بقلم   أ.د/حسن البانع محمد

مقدمة:

كتب "ستيفن كينج" Stephen king الكاتب الأمريكي المعروف عقب نشر آخر رواياته عبر الإنترنت مباشرة دون الاستعانة بأي من دور نشر الكتاب المطبوع التقليدية، كتب، مخاطبا قراءه: أصبحت لدينا الفرصة لكي نصير ناشرين كبار يا أصدقائي. وحينما قال كينج عبارته تلك كان معتمدا على معطيات هامة، حيث تم خلال الخمسة عشر ساعة الأولى من نشر الكتاب على الإنترنت بيع ٤١ ألف نسخة الكترونية فيما يبلغ سعر النسخة الواحدة دولارا واحدا. وسببت خطوة كينج وغيرها من الخطوات الجادة في مجال النشر الإلكتروني مخاوف تجارية كبيرة من قبل دور النشر التقليدية.

وقد شهدت السنوات القليلة الماضية تطوراً لم يسبق له مثيل في مجالي النشر المكتبي والطباعي، حيث تفاجئنا الشركات المصنعة ومراكز أبحاثها كل يوم بمنتج جديد أو تقنية حديثة، تغزو بها الأسواق لتشتد المنافسة بينها وبين مختلف المنتجات والتقنيات الأخرى المتوفرة  بالأسواق، ومن هذه التقنيات الكتب الإلكترونية والمجلات الإلكترونية.

ويعد النشر الإلكتروني المقابل الحديث والمعاصر للنشر الورقي. ويُقصد به وسيلة النشر التي تتخذ من الشاشة الإلكترونية وسيطًا ينقل من خلالها جهازُ النشر مادته إلى الجمهور المتلقي، مستبدلاً بالحبر والورق الشاشة الزرقاء.

جاء النشر الإلكتروني إلى العالم كخطوة جديدة تعلن عن عالم أكثر رحابة للمعلومات، تستطيع الكلمة فيه تجاوز كل الحدود والقيود التي تمنعها من ذلك، بما في ذلك دور النشر التي كانت ولا تزال تملى شروطا قاسية على عدد من المؤلفين، ورغم ما تبديه دور النشر من تحفظ على هذا الأسلوب ( بيع الكتب إلكترونيا ) غير أن متعة الحصول على المعلومات سريعا كما هي من قبل القراء جعل جماهير الكتاب تقبل على اقتناء مثل هذه الكتب التي عادة ما تتميز مادتها بالندرة والإثارة، ليبقى السؤال مطروحا عن آفاق النشر التقليدي في عالم يسوده الإنترنت. على نفس المنوال، بدأ مجال النشر والطباعة التقليدي بخطوات ثابتة في مجال النشر الإلكتروني، غير أن الحكم الاستباقي على الأفضل من بين الوسيلتين يبدو مجحفًا وتجاورهما في المدى القريب وارد.

أهداف النشر الإلكتروني:

كانت تنحصر في هدف واحد هو قدرة الشبكات على نقل الملفات النصية لخدمة الأغراض العسكرية، حتى بدأت أهداف النشر الإلكتروني تتعدى إلى المؤسسات الأكاديمية والجمعيات العلمية وغيرها بما في ذلك الأفراد وأصبحت أهدافه تتركز في النهاية في الآتي:  تسريع عمليات البحث العلمي في ظل السباق التكنولوجي، وتوفير النشر التجاري الأكاديمي، ووضع الإنتاج الفكري لبعض الدول على شكل أوعية إلكترونية، فضلاً عن تعميق فرص التجارة الإلكترونية.

ويتميز النشر الإلكتروني عن النشر التقليدي بخصائص وصفات كما يلي: إمكانية إنتاج وتوزيع المواد الإلكترونية بشكل سريع، وإمكانية إجراء التعديلات بشكل فوري، ولا توجد حاجة للوسطاء والتوزيع التقليدي، ومساهمة عدد من المؤلفين أو الكتاب في إنتاج المادة الإلكترونية بشكل تعاوني، كما يمكن توزيع المادة الإلكترونية لكل أرجاء الأرض دون الحاجة لأجور التوزيع، فضلاً عن أنه يمكن للمستفيد شراء المقالة أو الدراسة الواحدة فقط، بعكس الدوريات التقليدية التي يتم شراء الدورية كاملة.

وبعد هذا العرض للمميزات وصفات وخصائص النشر الإلكتروني، نوضح الفروق بين عملية النشر التقليدي وعملية النشر الإلكتروني.

النشر الإلكتروني:

·   إمكانية تجميع الوثيقة بأشكال متعددة صوتية، نصية، وصورية.

·   إمكانية الإنتاج السريع والعالي لكم كبير من الوثائق الإلكترونية.

·    تظل الوثيقة الأصلية على جودتها ومن الممكن أن تضيف تحسين وتعديل عليها .

·   إمكانية التعديل والتجديد وإعادة استخدام البيانات، قد يطرح مشكلة في درجة الثقة والضبط .

·    إمكانية التوزيع السريع للوثيقة بشكل سريع وفي أي مكان.

·    صعوبة تحديد وتطبيق الحقوق الفكرية وتطبيق القوانين الإبداعية.

النشر التقليــدي:

·   تحتاج إلى وقت طويل في الإعداد والنشر حتى تصل ليد القارئ.

·   عدم القدرة على الإضافة والحذف لأن هذا سوف يشوه مظهرها.

·   عدم القدرة على استخدام البيانات والتعديل فيها،يعطى الوثيقة ثقة تامة وضبط، حيث تضمن سلامتها من العبث .

·   صعوبة نشر الوثيقة بسبب الإجراءات الطويلة التي تمر بها، وهذا قد يكون ميزة وعيب.

·   تضمن الحقوق كاملة من ناحية الإيداع وضمان حقوق المؤلف .

والذي تجدر الإشارة إليه هو أن موقف الجمهور المتلقي من النشر الإلكتروني بمظاهره وواجهاته المختلفة لم يستقر حتى الآن، بعد مضيّ حوالي عقدين من الزمان على ظهوره، إذ لم تتضح معالمه إلا مع انتشار استخدام شبكة الإنترنت عالميًا، مع أنه كان موجودًا قبلها –على شكل أقراص مدمجة CD-ROMs. وعندما أصبح استخدام شبكة الإنترنت شائعًا واجهت فكرة النشر الإلكتروني موقفين متعارضين من قِبَل القراء ما بين مؤيد ومعارض، وذلك بحسب صلة كل قارئ بالحاسوب ومدى تقبله –أو اعتياده على- القراءة عبر الشاشة.

ومع تذبذب المواقف وعدم استقرارها حتى الآن تجاه النشر الإلكتروني نلاحظ أنه يخطو خطوات واثقة نحو تقديم نفسه بوصفه نمطًا جديدًا للنشر يتناسب مع العصر، ويعبر عنه، ويقترب من ميول الأجيال الناشئة التي يبدو أنها أكثر ألفة مع كل ما يكتسب صفة الإلكترونية في مقابل إعراض شبه مجمع عليه عن كل ما يحمل ملامح الورقية.

 ولكن لا يعني هذا أن وسائل النشر الورقي التقليدي لم تعد تجد قراء، بل على العكس من ذلك، أثبت النشر الورقي قدرته على الثبات والاستمرار في وجود منافس بقوة وسائل النشر الإلكتروني التي تتضمن عناصر غير متوفرة في نظيرتها الورقية -أهمها كسر النمط التقليدي للتعامل مع المصادر المعلوماتية- ومع هذا لا يزال النشر الورقي بأشكاله التقليدية المعدودة (الكتاب والصحيفة والدورية) يجد رواجًا كبيرًا.

انتشار النشر الإلكتروني في الآونة الأخيرة اعتبرها بعض الكتّاب العرب بأنها تشكل تهديدا للنشر الورقي، وبين مؤيد لهذا المنافس الجديد ومعارض له أثير جدل كبير في الأوساط الأدبية والفكرية كل لديه وجهة نظره التي يحاول الترويج لها. فغالبا ما يكون الكتّاب الورقيين، لا سيما من الجيل القديم من الكتّاب وأصحاب دور النشر، من أشد المعارضين للنشر الرقمي. فيما أن الكتّاب الرقميين، خصوصا الجيل الجديد الصاعد الذين يجدون سهولة في التعامل مع التقنيات الحديثة، من أشد المدافعين عن الكتاب الإلكتروني أو الرقمي،وفيما يلي عرض لوجهتي النظر المتناقضتين ودفاع كل منهما عن وجهة نظره.

المدافعون عن النشر الورقي:

-         الكتاب الورقي هو الأبقى لما له من علاقة حميمة مع القارئ أو مع مقتني الكتاب الورقي والمهتمين باقتنائه.

-     أن من مساوئ النشر الالكتروني أنه يتطلب القراءة في مكان محدد‏ وبطريقة محددة، فيما أن الكتاب الورقي يمكن أن يصطحبه القارئ معه في القطار وفي غرفة النوم وفي كل مكان الأمر الذي ينتفي في الكتاب الالكتروني.

-     يعتقدون بأن الكتاب الورقي يعطي عمق المعرفة والتأمل، في حين أن الكتاب الالكتروني أو النشر الالكتروني فيعطي فكرة عن الموضوع ولا يمكن للقارئ التعمق في دراسة الكتاب لصعوبة الجلوس على شاشة الكمبيوتر من ناحية صحية لوقت طويل‏.‏

-         أنه في حالة الكتاب الإلكتروني لا يوجد حماية على حقوق المؤلف ويسهل سرقته على عكس الكتاب الورقي.

-     مناهضو النشر الإلكتروني يرون أن البلاد العربية بها نسبة أمية عالية بحيث لا يستفيد الجمهور من الكتاب الالكتروني الذي يحتاج لتكنولوجيا معقدة.

-     حتى وإن وجدت بعض الميزات في الكتب الالكترونية، إلا أن لها عيوبا كثيرة، منها ارتفاع أسعار القارئات، وعرضتها للأعطال، وسرعة تقادمها نتيجة التطور الحثيث للتقنية.

المدافعون عن النشر الرقمي:

-     يرون أن الكتاب الورقي يأخذ شكل جسم مادي يتطلب الحمل والنقل والسفر والتوزيع والبيع والشراء، والتنقل داخل حدود جغرافية الخ.، في حين أن الكتاب الإلكتروني يتحرر من القيود السابقة كافة، حيث يمكن نسخه على القرص الصلب، أو الاسطوانة المرنة، دون اللجوء إلى إشغال حيز من المنزل تكدس فيه الكتب والأوراق والخرائط والأدوات المكتبية المختلفة.

-     أن التقنية حلت كل المشاكل اليوم في ظل انتشار الحواسب المحمولة (اللاب توب) التي يستطيع أن يحملها الشخص معه في أي مكان.

-      التقنية الحديثة الرقمية توفر الوصول إلى المعلومة بسرعة كبيرة، حيث يستطيع القارئ أو الباحث الحصول على المعلومات في دقائق معدودات. إضافة إلى أن الكتاب الإلكتروني يقدم للقراء والباحثين خدمات أكثر من حيث إمكانية البحث والفهارس الإلكترونية لا تتوفر مطلقا في حالة الكتاب الورقي.

-     وحول ادعاء المعارضين للنشر الإلكتروني بأن الجلوس على شاشة الكمبيوتر يؤثر على الناحية الصحية فهم يرون بأن اللاب توب يمكن حمله إلى أي مكان حتى في السرير.

-     ويدافع المؤيدون للنشر الإلكتروني بقولهم بأنه يمكن أن توجد العديد من التقنيات التي تحد من السرقة الإلكترونية المعروفة "بالنسخ واللصق" Copy & Paste.

-     إمكانية إضافة الكثير من النظم التفاعلية للكتاب الإلكتروني حيث يتميز بوجود وسائط متعددة من نصوص وصور ورسوم وصوت وأفلام متحركة‏,‏ فيحقق قدراً كبيراً من التفاعلية مع القارئ‏,‏ الأمر الذي يساعد على التعلم بصورة أفضل.

إن الموقف المتذبذب بين رجحان النشر الإلكتروني على النشر الورقي أو العكس يدلنا على أن الوسيلتين اختارتا المجاورة وأن توجد إحداهما في ظل وجود الأخرى، ولا يوجد ما يستدعي الحكم بنفي إحداهما أو إقصائها لمصلحة الأخرى، لأننا فشلنا جميعًا حتى الآن في توحيد الموقف منهما، وفي تحديد الوسيلة الأفضل بينهما، أو الأكثر قبولا وانتشارًا، مما يستحسن معه أن يبقى الأمر دون حكم، بانتظار حكم الزمن خلال السنوات القادمة لمعرفة مصير كل منهما؛ فإذا كان النشر الإلكتروني أسرع وأسهل في الوصول إلى القراء، وأقل كلفة لعدم حاجته إلى الورق، وهذه تعد مزايا ترجح كفته، فإن النشر الورقي يصل إلى شريحة كبيرة من القراء الذين لا يحسنون استعمال الكمبيوتر، أو لا يملكون قيمته، أو لا يستطيعون الاتصال بالشبكة، كما أن القراءة من خلال الورق أكثر راحة للعين من القراءة عبر الشاشة، وهذه مزايا ترجح كفة النشر الورقي! مما يجعل الحكم الاستباقي على الأفضل من هاتين الوسيلتين مجحفًا، ويدفعنا نحو القول بإمكانية تجاورهما حتى تستطيع إحداهما التفوق على الأخرى أو إقصاءها.

 

المراجع:

1-      أبو بكر خالد سعد الله (مارس 2003) . المجلات الأكاديمية من الصيغة الورقية إلى الصيغة الرقمية، مجلة التربية، اللجنة الوطنية القطرية للتربية، السنة (32)، العدد (144)، مارس، 282-289 .

2-            الغريب زاهر إسماعيل (2001) .  تكنولوجيا المعلومات وتحديث التعليم، القاهرة: عالم الكتب .

3-      جورج نوبار سيمونيان (2001) . أحدث التقنيات المؤثرة في تطوير المدرسة الإلكترونية، المؤتمر العلمي السنوي الثامن بالاشتراك مع كلية البنات جامعة عين شمس 29-31 أكتوبر 2001، الجمعية المصرية لتكنولوجيا التعليم، القاهرة، 169-186 .

4-            جورج نوبار سيمونيان (2004) . الثقافة الإلكترونية، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب .

5-      حسن الباتع محمد عبد العاطي (2010). التصميم التعليمي عبر الإنترنت: من السلوكية إلى البنائية: نماذج وتطبيقات، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية .

6-      حسن الباتع محمد عبد العاطي والسيد عبد المولى (2012). التعلم الإلكتروني الرقمي: النظرية، التصميم، الإنتاج،ط2، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية .

7-            فاطمة البريكي النشر الإلكتروني والنشر الورقي: الإقصاء أو التجاور؟ جامعة الإمارات

8-      فهيم مصطفى محمد (2003): الكتاب الإلكتروني وتنمية مهارات التفكير عند الأطفال، مجلة التربية، اللجنة الوطنية القطرية للتربية، السنة (32)، العدد (146)، سبتمبر 65-78.

9-      محمد صديق محمد حسن وعائشة جاسم الكواري (2003) . النشر الإلكتروني في الميزان، مجلة التربية، اللجنة الوطنية القطرية للتربية، السنة (32)، العدد (144)، مارس، 60-76.

10-       نادية أبو زاهر(2007) الجدل بين النشر الورقي والنشر الإلكتروني ومستقبل الكتاب الورقي في ظل العصر الرقمي

 http://www.mafhoum.com/press10/310C34_fichiers/css.xp.htm

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 3798 مشاهدة
نشرت فى 13 يوليو 2012 بواسطة ahmedkordy

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

29,721,603

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters