هناك مثل شعبي في الهند يقول بأنّ نجاح عمل الرجال العظماء يعتمد على نقاوة قلوبهم وليس على الملحقات. هذا المثل باللغة السنسكريتية، فيه المغذى العميق.

عندما عالجنا القانون الكوني، أوضحنا بأنّه عندما يثبت العقل في النقاوة المطلقة للوعي، يصل إلى التنسيق الكامل مع قوانين الطبيعة. إنّ سرّ النجاح في كسب التأثير المفضل من القوانين الطبيعية التي تقود عملية تطور الكائنات كلّها. لذلك سنوجد فنّ العمل أساساً في فنّ التأمل التجاوزي، الذي يجرف كلّ شوائب العقل بسهولة ويتركه في النقاوة وبالانسجام مع قوانين الطبيعة. هذا هو، وبشكل أساسي، فنّ العمل من أجل كلّ النجاح.

في توضيح فلسفة العمل وفي تعاملنا مع "الكارما وفنّ الكينونة" أوضحنا بأنّ فنّ الكينونة يقع في أرضية فنّ العمل لأن جاذبية وقوّة العمل تعتمد على جاذبية وقوّة التفكير؛ وبدورها، تعتمد على جاذبية وقوّة الكينونة. إذا كانت الكينونة قوية، سيكون التفكير قوياً و سيكون العمل قوياً. أما إذا لم تكن الكينونة في العقل الواعي، فسيكون التفكير بلا حياة و سيكون العمل ضعيفاً وأقل فعالية.

للحصول على العمل الأكثر فعّالية، يتطلب ذلك أن يكون التفكير فعّال أكثر، والتفكير الفعّال الأكثر، يتطلب كينونة فعّالة أكثر في طبيعة العقل. لذلك إن قاعدة فنّ العمل هي في فنّ الكينونة، والتقنية لتحقيق ذلك تكمن في ممارسة التأمل التجاوزي.

تعتمد نوعية العمل على نوعية الفاعل والظروف وسرعة تقبل العمل في الطبيعة والبيئة المحيطة بالفاعل. قد يكون الفاعل من النوعية الجيدة ويمتلك عادات حسنة ونقاوة الحياة، ويكون قويا في العقل والتفكير الواضح؛ ولكن إذا كانت الظروف والبيئة المحيطة غير مفضّلة للعمل، لن يكون عمله مثمراً. في الفصل "كيف نستفيد استفادة تامة من البيئة المحيطة" عالجنا بالتفصيل كيف أنه من خلال ممارسة التأمل التجاوزي، تصبح البيئة المحيطة والظروف منسجمة وداعمة لاكتمال الرغبة والعمل.

ومن جهة أخرى، إن فنّ العمل هو في أداء العمل بالكمية الدنيا للطاقة المستهلكة وبالكمية القصوى للعمل المنجز؛ هكذا تكون الكفاءة في العمل هي الأكبر. وبذلك تكون النوعية والكمية الناتجة عن العمل هي الأكثر، بينما يكون استهلاك الطاقة أقل.

إن الجهد الأقلّ والكمية القصوى للكسب إلى الفاعل وإلى البيئة المحيطة هو فنّ العمل. يكافئ كلٌّ من الفرد والكون بوفرة بواسطة فنّ العمل.

هناك ناحية أخرى لفنّ العمل هي في المهارة في العمل. تعني المهارة في العمل بأن يكسب الفاعل سروراً عظيماً خارج العمل لكن، في نفس الوقت، يبقى متحرر من التأثير الملزم للعمل ومن التأثير الملزم من ثماره. إنّ المهارة في العمل هي بأنّ يكون عقل الفاعل موضوع على مستوى الغبطة والذكاء الخلاق غير المحدودة للكينونة لكي يبقى مطمئناً دائماً، ويعمل عملاً أكثراً وينجز أكثر في الحياة اليومية. بإنجاز "أكثر" نعني العمل بكفاءة أكثر وبكمية أكبر للنتائج الأفضل والأكثر. إذا تم أداء ذلك بينما يبقى الفاعل في الحرية، يكون ذلك المهارة في العمل أو فنّ العمل.

إن فنّ العمل هو بأن يكون تقدّم العمل ومتعة ثماره، وبالرغم من أن الفاعل محدد بشكل كامل بفكرة العمل، وببقائه في حالة الحرية الأبديّة، يكون مشبعاً بوعي الغبطة للكينونة المطلقة. لذلك يتطلّب فنّ العمل بأن تكون الكينونة مشبعة في طبيعة العقل، ومن خلاله، يتم جلبها لتعبر عالم الأشكال والظواهر.

هكذا، باختصار، يكمن فنّ العمل في اختراق المستويات الأعمق أولاً لبحر العقل ومن ثم في أخذ العقل إلى مصدر التفكير، الذي هو حقل الكينونة حيث يبدأ عمل التفكير. تمكّن هذه العملية الإمكانية الكاملة للعقل للانشغال في عملية التفكير، وفي نفس الوقت، يغطس في حقل الكينونة.

بهذه الطريقة يصبح الحقل الكامل للفكرة والعمل وسيلة للكينونة المطلقة التجاوزية في المجيء إلى الحقل النسبية وتتذبذب من خلال الفكرة والعمل. هكذا يصبح الحقل الكامل للفكرة والعمل وثماره ممتعاً وساراً، لأن قوانين الطبيعة وكلّ البيئة المحيطة ستدعم عملية إنجاز الرغبة واكتمالها. إن هذا وكأن الخليقة بالكامل تأخذ الأمر على عاتقها لإنجاز الفكرة والعمل التي ظهرت. تصبح الفكرة فكرة إلهية. ومن ثم يصبح العمل الوسيلة لإنجاز الغاية الإلهية بينما، وفي نفس الوقت، يخدم غاية الفرد إلى القدرة القصوى. في إنجاز الغاية الإلهية، تكسب غاية الحياة الفردية مرحلة مجيدة.

هذا هو فنّ العمل. يستوجب فقط أن يغطس الفرد بالعمق في داخل ذاته قبل أن يبدأ بالعمل، أما عملية التفكير الكاملة والعمل فيما يلي، يأتي بشكل آليا من قالب فنّ العمل، حيث يكون العمل مفيداً للفاعل وللكون ويترك الفاعل في الحرية الأبديّة.

يجب على العمل أن ينجز للمنفعة الكاملة للفاعل. في هذا الاعتبار، يجب أن يكون أمان الفاعل هو الاهتمام الأول، وبكلمة أخرى، لا يجب أن يتقيد الفاعل بقيامه بالعمل. يجب أن لا يمسّ الفاعل أي من التأثير الملزم للعمل أو التأثير الملزم لثمار العمل. هناك فهم قليل جداً حول التأثير الملزم للعمل في العالم اليوم. يتم إنجاز العمل فقط من أجل إرضاء المستوى الحسّي للحياة. هذا لأن هناك فهم قليل جداً عن الكينونة. لهذا السبب لم يتم التفكير بالعمل من ناحية مستوى الكينونة ويعتبر بأنه موجود فقط على مستوى العقل والحواس والجسم والبيئة. نجد بأن المجال الكامل للحياة اليوم موجود على مستوى سطحي جداً.

عندما نعالج فنّ الحياة يجب أن نأخذ بعين الاعتبار الحقل الكامل للحياة. وفي قيامنا بذلك بأخذ بعين الاعتبار الكينونة والتفكير والعمل والجوّ - كلّ حقول الحياة. لذلك إن مجال العمل يجب أن لا ينظر إليه فقط من ناحية إكماله وما سيثمر، لكن أيضاً من ناحية الانطباعات والتأثيرات التي يخلقها في الفاعل وفي البيئة المحيطة الخارجية.

فنّ أداء العمل بأقلّ كمية مستهلكة من الطاقة

من أجل أداء العمل بأقلّ كمية الطاقة، من الضروري أولاً أن تكون فكرة العمل قوية. ستستلزم الفكرة الضعيفة كمية كبيرة من الجهد لإنجاز العمل، بينما ستجد الفكرة القوية طريقها بسهولة إلى التجسّد. إن القوّة المتطورة جداً للفكرة، وكما رأينا عندما تعاملنا مع "التفكير وفنّ الكينونة" تأتي من خلال عملية التأمل التجاوزي. لذلك، ومن أجل أن نكون ناجحين في حقل العمل، من الضروري أولا أن تكون قوّة الفكرة عظيمة. لهذا السبب، يجب على الفرد أن يمارس التأمل التجاوزي بانتظام.

يجب على البيئة المحيطة والظروف أيضا أن تكون مناسبة لأدائها. وكذلك، يجب على البيئة المحيطة أيضاً أن تشعر بالحاجة للعمل وتتمنّى استلام شيء مفيد. وبذلك يصبح الجوّ المحيط مناسباً لأداء العمل ويصبح أدائه سهلاً ومتناغماً.

يجب أن يكون العمل غير مؤذي. إذا كان يقصد به إيذاء شخص ما، سيكون بالتأكيد هناك معارضة لأدائها في البيئة المحيطة، وبالتالي سيصبح ضرورياً بذل طاقة إضافية لمواجهة هذه المقاومة.

يجب على الفاعل أيضاً أن يكون قوياً ونشيطاً. في الجزء عن "الكينونة، طبقة القانون الكوني" رأينا بأنّ ممارسة التأمل التجاوزي، تأخذ العقل إلى مصدر كلّ الخليقة، الذي هو الحقل غير المحدود لطاقة. وبوصول العقل الواعي للتناغم المباشرة مع حقل الطاقة غير المحدودة للحياة يكسب مثل هذه الكمية العظيمة للحيوية التي  بها يمكن لأيّ عمل أن ينجز بسهولة وبسرعة ومن دون إجهاد وبالنجاح الكبير. إذ لم يكن الإنسان نشيطاً عندما يؤدّي عمله، يفتقر إلى الثقة بما يفعل وتنتابه الخشية للتقدم في كلّ لحظة من مراحل العمل.

فنّ أداء عمل في أقل فترة من الوقت

من أجل التدبير السريع للعمل، نحن بحاجة إلى الثقة بالنّفس والدقة في القرار، والتفكير الصحيح. قد يتم هدر الكثير من الوقت عندما يتصرف الفرد  كبير من دون أن يكون متأكّداً من النتائج ويحاول إلغاء العمل وإعادة القيام به مراراً وتكراراً على أمل تحسينه. هذه النقص في الثقة هو المانع الكبير لأداء الأعمال في أقل وقت ممكن.

تستوجب سرعة الإيقاع المتزايد جداً في الحياة الحديثة أن يكون العقل حاضراً والفكر متطوراً وشخصية نشيطة وحيوية. إن عملية الأداء البطيئة للعمل لا تتوافق مع طبيعة الأشياء اليوم.

إن السرعة هي نمط هذا العصر. و كل ما هو بطيء أو كسول لا ينتمي إلى الأزمنة الحديثة. أولئك الذين ليسوا قادرين على مماشاة سرعة الإيقاع السريعة للحياة الحديثة يخلقون توتّراً في أنفسهم لأن النجاح في الحياة اليوم يطلب تدبير سريع في العمل. إن لم تكن هذه الصفات موجودة في الإنسان بالطبيعة، فهو لا ينتمي إلى العصر الحديث ولن يكون قادراً على مماشاة الزمن الحالي. إن السرعة في العمل هي ضرورة من أجل حياة سعيدة في العالم اليوم.

إنّ تطلّعات الرجل الحديث هي في أن يعيش على الأرض عندما تشرق الشمس أثناء النهار وأن يطير إلى القمر في الليل عندما تشرق على درب التبّانة. يتطلب نجاح العمل بأنّ يكون الرجل واثقاً بنفسه وسريعاً وذكياً ونشيطاً.

إنّ عامل الزمن هو حيوي جداً في الحياة. أولئك الذين أنجزوا أعمالهم العظيمة في العالم هم الذين أعطوا أهمية للوقت في حياتهم. إنّ الوقت في الحياة هو محدود ويتوجب إنجاز مراحل كثيرة من التطور من أجل اكتمال الحياة. لذلك، يجب تقييم عامل الزمن قبل كلّ شيء. من المؤكد أن وقت هو العامل الملزم الأكثر في الحياة. يقال "بأنّ الوقت ومدّ البحر لا ينتظرا أي أحد". ومع ذلك يظهر الاختبار، أنه إذا أحرزنا تقدّماً في الأبدية الخالدة للكينونة المطلقة، عندئذ سوف يخدمنا الوقت أكثر لأن الوجود المطلق للخلود غير محدود هو مصدر وقاعدة كلّ وقت – الماضي والحاضر والمستقبل.

في الجزء عن "الكينونة، طبقة القانون الكوني" لقد رأينا بأنّ حياة الفرد المكمّلة بالكينونة تصبح خالية من كلّ أنواع الممانعة، داخلية وخارجية. يشرق العقل بالثقة بالنّفس الكبيرة والوضوح والقوّة، في الفرد، ويخلق كلّ من الانسجام والتأثير الطيب في البيئة المحيطة بشكل طبيعي جوّاً مناسباً أساسياً لعمل كي ينجز في أقل وقت ممكن. هكذا، إن فنّ أداء العمل في المدة الأقل من الوقت يجد اكتماله في تغلغل الكينونة في طبيعة العقل خلال الممارسة المنتظمة للتأمل التجاوزي.

فنّ إنجاز العمل المفيد

إن القدرة على أداء العمل المفيد فقط هي جزء عظيم جداً من فنّ العمل. إذا تعلّم الإنسان فنّ العمل لكن لم يختر نوعاً مفيداً من العمل، سيلقى وتنوعات من النتائج التي قد تكون خاطئة ومؤلمة. لذلك، قبل أن يمارس الفرد فنّ العمل بنجاح، من الضروري أولاً اكتساب القدرة على اختيار العمل الصحيح. هذه هي الخطوة الأولى إلى العمل المفيد والنافع.

عندما نناقش حقول العمل المفيد، نصادف حالات الوعي المختلفة التي بها يفترض بالأنواع المختلفة من الأعمال أن تكون مفيدة.

تختلف فائدة العمل من شخص إلى آخر، ويعتمد ذلك على حالة وعيه. لا يمكننا القول بأن هناك عمل في الحياة مفيداً بشكل مطلق إلا إذا تم إنجازه على مستوى الوعي المطلق. إن كلّ عمل في العالم قد يعتبر مفيداً من زاوية معينة، ولكن، ومن زاوية أخرى، قد يعتبر عديم الفائدة جداً. عندما نناقش القدرة على أداء العمل المفيد فقط، يمكننا فقط أن نفكر بالشروط النسبية من الفائدة للفاعل وللبيئة المحيطة به.

هكذا، يبدو بأنّ الإنسان يملك عادة قدرة أداء العمل الصحيح فقط، أو العمل المفيد فقط. لكن ومن اعتبار أعمق لفائدة العمل للفاعل والبيئة المحيطة يقوداننا إلى الاستنتاج بأنه من الممكن وجود عمل يحبّه الفاعل، وينجذب بثماره، لكنه قد يكون ضارّاً أو عدائياً إلى بعض الآخرين في جواره أو بعيداً منه. عندما يكون العمل مفيداً بشكل جزئي فقط، لا يمكن أن يدعى بالعمل مفيد حقاً.

على سبيل المثال، يرتكب اللصّ سرقة ويجمع ثروة كبيرة بسرعة. هذا على ما يبدو عمل الذي يتمتّع بنتائجه الفاعل. في لحظة يكون اللصّ قادراً على وضع مال رجلٍ آخر في جيبه، لكن هذا الطريقة في جمع المال بالتأكيد هي ليست مقبولة من البيئة المحيطة. مثل هذا العمل يدعى عملٌ أناني وشرّير وخاطئ؛ هو مفيد للفاعل، لكنه مفيد فقط على الاعتبارات السطحية للحياة. لكن، فيما يتعلق بالناحية المرهفة للمسألة، فهذا العمل هو غير مفيد للفاعل أيضاً.

إن القدرة على أداء الأعمال المفيدة فقط تعني بأن الفرد سيؤدّي فقط الأعمال التي ستكون مفيدة لنفسه إضافةً للآخرين. إن اختيار مثل هذه الأعمال سيعتمد على الوعي المتصاعد للفرد. إذا كان للفرد رؤية للتمييز بين الصواب والخطأ، ويدرك نتائج عمله قبل حدوثه، ستجعله تلك الرؤية وحدها ينتقي العمل الصحيح الذي سيكون مفيداً إلى الفاعل والذي ستكون تأثيراته أيضاً ممتعه لكلّ الآخرين.

رأينا في مناقشة "البيئة المحيطة وفنّ الكينونة" بأنّه فقط بواسطة نظام التأمل التجاوزي، عندما يوضع العقل الفردي بالتناغم مع القانون الكوني، يكون عمل الفرد وسلوكه متناغمة مع مجرى التطور. بذلك فقط، يبلغ الفرد القدرة على أداء العمل المفيد.

رأينا أيضا بأنّه من غير الممكن تحديد الفائدة المطلقة للعمل على المستوى الفكري. ما هو العمل الذي سيكون مفيداً بشكل دائم للفاعل وينتج تأثيراً جيداً ومنسجماً ومسانداً للحياة في البيئة المحيطة؟ كما رأينا، من الصعب معرفة هذا على مستوى الفكر. لذلك، تكمن القدرة على أداء الأعمال المفيدة فقط بشكل أساسي في تناغم الفرد مع القانون الكوني. إن كلّ شخص يملك هذه القدرة، ويمكن يمكن وضعها بسهولة في الاستعمال من خلال ممارسة التأمل التجاوزي.

فنّ أداء العمل لإعطاء النتائج القصوى

يستند فنّ العمل الذي يؤدّي لإعطاء النتائج القصوى على عاملين. يتعلق العامل الأول في قدرة الذكاء والطاقة وثبات الغاية ودقة الفكرة ودقة العمل وحالة تركيز عقل الفاعل. أما العامل الثاني فهو القدرة على السيطرة على البيئة المحيطة لمصلحة أداء عمل.

لكي نكسب النتائج القصوى من العمل، من الضروري أن ينجز العمل بالقدر الأفضل للفاعل، ولهذا يجب على الفاعل أن يمتلك القدرة القصوى. تتطلّب القدرة القصوى الذكاء والطاقة الأكثر تطوراً في الفاعل.

رأينا بأنّه يتم اكتساب الطاقة والذكاء الأعظم عند جلب الوعي الفردي إلى مستوى الوعي الكوني، وفي نفس الوقت، يتم جلب الطاقة الفردية إلى مستوى الطاقة الكونية. لقد رأينا أيضاً بأنّه، عندما يحدث ذلك، تطوّر بشكل طبيعي الطمأنينة العظيمة والقدرة على التركيز وكليّة المثابرة في العقل مع كشف القوى الكامنة المستترة. بهذه النوعيات يكون الإنسان قادراً على التصرّف بدقّة كبيرة، ما يعطي النتائج القصوى وبأقل استهلاك للطاقة.

لذلك، وبتحسين وعيه الفرد وتناغمه مع طاقة الحياة الكونية، يكون ممكناً كسب القدرة لمعالجة العمل لكي يعطي النتائج القصوى.

على أية حال، هناك شيء أكثر من القدرة الداخلية وكفاءة الإنسان نحتاجها لجلب النتائج القصوى من أداء العمل. وهي قدرة سيطرة على الظروف والبيئة المحيطة. إذا أمكن جعل البيئة المحيطة مفضّلة لأداء عمل، بالتأكيد سوف يجلب العمل النتائج القصوى، ولن يكون هناك حدّ للنتائج التي يمكن للعمل أن ينتجها.

إنّ النتائج مقيّدة (بغض النظر عن القدرة المقيّدة للفاعل) بالمقاومة من البيئة المحيطة والظروف. إذا كان للفرد القدرة في أداء العمل بأسلوب تصبح فيه البيئة المحيطة والظروف مناسبة بشكل تلقائي للنجاح ومفضّلة له، ينجح الفرد بالتأكيد في إعطاء النتائج القصوى من عمل. ويكمن فنّ اكتساب هذه القدرة في الممارسة المنتظمة للتأمل التجاوزي.

أما المقاربة البسيطة والبريئة للعمل، وبالتوافق مع قوانين الطبيعة الملازمة لخط التطوّر، فتنجح بشكل طبيعي في إعطاء النتائج القصوى. من الخطأ الاعتقاد بأنه يجب عل الفرد أن يضع جهد كبير في العمل كي يعطي النتائج القصوى. لا، إن الأمر لا يعتمد على المشقّة في الأداء من جهة الفاعل لكي يجلب العمل النتائج القصوى. وأيضاً، لا يعتمد ذلك على الطاقة الكبيرة والذكاء من ناحية الفاعل لكي ينجح العمل في جلب النتائج القصوى؛ إنه وبشكل رئيسي وأساسي، نقاوة القلب وعقل الفاعل ونظرته البريئة والمقاربة المخلصة للعمل الذي يهدف إلى كلّ منفعة لكب شخص والذي ينجح حقاً في تحقيق النتائج القصوى.

رأينا بأنّ حالة الوعي الكوني، التي يكون فيها العقل في انسجام كامل مع البيئة المحيطة ومع العملية الطبيعية للتطور، يكون قادراً على إعطاء النتائج القصوى من الفعل الأقلّ.

رأينا في السابق أيضاً، وبالتفصيل، كم تؤثر نقاوة القلب الفاعل وعقله على نتائج عمله. يمكن أن نقول بأنّ نتيجة العمل تعتمد على نقاوة عقل الفاعل. إذا كان العقل مائة بالمائة صافياً؛ ما يعني أن يكون الفرد متطوراً إلى الوعي الكوني، ستكون النتيجة مائة بالمائة في الحدّ الأقصى. أما إذا كانت النقاوة خمسون بالمائة؛ ما يعني إذا كان تطوّر الإنسان خمسون بالمائة، و كان الإنسان خمسون بالمائة متطوّراً في الطّريق إلى الوعي الكوني، عندئذ ستكون نتيجة كلّ من أعماله خمسون بالمائة من الإمكانية الكليّة.

عموماً، يعتمد الناس في العالم، لنجاح أعمالهم، على قدرتهم من أداء عمل، وهم يعتمدون على الذكاء الذي يمتلكون وعلى العقل المبدع الذي يمتلكون وعلى الطاقة التي يمتلكونها. لكن لكلّ هذه العوامل أهمية ثانوية. إنّ العامل الرئيسي للنجاح وإنتاج النتائج هو نقاوة الفاعل.

يلعب عامل أخر جزءً مهماً في إنتاج النتائج من أعمال الفرد. وهو عنصر الكارما، ثمار الأعمال المنجزة في الماضي. إذا قام الإنسان المستقيم من الماضي بأعمال الخير والاستقامة والتي كانت بتوافق مع عملية التطور، ستضاف نتيجة تلك الأعمال الجيدة إلى نجاح العمل الذي يتم أدائه في الحاضر. هكذا، نجد أن القدرة الحالية للعقل والجسم وقدرة الذكاء والطاقة للإنسان في الحاضر، تؤدي إلى نجاح العمل بشكل نسبي مع تأثير الكارما الجيدة أو السيئة من الماضي والذي يؤثّر على العمل الحالي للفاعل.

يؤدي التأثير الجيد للكارما الماضية إلى طاقة أكثر ووضوح الفكر وقرارات صحيحة للفاعل وينتج تأثيراً جيداً أيضاً في البيئة المحيطة، وهكذا يصبح مناسباً لأداء العمل الذي نقوم به.

وبشكل مشابه، يجلب التأثير السيئ للكارما الماضية الخمول وعدم الكفاءة وفقدان الطاقة والضعف والتوتّر والمعاناة في الفاعل والتأثيرات المضادّة في البيئة المحيطة، ما يبدأ بوضع العقبات في طريق الأداء الناجح للعمل ويعيق التقدّم نحو أيّ نتائج كبيرة.

هذه الناحية للكارما للماضي هي شيء خلف نطاق سيطرة الفاعل. إن أفضل ما يمكن للفاعل أن يقوم به في الحاضر لتحيّد تأثير الكارما الماضية في الارتباط في ممارسة التأمل التجاوزي، التي سترفع وعي الفاعل بسهولة وتنتج تأثيراً طيباً في البيئة المحيطة؛ عندما يرتفع الوعي، تزداد الطاقة والذكاء. وبذلك ومهما كان تأثير الماضي، لن يكون هذا التأثير قادراً على إبطال العمل الحالي. بالتأكيد سيكون هناك تأثيراً للكارما الماضية ، لكنّه قد لا يوجّه قدر العمل الحالي بالكامل.

إذا فقد رجل أعمال خمسمائة دولار، تكون الخسارة خسارةً لكلّ الأوقات. بالرغم من أن هذه الخسارة ستبقى دائماً خسارة، لكن إذا كسب ألفين دولار في اليوم التالي، يفوق الربح على الخسارة.

هكذا، بالكمية المطلوبة من أداء التأمل التجاوزي، والمكملة بقوّة الأعمال الخيرية والمستقيمة في مساعدة الآخرين، يمكن أن يصدّ التأثير السلبي للكارما الماضية لكي يلطف طريق الكارما الحالية. ومن ثم سيتم أداء العمل من دون مقاومة أو عقبات، ما ينتج عنه نتائج قصوى.

لذلك، إن الصيغة لإعطاء النتائج القصوى ليست في تدبير العقبات والتأثيرات السلبية التي تحاول مقاومة أداء العمل. بل يجب على الفاعل أن يضع نفسه في العمل ويستمرّ لحين تحقيق النتائج المرجوة. إن عملية التأمل، في جلب العقل الواعي ليتناغم مع الكينونة المطلقة التجاوزية الأبدية، التي هي مصدر كلّ طاقة وذكاء الحياة، ترفع معيار الوعي. عندما يكون معيار الوعي مرفوعاً، سوف يكون للعمل المنجز من ذلك المستوى المرفوع لطاقة الحياة وذكاءها، تأثير أهمّ يغطي بالتأكيد على الكارما الماضية من أجل إعطاء النتائج القصوى.

هكذا، وبقوّة العمل الحالي على الكارما، يتحسن القدر. وهنا يكمن المعنى الكامل للمثل القائل، "الإنسان هو سيد قدره"

ahmedkordy

خدمات البحث العلمي 01009848570

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 2704 مشاهدة
نشرت فى 29 ديسمبر 2011 بواسطة ahmedkordy

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

30,763,269

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters