جميلة السيّار

يعتبر التنوع بأساليب التدريس من القضايا الجديدة المهمة منذ أواخر القرن السابق، نظراً لما كشفته البحوث التربوية في مجال علم النفس من الاختلافات بين الطلبة في نوعية الذكاءات واختلاف الطلبة في أساليب تعلمهم. وقد يشعر الطلبة بالممل من طريقة تدريس واحدة تقليدية تعتمد على التكرار أو على اسلوب المحاضرة فقط، ومن هنا اجتهد علماء النفس في تطوير استراتيجيات تعليم مختلفة تقابل ذلك الاختلاف في أساليب تعلمهم. ومن بين أساليب التدريس الجديدة ظهر أسلوب التدريس وفقاً لنظرية الذكاءات المتعددة لهوارد جاردنر. وقد أنشأ مكتب التربية بالولايات المتحدة مشروع وطنى لما يقارب الأربعين مدرسة تبنى فيه فلسفة تلك النظرية وطرق تدريسها ومن بين النتائج التي أثبتت فاعليتها هو رفع مستوى الدافعية لدى التلاميذ في التعلم، وتعزيز مشاركة أولياء الأمور في المدرسة كذلك ارتفاع مستوى التحصيل الدراسي لدى الطلبة.
ولا تزال العديد من المدارس تعتمد بشكل كبير على أسلوب المحاضرة والتلقين، ويحتاج الطفل في الطفولة المتأخرة للتفاعل مع المادة حسب اسلوب تعلمه ونوعية ذكاءه، لذا لابد من استطلاع أفضل الأساليب الحديثة في التدريس ليتفاعل معها الطفل وتحقق له مزيداً من الفهم والدافعية. ومن بين تلك الأساليب أسلوب التدريس بحسب نظرية الذكاءات المتعددة لجاردنر
.

 الذكاءات المتعددة: اقترح هوارد جاردنر نظرية الذكاءات المتعددة في عام (1983) وقد جاءت نظراً لدراسات عديدة هو  مع فريقه في جامعة هارفارد، وقد بين أن الذكاء الإنساني لا يمكن وضعه في أطار اختبار الذكاء(آي كيو) بل أن الدراسات أن الأفراد يتنوعون في ذكاءاتهم. وأن لدى الأفراد ملف من الذكاءات المتعددة يتفاضلون بها فيما بينهم، وقد بدأ بحصر سبعة ذكاءات متعددة هي الذكاء المنطقي الرياضي، الذكاء اللغوي، الذكاء المكاني، الذكاء الموسيقي، الذكاء البينشخصي، الذكاء الاجتماعي، والذكاء الحركي. وقد كشفت بحوثه عن وجود ذكاء ثامن هو الذكاء الطبيعي .
إن العديد من المختصين يرون أن تحقيق الأهداف التربوية يرتبط بصقل وتنمية الذكاءات المختلفة للمتعلمين. إن العمل الرائد الذي قام به هوارد جاردنر في علم النفس أحدث طفرة نوعية في الممارسة التربوية. فبعد تجربة كبيرة في علم النفس المرضي، استنتج جاردنر أن العقل البشري مجزئ الى قوالب , كل واحدة مسؤولة عن عمليات ذهنية معينة وذكاءات محددة. ومن مميزاتها أنها قابلة للصقل عبر التكوين الهادف والسليم
.
 

وبدأ جاردنر بتحديد 7 أنواع من الذكاءات:

الذكاء اللغوي

: يتضمن حساسية اتجاه اللغة...، ويتضمن كذلك القدرة على تعلم اللغات وعلى استعمال اللغة لتحقيق أهداف معينة.

الذكاء المنطقي الرياضي: يتضمن القدرة على تحليل الإشكاليات المنطقية وحل العمليات الرياضية، والتعامل مع مواضيع بشكل علمي.

الذكاء الموسيقي: يتمظهر من خلال مهارات في الغناء، التأليف، وتذوق المقاطع الموسيقية.

الذكاء الجسمي-الحركي: يتمظهر من خلال مهارات في استعمال كل الجسد أو أعضاء منه (كاليد أو الفم) لحل مشاكل معينة...

الذكاء البصري الفضائي: يتمظهر من خلال إمكانية التعرف أشكال الفضاءات الواسعة (حالات البحارة وربان الطيران...) وكذلك الفضاءات الضيقة.

الذكاء الاجتماعي التفاعلي: يعطي الشخص القدرة على فهم نيات ودوافع ورغبات الآخرين وفي النهاية يخول للشخص العمل المشترك الفعال مع الآخرين

الذكاء الذاتي: يتضمن القدرة على فهم الذات، وعلى اكتساب نموذج فعال وعملي للذات بما فيها من رغبات وقدرات... وكذلك استعمال هذه القدرات بشكل فعال في تنظيم الحياة الشخصية...

وبالنسبة لتعريف الذكاء الثامن فهو من الذكاء:

الذكاء الطبيعي: وهو المسؤول على القدرة على معرفة عناصر البيئة الأخرى المحيطة بالذات .

- الذكاء الوجودي: وهو المسؤول على تحديد مكان الذات في علاقتها مع أبعد نقاط الكون (اللامتناهي في الكبر واللامتناهي في الصغر) وعلى القدرة المرتبطة بتحديد مكان الذات في علاقتها مع أوجه الوجود هذه...

وقد اهتم جاردنر بتفعيل النظرية مع البيئة المدرسية والاهتمام بتطوير أساليب تدريس وتعلم لها. وقد تفاعلت مدارس عديدة باستراتيجيات التدريس منظمين بأنفسهم برامج تدريس وتقييم طبقاً لتصوره الفلسفي، بل واهتمت دول عديدة سواء في أوروبا واستراليا ودول شرق آسيا بتبني فلسفته في التدريس. وقد أثبتت دراسات عديدة فاعلية برامج الذكاءات المتعددة في رفع مستوى الدافعية لدى الأطفال في مراحل التعليم العام وخصوصاً المرحلة الابتدائية.

تأثير برامج تعليم الذكاءات المتعددة على مستوى دافعية التلاميذ:

بينت دراسات عديدة فاعلية نظرية الذكاءات المتعددة بتطبيقاتها في المدرسية على رفع مستوى دافعية التلاميذ منها دراسة ديبوراه:جل و موريتو(2000)التي قامت بتقييم أثر برنامج في التعلم بالذكاءات المتعددة والتعلم الجماعي على دافعية التلاميذ. وقد اختيرت العينة من مراحل رياض الأطفال وتلاميذ من الصف الرابع والسادس الآبتدائي، هذه العينة قد اختيرت طبقاً لملاحظة مدرسيهم حول وجود انخفاض في مستوى الدافعية لديهم، وكذلك ضعف في مستوى التفاعل والتواصل مع بقية أقرانهم. وقد أوجدت نتائج الدراسة رفعاً في مستوى دافعيتهم و مستوى التفاعل الجماعي مع أقرانهم بعد استخدام برنامج تدريس قائم على الذكاءات المتعددة والتعلم الجماعي. كذلك قام كلٌ من جيننس: بروفانس, فاندين وزيمرمان(118) بتطوير برنامج تعليمي قائم على فلسفة التدريس باستخدام الذكاءات المتعددة من أجل تعزيز مناهج اللغة لعلاج مشكلة عسر القراءة لدى عينة من تلاميذ الصف الأول والثاني والذين ينتمون من طبقات اجتماعية ذات مستوى متوسط في ولاية شيكاغو. وقد تم اختيارهم نظراً لاختبارات قياس اللغة وملفهم التتبعي في المدرسة. وبعد تعزيز المنهج العادي ببرنامج الذكاءات المتعددة أوجدت نتائج رفع في مستوى التحصيل الدراسي لدى هؤلاء الطلبة. وقد تحرى كل من كاروتاكس:كارن وكاثي(2000) أثر استخدام استراتيجية تدريس قائمة على أسلوب التدريس من الذكاءات المتعددة على عينة من تلاميذ الصف السادس والحادي عشر في الأدب والنحو، التربية البدنية، والدراسات الآجتماعية في ولاية شيكاغو وقد كشفت نتائج الدراسة وجود تحسن في مستوى الدافعية نحو تعلم المادة.

ومن المهتمين بتطبيقات نظرية الذكاءات المتعددة الدكتور أحمد أوزي حيث قام بعمل ورش عمل ودراسات متعددة في ذلك المجال يقول:" والواقع أن نظرية الذكاءات المتعددة أحدثت منذ ظهورها ثورةً في مجال الممارسة التربوية والتعليمية، فهي غيّرت نظرة المدرسين عن طلابهم، وأضحت الأساليب الملائمة للتعامل معهم وفق قدراتهم الذهنية، كما شكّلت هذه النظرية تحدياً مكشوفاً للمفهوم التقليدي للذكاء، ذلك المفهوم الذي لم يكن يعترف سوى بشكل واحد من أشكال الذكاء الذي يظل ثابتاً لدى الفرد في مختلف مراحل حياته. فلقد رحبت نظرية الذكاءات بالاختلاف بين الناس في أنواع الذكاءات التي لديهم وفي أسلوب استخدامها، مما من شأنه إغناء المجتمع وتنويع ثقافته وحضارته (كاثلي جيكلي,1966)، عن طريق إفساح المجال لكل صنف منها بالظهور والتبلور في إنتاج يفيد تطور المجتمع وتقدمه
لقد كانت الممارسة التربوية والتعليمية قبل ظهور هذه النظرية تستخدم أسلوباً واحداً في التعليم، لاعتقادها بوجود صنف واحد من الذكاء لدى كل المتعلمين، الشيء الذي يفوت في أغلبهم فرص التعلم الفعّال، وفق طريقتهم وأسلوبهم الخاص في التعلم. إن تعدد الذكاءات واختلافها لدى المتعلمين يقتضي اتباع مداخل تعليمية ـ تعلمية متنوعة، لتحقيق التواصل مع كل المتعلمين المتواجدين في الفصل الدراسي. كما أن النظام التربوي والتعليمي إلى وقت قريب كان يهمل العديد من القدرات والامكانات للمتعلمين
.

إن مقياس المعامل العقلي لا يأخذ بعين الاعتبار سوى بعض قدرات المتعلم، كالقدرة اللغوية والمنطقية والرياضية، في حين يهمل قدرات أخرى عديدة، على الرغم من قيمتها في المجتمع. إن النظام التربوي سيحقق الكثير لو اهتم بالقدرات الذهنية التي لا تأخذها مقاييس المعامل العقلي في الاعتبار، وهذا ما اهتمت به نظرية الذكاءات المتعددة التي نحاول من خلال هذا العرض التطرق لأهم جوانبها، مركّزين بوجه خاص على عوامل الجدة والأصالة في تعاملها مع المتعلمين، وفهم طبيعتهم وأساليب تعلمهم المختلفة، وكذلك دورها في تحسين المخرجات التعليمية/ التعلمية.

المراجع:

Baldes, D.; Cahill, C.& Moretto, F. (2000). Motivating Students
To learn through Multiple Intelligences, Cooperative
Learning, and Postitive Displine. Saint Xavier University
and Skylight Professional Development. USA

Gardner, H. (2003). Multiple Intelligences. Basic book. USA

Hoerrm Thomas R. (2000). Becoming a Multiple Intelligenss
School. Association for Supervision & Curriculum Deve.
USA.

المصدر : http://albahethah.com/MultipleIntelligence.aspx

  • Currently 35/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
11 تصويتات / 3306 مشاهدة

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

29,720,993

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters