد تشمل الوحدة المعيشية أفراد الأسرة النواة أو الأسرة الممتدة بالإضافة إلى بعض العاملين بالمنزل مثل السائق والطباخة والشغالة.
وقد انصب اهتمام الباحثين على مدى تأثير كل من الزوجة والزوج على عملية اتخاذ القرارات الشرائية والاستهلاكية
ووجدوا أن هناك أربعة قرارات يتم اتخاذها داخل الأسرة:
قرارات يغلب الزوج على اتخاذها.
قرارات تغلب الزوجة على اتخاذها.
قرارات مشتركة.
قرارات فردية.
ويعتمد التأثير النسبي لكل من الزوجين في اتخاذ القرارات على عوامل عدة منها نوع السلعة أو الخدمة المشتراة وفلسفة الأسرة حول دور كل من الزوجين في اتخاذ قرار الشراء. ويتأثر النمط الاستهلاكي للأسرة بالتغيرات الحادثة في حياة الأسر نتيجة لازدياد نسبة الزوجات العاملات. كما أن للأطفال تأثير على قرارات الأسرة الشرائية تبعاً لعمر الطفل نفسه. وبشكل عام يتأثر السوك الاستهلاكي والشرائي للأسرة بحسب نوع الأسر وحجمها وخصائصها الديمغرافية ومكانتها الاجتماعية وأسلوبها المعيشي وحجم الإنتاج الداخلي لها، كما يتأثر هذا السلوك بعدد من العوامل الاجتماعية الأخرى مثل درجة التماسك الأسري ودرجة تكيف الأسرة مع البيئة وطبيعة الاتصالات الدائرة بين أفرادها.

المبحث ثاني : اهمية دراسة سلوك المستهلك

أهمية دراسة سلوك المستهلك بالنسبة للمنظمة

إن دراسة سلوك المستهلك نشاط جد مهم داخل المنظمة , تقوم به الإدارة التسويقية و ذلك لتحقيق جملة من الأهداف الخاصة بالمستهلك نفسه من جهة , و بالمنظمة من جهة أخرى . حيث يمكننا تلخيص أهمية و فوائد دراسة سلوك المستهلك بالنسبة للمنظمة في ما يلي :
- إن دراسة سلوك المستهلك و معرفة حاجاته و رغباته يساعد المنظمة في تصميم منتجاتها بشكل يضمن قبولها لدى مستهلكيها , الأمر الذي يؤدي إلى ازدياد معدلات اقتنائها , و هو ما يقود إلى رفع حجم مبيعاتها و بالتالي زيادة عوائدها مما يمكنها من البقاء و الاستمرار . فكلما كانت المنظمة على دراية و فهم بما يجول و يحيط بمستهلكيها كانت اقدر على الاقتراب منهم لخدمتهم و إشباع حاجاتهم و رغباتهم لتحقيق أهدافها و أهدافهم على حد سواء .
- إن المفهوم التسويقي الحديث يقوم على فكرة أن المستهلك هو نقطة البداية و النهاية في العملية التسويقية , إذ أن الفلسفات التسويقية السابقة ( الإنتاجية و البيعية ) أثبتت فشلها و قصورها مع مرور الزمن , و هذا بسبب إهمالها دراسة سلوك و تصرفات المستهلك و تركيزها على طبيعة المنتجات و طريقة بيعها فقط , حيث إن عديدا من المنظمات التي تبنت هاته الفلسفات لم تستطع الصمود و المنافسة بسبب غياب الرابط بينها و بين أسواقها و المتمثل أساسا في دراسة سلوك المستهلك . لذا وجب على المنظمة الراغبة في النجاح أن تسعى لخلق أنشطة تسويقية تبنى على أساس تحليل سلوك المستهلك لتتلاءم و تتكيف معه بشكل يخدم مصالح المؤسسة و يحقق أهدافها خصوصا على المدى الطويل .
- إن دراسة سلوك المستهلك قد يحمل المنظمة على اكتشاف فرص تسويقية جديدة , و هذا عن طريق البحث في الحاجات و الرغبات غير المشبعة و الحديثة لدى المستهلكين , و الاستثمار فيها بشكل يساعد المنظمة على تنويع منتجاتها لرفع قدرتها التنافسية و زيادة حصتها السوقية , و هو ما يضمن نموها و توسعها .
- إن دراسة سلوك المستهلك و معرفة قدراته الشرائية يساعد المنظمة في رسم سياساتها التسعرية , إذ أن المنظمة الناجحة هي التي تستطيع تقديم سلع و خدمات تشبع رغبات مستهلكيها في حدود امكنياتهم الشرائية , فكثير من المنتجات فشلت في السوق و هذا برغم حاجة المستهلكين لها , لا لعيب فيها إلا لكونها لا تتناسب و قدرات المستهلكين الشرائية بسبب محدودية الدخول .
- إن دراسة سلوك المستهلك يساعد المنظمة في رسم سياساتها الترويجية , فمن خلال معرفة أذواق و تفضيلات المستهلكين تقوم الإدارة التسويقية بتحديد مزيج ترويجي مناسب يهدف للتأثير عليهم و إقناعهم باستهلاك منتجاتها . فمثلا من خلال دراسة سلوك فئة من المستهلكين و لتكن الشباب الرياضي تبين لأحدى المؤسسات المنتجة للملابس الرياضية أنهم شديدو الحرص على متابعة برنامج تلفزيوني رياضي محدد , فمن المناسب هنا أن تقوم هذه المنظمة بوضع إعلاناتها ضمن هذا البرنامج بالذات لتضمن وصوله إلى اكبر عدد ممكن منهم , و لزيادة التأثير عليهم تقوم المنظمة بالتعاقد مع شخصية رياضية محبوبة لديهم لتقوم بأداء هذا الإعلان , الأمر الذي يجعل من السياسة الترويجية لهذه المنظمة أكثر فعالية و قدرة على الوصول و الإقناع لأنها انطلقت من دراسة سلوك المستهلك و تفضيلاته المختلفة .
- إن دراسة سلوك المستهلك ذو أهمية بالغة في تحديد المنافذ التوزيعية لمنتجات المنظمة , فبواسطته تستطيع امعرفة أماكن تواجد و تركز مستهلكيها , الأمر الذي يساعدها في رسم خططها التوزيعية إما بالاعتماد على نقاط البيع الخاصة بها و التركيز على البيع الشخصي و رجال البيع للاتصال المباشر بالمستهلك و معرفة رد فعله و سلوكه الشرائي , أو بالاعتماد على الوسطاء و الوكلاء من تجار جملة و تجزئة أو غير ذلك من طرق الاتصال غير المباشر بالمستهلك , والتي تعتمد على مدى كفاءة الوسطاء في التأثير على السلوك الشرائي للمستهلك .
- إن دراسة سلوك المستهلك تمكن المنظمة من تحليل أسواقها و تحديد القطاعات المستهدفة , كما أنها تساعدها على دراسة عادات و دوافع الشراء بدقة لدى مستهلكيها , الأمر الذي يقودها إلى المعرفة الدقيقة لمن هو مستهلكها , وكيف و متى و لماذا يشتري , و ما هي العوامل و الظروف التي تؤثر على سلوكه و على قراره الشرائي .
- إن دراسة و تحليل سلوك المستهلك يمكن المنظمة من تقييم أداءها التسويقي , و يساعدها على تحديد مواطن القوة والضعف داخلها , فمن خلال معرفة رأي المستهلك حول المنتج و الطريقة التي قدم بها تتمكن المنظمة من المعالجة التسويقية إما بالحفاظ على المنتج و الاستمرار في تقديمه و عرضه , أو تعديله هو أو الطريقة التي قدم بها , أو إلغائه نهائيا. كل هذا يكون بالاعتماد على رأي و رغبة المستهلك باعتباره الفيصل في العملية التسويقية .
هذه جملة من النقاط التي تبرز أهمية و فائدة دراسة سلوك المستهلك في النشاط التسويقي للمنظمة , الأمر الذي يفرض عليها ضرورة الاهتمام بالأنشطة التي توصلها إلى ذلك و من أبرزها بحوث التسويق

اهمية دراسة سلوك المستهلك بالنسبة للاسرة والمجتمع :

تفيد دراسات سلوك المستهلك الافراد والأسر في التعرف على أو التعرض الى كافة المعلومات والبيانات التي تساعدهم في الاختيار الامثل للسلع أو الخدمات المطروحة ووفق إمكاناتهم الشرائية وميولهم وأذواقهم.
تبرز الاهمية والفائدة الكبيرة لدراسة سلوك المستهلك على مستوى الاسرة ، حيث قد يتمكن المؤثرون على القرار الشرائي في الاسرة من اجراء كافة التحليلات اللازمة لنقاط القوة والضعف لمختلف البدائل السلعية أو الخدمية المتاحة واختيار البديل او الماركة من السلعة او الخدمة التي تحقق اقصى رضى ممكن للأسرة . كما تفيد ايضا دراسة سلوك المستهلك في تحديد مواعيد التسويق الافضل للأسرة و أماكن التسويق الاكثر مرغوبية وحسب الطبقة الاجتماعية للمشتري المستهلك.

المطلب ثالث : طرق دراسة سلوك مستهلك

أولا: المقابلة الشخصية المتعمقة :

تتلخص طريقة المقابلة الشخصية المتعمقة في قيام أحد الخبراء بعقد مقابلة شخصية طويلة مع كل فرد من أفراد العينة المختارة على حدة لمناقشة وإستيضاح رأى الفرد في مووضع تسويقي معين. يشبه هذا النوع المقابلات الشخصية التي يجربها إخصائيوا علم النفس الإكلينيكيون والأطباء النفسانيون من حيث كونها بدون هيكل محدد، حيث يقوم الباحث بإلقاء عدد من الأسئلة على المستهلك ويشجعه على الإطالة في الإجابة وشرح وجهة نظره ويدور النقاش بين الاثنين بتوجيه من الباحث للكشف عن الدوافع الشرائية لدى الفرد.
وتحتاج المقابلة الشخصية المتعمقة إلى وقت طويل قد يمتد إلى ساعتين أو أكثر، ويلعب الباحث دوراً حيوياً في نجاحها إذ يجب أن يكون على درجة عالية من التدريب والمهارة؛ حتى يشجع المستهلك على الكلام بحرية دون أن يؤثر عليه أو على من وقت لآخر على الرد على أسئلته وعلى التوسع في إجابته باستعمال أسئلة توضيحية على غرار الأسئلة الآتية:
1. هل يمكن أن تحدثني بتوسع عن ذلك.
2. هل من الممكن إعطائي مثالاً على ذلك؟
3. لماذا تقول ذلك؟

مزايا وعيوب المقابلة الشخصية المتعمقة :

تتصف المقابلة الشخصية المتعمقة ببعض المزايا وبعض العيوب، فمن ناحية يسعى الباحث إلى الحصول على المعلومات التي تهمه ويظل يشجع المستهلك على افدلاء بها حتى يحصل عليها في النهاية، ولكن من ناحية أخرى يعاب على هذه الطريقة أنها باهظة التكاليف وغير اقتصادية خاصة وأن هذا النوع من المقابلات يجب أن يتكرر مع عدة مسهلكين وربما يحتاج الأمر إلى تكراره مع نفس المستهلك أكثر من مرة، بالإضافة إلى ضرورة قيام باحث متخصص عالى المهارة بإجراء المقابلة، إلى جانب ذلك نجد أن نجاح المقابلة يعتمد إلى حد كبير على مهارة الباحث؛ نظراً لأن خط سير المقابلة يكون رهن توجيهاته. وأخيراً فهناك مشكلة أخرى تتعلق بمحاولة التفرقة بين ردود الفعل السطحية للمستهلك وبين دوافعه اللاشعورية، فتحليل وتفسير البيانات التي يحصل عليها الباحث تخضع إلى حد كبير لرأيه الشخصي؛ مما يجعل من الصعب تحديد التفسير الحقيقي لدوافع المستهلك . ولمعالجة هذه المشاكل يلجأ الكثيرون من مديرى التسويق إلى أسلوب المقابلات الجماعية المركزة كحل بديل للحصول على المعلومات المطلوبة مع تجنب معظم تلك الصعوبات.
وعلى صعيد السوق السعودية يمكن استخدام أسلوب المقابلة الشخصية المتعمقة بنجاح في دراسة الدوافع الشرائية للأفراد داخل المجتمع السعودي على شريطة أن يتم ترتيب اللقاء الشخصي بين الباحث وبين المستهلك من خلال طرف ثالث يعرفهما معا معرفة شخصية وذلك لإرساء الثقة بينهما.

المقابلة الجماعية المركزة:

تعتبر المقابلة الجماعية المركزة أو جماعات التركيز من أكثر أساليب البحث الكيفي انتشاراً في الوقت الحاضر وفيها يركز المجتمعون في النقاش على موضوع تسويقي معين تحت إشراف شخص مدرب تدريباً خاصاً . تقوم بعض الشركات المتخصصة في بحوث التسويق بإجراء هذا النوع من المقابلات بصورة دورية مع جماعات من المستهلكين العرب في كل من منطقتي الخليج وشمال أفريقية لصالح بعض الشركات المنتجة؛ بهدف استكشاف معتقدات ودوافع المستهلكين العرب حول عدد من السلع لخدمات والتعرف على آرائهم واتجاهاتهم النفسية نحوها.
وتتكون الجماعة الواحدة في هذا النوع من المقابلات من ثمانية إلى عشرة أفراد، وأحيانا تزيد على ذلك أن تنقص قليلاً، وبالرغم من أن عملية اختيار المستهلكين للاشتراك في المقابلة تتم بطريقة غير احتمالية إلا أن رغبة الباحث في تمثيلهم لمجتمع البحث تجعله يختارهم بحيث تتطابق مواصفاتهم مع مواصفات مجتمع البحث على قدر الإمكان؛ حتى تكون أراؤهم واتجاهاتهم وميولهم ممثلة لاتجاهات وميول وآراء المجتمع الأصلي. وغالباً ما يتم إجراء مقابلات لجماعات متعددة من المستهلكين يشبهون في صفاتهم مجتمع البحث الأصلي (أي السوق المستهدفة للشرككة المتنجة) فلا تعتمد الشركة على النتائج التي حصلت عليها من مقابلة مجموعة واحدة فقط.
ويراعى في تنظيم هذه الجماعات أن تكون درجة التجانس عالية بين أفراد كل جماعة من حيث الخصائص الاقتصادية والاجتماعية؛ حتى يشارك جميع أفرادها بالتساوى في المناقشة دون أن يسيرط أن المناقشة عدد محدود من الأفراد ، فمن الملاحظ مثلاً أنه إذا ضمت المجموعة الواحدة أفراداً تتفاوت مستوياتهم التعليمية أو مراكزهم الاجتماعية تفاوتاً كبيرا يميل الأفراد ذوو التعليم الأعلى أو المركز الاجتماعية الأعلى إلى الحديث معظم الوقت بينما ينأى الأفراد ذوو التعليم الأقل أو المراكز الاجتماعية الأدنى عن الاشتراك في الحديث أو الإدلاء بأرائهم في الموضوع المطروح للنقاش.
ويدير جلسة المناقشة شخص مدرب تدريباً جيداً يعرف اسم الوسيط (Moderator) ويتلخص دوره الاساسي في عرض موضوع النقاش وقيادة وتوجيه المناقشات داخل الجلسة، وتشجيع جميع أفراد الجماعة على الاشتراك في الحديث مع احتواء النقاش وتصحيح مساره بطريقة البقة ومهذبة إذا تفرعت الأحاديث وخرج المشاركون عن الموضوع الرئيسي على مووضعات أخرى لاتمت إليه ، ولعل هذه السمة من أهم الفروق الموجودة بين المقابلات الجماعية المركزة، وما اصطلح على تسميته بجلسات العصف الذهني التي لا يحدها أي حد من حيث الاتجاه الذي تأخذه المناقشات أو نوعية الأفكار والموضوعات التي يطرحها الأفراد أثناء النقاش.
وتعتبر المقابلات الجماعية المركزة من أساليب البحث الكيفي الاستشكافية ، وتعقد أحياناً بهدف الحصول على اقتراحات المشاركين حول الأفكار، والمفاهيم الحديثة للمنتجات الجديدة وتصفية وتعديل تلك الأفكار ثم إعادة اختبارها بجماعات تركيز أخرى إلى أن يبح مفهوم أو فكرة المنتج الجديد مقبولة تماماً من جانب المشتركين في المقابلة وقابلة للتنفيذ.

مزايا وعيوب المقابلات الجماعية المركزة :

وعموما يمكن تلخيص مزايا المقابلات الجماعية المركزة فيما يلي:
1. الحصول على معلومات أكثر غزارة: تؤدي الجهود المشتركة للجماعة والتفاعل بين أفرادها إلى الحصول على كم من المعلومات والأفكار والنظرات الثاقبة أكبر من مجموع الآراء الفردية لللمشاركين في النقاش.
2. القدرة على توليد أفكار جديدة: هناك احتمال أكبر من حالة المقابلات الجماعية بالمقارنة بالمقابلات الفردية أن تطرح بعض الأفكار القيمة، وأن يتم تطويرها وتهذيبها بصورة يمكن لمدير التسويق الاستفادة منها.
3. تضاعف المعلومات بسرعة: غالباً ما يؤدي تعليق أحد الأفراد داخل الجماعة إلى سلسلة من الردود من جانب الأفراد الآخرين .
4. وجود حافز على المشاركة: بعد المقدمة القصيرة التي يبدأ بها الباحث المقابلة عادة ما يرغب المشاركون في التعبير عن شعورهم وطرح أفكارهم أمام الآخرين كلما ازداد اهتمامهمم بموضوع النقاش.
5. شعور المشتركين بالأمان: في حالة الجماعة التي يتم انتقاؤها بعناية يجد الفرد نوعاً من الراحة في تشابه شعوره مع شعور الآخرين وفي عرضه لأفكاره دون الحاجة للدفاع عنها أو شرح أسبابها، وفي مثل هذه الحالات يميل الفرد إلى أن يكون أكثر صراحة في حديثه: لأن التركيز يكون عادة على الجماعة وليس على الفرد، ولأنه سريعاً ما يجد أن ما يقوله لا يرتبط بالضرورة بشخصه.
6. تلقائية الإجابة: عادة ما تكون استجابة الفرد في المقابلة الجماعية تلقائية وغير تقليدية؛ نظراً لعدم إلزام أي فرد بالرد على أي سؤال مطروح للنقشا، وقد تعكس الاجابة التقائية موقف الشخص من المسألة المطروحة بدقة أكثر. ومن الملاحظ في ا لمقابلات الجماعية أن الناس يتكلمون فقط عندما يكون لديهم شعور معين ورأى محدد في المسألة المطروحة وليس لمجرد أن هناك سؤالاً يحتاج إلى إجابة.
7. التخص: تسمح المقابلة الجماعية باستخدام وسيط مدرب تدريباً عالياً لإدارة المقابلة مما يحقق اقتصاديات الحجم ويخفض من التكلفة.
8. الفحص والتمحي: تسمح المقابلة الجماعية بدرجة أكبر من التمحيص من جوانب كثيرة، فمن جهة يمكن لعدد من المراقبين ملاحظة ما يجري في المقابلة وهم جلوس في غرفة أخرى من خلال مرآة مزدوجة مما يضمن نوعاً من الاتساق في تفسير النتائج، ومن جهة ثانية يمكن تسجيل المقابلة بالصوت فقط أو بالصوت والصورة مما يساعد على إعادة فحص تفاصيل المقابلة في وقت لاحق، والتغلب على الخلاف الذي قد ينشأ حول حقيقة ما قيل وما حدث فيها بالفعل.
9. السيطرة على موضوع النقاش: توفر المقابلة الجماعية سيطرة أكبر على الموضوعات المطروحة للحوار وعلى درجة التعمق في مناقشتها بالمقارنة بالمقابلة الفردية، فالقائم بالمقابلة يكون عادة أحد المشتركين فيها، وبالتالي تتوفر له فرصة إعادة فتح النقاش في الموضوعات التي لم تتلق معالجة كافية عند بداية عرضها.
10. السرعة في الإنجاز: يترتب على المقابلة الجماعية إنجاز المطلوب في وقت أسرع مما لو تمت مقابلات فردية مع أفراد المجموعة ، فالمقابلة الجماعية المركزة تأخذ ساعتين تقريباً لإتمامها، وبذلك يستطيع الباحث إتمام مقابلتين جماعيتين في يوم واحد مع عشرين مستهلكاً ، بينما يحتاج الأمر من الباحث إلى عدة أيام لإتمام نفس العدد من المقابلات في حالة المقابلة الفردية المتعمقة.

ويمكن تلخيص عيوب مقابلات الجماعات المركزة فيما يلي:

1- التفسير غير الموضوعي للنتائج: يعانى هذا الأسلوب البحثي من نفس عيوب أساليب البحث الكيفي عامة واهمها أن تفسير النتائج قد يختلف من باحث لآخر، وغالباً ما يكون هذا التفسير غير موضوعي؛ لأنه لا يستند إلى معايير أو اختبارات كمية محددة، وإنما يعتمد على خبرة الباحث ورأيه الشخصي وقدرته على استنتاج الاحداث وربطها ببعضها.
2- وجود وسيط ضعيف: ربما يفرض أحد المشاركين في المقابلة نفسه على المجموعة ، ويسيطر عليها في حالة وجود وسيط ضعيف مما يشجع به على التحدث طول الوقت أو معظمه وحرمان الآخرين من الحديث، وهذا يؤدي بلا شك إلى نتائج غير طبيعية وغير ممثلة لرأى الأغلبية.
3- جو المقابلة: قد لا تعقد الجلسات في الجو الطبيعي الذي تعود عليه الأفراد مما يؤثر في دقة إجاباتهم.
4- اختلاف القرار الجماعي على القرار الفردي: قد لا تنعكس المقابلة الجماعية آراء الفرد وقرارته بصورة صحيحة؛ حيث إن عملية اتخاذ القرار بين الفرد ونفسه ليست هي نفس العملية إذا تمت من خلال الجماعة فهناك – مثلاً – دلالئل تشير إلى أن الجماعة تميل إلى قبول درجة أعلى من المخاطرة عند اتخاذها القرار بالمقارنة بالقرار الفردي، وبذلك فالنتائج التي تعطيها المقابلة الجماعية ربما تعكس درجة من المخاطرة أعلى من الدرجة التي قد يقبلها الفرد وإذا اتخذ قراره بينه وبين نفسه بعيداً عن الجماعة.
5- استخدام النتائج كحل نهائي لمشكلة البحث: تستخدم بعض منشآت الأعمال نتائج المقابلات الجماعة المركزة كأساس لوضع حل نهائي لمشكلة البحث دون أن تتبع هذه المقابلات ببحوث أخرى أكثر دقة وأوسع مدى، ومن المعلوم أن هنا الأسلوب البحثي يقتصر دوره على كونه نوعاً من البحوث الاستكشافية وليس من البحوث النهائية.

الخاتمة:

يهتم مديرو التسويق بدراسة دوافع الشراء؛ لأن تحفيز المستهلكين على الشراء هو أحد الأهداف الرئيسية للجهود التسويقية، غير أن دوافع الشراء لا يمكن ملاحظتها بالعين المجردة، ويمن استنتاج السلوك الناتج عنها فقط، ومع ذلك فإن بذلك الجهد في فهم تلك الدوافع يفيد في تفسير أنماط السلوك الشرائى للأفراد والعائلات وفي إلقاء الضوء على نشأتها وتطورها وتكرار حدوثها.
ويتم قياس الدوافع باستخدام ثلاث طرق تنتمى إلى أساليب البحث الكيفي أو النوعى، هي: المقابلة الشخصية المتعمقة، والمقابلات الجماعية المركزة (أو جماعات التركيز)، وقد ناقشناها جميعا وأعطينا بعض الأمثلة على استخداماتها، كما ناقشنا مزاياها وعيوبها بالتفصيل.

قائمة المراجع :

كتب
د.محمد عبيدات – سلوك المستهلك – الطبعة الأولى- 1995- المستقبل للنشر و التوزيع.
د.أحمد علي سليمان – سلوك المستهلك بين النظرية و التطبيق – 2000.
د.حمد علي سليمان- سلوك المستهلك

ahmedkordy

خدمات البحث العلمي 01009848570

  • Currently 2/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
2 تصويتات / 6340 مشاهدة
نشرت فى 22 سبتمبر 2012 بواسطة ahmedkordy

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

30,756,169

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters