سهام شباط

أبناؤنا يتطلعون  إلى الشهرة بقطار "إكسبرس".. أمامهم صور "مارادونا وباجيو" و"ريكاردو" وبيليه- وآخرين.. ولكن لماذا لا يتطلّعون  إلى صور "أينشتاين" ومدام كوري وأديسون وشكسبير؟!
هؤلاء أيضاً مشاهير إلا أنهم يفتقدون لبريق الشهرة، لذا ينشغل الآباء والأمهات بمستقبل أبنائهم، ماذا سوف يكون حالهم غداً؟ سؤال مطروح على أولياء الأمور: من منكم يحلم بالشهرة لأبنائه، من منكم يحلم بالأضواء والمال..؟
سألت كثيراً من الأمهات فأجاب البعض: أنهن لا يفرضن رأيهن على الولد أو البنت.. بل يتركن الابن يختار حسب طاقته وإمكاناته وهواياته، والبعض منهن يسلكن طريق فرض الرأي منذ البداية وخاصة عندما يرون شيئاً من الإبداع والموهبة عند البنت أو الولد.
د. إبراهيم غليوم "جامعة البحرين" قال من الصعب أن أتخلص من تكويني وأنا أفكر في مستقبل أولادي وبالتالي تنعكس شخصيتي وهذا حال الكثير من الأهل وظلال تكويني وتأسيسي على الانحياز لأن يكون أحد أبنائي مثلاً يرسم طريقه في اتجاه خدمة البلد في مجال العلم والثقافة والفكر بحكم أن هذا هو الطريق الذي أمضيت فيه أنا تأسيساً وتأصيلاً وخدمة حتى الآن. ولكن أنا شخصياً أؤمن بأن شخصيتي كان لها زمنها ومرحلتها وأن أبنائي لهم زمنهم ومرحلتهم ولذلك لم أحاول إطلاقاً أن أجبرهم على أي توجه.. وإنما أحاول أن أتحسس مواطن اهتماماتهم وقد أبديت كل استعداداتي لأن أبزر هذه الميول والاتجاهات، هذا من وجهة نظري أما من وجهة نظر أبنائي فالمسألة تختلف، فنحن كما ذكرت كانت لنا ظروفنا التي نشأنا فيها في الستينيات فلقد كنا مرتبطين بالكتاب والتأسيس، والظروف السياسية والاجتماعية والثقافية، وكانت هذه المرحلة جادة جداً ومسؤولة وفيها ضغوط كثيرة، أما جيل التسعينيات فيختلف بطبيعة الحال إذ إن هناك ظروفاً تؤثر فيها الحياة الاستهلاكية وقلة فرص العمل والمستجدات على الواقع الاجتماعي والاقتصادي والحياتي بشكل عام، لهذا السبب أستمع باهتمام كبير جداً لأمنيات الأولاد في أن يكونوا على غرار بعض نجوم الرياضة، والخيار الذي نطرحه بأن يكون حاملاً للدكتوراة أو نجماً من النجوم الرياضيين يشكل مفارقة كبيرة وحقيقية في تفكير أولادنا في الوقت الراهن، فحلم مراهق الرابعة عشرة من عمره أن يكون نجماً رياضياً وفي مخيلتهم على خلاف اهتمامهم مؤثراً ذلك أكثر من القضايا العلمية أو الثقافية فلا نجد أنهم يهتمون بقضية جادة وخطيراً فيما يتصل بشاعر أو مفكر كبير يطرح قضية على مستوى الوطن العربي وهذا تفكير خطير وهي أن الإنسان في الفترة الحالية يفكر في قضية الرزق والمكسب وكيف يؤسس له أو يضمن له اسماً ساحقاً في الم تزدحم فيه الضغوط والمطالب والاحتياجات، ذلك لأن الأولاد يدركون حقيقية أن نجوم السينما والكرة ليسوا أشخاصاً عاديين.
نحن نعرف دون شك بأنه في مرحلة التكوين من سن أربع السنوات  إلى 14 سنة تكون لدى الإنسان استجابات مختلفة وهذه المرحلة هي التي تنكشف فيها الميول والمواهب والملكات عند الطفل، فإذا ظهرت بوادر ملكة ما ووجدت من المحيط قمعاً أو محاولة طمس أدى هذا إلى ضربة قاصمة لها، مما يجعلها تختفي، ولذلك سوف نحصر موضوعنا الذي بين أيدينا بالإبداع والذكاء عند الطفل وكيفية الاهتمام به".
فلقد حيّرت القدرة على الإبداع الإنسان قروناً عديدة، ولم تكن استجابته إزاء الشخص المبدع نمطية دوماً، فالعبقرية والجنون غالباً ما قُرنا معاً، وهي أسطورة ما تزال باقية بشكل مقنع في بعض نظريات الإبداع، وقد صاحب هذا الاهتمام بالموضوع ازدياد الوعي بفوائد المواهب خلال عصر الحرب الباردة الماضي، فالسلوك المبدع ظاهرة اجتماعية  إلى حد كبير، والحس السليم يعلمنا بوجود فرق ظاهر بين الناس في الأصالة والإنتاج يطلق عليها عادة صفة الإبداع، وعلينا أن ندرس الموضوع عن طريق تحليل هذه الظاهرة ورؤية ما إذا كانت تمتلك صفات مميزة، وما إذا كانت مغروسة في كيان الإنسان العضوي الفطري، أم إنها مكتسبة.
إذ كثيراً ما نقول بأن هذا الولد ذكي، وذاك الشاب أكثر قدرة على التكيف مع البيئة من بعض أقرانه، وتلك الفتاة ابنة أبيها فهي تسير في ميولها العلمية على نهجه الدارسي، إنه التغير الدائم والتقلب المتصل في عالم الحياة حيث يواجه الإنسان مواقف وظروفاً شتى في أثناء نشاطه الحيوي ويستجيب لهذه الأحوال المتغيرة داخلية كانت أم خارجية بأساليب وطرق مختلفة، وبين هذه المفردات نحاول تسليط الضوء على أن بعض العوامل المتصلة بالذكاء والتي تخضع لتأثيرات مختلفة وتنشأ بينه وبين بعض العوامل علاقات معروفة، ما يهمنا في هذا المقام موضوع الوراثة والذكاء وهل هناك علاقة أكيدة بينهما "انتهت الدراسات والأبحاث جميعها إلى التأكيد بأن هناك صلة وثيقة بين الذكاء والوراثة، وأن الوراثة تحدد نسب مختلفة للذكاء، وقد اتخذت موضوع التوائم المتماثلة وغير المتماثلة والأشقاء والأبناء والآباء أساساً لاستنتاجها حول هذه العلاقة".
وهذا الكلام يعني بأن يصرح علم النفس التربوي بأن الذكاء يورث ولكنه لا يورث ولا ينتقل من جيل إلى جيل كما تنتقل الصفات الجسدية مثلاً وإنما يورث على شكل استعداد أو على صورة قابلية تتلقاها البيئة لتعمل فيها تغييراً أو تعديلاً في ضوء ما تتوافر عليه من طرائق ووسائل للتأثير، بمعنى أن التأثير الذي تمارسه البيئة قد يتيح الفرصة لتفتح هذه القابلية وإنضاجها وبلورتها وإيصالها إلى أعلى درجات النمو الممكنة وقد تعمل البيئة على إعاقة هذا النمو وتعريضه للتراجع والانحطاط والنكوص بعبارة أخرى تزيد البيئة الجيدة في نسبة الذكاء في حين ينقص الوسط من حاصل الذكاء.
إذن العوامل الوراثية والبيئية تتبادلان التأثير فيما بينها وتعملان بصورة متآزرة متكاتفة لكن تجدر الإشارة إلى أن التقدم العلمي التقني يضع بين يدي الإنسان إمكانيات تتزايد باضطراد وتجعله أكثر قدرة على التحكم بالعوامل البيئية من خلال سيطرته شبه الكاملة على المعطيات والمؤثرات البيئية على ما هو قائم منها وعلى ما هو قادر على اصطناعه، وما نشوء وتطور هذا الميدان العلمي الجديد الذي يطلق عليه اسم الهندسة الوراثية إلا دليل ساطع على ما ذكره العلماء المختصون في هذا المجال.
متى نقول بأن هناك حالة إبداع؟!
يوصف الإبداع من خلال "الجدة" فمن الطبيعي أن يطرح السؤال: كيف نفهم هذا؟! الجديد بالنسبة لفكرة "الجدة" نفسه قد لا يكون جديداً بالنسبة للآخرين والعكس صحيح، فقد يعتبر مؤلفٌ كتاباته عادية للغاية، لكن بعضهم أو بعد فترة من الزمن، يعلن أن كتاباته ومؤلفاته إبداعاً، أما الأسلوب الآخر لاكتشاف الإبداع فهو الوصف السيكولوجي لسيرورات الإبداع وآلياته، على سبيل المثال: يميز الباحث "غ. أوليس" المراحل التالية في العملية الإبداعية: التحضير، النضج، الحدس "الإلهام، التحقق.
أما الباحث ف. أ كونولنكو فيحلل ست مراحل للإبداع: طرح المسألة، ولادة الخطة، الهجوم، الفتور، التفريخ "النضج"، القرار، التبصر الحدسي "إدراك الحقيقة"، وبحسب وجهة نظره، أن أساس الإبداع هو الآليات السيكولوجية اللاشعور والشعور، يقول "كوفالنكو" نادر جداً ما يختتم الهجوم بالحل، فالهجوم عاجلاً أم آجلاً وبعد أن يصاب بالإحباط يصبح من المحتم بالنسبة له، نوعاً من الفتور وبعبارة أخرى "الانسحاب" وتوقف الهجوم الواعي على المسألة، ثم يلي ذلك التفريخ أي النضج العفوي – التلقائي في باطن اللاشعور لحل المسألة الحقيقي، ويختتم إطلاق اللاشعور للعمل في مرحلة الهجوم، أما إمكانات عمله بالمقارنة مع عمل الشعور الواضح فهي جبارة حقاً.
يبدو أن عمل اللاشعور يكمن في فرز الصيغ والحلول في حقل المسألة مع التقليص التزامن لعددها ويجدد اللاشعور في أثناء النضج حل المسألة عاجلاً أم آجلاً، هنا تطرح مهمة إدراك ووعي الحل الذي تم العثور عليه.
إن التحول المذكور للحل الذي تم العثور عليه في اللاشعور  إلى واقعة شعور المؤلف الواضح يحمل غالباً طابع "الشرارة" البصيرة الذي يأتي بمثابة نضج صاعق للحقيقة.
ثمة كثير من نظريات الإبداع هذا اليوم، ومع كل ما يظهر من إقناع التحليل السيكولوجي للإبداع فإن مثل هذه المقاربة لا تصمد أمام النقد الجاد، حيث ينتج معنا أن الإبداع كان موجوداً دوماً حتى في العالم القديم، رغم أنه من المعروف أن اتجاه الإبداع والممارسة العملية لم يتشكلا إلاّ في الثقافة الأوروبية الحديثة، وبما أن الإبداع يتم وصفه عبر آليات اللاشعور، والحدس والنضج والبصيرة والظواهر الأخرى غير الواضحة، فإن تحليل الإبداع المرتكز على هذه التصورات لا يقل عنها لا شعورية وحدساً، علاوة على ذلك ليس من الصعب ملاحظة أن باحثي الإبداع يصفونه بصورة مختلفة، انطلاقاً من نظريات مشتركة ومادة البحث المشتركة، ولم يتمكن أحد حتى الآن من توحيد مواصفات الإبداع المتعددة بحيث يوافق عليها الجميع.
فالإبداع هو إيجاد الحلول الجديدة للأفكار والمشكلات والمناهج إذا ما تم الوصول إليها بطرائق مستقلة حتى وإن كانت غير جديدة على العلم والمجتمع.
وهو استخدام الشيء وإخراجه على غير مثال سابق.
والشخصية المبدعة لا تنشط ولا تتحرك في فراغ فهي عادة تتبع تقليداً محدداً وتستوعب بشكل عميق منجزات عصرها وتمتلك الأساليب الرئيسة للتفكير والاتصال، ألم يكن، أفلاطون، وغاليليه، وأوغسطين وفوكو على هذا الشغل؟
لكن المبدع لم يكن مبدعاً لو لم يخلق جديداً، بالفعل وبالتالي لو لم يبرز مجدداً، تجاوز التقاليد وأساليب التفكير القائمة، من هنا تأتي الخاصية الأولى للإبداع إنه تناسب خاص بين التقليد والتجديد.
ولا تقل شخصية الخالق المبدع أهمية بالنسبة لتوصيف الإبداع "وهذا بديهي" وكما اجتهدت في إظهار أن الإبداع هو جانب لا يتجزأ من المسيرة الذاتية للمبدع "تحقيق شخصيته فالشخصية مثل أفلاطون وأوغسطين وسواء.. تفهم حياتها من حيث هي إبداع بالذات "كتقديم ثمار روحية"، وبالنسبة لمثل هذه الشخصية لا وجود لإبداع منفصل وحياة خاصة، فهما الشيء ذاته، ولكن الخالق المبدع وحتى عبقري "الإيزوتيرية" لا يحقق في الإبداع ذاته بل ويحقق عصره، وهو في حياته كلها يردّ بمسؤولية كاملة على تحديات العصر، والشيء نفسه يمكن قوله بعبارة أخرى إن مثل هذه الشخصية تحقق عصرها من خلال التفكير والإبداع، وهكذا نصل  إلى الخاصية الثانية للإبداع. "إن الإبداع هو تطابق الشخصية والمعاصرة" أي أن المبدع هو تلك الشخصية التي يمكن من خلالها أن يتحقق العصر وتحدياته.
والخاصية الثالثة للإبداع هي ما يبرز الاتصال كسياق للإبداع" ففي الاتصال تتحدد معايير الجدة ومقاييس المجتمع وتوجهاته نحو الإبداع، فالجديد لا يتشكل من تلقاء ذاته بل في الاتصال والتواصل مثال: كيف تشكلت الأفكار الرئيسة لحواريات غاليليه: لقد خرج بالتدريج بأفكار نظريته متجاوزاً عدم فهم المستمعين، مراعياً لإمكاناتهم وتصوراتهم مفسراً لهم الأفكار الرئيسة للفهم الجديد للحب.
إذن المبتكرون هم أشخاص يتصفون بسعة الخيال، التفكير الأصيل غير المعتاد، منظمو التفكير بطريقة غير مألوفة، مرونة في الأفكار، الاستقلالية المثابرة.
الاعتماد على النفس، الانطوائية والانعزالية في أغلب الأحيان، المغامرة، الاهتمامات المتنوعة، الاندفاعية، التنافس، تنوع في طرق التعبير عن الانفعالات.
وقد شاع سابقاً أن المتفوق، والعبقري والموهوب.. الخ، هو كذلك لأنه يغطي عقدة نقص لديه لوجود عيب جسدي عنده، أو نفسي.. الخ، كي يعوّض ما عنده من نقص يلجأ لأن يكون كذلك، وهذا ما كان شائعاً قديماً وهذا ما ذهبت إليه نظرية التحليل النفسي في تفسيرها للإبداع، ولكن دعونا نتحقق من ذلك عن طريق:
1- الخصائص الجسمية: ثمة ترابط بدرجة ما بين ما هو جسدي وما هو نفسي وعقلي، والمتفوق عقلياً هو أقدر على أن يخلق تآلفاً مع الشروط المحيطة أفضل من أقرانه الأسوياء وبالتالي تقديره لجسده وصحته أكثر دقة من غيره وتمسكه بالقواعد الصحية وفقاً لذلك أكثر من الأفراد العاديين؛ فالمتفوقون عندهم قدرة عالية على إدراك العلاقات الجسمية المختلفة مع تفكيرهم وطرق الاعتناء بها، "فالجسم السليم في العقل السليم".
2- الخصائص العقلية للمتفوقين: بينت الدراسات والأبحاث أن المتفوقين يتمتعون بقدرات ذكائية وإبداعية تؤهلهم أكثر من الأطفال أقرانهم على أنهم:
- لهم حصيلة لغوية كبيرة في سن مبكرة.
- لهم ميول وهوايات متعددة.
- الشغف بالكتب في سن مبكرة، وخاصة كتب الكبار.
- لهم فضول للمعرفة، والتحليل، والنقد والنقاش، والحدس والاستنتاج.. والتكيف مع المواقف وتحليلها، وإيجاد الحلول للمشكلات التي تعترضهم.. وخلاصة القول أن المتفوق عقلياً وجسدياً متفوق بالنواحي الانفعالية والاجتماعية والثقافية.
وإن هناك ترابطاً واضحاً بين الوسط الثقافي الذي يعيشه المتفوق وبين تفوقه فالبيت الذي يهتم بالعلم والكتاب والمكتبة والفنون والرياضة وملء أوقات الفراغ بما هو مفيد وممتع، وكذلك طريقة الحوار والنقاش، واحترام الذات كلها تلعب دوراً في تنمية إبداع الطفل، فالآباء المتفوقون عقلياً كان أولادهم على الأغلب متفوقين في دراستهم أكثر من الآباء العاديين وأولادهم مع الأخذ بعين الاعتبار بأن لكل قاعدة شواذ، إذ كثير من المبدعين عاشوا عند آباء أميين.
وكثير من الدراسات حاولت الربط بين المستوى الاقتصادي والاجتماعي وعلاقته بالتفوق والإبداع ولكن حتى الآن لم تُثبت الدراسات بأن الوضع العرقي أو الطائفي أو القومي، له دور في الإبداع وهذا عبر تاريخ الإنسانية وحضارتها، ولكن لا أحد ينكر بأن الوضع الاقتصادي له دور كبير كوسيلة لتنمية الإبداع، والتفوق ولكن ليس لوجوده، إنما للتنمية فقط، لأن مراحل نمو الذكاء في حياة الإنسان طويلة ومعقدة وهي مراحل تمتد منذ الطفولة وحتى الشيخوخة في شبكة دينامكية معقدة، حافلة بالتراجعات والقفزات في الوقت نفسه، ومع هذه الصورة لنمو الذكاء، فإن هذا النمو لا يتم بمعزل عن جوانب أخرى يجب وضعها في الاعتبار عند تقييم إمكانات النمو واحتمالات التدهور، وخاصة تلك المرتبطة بالشيخوخة، ومستوى الذكاء لدى الفرد ونوع المهنة التي يمارسها ونوعية الحياة التي يعيشها، إذ إن الأفراد الذين يتمتعون بصحة جسمية لديهم إمكان أفضل للنمو وأقل للتدهور، كذلك فإن الأمراض العقلية، خاصة تلك المرتبطة بالشيخوخة مثل "عته الشيخوخة، ألزهايمر.. " وغيرهما مسؤولة عن تدهور القدرات العقلية لدى المسنين وكبار السن، ومن ناحية أخرى فإن الأفراد ذوي الذكاء المرتفع لديهم إمكانيات أفضل لتطوير قدراتهم والاستفادة من مواردهم المتاحة بدرجة أفضل من الأشخاص الأقل ذكاءً.
كما أنهم أكثر قدرة على التنظيم الذاتي لإمكاناتهم العقلية، بما يمكّنهم من تعويض بعض قدراتهم مع التقدم في العمر.
أما نوعية المهنة ونوعية الحياة فإنهما تلعبان دوراً مهماً في نمو الذكاء، فالمهن أو نوعية الحياة التي تستثير قدرات الفرد، وتتطلب منه استخداماً كثيراً لقدراته، وتنمية لها بشكل كبير تؤدي  إلى الحفاظ على هذه القدرات وتنميتها، أما في حالة المهن الروتينية ونوعية الحياة التي لا تتطلب من الإنسان تطوير، لقدراته، فإن فرص تدهور ذكاء الفرد في هذه الحالة تتزايد مع التقدم في العمر.. وعلى هذا الأساس فإن وضع كل هذه العوامل في الاعتبار شرط أساسي لفهم إمكانات نمو أو تدهور الذكاء والقدرات العقلية المختلفة لدى كل إنسان.
ومن ناحية أخرى فإن مسار فهم نمو الذكاء والعوالم المؤثرة فيه يثير تساؤلاً حول مدى إمكان رفع مستوى الذكاء وهل يمكن تدريب الأفراد حتى يكونوا أكثر ذكاءً أم لا.
من المعروف أن التفكير والإبداع يعدّان قيمتين رئيستين لثقافتنا وممارساتنا الواسعة، ولا تتطلب المهن المعاصرة العديد من المختصين فحسب، بل وتتطلب وجود ونشاز الشخصية المبدعة، وبدرجة لا تقل عها الأشخاص جيدي التفكير، وهذا بدوره يرتبط بقيمة الشخصية في مدنيتنا، وتبين الدراسات والبحوث الثقافية العلمية والسيكولوجية المعاصرة أن الشخصية الإغريقية كانت رائدة الثقافة والتفكير، ولاحقاً كان تطور الثقافة الأوروبية العالمية مشروطاً  إلى حد كبير بتحولات الشخصية "الغربية والشرقية على حد سواء" عندئذ يبدو بأن التفكير والإبداع هما مجرد تعبير ذاتي عن الشخصية وتحقيق لها.. وهذا صحيح ، فهو يمثل جزءاً من الحقيقة. 
 فالشخصية من ناحية كما يؤكد "كارل يونغ" هي الذات والتفرد، وإنها بناء الفرد لحياته وذاته والسلوك الفردي المستقل والاختيار والتفصيل.
ومن ناحية أخرى تفترض الشخصية تحقيق البنى غير الفردية في الإنسان، كاللغة، والتفكير وظروف الحياة الاجتماعية العامة، كما يقول الشعراء والفلاسفة: ليس الإنسان هو الذي يفكر ويؤلف ويخلق، بل شيء ما به يفكر ويؤلف ويخلق، وخلف هذا كله تتراءى حياة أخرى، مغايرة لوجود فرد واحد، إنها الحياة الاجتماعية والكونية والروحية.
إن التفكير والإبداع يحصلان إذا ما تطابق التعبير الذاتي عن الشخصية مع وجود الحياة الروحية والكونية والاجتماعية، إذا ما عاش الإنسان الهموم والأفكار المشتركة للثقافة والإنسانية وإذا ما استوعب والتقط وتابع أحداث التاريخ وانخرط في منطق التفكير وعفوية اللغة، واستجلى ضرورة الظروف الاجتماعية المشتركة للحياة الثقافية.
وعلى هذا الأساس ونتيجة لاتساع نطاق الأعمال المشتركة عبر القارات واتساع مجال الأسواق والمفاوضات، والتجارة بين أشخاص ينتمون إلى ثقافات متباعدة ظهر مفهوم الذكاء الثقافي على يد مجموعة من الباحثين المتخصصين في علم النفس والإدارة ليشير  إلى قدرة الفرد على التفاعل الكفء في المواقف التي تتميز بالتنوع الثقافي، وقد أصدر "كريستوفر ايرلي" من جامعة لندن وسونغ آنغ من جامعة ناينانغ بسنغافورة أول كتاب في الذكاء الثقافي عام 2003م، بعنوان الذكاء الثقافي: التفاعلات الفردية عبر الثقافات، كما تدعمت مكانة المفهوم من خلال علماء وباحثين كثر والذي يعني قدرة الفرد على إقامة علاقات شخصية تتسم بالكفاءة في مواقف تتسم بالتعدد الثقافي وقدرته على فهم الإشارات والرموز اللفظية وغير اللفظية في ثقافة مغايرة لثقافته الأصلية والاستجابة لهذه الإشارات بشكل توافقي.
والذكاء الثقافي يشمل القدرة على فهم كلم من الجوانب المعرفية والانفعالية في الثقافات الأخرى والذي يختلف في تعريفه عن الذكاء الانفعالي، والذي يشمل فهماً للمشاعر الذاتية ولمشاعر الآخرين في ثقافة معينة، ومن هذا المنظور فإن شخصاً يتميز بالذكاء الانفعالي المرتفع في ثقافته قد يكون محدود الذكاء الثقافي إذا لم يكن لديه القدرة على الفهم السريع للتباينات الثقافية والقدرة على الاستجابة الملائمة لها.
وللذكاء الثقافي ثلاثة مكونات هي: 1- مكون معرفي يتمثل في فهم الفروق بين الثقافات والقدرة على تحليل العناصر الثقافية واستخدامها في السلوك الشخصي.
2- المكون الفيزيقي وهو القدرة على فهم الإشارات الجسمية والعادات والإيماءات والرسائل غير اللفظية ذات المعنى التي تحددها كل ثقافة على حدة.
3- المكون الانفعالي/ الدافعي ، ويشير إلى قدرة الفرد على التعاطف وتفهم المشاعر وأفكار الأفراد الذين ينتمون  إلى ثقافات متغايرة.
والأشخاص ذوي الذكاء الثقافي المرتفع يظهرون قدرة على إصدار القرارات في مواقف التفاعلات الحضارية، كما أنهم أكثر قدرة على التكيف في كثير من المواقف، وهذا ما يفيد ويعطي أهمية كبيرة في ضوء متغيرات العولمة ودعاوى التفاعل بين الحضارات والذي يحتاج  إلى قدرات إبداعية وحضارية عند الأفراد.

مراجع البحث

- توصيات حلقة تربية الموهوبين والمعوقين في البلاد العربية 1969م.
- فيرتون، الإبداع، نصوص مختارة، ترجمة عبد الكريم ناصيف. دمشق 1981م.
- حلمي المليجي، سيكولوجيا الابتكار، الطبعة الثالثة 1983م، دار المعرفة الجامعية.
- حامد عبد السلام زهران، التوجيه والإرشاد النفسي 1980م، عالم الكتب، الطبعة الثانية.
- خالد الطحان، تربية المتفوقين في البلاد العربية، وحدة البحوث التربوية تونس 1980.
جابر عبد الحميد جابر، علم النفس التربوي 1982م.



المصدر : الباحثون - العدد 50 آب 2011
  • Currently 44/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
14 تصويتات / 1943 مشاهدة

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

29,722,213

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters