جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
سهام شباط |
|
لقد أصبح موضوع اللعب يستأثر بعدد من الكتابات المتعمقة على أعلى المستويات الفكرية ففي مجال الفلسفة نجد فيلسوفاً بارزاً هو "فنك" تلميذ "هوسرل" مؤسس الفلسفة الظاهرانية أو الفينومينولوجيا وأفضل شرّاحه يكتب كتاباً فلسفياً هاماً عن "أنطولوجيا اللعب". كما نجد العديد من الكتابات السيكولوجية الجادة عن اللعب، بل والدراسات التجريبية البارعة والطريفة عن الإنسان والحيوان، إذ يبدو ما يميز صغار الأطفال والحيوان من حيث الجري والقفز والدوران بلا انقطاع يدعونا إلى المناداة بنوع مختلف من التفسير، وقد قدم الفيلسوف الإنكليزي "هربرت سبنسر" حين كان يكتب كتابه الشهير "مبادئ علم النفس" في منتصف القرن التاسع عشر، ما يعرف الآن بنظرية "الطاقة الزائدة" في اللعب ويرجح هذه الفكرة في أبسط صورها وهي أن الأطفال يلعبون للتنفيس عن مخزون الطاقة وقد نادى "شالر" بأن اللعب تعبير عن الطاقة الفائرة وأنه أصل كل الفنون، وإنه تعبير غير هادف عن الطاقة الزائدة، ولكنه يحاول أن يلوي الفكرة فيقول كلما كان الحيوان في مرتبة أدنى على سلم التطور، زادت طاقته المطلوبة للحصول على الطعام والهروب من أعدائه، ولذا ينتشر اللعب في الحيوانات العليا، حيث إنها لا تحتاج، مع توفر قدر أكبر من المهارة لديها، إلا لوقت أقل تنفقه في المحافظة على حياتها، وعلى هذا فقد كانت أوفر تغذية وأحسن صحة، ومن ثم كانت الطاقة المتوفرة لديها أكثر. واللعب إذن من هذا المنظور مفيد لأنه يرتبط بالضحك والمرح وقد ذكر داروين كيف أنه من المألوف أن يضحك الأطفال حين يلعبون، وقد أشار جيمس سولي، بأن الضحك يؤدي دوراً كمؤشر للعب، وأنه أمر أساسي للنشاط الاجتماعي الذي يتضمن وجود رفيق في اللعب، فالعنف والدغدغة هما هجومان لطيفان وينبغي أن تعد كذلك لمجرد أن الضحك المصاحب لها يخبر المشاركين إنه ليس هناك أذى حقيقي مقصود منها. وحسبنا أن نتذكر بأن الطفل يقضي جانباً كبيراً من حياته في اللعب أي في تسلية نفسه والمتعة بتسلية الآخرين إياه، ولذلك تعتبر طرق اللعب مع أصحابه أموراً بالغة الأهمية ولها مدلولات كبيرة يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار. وقد درس كثير من العلماء ما هية الهدف من اللعب، إذ قال "سيجموند فرويد" ليس هناك سلوك يمكن أن يعتبر بلا سبب، وهذا يعني أن كل سلوك أو على الأقل معظم السلوك، له دوافع وليس معنى ذلك أن فرويد كان من الممكن أن يبحث عن الدافع الذي يجعل الإنسان يسقط عندما يصطدم بقالب من الطوب، ولكن الإنسان إذا كان يتعرض للكثير من هذه الحوادث فإن فرويد كان سيفحصه هو، بدلاً من أن يفحص طريقة بناء قوالب الطوب، فهفوات اللسان. ونسيان المرء لعيد زواجه، والأحلام ولعب الأطفال لا تحدث بالصدفة بل تتحكم فيها مشاعر الشخص وانفعالاته سواء أكان على وعي بها أم لم يكن. وقد أكد فرويد أن ما يتحكم في سلوك الفرد هو كمية اللذة أو الألم التي يؤدي إليها هذا السلوك، ونحن بطبعنا نسعى إلى الخبرات التي تجلب اللذة، بينما نتجنب الخبرات المؤلمة، وحينا لا يكون هناك كبح للسلوك الإنساني يتم عن طريق حقائق العالم أو مطالب الآخرين، يصبح هذا السلوك مدفوعاً برغبات الفرد، ففي اللعب كما في الأحلام والخيال لا تتدخل حقائق الواقع القاسية، ولهذا فإن ما يتحكم بها هو الرغبات، وإذا كان الطفل يميز اللعب من الواقع، فإنه يستخدم أشياء ومواقف من الواقع الذي يعيشه ليخلق عالماً خاصاً به يستطيع فيه أن يكرر الخبرات السارة حسبما يريد ويستطيع أن ينظمها بطريقة تسبب له أكبر قدر ممكن من المتعة، فالطفل مثلاً يريد أن يكبر وأن يفعل ما يفعله الكبار، ويكون هذا ممكناً في اللعب، والطفلة الصغيرة تمارس على عرائسها تلك السلطة التي تحرم منها في عالم الواقع، والطالب يرى نفسه بعين الخيال أستاذاً لامعاً يقدره العالم لاكتشافاته. ويتابع فرويد بأن الأطفال يعدلون في الأحداث أثناء اللعب حتى تتلاءم مع رغباتهم فالأطفال مثلاً يكرهون تعاطي الدواء بشكل كبير، فلذلك يلجؤون إلى تجريعه للعبهم، كما يقومون بإعادة إظهار حادث مفزع رأوه أو حريق شاهدوه في الرسوم التي يرسمونها. وقد أدت تفسيرات فرويد للتخيل واللعب باعتبارها إسقاطاً للرغبات ولإعادة تمثيل الصراعات والأحداث المؤلمة للسيطرة عليها إلى نشوء وسائل لتقدير وقياس الشخصية على أساس الافتراض بأن اللعب والخيال يكشفان الشيء الكثير عن الحياة الداخلية للفرد ودوافعه، وقد استخدم اللعب التخيلي أو الإيهامي مع الدمى وتأليف القصص عن الصور أو بقع الحبر ووسائل إسقاطية أخرى، استخدمت كلها للتشخيص الإكلينيكي وفي البحث العلمي ولكنها انتقدت رغم استخدامها بعنف شديد، أما التأثير المباشر لوجهات نظر فرويد عن اللعب فقد كانت في الأشكال المتنوعة من طرق علاج الأطفال المضطرين، وهي مشتقة من التحليل النفسي ذاته ومعظمها يستخدم اللعب التلقائي، حيث يكون بعضه كبديل للتداعي اللفظي الحر عند الكبار، وبعضه الآخر كنوع من التفريغ أو التطهير، أو كوسيلة مساعدة على التواصل مع الأطفال، أو ببساطة لكي يمكن ملاحظاتهم. لكن يتبادر إلى ذهن القارئ لماذا نلعب؟ سؤال وجيه وهام لنفكر به. حين نواجه سلوكاً مميزاً لدى بعض الناس يكون أكثر الأسئلة شيوعاً هو لماذا يسلكون هذا السلوك وعلى هذا النحو؟ ويوحي السؤال بالإجابة على أساس أن شيئاً ما هو الذي دفعهم أو حملهم إلى ذلك، إذ كثير من العلماء يتساءلون مثلاً على أساس أن كل سلوك وراءه دافع، لماذا تأكل الحيوانات؟ سيقال إنها مدفوعة بدافع الجوع، لماذا تشرب؟ لأنها مدفوعة بدافع العطش.. وهذا نفعله أو نقوم به للحفاظ على التوازن في الجسم- ولكن الدراسات السيكولوجية غالت باستخدام الدافع لدرجة جعلتنا نقرر ببساطة استخدام السبب أو الدافع، أو بواعث فعل ما. على أنها جميعها هي عبارة عن كل الشروط والأبنية والوظائف التي عندما تغيب عن الموقف لا يحدث السلوك أو يتعدل، وتكون هي الشروط الكافية لحدوثه، أما الدوافع فهي تلك الأسباب التي تنتج عن نشاط داخل الكائن الحي والتي يمكنه أن يسيطر عليها إرادياً، أما أسباب سلوك الإنسان فهي تلك الدوافع التي يكون على وعي بها والتي يسيطر عليها أو يستخدمها والتي تشكل جزءاً من خططه أو استراتيجيته للفعل، فاللعب لا يستخدم للدلالة على الأفعال التي يكون من المعروف أنها لا تخضع للتحكم فيها، أو السيطرة عليها، ولا على الأفعال التي يُعرف أنها نتيجة لحظة، على الرغم من أن الخطط قد تستخدم في اللعب أحياناً وينطبق عليها مفهوم اللعب عادة على السلوك الذي لا يبدو لملاحظ إنه نتيجة منطقية لحظة ما، ولا هو كذلك خارج عن سيطرة الفرد. ومع ذلك فإن هذا لا يجعله مرشحاً لأن يمثل دافعاً من نوع خاص، بل على العكس فإن الظروف التي يتم فيها تدعيم اللعب تكون بعيدة عن النمطية، فالدمية الجديدة واللعبة المألوفة والواقعة لا تسبب الخوف للطفل، والوقائع التي سببت له الخوف من قبل والانزعاج وكذلك الاستثارة كل ذلك يمكن أن يؤدي إلى مزيد من اللعب. من كل ذلك نقول بأن اللعب عند الطفل مهنة يمتهنها ويبدع بها، فأحياناً تكون هادئة ومرة تكون عنيفة، وأخرى فردية وأحياناً جماعية وبأشكال مختلفة، استكشافية، إبداعية أو تخريبية، أو تدميرية، أو بنائية لها أنواع وأشكال كثيرة، تقليدية، تنفيسية، واللعب كأي سلوك يقوم به الفرد يتأثر بعوامل اجتماعية وثقافية واقتصادية ونفسية للأسرة والفرد، تؤثر وتتأثر بها، ولأنه سلوك ينطوي على تناقض ظاهري فهو استكشاف لما هو مألوف ومران على ما أصبح تحت سيطرتنا بالفعل، وعدوان ودي واهتياج للاشيء، وسلوك اجتماعي غير ممدد بنشاط نوعي مشترك أو ببناء اجتماعي، وادّعاء لا يقصد به الخداع هذا هو اللعب. ويقوم التناقض الظاهري الواضح في مختلف أنواع اللعب أساساً في الظروف التي يترك فيها السلوك بحيث يكون غير منظم نسبياً، أو قبل أن يتم تنظيمه تنظيماً تاماً، أو أن يتكامل أو يتخذ مجراه، ويمكن للظروف التي تكون في صف السلوك الاختياري وغير المنتظم نسبياً، أن تحدث في أي مرحلة من مراحل النمو أو النضج، إلا أنها من الخصائص المميزة لمرحلة الطفولة عند الثدييات بشكل خاص، وأحياناً ما يلعب الكبار مجرد لعب ولكن الأطفال يلعبون لشيء أكثر من مجرد اللعب بكثير، كما قال شيللر ويكون الإنسان إنساناً حين يلعب، فاللعب هو النشاط الوحيد الذي لا يهدف الإنسان حين يمارسه إلى غرض محدد سوى المتعة الناتجة عن اللعب ذاته، فهو كالفنّ في رأي "كانت" سرور أو ارتياح بلا هدف، أو متعة خالصة من أي غرض ولشد ما نفتقد هذه المتعة في ممارستنا اللعب في مجتمعاتنا العربية خاصة، في كل الأعمار، في كل المستويات تقريباً. واللعب يختلف في مراحل النمو المتتالية: ففي الطفولة المبكرة يكون بسيطاً وعضلياً وفردياً ثم يتجه نحو المشاركة الجماعية مع أصدقاء اللعب، ويشاهد عندها اللعب الإيهامي ويغلب عليه أحياناً العنف، والغضب، والتقليد والتمثيل، طبعاً يختلف اللعب بين الذكور والإناث من حيث الشدة، والعنف والأسلوب إذ تميل الإناث للعب دور الأم والمربية وتبدأ بتقليدهما والكلام بطريقتهما إما عن طريق الحوار أو الضحك أو اللبس أو الغضب وتستخدم أسلوبهما في انتقاء الكلمات ولعب دورهما الاجتماعي، أما الذكور فيميلون إلى لعب دور الأب أو الأصدقاء الذكور فيقلدون "الجندي والإطفائي أو السائق والمحارب.." التي تتصف بالعنف والشجاعة والرجولة. وفي الطفولة المتأخرة تظهر الألعاب الجماعية مع الأصدقاء والأقران وتظهر في هذه المرحلة الهوايات وتبزغ الميول والاهتمامات "فنجد الفتاة ترسم، ترقص، تغني، تلعب الموسيقا، الرياضة، المطالعة". تحب الأعمال المنزلية وتشارك أمها في المسح والجلي والطبخ، أما الذكور فتكون هناك نفس الميول ولكن يحبون الرياضة أولاً، الموسيقا.. أي اختلاف التراتبية بالنسبة للهوايات، ولكن في هذه المرحلة تتضح روح الجماعة في المراهقة الوسطى والمتأخرة. ومن أهم وظائف اللعب ليس على مستوى الفرد ولتمضية أوقات الفراغ أو للتنفس فقط إنما أثبتت الدراسات بأن علم النفس العلاجي أعطى أهمية كبيرة للعلاج والإرشاد عن طريق اللعب وذلك لأسباب عديدة منها على سبيل المثال: - اللعب حاجة نفسية اجتماعية لابد أن تشبع وتلبى. - اللعب مخرج وعلاج لمواقف الإحباط في الحياة اليومية. - الطفل الذي لا يختاره أقرانه في موقف قيادي قد يجد مخرجاً في وضع لعبة في صف ويقودهم ويتولى الموقف القيادي الذي افتقده. - اللعب نشاط دفاعي يعوض "الطفل الذي افتقد الحنان والعطف والاهتمام داخل المنزل يعوض ذلك عن طريق اللعب مع رفاق يحبونه ويهتمون به خارج المنزل". - اللعب الإيهامي المفرط يدل على فشل في التوافق مع الحياة الواقعية. - اللعب يعتبر تمثيلاً صادقاً يعرض متاعب الطفل. ويختلف الأطفال في لعبهم كما أسلفنا بحسب تنشئتهم الأسرية وفروقهم الفردية في الذكاء فالطفل ذو القدرات الذكائية العليا قادر على قيادة أقرانه بطريقة أفضل وأسرع، وقادر على التعاون معهم، والتكيف في أكثر الظروف حدة أما الأطفال ذوو القدرات الذكائية العادية منهم عادة يميلون إلى العنف والعدائية وعدم التعاون واتصافهم بالتكبر أو الشدة في التعامل مع أقرانهم، مما يخلق لديهم كثيراً من القلق والانفعال الشديد وبكاء وصراخ ويميل أقرانه إلى عقابه والابتعاد عنه، بينما يواجَه من الأسرة بالعنف والشدة لأن سلوكه يتصف بعدم المرونة وهم غير قادرين على تحمل انفعالاته فيزداد الأمر سوءاً، وهنا يلعب الأهل دوراً هاماً لضبط سلوكه وتوجيهه لما يريد ويحب لدعم نموه الجسمي والعقلي والاجتماعي والانفعالي بطريقة متوازنة وسليمة، لأن اللعب بطريقة سليمة ومدروسة يلبي عند الطفل حاجته إلى اللعب حين يلعب، وحاجته إلى التملك حين يشعر بأن هناك أشياء يمتلكها، وحاجته إلى السيطرة حين يشعر أن هناك أجزاء من بيئته يسيطر عليه، وحاجته إلى الاستغلال حين يلعب في حرية، ويعبر عن نفسه بالطريقة التي يفضلها دون توجيه من الآخرين، وأن يتيح اللعب فرصة للتعبير والتنفيس الانفعالي عن التوترات التي تنشأ عن الصراع والإحباط. عن طريق استخدام اللعب الحر، واللعب المحدد، واللعب بطريقة الإرشاد السلوكي، لأننا كما نعرف أن هناك فروقاً واضحة بين لعب الأطفال الموهوبين ولعب أقرانهم في السن فقد كانت ميول الأطفال الموهوبين للعب- كما هو متوقع وكما هو ملاحظ مشتملاً على أوجه نشاط عقلية أكبر بكثير إذا ما قورنت بالأنشطة البدنية، وبالتالي كان ميلهم أقل إلى الألعاب الصاخبة، وكان تفضيلهم أكثر قليلاً للأنشطة الهادئة، وكان لعبهم أكبر شبهاً بلعب الأطفال منهم سناً كما يفضلون أن يكون أقرانهم في اللعب، وكذلك كانوا أقل تفضيلاً لألعاب التنافس، وكان الأطفال الموهوبون يقضون شطراً أكبر في اللعب مع غيرهم من الأطفال، ولكنهم كانوا يلعبون منفردين أكثر قليلاً مما يفعل أقرانهم في نفس السن، وكانوا يختارون أطفالاً متخيلين للعب معهم، ويعيشون في الخيال في بلاد بعيدة، وكانت بنيتهم وصحتهم الجسدية والعقلية، واستقرارهم العام، وتوافقهم الاجتماعي فوق المستوى المتوسط بشكل ملحوظ، وينفقون في اللعب أكثر من الأطفال المتخلفين عقلياً بما مقداره خمسون دقيقة يومياً زيادة. وفي القراءة ومطالعة الأطالس ودوائر المعارف، وألعاب الشطرنج، والعمليات الرياضية وما إليها بمحض إرادتهم، ولكن هناك دراسات اجتماعية نفسية تبين بأن هؤلاء الأطفال كانوا يواجهون مشكلات مع أقرانهم من حيث إنهم يصرون على جعل الألعاب شديدة التعقيد مما يجعلهم غير محبوبين وهذا ما كان يؤدي في كثير من الأحيان إلى عدم قدرتهم على التكيف الاجتماعي معهم ولذلك كانوا يفضلون الانعزال واللعب بمفردهم مع الأخذ بعين الاعتبار مرة أخرى مراعاة الفروق الفردية بينهم، على النقيض نجد الأطفال المتخلفين عقلياً يحبذون الألعاب الخالية من التعقيد، البسيطة في تراكيبها، لا يحبون التجديد في نشاطهم وألعابهم.
وخلاصة القول: إن القدرات العقلية لدى الأطفال هي التي تحدد أو ذات أهمية في اختيار الدمى والألعاب، ولكن الفرصة الملائمة، وما هو مسموح به اجتماعياً يلعبان دوراً كذلك في هذا الاختيار، فقد نجد أن أكثر الأطفال الآن يكرهون اللعب بالعرايس ويفضلون عليها العزف على البيانو، أو الرقص، وقد وجدت كثير من الدراسات بأن هناك ارتباطاً بين قدرة الطفل ومدى اختياره من أقرانه للمشاركة في اللعب ونشاطات أوقات الفراغ، على افتراض أن رفاق اللعب يتم تقدير قيمتهم على الأقل بشكل جزئي تبعاً لما يوفرونه من إثارة واهتمام. وتلعب الأسرة دوراً كبيراً في نوعية اختيار الطفل لألعابه من حيث النوع وطريقة اللعب واستخدام الألفاظ، واللعب مع الآخرين، فقد وجدت الدراسات أن التنشئة الأسرية ذات المستوى الثقافي والاقتصادي والاجتماعي المبني على الاحترام والمحبة والثقة تنتقل بدورها على ألعاب الأطفال وتقليدهم لأفرادها بجميع سلوكاتهم؛ بينما التنشئة في الأسر ذات الطابع الديكتاتوري والذي يستخدم فيه الضرب والعنف والشتائم ينعكس سلباً على طبيعة الطفل ولعبه وخاصة مع أقرانه فنلاحظ العنف والانفعال والبكاء والصراخ والضرب هو الغالب. وهذا ما يؤدي إلى ابتعاد أقرانه عنه فيصبح معزولاً غير محبوب وهذا ما يؤدي إلى مزيد من الغضب عنده. ففي إحدى الدراسات التي تربط بين العدوان، الذي يظهر في لعب الدمى من ناحية، ومقدار العقاب والإحباط الذي يلاقيه أطفال مدرسة الحضانة في بيوتهم من ناحية أخرى وُجد أن أولئك الأطفال الذين كانوا يُصفعون أو يزجرون أو يعزلون أكثر من غيرهم ولا يتاح لهم في بيوتهم الحصول إلا على القليل من طلباتهم كانوا أشد عدواناً في لعبهم بالدمى من الأطفال الذين واجهوا في بيوتهم قدراً أقل من العقاب والإحباط، ولا يعد العدوان على الدمى مماثلاً لضرب طفل آخر. ويحدث مقدار قلق الوالدين وكذلك مقدار الدفء في تعاملهم مع أطفالهم اختلافاً كبيراً، أياً ما كان أسلوب التربية الذي يتبعونه. ويؤثر وجود الوالد الذي يتخذه الطفل نموذجاً له أو عدم وجوده على لعبه، وكذلك وجود الأم ومحاولة اللعب مع طفلها دون تدخل مباشر يحسن العلاقة معه ولكن على أن تكون محايدة وليست منتقدة أو مواجهة. نلخص دراستنا عن أهمية اللعب ودوره في حياة الطفل، وكيف نبرمج هذه المهنة على ألا تطغى على دراسته وسلوكه وتصبح غاية الحياة وليست وسيلة: - كلنا يعرف بأن اللعب هو شغل الطفولة الشاغل وخاصة في السنوات الأولى وهو الوسيلة للتعرف على المحيط والتكيف معه، ويختلف الطفل في تلك السنوات عن كبار الأطفال وعن البالغين وفي أن ليس هناك وقت فراغ لديه، وفي إنه لا يود هذا الفراغ أو يحتاج إليه، فإن عمله على تناول الأشياء والاتصال بما حوله من الناس يملأ عليه حياته بشكل متصل لا يقطعه إلا الأكل والنوم. فكل شيء عنده لعب فأدوات المنزل للّعب، الأبواب، الأدراج، المقص، الماء، وحرمان الطفل من القيام بهذه الأشياء فيه من الخطورة قدر ما في حرمانه من اللُّعب المألوفة لأن كلاهما لازم له برأيه. - الإسراف في عدد اللعب وتوفرها بشكل دائم وكبير وكثير، مفسدة للتنشئة الاجتماعية والوجدانية والعقلية كما أن قلة اللعب مفسدة كذلك، لذلك يجب أن يكون اللعب محدوداً ومشروطاً، فيها من الاختلاف ما يتناسب وميول الطفل، وما زاد يجب إبعاده عن الطفل حتى تدعو الحاجة إليه. - تخصيص مكان اللعب حتى يستطيع الطفل أن يصل إليها: "ركن معين، صندوق، رف" ويجب أن توكل إليه مسؤولية جمع لعبه وصفّها في مكانها بعد الانتهاء من اللعب فيها "التنظيم والترتيب". - عدم الاعتداء على لعب غيره من إخوانه أو أقرانه، وتعويده على السماحة والكرم إلى جانب التزام النظام ومعرفة حقوقه وحقوق الآخرين وألا يعتدي عليها. - يجب أن تتناسب اللعب مع سن الطفل وميوله وقدراته. - يجب مشاركة الطفل وتعويده على التعاون في المنزل عن طريق اللعب وليس الزجر والإكراه وتحبيبه بالعمل والقيام به وتقديم العون في الكنس والمسح والنظافة حسب طاقته. - تحبيبه بالموسيقا والأنغام والإنصات إلى القصص والحكايات وتعويده حب المطالعة والاطلاع. - يجب العناية بلعب الأطفال حتى نهيئ له بذلك الفرصة التي يجني منها القدرة والمهارة والعادات الاجتماعية التي تلزمه بعد ذلك في حياته المقبلة.
مراجع البحث: -د. زكريا الشربيني ود. يسرية صادق، تنشئة الطفل وسبل الوالدين في معاملته ومواجهة مشكلاته. -د. زهران، حامد عبد السلام: التوجيه والإرشاد النفسي، جامعة دمشق 1988- 1989م. -شيلاوولبريت- ترجمة د. هدى محمود الناشف، جماعات اللعب من 18 شهراً حتى الروضة، دار الفكر العربي. -كارين إيد، لا تطور بدون لعب، ورشة الموارد العربية.
المصدر : مجلة الباحثون العدد 41 - تشرين الثاني 2010 |
خدمات البحث العلمي 01009848570