بقلم : د . علي حسن الأحمدي :


سعى التربويون عبر العصور إلى إيجاد النموذج المتكامل للمدرسة المثالية التي يمكن أن تكون المكان الملائم والنموذجي لتربية الفرد الإنساني على أكمل صورة، القادرة على تغيير سلوكه نحو الأفضل، وإبراز طاقاته وقدراته الكامنة، وبالتالي التأثير بشكل مباشر وغير مباشر في المجتمع والبيئة التي توجد فيها.

وفي سبيل الوصول إلى ذلك الهدف ظهرت عبر التاريخ العديد من الأنماط والنماذج المدرسية، التي حاول روادها أن يكون هذا النموذج أو ذاك، متمتعًا بأفضل الصفات والمميزات، التي تؤهله للحصول على لقب المدرسة الكاملة إن صح هذا التعبير.

والمقالة التالية تقوم فكرتها على محاولة بناء صورة لمدرسة المستقبل، بالاستفادة من أبرز إيجابيات تلك النماذج المدرسية، من خلال استعراض بعض أبرز التجارب المدرسية التي ظهرت خلال القرن العشرين وحتى يومنا الحالي، وتحديد أبرز الخصائص الموجودة فيها، التي يمكن اعتمادها لمدرسة المستقبل.

 

المدرسة الذكية (الإلكترونية)

Smart School

يعد هذا النمط من المدارس نتيجة طبيعية للتقدم الكبير الذي شهده المجتمع الإنساني خلال العقود الأخيرة من القرن العشرين الذي تميز بالتطور الكبير في مجال الاتصالات وتقنية المعلومات الذي أصبح الحاسب الآلي العنصر المؤثر فيه.

والمدرسة الذكية هي أحد تطبيقات هذا التقدم، ويمكن تعريفها بأنها المدرسة التي تستخدم الحاسب الآلي والوسائط الرقمية المتنوعة وشبكات الاتصال المختلفة، في توصيل وتبادل المعلومات الرقمية إلكترونيًا إلى الطلاب سواء كانوا موجدين داخل أسوار المدرسة أو خارجها وهم في منازلهم.

ولعل من أبرز إيجابيات هذا النمط من المدارس هو توفير التواصل المستمر بين أطراف العملية التعليمية، وسهولة توفير وتوصيل المعارف للمتعلمين، والقدرة على بناء المعرفة النشيطة داخل الصف الدراسي، وقدرتها على تحسين بيئة التعلم داخل الصف.

 

المدرسة النوعية

School- Driven Quality

وهي نموذج لمدرسة المستقبل التي تتبنى نظرية الجودة الشاملة «Total Quality» التي أساسها «جودة التعليم» ونوعيته العالية، وتركز على مبدأ «التحسين المستمر» وفق أعلى معايير الأداء العالي، سواء في التحصيل الدراسي أو طرق التدريس، أو أسلوب الإدارة أو المناهج الدراسية، أو العلاقات المدرسية وغيرها.

 

المدرسة المنتجة

Productivity School

تقوم فكرة هذا النوع من المدارس على ربط العملية التعليمية بالإنتاج، من خلال جعل المناهج الدراسية والأنشطة الصفية عاملاً مساعدًا في العملية الإنتاجية، وإقامة مشاريع إنتاجية داخل المدارس، يديرها الطلاب والمعلمون بهدف تربية رجال أعمال ناجحين من الطلاب يمكنهم إقامة مشاريع مشابهة لها مستقبلاً عند انتهاء دراستهم، وبالتالي فهي تربط العملية التعليمية بسوق العمل، كما تفيد في نقل الخبرة من المعلمين للطلاب وتوفر جوًا طبيعيًا لتعلم إدارة المشاريع الناجحة. وتوفر للمتعلم الفرصة للمساهمة في تطوير مجتمعه وتحويله من مجتمع استهلاكي إلى مجتمع منتج. كما يسهم هذا النمط المدرسي في توفير موارد ذاتية للإنفاق على أنشطة المدرسة يتيح لها مساحة واسعة من الحرية للتطوير وتعزيز قدراتها، والتقليل من الاعتماد على الدعم المقدم من قبل الجهات الرسمية المنفقة على التعليم.


مدرسة الميثاق

Charter School

وهي مدارس شديدة التنوع فيما يتعلق ببرامجها التعليمية واستقلاليتها وخططها التقويمية، وهي مؤسسات تعليمية اختيارية مستقلة تعمل على أساس ميثاق – أي اتفاقية – تعطيها امتيازات عن غيرها من المدارس ، وهذا الميثاق ينعقد بين الجماعة التي تؤسس هذه النوعية من المدارس وبين راعيها الذي يكون إما مجلس التعليم المحلي ، أو مجلس المنطقة أو مجلس الولاية.

ومدارس الميثاق يمكن أن تكون مدارس ابتدائية أو ثانوية، وتتميز عن المدارس العامة الرسمية بمكانتها الخاصة كجسر بين المؤسسات التعليمية العامة والخاصة وبموجب أنظمتها تتمتع بحريتها مقابل وعدها بتحسين أداء الطلبة، ولذلك فهي تقتحم ميادين التجريب والتجديد.

 

مدرسة المشروع

Project School

تعود فكرة هذه المدرسة إلى المربي الأمريكي جون ديوي، من خلال مدرسته التجريبية التي أنشأها في جامعة شيكاغو، وحاول فيها تطبيق أفكاره التقدمية حول التربية، حيث طبق في هذه المدرسة، طريقة المشروع «project method» التي برزت بشكل أكبر على يد تلميذه وليام كلباتريك. ويقصد بهذه الطريقة أن يقوم المتعلمون باختيار موضوع واحد (مشروع) ودراسته من عدة جوانب كأن يذهب المتعلمون إلى مزرعة وفيها يتعلمون كيفية الزراعة ويستمعون إلى تاريخ الزراعة في تلك المنطقة ويتعاون كل فرد من المجموعة بعمل جزء من المشروع، من خلال جمع البيانات المطلوبة من المكتبة أو مقابلة الأساتذة والمتخصصين، وذلك بغرض توفير أكبر قدر من الخبرة النظرية والعملية حول ذلك الموضوع.

ومن أهم سمات طريقة المشروع كنشاط شامل، تفاعل المتعلم معها لأنه قد يكون شارك في اختيار الموضوع، وساهم في تحديد إجراءات تنفيذه وعملية تقويمه. وأبرز إيجابيات هذه الطريقة وهذا النمط المدرسي إشباعه لحاجات المتعلم النفسية من خلال مراعاتها الفروق الفردية بين المتعلمين، ودعوتها إلى التعلم الجماعي التعاوني، والتحرر من قيود الكتاب المدرسي، من خلال تقديم محتوى حيوي واقعي، وتوثيق علاقة المتعلمين بواقعهم المعاش، فهي تنظر إلى المدرسة كصورة مصغرة للمجتمع الكبير الذي توجد فيه.

 

المدرسة التعاونية

The Collaborative School

وهي نموذج للمدرسة التي تقوم على مبدأ التعاون بين المعلم والمتعلم، والتعاون بين المعلمين معًا، في تحضير الدروس ووضع الاختبارات، ومناقشة كيفية تطوير أساليب التدريس، ومعالجة المشكلات والقضايا المدرسية ، والتعاون بين المعلمين والإدارة المدرسية والعمل بروح الفريق بين جميع الأطراف.

 

مدرسة الأعمال المفتوحة

Open Business School

وهي نمط من أنماط مدارس التعليم عن بعد والمتخصصة في مجال تعليمي واحد (إدارة الأعمال) وبدأت في المملكة المتحدة، وتعتمد في تعليمها على وسائل وتقنيات الاتصال الحديثة كالحاسوب وشبكة الإنترنت وما يتعلق بها من مواد ووسائل إلكترونية، كما تقوم بتقديم دورات ومحاضرات وبرامج تتعلق بمجال إدارة الأعمال. وقد مكن لها استخدام شبكة الإنترنت، وتكييف برامجها التعليمية مع متطلبات المتعلمين في كل بلد، التوسع في الانتشار حتى باتت موجودة في معظم بلدان الاتحاد الأوروبي، وتعد مثالاً على المدارس ذات الطابع العولمي.

 

مدرسة تنمية القدرات الذهنية

Universal Concept in Mental Arithmetic System School (UCMAS)

وهي نمط مدرسي تخصص في تقديم برامج دراسية هدفها الرئيسي هو تنمية القدرات الذهنية والعقلية للمتعلمين في سن مبكرة، والارتفاع بمستوى تفكيرهم بشكل عام، وهذه البرامج مخصصة للأطفال من سن ( 4 ـ 12) سنة. وتعتمد البرامج المقدمة على الجمع بين المفهوم الصيني القديم والأبحاث العلمية الحديثة لإجراء عمليات حسابية سريعة ودقيقة باستخدام أداة بسيطة جدًا تسمى العداد (Abacus).

وقد باتت برامج هذه المدرسة وأساليبها التعليمية، التي تركز على تنمية مهارات العد والحساب وما يتعلق بها من مهارات رياضية وذهنية أخرى منتشرة في معظم دول العالم، نتيجة تأثيرها الإيجابي الكبير على الطلاب الذين التحقوا بتلك البرامج، وقدرتها على إكسابهم تلك المهارات في وقت مبكر، والتي مكنتهم من التفوق في مجالات علمية أخرى.

 

مواصفات مدرسة المستقبل

من خلال استعراض النماذج المدرسية السابقة ـ التي نجزم بوجود نماذج أخرى فريدة غيرها، قصرت عنها المقالة الحالية ـ نجد أن كل منها يحمل مجموعة من الخواص المميزة، التي تجعله جديرًا بالأخذ به، وإضافته إلى نموذج مدرسة المستقبل التي نحلم بوجودها في أقرب وقت بإذن الله. ويمكن تحديد أبرز الخصائص والمواصفات التي يؤمل وجودها في مدرسة المستقبل بما يلي:

- معايير عالمية للجودة الشاملة يتم اعتمادها وتطبيقها على جميع مكونات العملية التعليمية.

- وثائق وخطط وسياسات معدة سلفًا، يمكن اعتمادها مباشرة داخل المدرسة لتطوير عناصر العملية التعليمية.

- وحدة أبحاث داخل المدرسة تقوم بإجراء البحوث والدراسات حول كل ما يتعلق بالعملية التعليمية.

- التخصص ويقصد به إيجاد مدارس متخصصة بمجال محدد من مجالات المعرفة على مستوى المدرسة الثانوية.

- ميثاق للعمل يتم اعتماده وتبنيه والعمل به من قبل جميع أطراف العملية التعليمية.

- التعلم من خلال العمل (Learning by doing).

- استخدام طرق وأساليب تدريسية متنوعة تؤكد (التجربة ـ الممارسة ـ التعاون ـ الذاتية).

- تعليم أنماط التفكير بطرق عملية فعالة.

- تعليم المهارات الحياتية.

- إعطاء دور أكبر للأنشطة الصفية واللاصفية.

- التأكيد على النمو القيمي للطالب.

- تبني واعتماد البرامج الدراسية التي أثبتت نجاحها وفاعليتها.

- تقديم برامج إثرائية متخصصة للطلاب الموهوبين.

- تقديم برامج إثرائية متخصصة للطلاب ذوي صعوبات التعلم.

- تقديم برامج مفيدة للمجتمع المحلي.

- تشجيع ودعم المبادرات الفردية المبدعة.

- مبنى دراسي مخصص ومجهز (صالات رياضية، ورش، حدائق، قاعات، مختبرات..إلخ) ومزود بكافة التقنيات الاتصالية الحديثة.

- ربط المدرسة (كمجتمع صغير) بالمجتمع الكبير.

- إشراك المجتمع المحلي في رسم سياسة المدرسة وتخطيط برامجها.

- إشراك المجتمع المدرسي في رسم سياسة المدرسة وتخطيط برامجها.

- الاعتماد الذاتي وتوفير مصادر متنوعة للدخل على مستوى المدرسة الواحدة.

- حرية بناء وتصميم المناهج الدراسية على المستويين العام (الوزارة) والخاص(المدرسة).

- مرونة المنهج الدراسي.

- ربط المنهج الدراسي بحاجات سوق العمل.

- التوسع في عملية التعلم الذاتي.

- معلمون خبراء يجمعون بين المعرفة النظرية والتطبيق العملي، من أبرز أدوارهم تهيئة البيئة المناسبة لتعلم الطلاب، وإيجاد تفاعل صفي يساعد على توسيع مدى هذا التعلم.

- مساحة حرية أوسع للمعلم داخل الصف.

- برامج تدريبية للمعلمين قوية ومركزة ومتنوعة.

- بيئة تعلم إلكترونية مرنة.

- مراكز مصادر تعلم وفيرة وغنية.

- اتصال دائم بين المدارس وبعضها لتبادل المعلومات والأبحاث ودعم روح المنافسة العلمية والثقافية بين الطلاب.

- إدارة مدرسية تعاونية، تخطط وتشرف على التنفيذ، وتعمل بروح الفريق.

- استخدام أدوات قياس وتقويم علمية دقيقة.

- عملية تقويم حقيقية شاملة لجميع جوانب شخصية المتعلم.

- عمليات تقويم مستمرة لجميع الممارسات والأنشطة التي تتم داخل المدرسة من أجل التحسين والتطوير.

 

المراجع

- أبو السندس، عبدالحميد (1423هـ).الأسس الفلسفية والاجتماعية لمدرسة المستقبل. ورقة عمل مقدمة لندوة مدرسة المستقبل 16 ـ 17 رجب ، جامعة الملك سعود.

الحلفاوي، وليد (2006م). مستجدات تكنولوجيا التعليم في عصر المعلوماتية. ط1. دار الفكر: عمان.

- حافظ ، محمد. الدور التربوي للمدرسة المنتجة.

( 19/8/2009م).

- العبد الكريم ، راشد (1423هـ). مدرسة المستقبل. ورقة عمل مقدمة لندوة مدرسة المستقبل 16 ـ 17 رجب، جامعة الملك سعود.

- عبدالدائم، عبدالله (1984م). التربية عبر التاريخ. ط5، دار العلم للملايين: بيروت.

عباس، بشار (2001م). ثورة المعرفة والتكنولوجيا. ط1، دار الفكر: دمشق.

- القضاة، محمد (2008م). مدرسة المستقبل :الواقع والتحديات. مجلة علوم إنسانية، السنة الخامسة،عدد 36. 

- موقع برنامج تنمية القدرات الذهنية في ماليزيا.

 

مصدر المقال

http://www.mostafa-gawdat.net/vb3/showthread.php?p=59174#post59174

 

ahmedkordy

خدمات البحث العلمي 01009848570

  • Currently 20/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
6 تصويتات / 1530 مشاهدة

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

30,766,761

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters