- مشـكلة: الكذب بين الزوجين .
إن من أخطر المشكلات التي تواجه الأسرة، خاصة في بدايتها، قضية فقدان الثقة بين الزوجين، والتي مردّها في الدرجة الأولى إلى الكذب، ولو أحيانا، من أحد الزوجين بحجة أن ذلك كذب أبيض, وهذا في الحقيقة له تأثير كبير على الحياة الزوجية، فإن الكذب مهما كان صغيرا يبقى كذبا ويؤدي إلى إثارة الشك والقلق بين الزوجين، بالإضافة إلى كونه خلقا سيئا وعادة خبيثة ممقوتة، وهو يؤدي إلى فقدان الثقة بالشخص الكاذب حتى وإن كان ما يقوله صدقا.
فمشكلة الكذب لها أضرارها الوخيمة على الحياة الزوجية وإفساد صفوها, وخاصة عند إكتشاف أحد الزوجين بكذب الطرف الأخر, مما يؤدي إلى إنتزاع عنصر الثقة بين الزوجين وفقدان الأمان في الحياة الزوجية, وكما قيل في الأمثال الشعبية: يا من تأمن الرجال كمن تأمن على الماء في الغربال ".
وعندما يكتشف أحد الزوجين كذب الآخر لا يكون إكتشافه بسبب تفوق ذكائه، ولكن الظروف دائمًا ما تكون مسؤولة عن كشف الحقائق، وعادة ما يكون الطرف الذي يشك في كلام الآخر بإستمرار هو الطرف الأكثر كذبًا، وإذا غاب الحب وكانت العلاقة الزوجية متصدعة من الأساس فإنه في تلك الأجواء يمكن أن يؤدي الكذب إلى حدوث الإنفصال, لأنه يسبب حالة من فقد الثقة بين الطرفين.
إن الكذب في الحياة الزوجية شكل من أشكال الكذب في الحياة بشكل عام، ويكون الهدف منه جلب منفعة أو دفع مضرة، وقد يمارس الزوج أو الزوجة عادته في الكذب لمجرد التلذذ بإظهار الأمور على غير حقيقتها، وشعوره بالتفوق على الطرف الآخر وقدرته على خداعه.
الحـــل:
- الصـدق منجاه: إن الصراحة هي قوام الحياة الزوجية السليمة الخالية من الشكوك والأمراض التي قد تهدد كيان الاسرة بالإنهيار وأنه إذا إرتكزت الحياة الزوجية عليها كانت حياة هادئة هانئة, أما إذا أقيمت على عدم المصداقية فإنها تكون حياة تعسة يفقد خلالها كلا الزوجين ثقته في الآخر, لذا ينبغي شيوع المصداقية والشفافية في الحياة الزوجية الناجحة ولا غنى عنها بأي شكل من الاشكال كما أنها ضرورية لإيجاد التفاهم, وينبغي تربية الأبناء على سلوك الصدق والتخلق به كخلق إسلامي قويم تقوم عليه المباديء والتشريعات الإسلامية, وهو خلق عظيم يهدي إلى البر والبر هو كافة أوجه الخير للهداية إلى طريق الجنة.
- علاج الكذب في الحب والتفاهم والتسامح: لأن من يحب يخاف أن يخسر حبيبه لو تأكد من كذبه, فمشكلة الكذب يمكن أن تعالج في جو من الحب والتفاهم وتوافر الثقة بين الزوجين، وعلى الزوج أن يتغاضى عن هفوات الزوجة والتسامح إذا كان الكذب في أمور بسيطة وإذا كان هناك أساس قوي من المودة فالمرأة بطبعها ضعيفة وقد تتخذ الكذب في بعض الأحيان وسيلة دفاعية لدرء ما تخاف حدوثه! فعلى الزوج أن يفهم زوجته برفق أن هذا الكذب لا يجوز وأنه قد يخلق جوّا من عدم الثقة بينهما، وأنه من الأفضل أن تصارحه مهما كانت الظروف وهو قادر -إن شاء الله- على تخطي العقبات بهدوء ولن يثور عليها.
- لا أكذب ولكني أتجمل: الصدق أم هام وضروري في الحياة الزوجية, وإن كان إستخدام الكذب مستحب في بعض الأمور أثناء الحياة الزوجية حتى لا تتوقف عجلة الحياة وتخطي الأزمة, والكذب فى إبداء العواطف من أجل ديمومة الحياة بين الزوجين وإستقرارها أمر لابأس بيه طالما أن المقصد مشروع.
عن أم كلثوم بنت عقبة رضي الله عنها قالت: ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص في شئ من الكذب إلا في ثلاثة "الرجل يقول القول يريد به الإصلاح، والرجل يقول القول في الحرب، والرجل يحدث إمراته والمرأة تحدث زوجها".
والكذب في حديث الزوج لزوجته والزوجة لزوجها المشار إليه إنما هو الكذب الذي يدفع عنهما مشكلات الحياة الزوجية، فمن المهم أن يمتدح الزوج زوجته ويذكر محاسنها وجمالها ولطفها ورقتها وعذوبتها فبهذه الكلمات يكسب قلبها ويليّن خلقها، وذلك يساعد على تقوية رابطة الحب بين الزوجين، حتى ولو لم تكن الزوجة على المستوى الذي يعبر عنه زوجها أو تكون على غير ذلك من الأساس، فإنه بذلك يدفعها إلى الرضا والتفاني تجاهه وتجاه واجباتها، وبذل المزيد من الجهد، فحب المدح والثناء غريزة لدى الإنسان خاصة النساء, كذلك الزوجة يمكن أن تمدح زوجها وتذكر من حسن خلقه وسعة صدره، فهي بذلك تكسب قلبه وتشعره برضاها عن عيشتها معه.
ومما ورد في ذلك, أنه في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان هناك رجلا يدعى ابن أبي عذرة الدؤلي، وكان يخلع النساء اللاتي يتزوج بهن، فطارت له في الناس من ذلك أحدوثة يكرهها فلما علم بذلك، أخذ بيد عبد الله بن الأرقم، حتى أتى به إلى منزله، ثم قال لامرأته: أنشدك بالله هل تبغضيني؟ قالت: لا تنشدني. قال: فإني أنشدك الله. قالت: نعم.
فقال لابن الأرقم: أتسمع؟ ثم انطلقا حتى أتيا عمر رضي الله عنه. فقال: إنكم لتحدثون أني أظلم النساء وأخلعهن، فاسأل ابن الأرقم! فسأله عمر فأخبره، فأرسل إلى امرأة ابن أبي عذرة، فجاءت هي وعمتها، فقال: أنت التي تحدثين لزوجك أنك تبغضينه؟ فقالت: إني أول من ثاب وراجع أمر الله تعالى. إنه ناشدني الله، فتحرجت أن أكذب. أفأكذب يا أمير المؤمنين؟ قال: نعم، فاكذبي! فإن كانت إحداكن لا تحب أحدنا فلا تحدثه بذلك، فإن أقل البيوت الذي يبنى على الحب، ولكن الناس يتعاشرون بالإسلام والأحساب!.
فقد أجيز الكذب في الإصلاح بين الزوجين خاصة وبين المتخاصمين على وجه العموم, الأمر الذي يحتاج إلى مهارة في إستخدام هذه الوسيلة وعدم الإعتماد على ذلك في حل المشاكل في كل مرة.
والحقيقة أن الكذب جزء من الإنسان وإذا أدركنا ذلك فسنصبح أكثر تسامحًا، والزوج -أو الزوجة- الذي يصارح نفسه بوجود هذه الصفة به يمكنه أن يتخلص منها من خلال محاسبة النفس وتضييق الفجوة وقلة الأقنعة، وبالتالي قلّة الحاجة للكذب، ويجب أن يساعد الزوجان بعضهما في ذلك بأن يعطي كل منهما للآخر الفرصة كاملة لكي يظهر على طبيعته، ويترك النقد المستمر والتعليقات المؤذية ومحاولة التفهم والتعرف والسماح وترك الأنا واستبدال نحن بها وبذل الجهد لتقويم العلاقة.