شركات اليوم لا تعتبر كيانات اقتصادية فحسب، بل كيانات ترتبط كذلك بالوطن الذي تعمل فيه. فهي تعمل في بيئة اجتماعية واقتصادية معقدة، تتعرض فيها لضغوط من أجل تحقيق الكفاية الاقتصادية من جانب أصحاب هذه الشركات، ولضغوط من أجل تحمل مسئولياتها سواء كانت تلك الضغوط من جانب الحكومة أو المجتمع المدني أو المستهلكين.ورغم أن الجدل الدائر بشأن المسئولية الاجتماعية للشركات أمر ليس بجديد، فقد حظي باهتمام أكبر في السنوات الأخيرة،نتيجة للتطورات في الظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وظهور الحركات المناهضة للعولمة وفضائح الفساد في الشركات واستمرار الظروف السيئة التي تعانى منها الكثير من الدول النامية .

وقد شهدت العقود الأخيرة من القرن العشرين تطوراً في النظرة إلى أهداف الشركات، وكان للفكر الاقتصادي بصفة خاصة أثراً واضحاً في تحديد طبيعة تلك الأهداف.ففي ظل الفكر الاقتصادي التقليدي، كان ينظر للشركات على أن هدفها الوحيد هو تعظيم الربح من خلال تحقيق اكبر عائد ممكن للمستثمرين، وان تحقيق الربح سوف يتبعه تحقيق أهداف المجتمع بصورة تلقائية. وتتمثل النظرة التقليدية للشركات، كما أوجزها بعض الاقتصاديين أمثال ميلتون فريدمان (Milton Friedman) في السبعينات من القرن الماضي،وجهة النظر الكلاسيكية حول مفهوم المسؤولية الاجتماعية، إذ يرى أن مسئولية الشركة تتحقق من خلال سداد الأجور للعاملين مقابل العمل الذي يقومون به، وتقديم السلع والخدمات للمستهلكين مقابل ما يدفعونه من أموال، وسداد الضرائب للحكومات التي تقوم بتوفير الخدمات العامة للمواطنين، واحترام سيادة القانون عن طريق احترام العقود المبرمة. وأن تبني الشركة لفلسفة المسؤولية الاجتماعية من شانه أن يقلل أرباحها ويزيد تكاليف العمل، كما من شأنه إعطاء قوة اجتماعية للأعمال بشكل اكثر من اللازم.غير أن هذه النظرة التقليدية لم تعد مقبولة،فشركات اليوم تعنى بما هو أكثر من مجرد تقديم السلع والخدمات للمستهلكين وسداد حصة عادلة من الضرائب. ورغم أن الدور الذي تلعبه الشركات في التنمية والحوكمة الرشيدة قد تطور تطورًا جذريًا في العقود الماضية، تشير التوقعات إلى أن هذا الدور سيشهد المزيد من التطور في المستقبل.وتشير الدراسات إلى اهتمام المستهلكين بالسلوك الأخلاقي للشركات.

والقول التقليدي بأن الشركات ليست مسئولة إلا أمام أصحابها ربما لم يعد مقبولاً في عالم اليوم الذي يتسم بتشابك العلاقات والمصالح، عالم يتيح للمستهلكين خيارات عديدة، ويبحث فيه المستثمرون عن توفير الاستقرار والأمان لاستثماراتهم، وتتعرض فيه الشركات لغرامات هائلة نتيجة للمخالفات القانونية، عالم يسوده الخوف والقلق والأفكار الخاطئة . ولعل من ابرز أنصارها ومؤيديها رجل الاقتصاد المعروف (Paul Samuelson)والذي يرى أن مفهوم المسؤولية الاجتماعية يمثل البعدين الاقتصادي ،والاجتماعي معاً. كما يشير إلى أن الشركات في عالم اليوم يجب ألا تكتفي بالارتباط بالمسؤولية الاجتماعية، بل يجب أن تغوص في أعماقها، وان تسعى نحو الإبداع في تبنيها.

مقدمة

يكتسب الدور الاجتماعي للشركات فى الدول العربية أهمية متزايدة بعد تخلي عديد من الحكومات عن كثير من أدوارها الاقتصادية والخدمية التي صحبتها بطبيعة الحال برامج اجتماعية كان ينظر إليها على أنها أمر طبيعي ومتوقع في ظل انتفاء الهدف الربحي للمؤسسات الاقتصادية التي تديرها الحكومات، وإن كانت في كثير من الأحيان تحقق إيرادات وأرباحا طائلة.وكان متوقعا مع تحول هذه المؤسسات إلى الملكية الخاصة وإعادة تنظيمها وإدارتها على هذا الأساس أن يتوقف دورها الاجتماعي، ولكن التطبيق العملي لتجارب الخصخصة أظهر أن الدور الاجتماعي والالتزام الأخلاقي للشركات هو أيضا استثمار يعود عليها بزيادة الربح والإنتاج وتقليل النزاعات والاختلافات بين الإدارة وبين العاملين فيها والمجتمعات التي تتعامل معها، ويزيد أيضا انتماء العاملين والمستفيدين إلى هذه الشركات.وأظهر أيضا أن كثيرا من قادة وأصحاب الشركات يرغبون في المشاركة الاجتماعية، وينظرون إلى العملية الاقتصادية على أنها نشاط اجتماعي ووطني وإنساني يهدف فيما يهدف إليه إلى التنمية والمشاركة في العمل العام، وليس عمليات معزولة عن أهداف المجتمعات والدول وتطلعاتها.وقد ترتب على ذلك تطورا في شكل العلاقة بين الحكومة والقطاع العام والقطاع الخاص والمجتمع المدني في عديد من الدول العربية، شأنها في ذلك شأن عدد كثير من الدول النامية؛حيث حل القطاع الخاص تدريجيا محل القطاع العام الذي تقلص دوره في النشاط الاقتصادي وفي توفير فرص العمل، بينما تركز اهتمام الحكومة حول السعي نحو تهيئة المناخ الملائم لجذب الاستثمار المحلي والأجنبي. كما زادت أهمية الدور الذي يلعبه المجتمع المدني في التنمية الاقتصادية والاجتماعية وفي الرقابة على كل من الحكومة والقطاع الخاص. وقد اهتمت الشركات المحلية—أسوة بالشركات العالمية—بتقييم الآثار المترتبة على نشاطها على العاملين بها ومستوى رفاهيتهم، وعلى المجتمع المحلي والبيئة المحيطة بها، ثم على المجتمع ككل، اقتناعا منها بأهمية ذلك ومردوده على نشاطها واستثماراتها وأرباحها ونموها واستدامتها. ومع زيادة درجة الوعي بالأثر السلبي للنشاط الاقتصادي على البيئة، والدور الهام الذي تلعبه وسائل الاتصال الحديثة في توعية المستهلكين.

وفي ضوء الاهتمام بالتنمية البشرية لرفع مستويات الإنتاجية سعى عدد كثير من الشركات إلى تبني برامج فعالة للمسئولية الاجتماعية تأخذ في الاعتبار ظروف المجتمع والتحديات التي تواجهه.ولاشك أن المسئولية الاجتماعية تعد حجر الزاوية، وأداة مهمة للتخفيف من سيطرة العولمة وجموحها، حيث يمثل القطاع الخاص والشركات الجزء الأكبر والأساسي في النظام الاقتصادي الوطني، وعليه أصبح الاهتمام بالمسئولية الاجتماعية مطلبًا أساسيًّا للحد من الفقر من خلال التزام المؤسسات الاقتصادية ) شركات محلية أو مؤسسات دولية( بتوفير البيئة المناسبة، وعدم تبديد الموارد، والقيام بعمليات التوظيف والتدريب ورفع القدرات البشرية، وتمكين المرأة ورفع قدراتها ومهاراتها بما يؤهلها للمشاركة في عملية التنمية المستدامة، ومساندة الفئات الأكثر احتياجًا.ونجاح قيام الشركات بدورها في المسئولية الاجتماعية يعتمد أساسا على التزامها بثلاثة معايير هي: الاحترام والمسئولية تجاه العاملين وأفراد المجتمع.. ودعم المجتمع ومساندته..وحماية البيئة سواءً من حيث الالتزام بتوافق المنتج الذي تقدمه الشركة للمجتمع مع البيئة، أو من حيث المبادرة بتقديم ما يخدم البيئة، ويحسن من الظروف البيئية في المجتمع ويعالج المشاكل البيئية المختلفة.وفي واقع الأمر يمكن القول إنه لازال هناك غموض وعدم دراية كافية من جانب كل من الأفراد والشركات والمجتمع العربي ككل بمفهوم المسئولية الاجتماعية للشركات وأبعادها ومدى تطورها وكذلك بمدى فعاليته وكيفية بلورته والإفادة منه. وفي ضوء ذلك، تطرح الورقة التساؤلات التالية: ما هو المقصود بالمسئولية الاجتماعية للشركات ،وما هو التطور التاريخي لهذا المفهوم؟ وما هي الدروس المستفادة من التجارب الدولية في مجال المسئولية الاجتماعية للشركات؟ وما هي أهم المبادرات العربية في هذا المجال؟ وما هي الدوافع التي تشجع الشركات على الاضطلاع بمسئوليتها الاجتماعية وكذلك التحديات التي تواجهها للقيام بدورها الاجتماعي؟وأخيرا، ما هو الدور الذي تستطيع الدولة ومنظمات الأعمال والقطاع الخاص والشركات عابرة القارات أن تلعبه لتنمية مبادرات المسئولية الاجتماعية في الدول العربية؟ويهدف هذا البحث إلى دراسة المسئولية الاجتماعية للشركات فى الدول العربية، وذلك بغية التوصل إلى مجموعة من التوصيات التي من شأنها تعزيز دورها في التنمية فى الدول العربية.

أولا: مفهوم المسؤولية الاجتماعية للشركات:

هناك توافق واسع بين كافة المؤسسات العامة والخاصة التي تقوم على مفهوم المسؤولية الاجتماعية للشركات ،أنه على الشركة تحقيق التوازن بين مصالح جميع أصحاب المصلحة في إطار التخطيط الاستراتيجي والعمليات.
وقد ظهرت فى السنوات الماضية العديد من المناقشات حول مسألة ما إذا كانت هذه المسؤوليات يجب أن تكون طوعية أو لا ، وبخاصة ما يتعلق منها بتزايد التحديات البيئية في مجالات مثل تغير المناخ ، وكذلك فيما يتعلق بإنفاذ معايير العمل وحقوق الإنسان الأساسية. وتجدر الاشارة الى أن هناك من يرى ان دور القطاع الخاص ينبغى ان يقوم على تعظيم الإنتاج والربح ، على افتراض أن الحكومة عموما فقط هى التى ينبغي أن تأخذ على عاتقه قضايا الرعاية الاجتماعية والبيئية من خلال أطر وآليات سياسة فعالة. وعلاوة على ذلك ،فأنه يلاحظ أنه ينظر الى المسؤولية الاجتماعية للشركات في كثير من الأحيان على أنه ببساطة نوع من 'العمل الخيري للشركات' و 'العطاء الخيري ، والتي بدورها وغالبا ما تكون منفصلة عن الأعمال الأساسية ، ودون وجود خطة استراتيجية وراء ذلك.وتختلف النظرة اليوم عما سبق ،حيث ينظر الى المسؤولية الاجتماعية للشركات على نطاق واسع باعتبارها احدى استراتيجيات الادارة .

فقد أظهر عدد متزايد من الأمثلة الناجحة أن احترام المسؤولية الاجتماعية للشركات ، إما يؤدي إلى زيادة الناتج الاقتصادي ، أو على الأقل هو (في المدى القصير) محايد في أثره على أرباح الشركات. وعلاوة على ذلك ، اعترف عدد متزايد من الشركات الكبيرة (وعدد متزايد من الشركات الصغيرة والمتوسطة) على ضرورة تحسين إدارة المخاطر والاستراتيجيات الاجتماعية والبيئية الخاصة بهم ، واغتنام الفرص في مجال تطوير التكنولوجيا المبتكرة وخلق المعرفة ، والمشاركة بمزيد من الفعالية مع أصحاب المصلحة.في حين يتزايد وضوح المفاهيم حول المسؤولية الاجتماعية للشركات ، وأنشطة المساعدة التقنية في هذا المجال لا تزال نادرة. إحدى المشاكل هي أن الشركات الصغيرة والمتوسطة ، ولا سيما في البلدان النامية ، غالبا ما تفتقر إلى القدرات والفرص للتعرف على نهج المسؤولية الاجتماعية للشركات ممكن في تخطيط وإدارة العمليات اليومية. ولذلك فإن هذه الشركات إما القبض على حين غرة في الاحتياجات المفاجئة '- المسؤولية الاجتماعية للشركات' من العملاء (شمال عادة) ، والنظراء ، وغالبا في شكل مدونات سلوك معقدة ، أو أنها تواجه صعوبات متزايدة في الوصول إلى سلاسل التوريد العالمية.
ان مفهوم للمسؤولية الاجتماعية للشركات ، وإدراج الاهتمامات البيئية والاجتماعية ينبغى ان يكون ضمن استراتيجية الشركة . الأمر الذى ينعكس عمليا ، هذا يعني فى الكشف عن والتغلب على أوجه القصور في عملية إنتاجها ، وتحسين مستمر في نوعية منتجاتها ، ويطور تدريجيا خبرتهم في مجال التسويق والمبيعات في السوق على نطاق أوسع. وبذلك ، فإنها في نهاية المطاف تحسين أدائها البيئي والاجتماعي ، وبالتالي قدرتها التنافسية الشاملة.
وجدير بالذكر أنه يوجد هناك عدة تعريفات لمفهوم المسئولية الاجتماعية للشركات، وكلها تدور حول ذات المعنى، وهي تحمل الشركات لمسئوليتها تجاه أصحاب المصالح من حملة الأسهم والمستهلكين والعملاء والموردين والعاملين والبيئة والمجتمع . ويقصد بهذا المفهوم التزام الشركات ليس فقط بتحقيق أرباح لمساهميها، ولا تقتصر المسئولية تجاه الاقتصاد القومي فقط، ولكن تمتد لتشمل البيئة والعاملين وأسرهم وفئات أخرى من المجتمع. ومن أهم التعريفات وأكثرها شيوعا تعريف البنك الدولي والاتحاد الأوروبي ومجلس الأعمال الدولي للتنمية المستدامة.

عرف البنك الدولي المسؤولية الاجتماعية على أنها التزام أصحاب النشاطات التجارية بالمساهمة في التنمية المستدامة من خلال العمل مع موظفيهم و عائلاتهم و المجتمع المحلي و المجتمع ككل لتحسين مستوى معيشة الناس بأسلوب يخدم التجارة و يخدم التنمية في آن واحد.
كما عرفت الغرفة التجارية العالمية المسؤولية الاجتماعية على أنها جميع المحاولات التي تساهم في تتطوع الشركات لتحقيق تنمية بسبب اعتبارات أخلاقية و اجتماعية. و بالتالي فإن المسؤولية الاجتماعية تعتمد على المبادرات الحسنة من الشركات دون وجود إجراءات ملزمة قانونيا. و لذلك فإن المسؤولية الاجتماعية تتحقق من خلال الإقناع و التعليم.
كما عرفها مجلس الأعمال العالمي للتنمية المستدامة بأنها الالتزام المستمر من قبل مؤسسات الأعمال بالتصرف أخلاقيا والمساهمة في تحقيق التنمية الاقتصادية والعمل على تحسين نوعية الظروف المعيشية للقوى العاملة وعائلاتهم، إضافة إلى اﻟﻤﺠتمع المحلي واﻟﻤﺠتمع ككل.
ويعرف الاتحاد الأوروبي المسئولية الاجتماعية على أنها مفهوم تقوم الشركات بمقتضاه بتضمين اعتبارات اجتماعية وبيئية في أعمالها وفي تفاعلها مع أصحاب المصالح على نحو تطوعي.ويركز الاتحاد الأوروبي على فكرة أن المسئولية الاجتماعية مفهوم تطوعي لا يستلزم سن القوانين أو وضع قواعد محددة تلتزم بها الشركات للقيام بمسئوليتها تجاه المجتمع.
ويحدد المجلس الاقتصادي والاجتماعي الهولندى -وهو هيئة استشارية للحكومة الهولندية - المسؤولية الاجتماعية للشركات على أنها تتضمن عنصرين:
1. ما يكفي من التركيز من قبل الشركة على مساهمتها في رفاه المجتمع في المدى الطويل.
2. وجود علاقة مع أصحاب المصالح بها والمجتمع بشكل عام.
وقد شدد المجلس على أن مساهمة الشركة في رفاهية المجتمع لا يتكون فقط من خلال تحقيق القيمة الاقتصادية economic value creation ، ولكن يشمل تحقيق القيمة في ثلاثة مجالات هى:
1- البعد الاقتصادي. هذا البعد يشير إلى خلق القيمة من خلال إنتاج السلع والخدمات ، ومن خلال خلق فرص العمل ومصادر الدخل.

2- البعد الاجتماعي. وهذا يشمل مجموعة متنوعة من الجوانب المتعلقة تأثير عمليات الشركة على البشر داخل وخارج المنظمة ،مثل علاقات العمل السليمة والصحة والسلامة.
3- البعد البيئي. هذا البعد يتعلق بآثار أعمال وأنشطة الشركة على البيئة الطبيعية.

العنصر الثاني في التعريف يؤكد على العلاقة مع أصحاب المصالح والمجتمع ككل - الموظفين والموردين والعملاء والمنافسين والمجتمع ككل- وفقا لنهج ما يسمى بأصحاب المصلحة ، فالشركات غير مسؤولة فقط على المساهمين ، ولكن ينبغي عليها أن توازن أيضا بين مصالح أصحاب المصلحة التي يمكن أن تؤثر أوقد تتأثر من عملياتها .
بمعنى دمج المسئولية الاجتماعية في رسالة و رؤية و فلسفة المنشاة و ثقافتها . و كذلك ضمن قواعد و مبادئ الشركة ، واعتبار المسئولية الاجتماعية من مسئوليات الإدارة التنفيذية ،ضمن التخطيط الاستراتيجي للشركة ، واعتبار المسئولية الاجتماعية ضمن مسئوليات و إشراف المنشاة ، و إدماجها ضمن برامج الاتصالات و التعليم و التدريب للشركة . و نرى ان تتضمن المسئولية الاجتماعية الاعتراف بقيمة الموظف و منحه الحوافز الكافية ، و أن تضع الشركات التقارير الدورية و القيام بالتدقيق حول مدى مراعاتها لمسئوليتها الاجتماعية .
فالعلاقات الجيدة مع أصحاب المصلحة تتطلب أيضا أن تقوم الشركة بالرد على الأسئلة التى تشغل المهتمين بها ، وأن تشارك في استمرار الحوار مع كافة الأطراف المعنية. وهذا يتطلب أن تطبق الشركة بعض المعايير الإجرائية التي تسهم في تحقيق الشفافية في الشركة. وتوظيف الأدوات التنظيمية التي تعزز إدماج المسؤولية الاجتماعية للشركات في ممارسة الأعمال اليومية .

وبالإضافة إلى هذه التعريفات، يقترح بعض الباحثين والمتخصصين تحويل مصطلح المسئولية الاجتماعية إلى مصطلح الاستجابة الاجتماعية حيث إن المصطلح الأول يتضمن نوعا من الإلزام، بينما يتضمن الثاني وجود دافع أو حافز أمام رأس المال لتحمل المسئولية الاجتماعية.وقد تعددت المصطلحات المتعلقة بمفهوم المسئولية الاجتماعية ومنها مواطنة الشركات والشركات الأخلاقية والحوكمة الجيدة للشركات.وعلى الرغم من تعدد هذه المصطلحات إلا أنها في النهاية تنصب على مساهمة الشركات في تحمل مسئوليتها تجاه أصحاب المصالح المختلفين.

كما تشتمل المسئولية الاجتماعية على عدة أبعاد منها البعد الاقتصادي، والقانوني،والإنساني، والأخلاقي، وتتركز في بعض المجالات، خاصة العمل الاجتماعي، ومكافحة الفساد، والتنمية البشرية،والتشغيل، والمحافظة على البيئة.وتستند المسئولية الاجتماعية للقطاع الخاص إلى نظرية أصحاب المصالح والتي تنص على أن الهدف الأساسي لرأس المال يتمثل في توليد وتعظيم القيمة لكل أصحاب المصالح؛ من حملة أسهم، وشركاء، وموردين، وموزعين، وعملاء وأيضا العاملين وأسرهم، والبيئة المحيطة والمجتمع المحلي والمجتمع ككل.وتعد المسئولية الاجتماعية للقطاع الخاص أداة رئيسية للوصول إلى هذا الهدف من خلال تحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والبيئي لمجتمع الأعمال. ويرى عدد من الباحثين أن المسئولية الاجتماعية لرأس المال هي الوسيلة التي تستخدمها الشركات لإدارة وتنظيم علاقاتها بالمتعاملين معها، ومن ثم تصبح برامج المسئولية الاجتماعية نوعا من الاستثمار الاجتماعي الذي يهدف إلى بناء رأس المال الاجتماعي الذي يؤدي بدوره إلى تحسين كفاءة الأداء الاقتصادي للشركات.وبالنظر إلى التعريفات السابقة يمكن القول أنه حتى وقتنا الراهن، لم يتم تعريف مفهوم المسئولية الاجتماعية بشكل محدد وقاطع يكتسب بموجبه قوة إلزام قانونية وطنية أو دولية، ولا تزال هذه المسئولية في جوهرها أدبية ومعنوية، أي إنها تستمد قوتها وقبولها وانتشارها من طبيعتها الطوعية الاختيارية. ومن هنا فقد تعددت صور المبادرات والفعاليات بحسب طبيعة البيئة المحيطة ونطاق نشاط الشركة وأشكاله، وما تتمتع به كل شركة من قدرة مالية وبشرية . وهذه المسئولية بطبيعتها ليست جامدة، بل لها الصفة الديناميكية والواقعية وتتصف بالتطور المستمر كي تتواءم بسرعة وفق مصالحها وبحسب المتغيرات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.

وخلاصة القول أن المسئولية الاجتماعية للشركات تعنى التصرف على نحو يتسم بالمسئولية الاجتماعية والمساءلة.ليس فقط أمام أصحاب حقوق الملكية ولكن أمام أصحاب المصلحة الأخرى بمن فيهم الموظفين والعملاء والحكومة والشركاء والمجتمعات المحلية والأجيال القادمة. ويعد مفهوم المساءلة مكونا رئيسيا من المسئولية الاجتماعية للقطاع الخاص،كما تعتبر التقارير الدورية للمسئولية الاجتماعية للشركات أداة تسعى هذه الشركات عن طريقها لطمأنة أصحاب المصلحة بأنها تعنى باستمرار بما يشغلهم على نحو استباقي وإبداعي عبر كل ما تقوم به من عمليات.وتتضمن تلك التقارير السياسات وإجراءات القياس والمؤشرات الرئيسية للأداء والأهداف فى المجالات الرئيسية.

ثانيا: التطور التاريخي لمفهوم المسئولية الاجتماعية للشركات.

تطورت منذ مطلع القرن العشرين فلسفات اقتصادية تزامنت مع الانفصال المتزايد بين الملكية والإدارة في الشركات الحديثة. فابتداء كانت الفلسفة الاقتصادية الكلاسيكية تفترض بأن واجب الشركات الأساسي، ان لم يكن الوحيد، هو أن تعظم من ربحيتها دون أن تقوم بأي واجب آخر تجاه المجتمع، الأمر الذي سوف يمكن المشروعات من النمو، ويوفر بالتالي طائفة أوسع من السلع والخدمات للمستهلكين، وسوف يؤمن دفع أجور أفضل للمستخدمين.بخلاف هذه النظرية فقد شرع المدراء التنفيذيون بالاهتمام بأهداف أخرى إلى جانب تعظيم لأرباح، مثل مصالح المستهلكين والموظفين والدائنين والمجتمعات المحلية. وكان هذا التطور قد ارتبط بنشوء جماعات المصالح ولا سيما النقابات العمالية، وفي الوقت نفسه كانت التشريعات الخاصة ببيئة الأعمال تتطور، فأخذت الحكومات في البلدان المتقدمة صناعياً تمنح إعفاءات ضريبية للتبرعات المقدمة من الشركات والجمعيات لأعمال الخير، الأمر الذي شجع الشركات على تخصيص حصة من الأرباح للأعمال الاجتماعية، مستفيدة من هذه الإعفاءات والحوافز المادية.
وخلال الخمسينات والستينات من هذا القرن، ومع تكريس الانفصال بصورة مزايدة ما بين الملكية والإدارة والذي ميز الشركات العملاقة، بدأت جماعات الحقوق المدنية وجمعيات حماية المستهلكين، وغيرها من الحركات الاجتماعية بالتأثير على سلوك الشركات، عن طريق مراقبة الآثار البيئية للصناعات الكبيرة.

ومستوى جودة المنتجات للتأكد من خلوها من المواد الضارة.وبالمثل فقد ازدادت فاعلية حركات الحقوق المدنية وجماعات الضغط، كالمنظمات العمالية والنسائية وحركات السود والأقليات في الولايات المتحدة وأوروبا، الأمر الذي ألزم الشركات بتطوير سياساتها في مجال الاستخدام، مثل تعيين حد أدنى من المستخدمين النساء العاملات،والمواطنين السود والملونين، وأبناء الأقليات، بل تم التراجع عن السياسات التمييزية تجاه المعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة، وتطورت أنظمة الرقابة والحماية ضد التلوث وازداد الاهتمام بالحد من هدر الطاقة.وبالنظر الى التأثير الكبير الذي باتت تمارسه الشركات العملاقة على اقتصادات المجتمعات المتقدمة، ووصولها الى مختلف مكونات وجوانب حياة هذه المجتمعات، فقد ازدادت الحاجة إلى وضع ضوابط ومعايير للتأكد من استجابة هذه الشركات للمصلحة العامة، وقام علماء الإدارة والاقتصاد بتطوير قواعد ملموسة لقياس مسؤولية الشركات الاجتماعية.
ومن العوامل التي ساهمت زيادة الاهتمام بموضوع المسئولية الاجتماعية للشركات ، خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية، أحداث الحادي عشر من سبتمبر ٢٠٠١ التي شجعت عدد كبير من الشركات الكبيرة على الدعم المادي والمعنوي للمضارين من هذه الأحداث، وكذلك الفضائح المالية لعدد من الشركات العالمية وتفشي الفساد بها.

ومن أهم الأسباب التي أدت إلى تزايد الحديث عن برامج المسئولية الاجتماعية للشركات، زيادة الاهتمام بالقضايا المتعلقة بالفقر، وانخفاض مستوى معيشة بعض الفئات، والبطالة، وهي أمور ظلت لفترة طويلة من الزمن من مسئوليات الحكومات. ولكن مع تنامي الاهتمام بالتنمية الاجتماعية والتأكيد على أهمية إقامة شراكات بين الحكومة والقطاع العام والقطاع الخاص والمجتمع المدني، وفي ضوء تأكد الشركات من أن تدهور مستوى التنمية الاجتماعية يؤدي إلى هروب رأس المال ويؤثر سلبا على الاستثمار المحلي والأجنبي، زاد الاهتمام بهذا المفهوم.

ثالثا: أسباب بروز وتنامي مفهوم المسؤولية الاجتماعية للشركات:

فرضت مسالة المسؤولية الاجتماعية للشركات نفسها عنوة مؤخراً في محيط العلاقات الاقتصادية سواء الوطنية منها أو الدولية. فمن ناحية، أثارت ردود أفعال المناهضين للعولمة، منذ منتصف التسعينات، وخاصة بعد قيام منظمة التجارة العالمية، الصدى العميق لدى الشركات المتعددة الجنسيات العملاقة حول دورها ومسؤولياتها الجديدة في مواجهة تنامي ظاهرة الفقر والإفقار في العالم، نتيجة التطبيقات الصارمة لتحرير التجارة الدولية. ومن ناحية ثانية، لقد أعادت منظمات دولية غير حكومية لأصحاب الأعمال مثل المنظمة الدولية لأصحاب الأعمال التي تضم 137 اتحاد فيدرالي وطني لأصحاب الأعمال في 133 دولة تقيم أنشطتها والتدقيق في مواثيق إنشاءها لتذكير أعضاءها بمسؤولياتهم الأساسية كممثلين للقطاع الخاص وكرموز لاقتصاديات السوق في عصر العولمة.

ومما أضفى على مناقشة هذه المسالة وبشكل موسع الأهمية والإلحاح إن موجبات المسؤولية الاجتماعية للشركات لا تعني بالضرورة شريحة معينة من الشركات الوطنية والدولية، لان فلسفة هذه المسؤولية مستمدة من طابعها الاختياري المرن والشامل بما يسمح ويشجع كل مؤسسة، أياً كان حجم ونطاق أعمالها، بان تنتهج ما تراه مناسبا وملائما من الإجراءات والممارسات وفق إمكاناتها وقدراتها المادية وبما يتجاوب مع حقائق السوق ومقتضياته.فالشركات التجارية والاقتصادية والمالية الوطنية والدولية، على حد سواء، ليست بمؤسسات خيرية وإنما هاجسها الأول هو تحقيق أكبر عائد من الربح على أصحابها. ومن هنا تبلورت فكرة وجوب تذكيرها بمسؤولياتها الاجتماعية والأخلاقية حتى لا يكون تحقيق الربح عائداً عن تشغيل الأطفال والإخلال بالمساواة في الأجور وظروف وشروط العمل.علاوة على ما تقدم، فان ضرورة التزام الشركات بمسؤولياتها الاجتماعية تتعاظم دون أدنى شك في حالة وجود ثغرات في التشريعات الوطنية للدول التي تعمل فيها هذه الشركات، أي عندما لا تنظم مثل هذه التشريعات وتضبط مسائل الحقوق الأساسية المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان و إعلان منظمة العمل الدولية بشان المبادئ والحقوق الأساسية للإنسان في العمل وإعلان ريو حول البيئة والتنمية المستدامة، وغير ذلك من الصكوك الدولية التي تكفل حماية والحريات الأساسية للإنسان وحماية البيئة.
ولعل قيام الشركات بدورها التجاري في المجتمع يعد أمرًا حيويًا،إذ أن عدم قيامها بذلك قد يضر بسمعتها ومكانتها، ويحملها المزيد من التكاليف الخاصة بممارسة الأنشطة التجارية، ويقلل من قدراتها التنافسية. وفى حقيقة الأمر، تشير العديد من الدراسات إلى أن الممارسات التجارية المسئولة التي تهتم بعوامل أخرى بخلاف مجرد تعظيم الربح في الأجل القصير تساعد الشركات في تحسين نتائج عمالها، كما تجعل أداء هذه الشركات المسئولة يفوق أداء منافسيها. فمزايا تطبيق مفهوم المواطنة الصالحة للشركات هي مزايا واضحة، إذ يمكن استخدام هذا المفهوم كأداة فعالة لتحسين العلاقة بين أصحاب الأعمال والمجتمع، كما يجب مراقبة تطبيقه بدقة نظرًا لأنه يمكن أن يساعد الشركة على تقليل المخاطر التي تواجهها، وتحسين مكانتها، وزيادة حصتها في السوق، ورفع مستوى مبيعاتها، وتعريف المستهلكين بعلامتها التجارية بأسلوب أكثر فاعلية. وهكذا، ستؤدى الممارسات الأخلاقية إلى ارتفاع أرباح الشركات. ورغم ما تمارسه الحكومات والمستهلكين والمجتمعات أجهزة الأعلام من ضغوط على الشركات حتى تتحمل المزيد من المسئولية تجاه المجتمع، فإن العوامل الرئيسية التي تدفعها لتبنى برامج مواطنة الشركات غالبًا ما تكون عوامل داخلية.

وقد كشف أحدث استقصاء للرأي أجرى مع ما يزيد عن 500 مدير شركة أمريكية من مختلف الأحجام والقطاعات الاقتصادية عن طريق مركز مواطنة الشركات بجامعة بوسطن بالاشتراك مع مركز مواطنة الشركات التابع لغرفة التجارة الأمريكية،أن الدافع الرئيسي لتطبيق الإستراتيجيات الخاصة بمواطنة الشركات يتمثل في التقاليد والقيم التي تنبع من داخل الشركة(75%) والاهتمام بسمعة الشركة ومكانتها (59%).غير أنه برغم تزايد الاهتمام بمفهوم مواطنة الشركات من جانب الشركات الكبرى، لا يزال هناك الكثير من الإجراءات التي يجب اتخاذها. فقد أشارت دراسة عالمية أجراها مركز جالوب أواخر2002 إلى أن ثقة المواطنين في الشركات الوطنية قد انخفضت إلى42% بينما لم تتعد ثقتهم في الشركات العالمية نسبة 39% كما أشارت دراسة أخرى أجراها نفس المركز عام 2003 إلى أن 90% من الأمريكيين يشعرون أن المديرين المسئولين عن إدارة الشركات لا يمكن استئمانهم على رعاية مصالح العاملين لديهم، بينما يشعر49% أن المديرين لا يهتمون إلا برعاية مصالحهم الشخصية.
وتثير هذه الأرقام قضيتين: أولهما، أن الشركات تحتاج للقيام بعمل أفضل من خلال توجيه تبرعاتها لصالح برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية للدول.وثانيهما،أن الشركات في حاجة إلى توجيه مزيد من الاهتمام للآثار الاجتماعية المترتبة على أنشطتها. وإذا لم تقم الشركات بذلك، فقدت صبح أكثر عرضة للمخاطر في عالم اليوم الذي يتجه بسرعة نحو العولمة، حيث يكون المستهلكون مستعدين لمعاقبة الشركات من خلال آليات السوق عن الممارسات التي يعتبرونها غير عادلة.

وفى واقع الأمر،أشارت أحدث دراسة بعنوان المرصد السنوي للمسئولية الاجتماعية للشركات صادرة عن Environics International أن 27% من المستهلكين في 25دولة عاقبوا الشركات عن الممارسات التجارية غير المسئولة،وأن 27%منهم فكروا في القيام بذلك. كما أشارت دراسة أخرى أجرتها شركة أسترالية تعمل في مجال استعلامات التسويق إلى أن 68% من المستهلكين الأستراليين عاقبوا الشركات عن السلوك غير الأخلاقي، وغالبا ما يأخذ العقاب شكل تحول المستهلكين لمنتجات شركة منافسة. ورغم أن المستهلكين في الدول المتقدمة يبدون استعدادًا أكبر للقيام بذلك، فإن هذا الاتجاه يوجد بوضوح أيضا في بعض الدول النامية. إن الاستياء المتزايد من جانب المواطنين تجاه الشركات الكبرى يجب أن يكون جرس إنذار لكافة الشركات التجارية لكي تضع وتطبق استراتيجيات فعالة تهدف إلى تحسين البيئات التي تعمل فيها واستعادة ثقة المستهلكين.

كما تشير الإحصاءات إلى أن 73% من قادة الأعمال في أوروبا، يؤمنون أن الاهتمام بالمسؤولية الاجتماعية يمكن أن يسهم بشكل فعال في رفع القاعدة الإنتاجية إلى أقصى مداها، وهناك دراسة صدرت عن جامعة هارفارد أثبتت أن الشركات التي تطبقها نمت بمعدل أربعة أضعاف، عن تلك التي لم تتبن هذا المجال، إضافة إلى أن تثقيف الموظف بهذا المفهوم سيسهم في تخفيف الأعباء عن الشركات، وزيادة الإنتاجية، وخفض التكاليف التي يتسبب بها الغياب والفواتير الصحية بنسبة 30% .

وقد أشارت العديد من الدراسات إلى ان بروز وتنامي مفهوم المسؤولية الاجتماعية جاء نتيجة العديد من التحديات كان من أهمها:
1. العولمة: وتعد من أهم القوى الدافعة لتبني المنظمات لمفهوم المسؤولية الاجتماعية، حيث أضحت العديد من الشركات متعددة الجنسية Multinational Companies (MNCs) ترفع شعار المسؤولية الاجتماعية، و أصبحت تركز في حملاتها الترويجية على أنها تهتم بحقوق الإنسان، وأنها تلتزم بتوفير ظروف عمل آمنة للعاملين، وبأنها لا تسمح بتشغيل الأطفال، كما أنها تهتم بقضايا البيئة والحفاظ على الموارد الطبيعية.
2. تزايد الضغوط الحكومية والشعبية: من خلال التشريعات التي تنادي بضرورة حماية المستهلك والعاملين والبيئة، الأمر الذي قد يكلف المنظمة أموالاً طائلة إذا ما رغبت في الالتزام بتلك التشريعات، وبخلاف ذلك قد تتعرض للمقاطعة والخروج من السوق بشكل عام.
3. الكوارث والفضائح الأخلاقية: حيث تعرضت الكثير من المنظمات العالمية لقضايا أخلاقية، مما جعلها تتكبد أموالاً طائلة كتعويضات للضحايا أو خسائر نتيجة المنتجات المعابة، كما حدث في كارثة التلوث النفطي للمياه في ساحل ألا سكا والتي تسببت فيها شركة (Exxon Valdez) النفطية،أو كما حدث في فضيحتي الرشوة في شركتي(IBM & Banco Nacion) فى الأرجنتين، وفضيحة رشوة(Lockheed) فى عام 1970 في أمريكا ،الأمر الذي دعا السلطات الأمريكية إلى سن قانون ينظم التعامل مع قضايا الرشوة.
4. التطورات التكنولوجية المتسارعة: والتي صاحبتها تحديات عديدة أمام منظمات الأعمال فرضت عليها ضرورة الالتزام بتطوير المنتجات، وتطوير مهارات العاملين، وضرورة الاهتمام بالتغيرات في أذواق المستهلكين و تنمية مهارات متخذي القرار. خاصة في ظل التحول من الاقتصاد الصناعي إلى اقتصاد قائم على المعلومات والمعرفة، وزيادة الاهتمام برأس المال البشري بدرجة اكبر من راس المال المادي.

وبالتالي نجد انه مع تغير بيئة العمل العالمية، فان متطلبات النجاح والمنافسة تغيرت أيضا. إذ أصبح لزاماً على منظمات الأعمال أن تضاعف جهودها، وان تسعى نحو بناء علاقات استراتيجية اكثرعمقاً مع المستهلكين والعاملين وشركاء العمل ودعاة حماية البيئة والمجتمعات المحلية والمستثمرين،حتى تتمكن من المنافسة والبقاء في السوق. حيث ان بناء هذه العلاقات من شأنه أن يعمل على تكوين أساس لاستراتيجية جديدة تركز على أفراد المجتمع، وبالتالي تتمكن منظمات الأعمال من مواجهة التحديات التي تتعرض لها في عصرنا الراهن.

رابعا: مظاهر احترام المؤسسات لمسؤولياتها الاجتماعية على الصعيد الدولي.

تطلعت كافة الدول المتقدمة والنامية أيضا في العصر الحديث إلي وضع استراتيجيات يرتكز عليها النمو الاقتصادي للمجتمع المحلي والدولي، ومن هنا ظهرت وتطورت مجموعة من التطلعات والحوافر التي من شأنها أن تساعد على زيادة دمج ومشاركة القطاع الخاص في المسئولية الاجتماعية ، ولم يعد تقييم شركات القطاع الخاص يعتمد على ربحيتها فحسب، ولم تعد تلك الشركات تعتمد في بناء سمعتها على مراكزها المالية فقط، فقد ظهرت مفاهيم حديثة تساعد على خلق بيئة عمل قادرة على التعامل مع التطورات المتسارعة في الجوانب الاقتصادية والتكنولوجية والإدارية عبر أنحاء العالم.
وتبلورت على الصعيد الدولي عدة مرتكزات وأسس عمل باتت تعد من قبيل المراجع الواقعية في تحديد نطاق وأبعاد المسئولية الاجتماعية للشركات. وفي هذا الخصوص يذكر ما يلى:-
1. مبادرات عالم الأعمال، ميثاق غرفة التجارة الدولية بشأن التنمية المستدامة.
2. إعلان المبادئ الثلاثية حول الشركات المتعددة الجنسيات والسياسية الاجتماعية الصادر عن منظمة العمل الدولية، المبادئ التوجيهية لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية بشان الشركات المتعددة الجنسيات، الميثاق العالمي.
3. المبادرات الصادرة عن المنظمات غير الحكومية؛توجيهات منظمة العفو الدولية في مسائل حقوق الإنسان في المؤسسات، المدونة الأساسية لممارسات العمل الصادرة عن الاتحاد الدولي للنقابات الحرة، والسكرتاريات المهنية الدولية.
4. المبادرات ذات الطابع الحكومي الصادر عن حكومة الولايات المتحدة، الوثيقة البيضاء الصادرة عن المفوضية الأوروبية.
5. المبادرات التجارية ،المبادرات التي وضعتها المؤسسات العالمية ذاتها مثل مختلف مدونات السلوك الفردية، آليات التقارير. وجميع هذه المبادرات وغيرها لا تشكل نموذجاً عالمياً موحداً، ولا تفرض في حد ذاتها قيودا والتزامات على المؤسسات، وإنما هي أنماط وسلوك عمل يتسم بالمرونة والتنوع كي تسترشد بها المؤسسات صاحبة القرار في تحديد ما يلائمها ويتفق مع مصالحها وبرامج عملها وصولاًَ للنتائج المبتغاة منها.


6.الميثاق العالمي للمسئولية الاجتماعية وهو مبادرة دولية صدر في عام ١٩٩٩، دعت بمقتضاها الأمم المتحدة الشركات للتحلي بروح المواطنة المؤسسية، وزيادة مساهمتها في التصدي لتحديات العولمة، والمشاركة الطوعية في التنمية المستدامة.ويعتبر الميثاق المسئولية الاجتماعية للشركات بأنها هي كل ما تقوم به الشركات ، أياً كان حجمها أو مجال عملها، طواعيةً من أجل تعظيم قيمتها المضافة للمجتمع ككل. والمسئولية الاجتماعية هي مسئولية كل شخص بالشركة وليست مسئولية إدارة واحدة أو مدير واحد. وتبدأ المسئولية الاجتماعية للشركات من التزام الشركات بالقوانين المختلفة خاصةً ما يتعلق بحقوق العاملين، والحفاظ على البيئة، وتنمية المجتمع. وتم تشجيع الشركات على الالتزام بالمبادئ العشر للميثاق العالمي للأمم المتحدة والتى يجب مراعاتها بشكل يومي عند اتخاذ كافة القرارات ووضع الإستراتيجيات. وتم تشجيع الشركات ليس فقط على الالتزام بتلك المعايير، وإنما أيضاً محاولة الامتناع عن عقد صفقات تجارية مع الشركات التي لا تحترم كل أو بعض تلك المعايير. تقسم المبادئ العشر للاتفاق العالمي للمسئولية الاجتماعية للمؤسسات والشركات الى المجموعات الأربعة التالية :
1-حقوق الإنسان:
• دعم حماية حقوق الإنسان المعلنة دوليا واحترامها.
• التأكد من عدم الاشتراك في انتهاكات حقوق الإنسان.
2- معايير العمل:
• احترام حرية تكوين الجمعيات والاعتراف الفعلي بالحق في المساومة الجماعية.
• القضاء على جميع أشكال السخرة والعمل الإجباري.
• القضاء على عمالة الاطفال.
• القضاء على التمييز في مجال التوظيف والمهن.
3- المحافظة على البيئة:
• تشجيع إتباع نهج احترازي إزاء جميع التحديات البيئية.
• الاضطلاع بمبادرات لتوسيع نطاق المسؤولية عن البيئة.
• تشجيع تطوير التكنولوجيا غير الضارة بالبيئة ونشرها.
4-مكافحة الفساد:
• مكافحة الفساد بكل أشكاله، بما فيها الابتزاز والرشاوي.

 

خامسا: اتجاهات نشر المسئولية الاجتماعية للشركات

يمكن نشر المسئولية الاجتماعية للشركات من خلال ثلاثة اتجاهات كمايلى:-
1-المساهمة المجتمعية التطوعية: ويلقى هذا المجال معظم الاهتمام فى الدول التى يكون فيها الحوار حول المسئولية الاجتماعية للشركات حديثا نسبيا.ومن الممكن أن يتضمن ذلك الهبات الخيرية وبرامج التطوع والاستثمارات المجتمعية طويلة الأمد فى الصحة أو التعليم أو المبادرات الأخرى ذات المردود المجتمعي.
2-العمليات الجوهرية للأعمال وسلسلة القيمة:غالبا ما تكون رؤية وقيادة الأفراد والمنظمات الوسيطة ضرورية لإدخال المسئولية الاجتماعية للشركات.وتستطيع أى شركة من خلال التفاعل النشط مع موظفيها،تحسين الظروف والأوضاع وتعظيم فرص التنمية المهنية.ومن ذلك تطبيق إجراءات لتقليل استهلاك الطاقة والمخلفات.وتستطيع الشركات أن تكفل صدق وسهولة الاتصالات مع عملائها.ومن ناحية تأثيراتها غير المباشرة عبر سلسلة القيمة ومواثيق الشرف فى تدبير الاحتياجات وبرامج بناء القدرات،وتستطيع الشركات مساعدة مورديها وموزعيها على تحسين أداء قوة العمل والحد من الضرر البيئى.
3- حشد التأييد المؤسسى وحوار السياسات والبناء المؤسسى: على الصعيد الداخلى تضع قيادات المسئولية الاجتماعية للشركات الرؤية وتهيىء المناخ العام الذى يمكن العاملين من تحقيق التوازن المسئول بين المتطلبات المتعارضة لزيادة الأرباح والمبادىء.أما على الصعيد الخارجي فان كثيرا من رؤساء مجالس الإدارات وكبار المديرين يقودون مشاركة الأعمال فى قضايا التنمية بمفهومها الأوسع ويؤيدون المبادرات الخاصة بالصناعة وغيرها من المبادرات.

سادسا: مزايا التزام الشركات بالمسؤولية الاجتماعية

فى ظل تزايد الاهتمام بمفهوم المسئولية الاجتماعية للشركات ،يثور التساؤل حول الأسباب التي تشجع
الشركات على الالتزام بهذه المسئولية خاصة في ضوء ما تنطوي عليه من أعباء مالية ومادية. وتشير التجارب الدولية إلى أن المزايا التي تعود على الشركات تتمثل فيما يلي:
1. تحسين سمعة الشركات والتي تُبنى على أساس الكفاءة في الأداء، والنجاح في تقديم الخدمات، والثقة المتبادلة بين الشركات وأصحاب المصالح ومستوى الشفافية الذي تتعامل به هذه الشركات، ومدى مراعاتها للاعتبارات البيئية واهتمامها بالاستثمار البشري. ويسهم التزام الشركات بمسئوليتها الاجتماعية بدرجة كبيرة في تحسين سمعتها.
2. تسهيل الحصول على الائتمان المصرفي خاصة في ضوء استحداث بعض المؤشرات التي تؤثر على القرار الائتماني للبنوك. وتتضمن هذه المؤشرات مؤشر داو جونز للاستدامة Dow Jones Sustainability Index (DJSI) والذي أُطلق عام ١٩٩٩ ويُعنى بترتيب الشركات العالمية وفقا لدرجة مراعاتها للأبعاد الاجتماعية وللاعتبارات البيئية خلال ممارستها لنشاطها الاقتصادي.
3. استقطاب أكفأ العناصر البشرية حيث يمثل التزام الشركات بمسؤوليتها تجاه المجتمع الذي تعمل به عنصر جذب أمام العناصر البشرية المتميزة خاصة بالنسبة للشركات عابرة القارات أو كبرى الشركات المحلية التي تعمل في مجالات متخصصة وتستخدم تكنولوجيا حديثة.
4. بناء علاقات قوية مع الحكومات مما يساعد في حل المشكلات أو النزاعات القانونية التي قد تتعرض لها الشركات أثناء ممارستها لنشاطها الاقتصادي.
5. حسن إدارة المخاطر الاجتماعية التي تترتب على قيام الشركات بنشاطها الاقتصادي، خاصة في إطار العولمة. وتتمثل هذه المخاطر في الالتزام البيئي واحترام قوانين العمل وتطبيق المواصفات القياسية،والتي تمثل تحديا للشركات، خاصة الصغيرة والمتوسطة.
6. رفع قدرة الشركات على التعلم والابتكار.

سابعا:عوامل نجاح المسئولية الاجتماعية للشركات

وحتى تنجح الشركات في تطبيق المسئولية الاجتماعية لها هناك العديد من العوامل الرئيسية التي يجب إعدادها وتنظيمها قبل الشروع في إطلاق هذه البرامج وفي مقدمة هذه العوامل ما يلي:
1 - ضرورة إيمان الشركة بقضية المسئولية الاجتماعية نحو المجتمع، وأن تكون هناك قناعة ويقين من قبل كل مسئول فيها ابتداء من أصحاب الشركات، مروراً بمديريها التنفيذيين، وانتهاء بالموظفين حول أهمية هذا الدور، وأنه أمر واجب على كل شركة تجاه المجتمع الذي تعيش فيه، وهو أمر لا تتفضل به الشركة على مجتمعها بل تفتخر به وتعتبره واجباً عليها.
2 - أن تقوم الشركة بتحديد رؤية واضحة نحو الدور الاجتماعي الذي تريد أن تتبناه والقضية الرئيسية التي ستهتم بالعمل على المساهمة في معالجتها والمبادرة التي ستقدمها للمجتمع بدلاً من الانتقاد والشكوى للسلبيات الموجودة.
3 - أن يصبح هذا النشاط جزءاً رئيسياً من أنشطة الشركات يتم متابعته من قبل رئيس الشركة، كما يتم متابعة النشاط التجاري، وتوضع له المخططات المطلوب تحقيقها تماماً كما توضع مخططات المبيعات وغيرها من الأنشطة التجارية.
4 - يجب على الشركة أن تخصص مسئولا متفرغاً تفرغاً كاملاً لهذا النشاط، وتحدد له الأهداف والمخططات المطلوبة، ويرتبط مباشرة بالإدارة العليا ويمنح الصلاحيات المطلوبة، وأن يكون له دور رئيسي وفعال على مستوى الشركة .
5 - من أكبر المعوقات التي تواجه الشركات الراغبة في الانطلاق في برامج المسئولية الاجتماعية، رغبة هذه المؤسسات في الانطلاق من خلال مشاريع كبيرة وضخمة وذات أرقام عالية، ولا ضرر في أن توضع هذه الأهداف على المدى البعيد، ولكن حتى يتم البدء في مثل هذه البرامج يجب أن تكون الانطلاقة من خلال أهداف صغيرة ومحدودة تكبر بمرور الأيام لتحقق المشاريع والبرامج الكبيرة.
6 - الحرص على عدم الإعلان عن البرامج الاجتماعية إلا بعد انطلاقها، فكثير من البرامج الاجتماعية التي يعلن عنها لا يكتب لها الاستمرار لعدم قدرة المسئولين عنها على تنفيذها طبقاً لما تم الإعلان عنه وهذا قد يساهم في المستقبل في توقف البرنامج.
7 - الاهتمام بجعل هذه البرامج الاجتماعية قائمة بذاتها مستقبلاً وتعمل على تغطية مصروفاتها بنفسها حتى يكتب لها الاستمرار والبقاء، وحتى لا تصبح مركز تكلفة قد تلجأ الشركة في يوم من الأيام إلى الاستغناء عنه.
8 - الحرص على تقديم هذه البرامج بأداء قوي ومتميز وجودة عالية، وكأن هذه البرامج منتج تجاري يجب الاهتمام به والعناية بتقديمه بشكل متميز يساهم فعلاً في خدمة المجتمع وتحقيق أهدافه.
9 - الحرص على أن تسعى هذه البرامج الاجتماعية على التعاون والتنسيق مع ما هو موجود من برامج وأنشطة مشابهة حتى لا يتم تكرار الجهد وضياع الوقت وصرف المال في برامج قائمة، مع التأكيد على أن الاحتياج للبرامج الاجتماعية كبير جداً ويحتاج إلى آلاف البرامج من الشركات.
10 - كل مؤسسة أو شركة صغيرة أو كبيرة قادرة على أن تقدم شيئاً لمجتمعها ولمن حولها وليس المهم حجم البرنامج الذي يقدم بل الأهم أن يتم تقديم شيء يستفيد منه المجتمع مهما كان حجمه.

ahmedkordy

(رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ)

  • Currently 35/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
11 تصويتات / 6077 مشاهدة

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,261,237

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters

هل تعرف أن بإمكانك التوفير بشكل كبير عند التسوق الالكتروني عند إستعمال اكواد الخصم؟ موقع كوبون يقدم لك الكثير من كوبونات الخصم لأهم مواقع التسوق المحلية والعالمية على سبيل المثال: كود خصم نمشي دوت كوم، كود سوق كوم وغيرها الكثير.

..
تابعونا على حساب

أحمد الكردى

 موسوعة الإسلام و التنميه

على الفيس بوك

ومدونة
أحمد السيد كردى
على بلوجر