بقلم: سمية رمضان أحمد

 

بعد شجار عاصف مع زوجها، وبعد أن انتصر كلٌّ منهما لنفسه، مسبِّبًا جرحًا لمشاعر الطرف الآخر، تركها وهي تتميز من الغيظ، والأفكار تتقاذفها، وتكاد أن تعصف بها الأهواء، وأخذت تتذكر كل شريط معاناتها مع هذا الرجل منذ زواجها، كلما انتهى شريط ذكرياتها أعاده لها الشيطان في حلة أسوأ وأبشع، واستسلمت لوسوسة من لعنه الله وغضب عليه، وعندما أيقن من إرهاف سمعها له، وتسليم جوارحها لأوامره، أخذ يلهو بها كالكرة في يد الصبي.

وأخذ بركان الغضب يغلي بصدرها، يكاد أن يخرج بحممه، فيحرق كل ما يصادفه، فلم تتمالك نفسها فأخذت تبكي وهي تندب حظها العثِر!!

وبدأ أولادها يتوافدون عليها في عجب من أمرها، تكاد قلوبهم الصغيرة تنفطر لمرآها، ولم تنتظر سؤالهم، فقد انسابت شكواها من أبيهم بتلقائية تحسد عليها، وأسعدها انفعال الأولاد وحزنهم عليها، وأصبحت جنازة لا ميت فيها، إلا البعد عن روح القرآن والسنة.

وهذا هو ما نطقت به إحدى بناتها وقد حبَاها الله بقدر من الحكمة؛ حيث قالت يا أمي، هوني عليك، فما تشكين منه ليس بجديد، وأيضًا يعاني منه غيرك؛ فإني أقرأ كثيرًا بريد الشكاوى واستمعت لكثير من الشكاوى المتشابهة مع مشكلتك، وكأن المشكلة الواحدة يمر عليها كثير من البشر للابتلاء والتمحيص، ولكن الجديد هو أننا بشهر فضيل، نقرأ فيه الكثير من آيات القرآن؛ فأين ثمراتها التي لا بد وأن تظهر في ردود أفعالنا؟

وكانت كلمات ندية أيقظت في روح الأم التعلق بالله؛ فمسحت دموعها ونظرت لبناتها وهي فخورة سعيدة، فنهرت على الفور ابنها الذي بدا يكيل الاتهامات لوالده، وكذلك ابنتها الأخرى التي قرَّرت عدم الحديث مع والدها بعد الآن!.

وقالت: حقًّا.. أين ثمرات تلاوتها للآيات طوال هذا الشهر؟ وما جدوى الليالي الطوال وقيام ليلها؟ وما جدوى صلاتها في المسجد وهي تعاني من طول القيام؟ وما هذا الذي تفعله بنفسها؟ ألم تنههم الآيات أن تقعد مع القوم الظالمين، فكيف بها وهي تستأنس الجلوس مع الشيطان وقد سلَّمت له نفسها؟!

يا الله.. هكذا هتفت هذا المغضوب عليه لا سلطان له على المؤمنين، فماذا فعلت في نفسها، يا رب.. أنا أدعوك دومًا، أن تنجيني من نفحه ونفثه، فما باله وخرطومه في أذني، وبدأت تناجي ربها، وهنا فطنت أن الدعوة لا بد فيها من إرادة قوية مع النية الخالصة؛ فلا بد لها أن تقف وقفةً حازمة مع قرينها الشيطاني، كلما وسوس تصده، وتسأل الله المعونة.

مسحت ابنتها على ظهرها بحب قائلةً: أتمنى أن أراك مع والدي على أحسن حال؛ فإن هذا هو مصدر طاقتنا ونبع سعادتنا، قبَّلت الأم يدَي ابنتها وهي تعدُها بتحقيق ما تتمنَّى ولكن في هذه المرة بعزيمة وصدق.

وأخذت تتذكر ما قدمه لها زوجها من صبر، وما اعترف عليها من حب، وكيف أنها لا تستطيع الاستغناء عنه؛ فهو حبيبها، ومن يحتوي سرَّها، ومن تشعر معه بالأنس والسكينة، وكلما تذكرت ما يسرها انزوَى أمامه ما يحزنها وانكمش، فلا يكاد يبين، وانتعشت المودة والرحمة التي جعلها الرحمن بين الزوجين من سباتها، وبدأت تصلها بزوجها بخيوط حريرية، فهدأت مما كانت تعانيه، وتوضأت واتجهت إلى القبلة مناديةً ربها وهي تتلو الآيات، راجيةً أن تنال ثمرةً من ثمراتها تهديها لزوجها، وشعرت بعد الصلاة وكأنها تخرج من كهف مظلم كئيب لا يحوي سوى الهمّ والغمّ والنكد.

ونتركها ونصاحب زوجها وقد انتهى عمله، وآن أوان رجوعه إلى منزله؛ فإذا هو مكتئب، لا يريد أن يذهب إلى حيث زوجته، فلا بد وأنها ستواصل اسطوانتها التي سئم من سماعها، وهذه الاتهامات المتعددة المتلاحقة التي تنفذ إليه كالسهام السامة، ولكن إلى أين يذهب؟ نعم سأذهب إلى أي مكان سوى هذا البيت!

وبدأ المسير إلى حيث أهله، دخل على أمه وهي لم تتوقع قدومه في هذا الوقت، والعبوس يحيط به من كل ناحية، وقد أحال وجهه إلى السواد، جلس ولم يتكلم، وذهبت هي للمطبخ لإعداد الطعام، وقد فهمت ما حدث؛ فهو لا يصطحب زوجته وأولاده، ووضعت شريطًا لأحد العلماء لتستمع إليه، وكان يتحدث عن أثر رمضان على المؤمن، وثمرات ذلك.

وعلى الفور أخذ عقله ينظر إليه نظرةً كلها عتاب، وسأل نفسه: لماذا هذا العناد في كل شيء؟ وأين وصية الرسول- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- بالقوارير؟، ولماذا هو يصر على أنه لا يخطئ أبدًا؟!! وبالفعل لماذا يكتم عن زوجته الكثير من الأمور وهي حبيبته وسبب عفته وقد أنارت البيت بمقدمها؛ فإنه أبدًا لا هو ولا الأولاد ولا البيت يستطيعون الاستغناء عنها؟!

فلماذا يرفض أن يسمع منها أي شكوى أو أي عتاب وكأنه ملاك نزل على الأرض، لا خطأ عليه أبدًا، وهي دومًا الخطاءة "الزنانة العكنونة" كما يصفها بشكل علني، غير عابئ بمشاعرها أو أحاسيسها، وكلما سألته: إلى أين تذهب؟ يقول: مشوار ولا يفصح ولا يوضح.. لماذا؟ ولماذا يؤذي مشاعرها بالنظر إلى سواها؟ بل ومدح بعضهن أمامها!! لا يريحها ببعض الكلمات الطيبة، سبحان الله!! إنه لم يقل لها "حبيبتي" منذ فترة طويلة وله الحق هذا الداعية فيما قال؛ فإن لم تكن أولى ثمرات قراءة الآيات وتلاوتها آناء الليل وأطراف النهار إسعاد زوجتي الضعيفة التي ليس لها سند في الدنيا سواي، فماذا ستكون ثمراتها؟ ولماذا إن تحدثَت أو عاتَبت هاجمها هذا الهجوم؟!

وضع كلتا يديه على وجهه، وأخذ يتذكر مساعدتها له، وحبها للأولاد، وسهرها على راحتهم جميعًا؛ فإن عليها عبئًا كبيرًا، فلماذا لم يفطن لذلك؟ ولماذا ينتصر دومًا لنفسه؟ ولا يحاول حتى أن يريحها بكلمات، طالما طلبتها منه، بل قد كانت تستجديها منه، وهو يقول لها إني لا أستطيع أن أعبر عن مشاعري؟ ولماذا لا يعبر؟ هل هو أفضل من رسول الله- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- الذي أعلن عن حبه لعائشة أم المؤمنين أمام الرجال، وهو لا يستطيع أن يعلن عن حبه لها حتى لإدخال السرور عليها بالله.

هكذا هتف بالفعل: ماذا فعلت معي الآيات الكثيرة التي قمت بتلاوتها طوال الشهر الكريم، فردَّ فعلي مع زوجتي لم يتغيَّر عن غير رمضان، فأين ثمرات ما قرأت؟ وأين الصلاة؟ والعطاء والتضرع إلى الله؟ وكيف أنتظر رحمة الله وأنا قد بخلت على زوجتي بالرحمة ولم ألتمس لها الأعذار.

هب واقفًا، وقبَّل ناصية أمه، وقال لها: عظيم يا أماه استماعك إلى الدعاة وأنتِ تقومين بعملك!! هل أستعير هذا الشريط لزوجتي؟ ناولته له على الرحب والسعة، فخرج من عندها وأمه تنظر إليه سعيدةً، فقد أوصلت له ما ترددت عن الإفصاح به، وساقه الله لها وهو يتلهَّف للقاء حبيبته، وكانت زوجته تستعد لإصلاح ذات البين لاستقباله بروح الآيات وليس بروح الشيطان، فتلاقت الأعين، وتبادلا الثمرات الرمضانية، وتعالت ضحكات الأولاد مع فرحة الملائكة وتبشيرها لهما برضا الرحمن.

وها هو الشهر يذوب، حسبنا أن الآيات التي قمنا بتلاوتها ستكون معنا مصاحبةً لكل ردود أفعالنا؛ فتصبغ حياتنا بصبغة الله وما أجملها من صبغة وما أروعها!!

 

ahmedkordy

خدمات البحث العلمي 01009848570

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 753 مشاهدة
نشرت فى 16 أغسطس 2012 بواسطة ahmedkordy

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

30,776,932

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters