عناصر الموضوع :

1.    العمل على حل المشكلات لا تناسيها

2.    أسباب المشكلات الزوجية

3.    مشاكل زوجية بين زوجين أحدهما كافر

4.    مشاكل زوجية بين زوجين أحدهما فاجر

5.    ستر عيوب الزوج أو الزوجة بعد التوبة أمر مطلوب

6.    مشاكل زوجية بين زوجين ملتزمين وحلولها

 

رسالة عاجلة في المشكلات الزوجية:

في بداية هذا الدرس ذكر الشيخ أسباب حدوث المشكلات بين الزوجين. كما بيَّن حل المشكلات التي تحدث بين زوجين أحدهما كافر، وكذلك المشكلات التي تحدث بين زوجين أحدهما فاجر. ثم تحدث عن المشكلات الزوجية بين المستقيمين، ومن هذه المشكلات ضرب المرأة.. الاستيلاء على راتبها.. البخل وعدم الإنفاق على الزوجة.. إخضاع الزوج.. تأخر الزوج عن البيت.. شدة خوف المرأة من أشياء وهمية بحيث تعطل الزوج عن قضاء حوائجه الشرعية الدنيوية.. إلخ مع بيان الحلول والنصائح في ذلك كله.

العمل على حل المشكلات لا تناسيها:

 الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده رسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. الحمد لله الذي خلق لنا من أنفسنا أزواجاً لنسكن إليها، وجعل بيننا مودة ورحمة، الحمد لله الذي أنعم علينا بإباحة النكاح ليكون ذلك وسيلة مهمة جداً لبناء المجتمع المسلم الذي يتكون من الأسر المسلمة؛ ولذلك كان الحديث عن مشكلات الأسر المسلمة وإلقاء الضوء الشرعي على تكوينها وتركيبها وحل مشكلاتها ومعضلاتها من لوازم الأمور. أيها الأخوة: يأتي الكلام على هذا الموضوع، في هذه المرحلة الحساسة وهذا الوقت العصيب، وأقول: إن الصحيح أن تحل المشكلات فوراً، مادمنا نعيش هذا الخطر، ومادمنا نعيش هذه الأيام التي لا ندري ما يكون وراءها وماذا ستلد والأيام حبالى؟ ولا أقول تناسي المشكلات، وإنما أقول: حل المشكلات؛ لأن بعض الناس قد يتناسون خلافاتهم أيام الخطر، فإذا زالت أيام الخطر، رجعوا إلى ما كانوا فيه، ولذلك نقول: حل الإشكالات وفض النزاعات حتى نستطيع أن نواجه الخطر بخلايا محكمة من الأسر المسلمة، وأن يكون هناك علاقة مودة ووئام وتراحم بين الزوج والزوجة. أيها الأخوة: لقد هالني ما سمعته ووصل إلي شفوياً وتحريرياً من المشكلات الكثيرة من العدد الكبير الهائل من المشكلات التي تعاني منها الأسر والبيوت المسلمة في المجتمع، والحقيقة أنني كنت أفاجأ بين فترة وأخرى بكثرة هذه النزاعات والمشكلات، وهذا مما اطلعت عليه يمثل جزءاً قليلاً من الحجم الحقيقي الموجود في المجتمع، ولذلك فإن أهمية هذا الكلام تكون عالية؛ نظراً لكثرة المشكلات وشيوعها، حتى أنه لا يكاد يسلم بيت منها، وأنتم ترون جدراناً ونوافذ ولا تدرون ماذا وراءها! ولكن كثيراً ما يكون وراء هذه الحيطان وتلك الجدران مشكلات عويصة، وأمور خطيرة، لا يعلمها إلا الله عز وجل. أيها الأخوة: لن نتكلم في هذا الدرس عن حقوق الرجل على المرأة في الإسلام، أو حقوق المرأة على الرجل في الإسلام، فهذا له موطن آخر، والكلام على قضية النفقة والكسوة والسكن والطاعة إلى آخره له مكان آخر، لكن نريد أن نلقي الضوء على بعض المشكلات التي تحصل، وأقول: إن الكلام سيكون عن أكثر من جانب، فالعلاقة والتعامل من أكثر القضايا الشرعية والأحكام الدينية المتعلقة بالرجل وزوجته، ولن نتكلم عن مشكلة الطلاق وأسبابها وعلاجها، ولن نتكلم عن تعدد الزوجات والعدل بينهن، فإن ذلك سيكون له مجال آخر وإن كنت أعدكم بأنني سأتكلم عن القضيتين الأخيرتين، الطلاق وتعدد الزوجات في مناسبات قادمة إن شاء الله تعالى. أيها الأخوة: إن من أهم الطرق لحل المشكلات والخلافات الزوجية: النظرة الواقعية للأمور، فبعض الخطباء والوعاظ والمتحدثين إذا تكلموا عن هذه الأمور، أعطوا نظرة مثالية جداً لما ينبغي أن تكون عليه الأمور، وقالوا للزوج: يجب أن تكون كذا وكذا، وللزوجة: يجب أن تكوني في الصفات الآتية، كيت وكيت، حتى أنه يندر أو يكاد ينعدم وجود هذه الصفات في أي زوج أو زوجة. مسألة عدم وجود مشكلات زوجية على الإطلاق هذه قضية شبه مستحيلة، لا يكاد يوجد بيت إلا وفيه مشكلات، ولذلك الكلام عن بيت مثالي لا توجد فيه أي مشكلة بعد نوعاً من المستحيل تقريباً، ولذلك فإننا لا بد أن ننظر إلى الأمور بواقعية، ونحن نعلم من واقعية الأمور أن المشاكل لا بد أن تحدث. ولكن القضية ليست الكثرة والقلة في هذه المشكلة؟ ولا بد أن نستعد نفسياً لمواجهة المشكلات.

أسباب المشكلات الزوجية:

 عندما تأملت في الشكاوي الواردة في هذا الموضوع ظهر لي أن الشكاوى من جانب النساء أكثر منها بكثير من جانب الرجال، وهذا يعود لعدة أسباب في نظري: الأمر الأول: إن مبنى المشكلات والزوجية في كثير من الأحوال على الظلم، والظلم يتأتى من الرجل أكثر من المرأة، نظراً لأنه الجانب الأقوى. ثانياً: أن الشكاية من النساء كثيرة -هذا الشيء مقابل تماماً للمسألة السابقة- ورسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الصحيح في التعليل لسوء حال كثير من النساء: (تكثرن الشكايا). ثالثاً: أن المرأة ضعيفة، فهي تشتكي، والرجل قد يكون عنده من المشكلات شيء كثير جداً، لكنه يحجم عن الشكوى؛ لأن الشكوى بالنسبة له عبارة عن نقطة ضعف، وهو لا يريد أن يظهر بمظهر الضعف، ولا يريد أن يقول للشيخ أو للواعظ أو للمحدث أو للصديق: إنني أعاني من مشكلات لا أستطيع حلها، وإنني ضعيف أمام زوجتي ونحو ذلك، ولذلك يحجم كثير من الرجال عن الشكوى بينما تكثر من النساء. وأقول كذلك أيها الأخوة: إن الشرع يأمر الجميع بالإحسان، يأمر الرجل بالإحسان ويأمر الزوجة بالإحسان، ولكن حق الرجل على زوجته أكبر؛ من ناحية أن الشرع ندبها إلى إرضائه أكثر، وتجد الآيات والأحاديث في تبيان حق الزوج أكثر؛ لأنه هو القوام وهو الذي يقود السفينة، ولذلك يحتاج إلى طاعة ويحتاج إلى إعانة ومساعدة، ولكن في نفس الوقت لم يهمل الإسلام المرأة ولا حقها، وجاءت النصوص المتكاثرة بحقوق المرأة على زوجها. ومن الأسباب التي تتحصل بسببها المشكلات الزوجية -بالإضافة للظلم- قضية العناد الذي يكون مترسباً في نفس الزوجة والزوج عند التعامل، بل إن صغر العقل -إن صحت التسمية- أو تعامل الأطفال -إن صحت العبارة كذلك- هو سبب مباشر لأخطاء التعاملات الزوجية كما ظهر لي. وكذلك مسألة أن كل واحد منهما يريد إثبات شخصيته، وإزاحة الشخص الآخر عن موقع التأثير نهائياً، وإثبات الكيان وإثبات الموقف هو من الأسباب الرئيسية للمشكلات الزوجية. وكذلك فإن الحساسية المفرطة عند المرأة -وهي مسألة مقابلة لظلم الرجل تقريباً- الحساسية المفرطة عند المرأة من أكبر أسباب المشكلات الزوجية كذلك. ومن الأمور أيضاً: أن الواقع الحاضر في مسألة تعليم المرأة وعملها ووظيفتها، جعل هناك تفريطاً كبيراً في جانب النساء تجاه حقوق الأزواج، جعل الأمور تسير وكأنها طبيعية في قلة، أو تدني مستوى خدمة الزوجة للزوج، وكأن تقول له: هذه الحياة وماذا نفعل؟ لا بد أن نذهب إلى المدرسة، ولا بد أن نذهب إلى الكلية، ولا بد أن نذهب إلى الوظيفة، وأنت عليك أن تتحمل! وكأن هذا صار شيئاً واقعاً مفروضاً، مع أن الخلل قد يكون في أساس هذه المسائل. وسيكون الحديث عن المشكلات -أيها الأخوة- على شقين: عندنا مشكلة تبدأ من الزوج أو الزوجة -والعياذ بالله- الكافرين المرتدين عن دين الله، وتنتهي بالمشكلات الطفيفة الموجودة في بعض البيوت، ولعل الكلام عن المشكلات المتعلقة بالزوج المرتد أو المرأة الكافرة، الأمر فيها يكون أوضح؛ لأن الحل في كثير من الأحيان قد يكون حلاً تغييرياً شاملاً، تغير الطرف الآخر وتنتهي القضية، ولا يمكن الاستمرار على تلك الحالة، ولكن الكلام الأكثر تعقيداً من جهة الحل وليس من جهة صعوبة الحالة هو في المشكلات التي تكون بين الأزواج الزوجات المسلمين، ولا بد أن نشير كثيراً إلى قضايا تتعلق بمشاكل الدعاة مع زوجاتهم، والمستقيمين مع زوجاتهم، إذ أن القضية تفاقمت كثيراً في الآونة الأخيرة حتى أن نسبة الطلاق ازدادت حتى بين كثير ممن يطلق عليهن ملتزمين وملتزمات.

مشاكل زوجية بين زوجين أحدهما كافر:

 ونبدأ الكلام بذكر بعض الحالات من المشكلات الموجودة في البيوت ذات الطرف المرتد أو الكافر. أيها الإخوة: عندنا مشكلات مستعصية جداً وحالات سيئة جداً، موجودة في المجتمع، تتمثل في أزواج وزوجات مجانبين لشريعة الله تماماً، وفي غاية الانحراف، وهاكم بعض الأمثلة الواقعية وأصارحكم بأني قد قضيت في تحضير هذا الدرس شهوراً عديدة، حتى توصلت إلى جمع كثيرٍ من النقاط المتعلقة بحال الأسر الآن من الواقع ومن الأخبار، ومن الأسئلة التي تأتي بعد الدروس في المساجد، حتى أن البعض سيظن من الكلام أنني أتكلم عن مشكلته هو شخصياً، أو عن مشكلة زوجته شخصياً مع أن الكلام أعم من ذلك؛ لأن الحالات تتكرر وتتشابه، فقد يظن البعض عند السماع أن هذا الكلام هو مسألته شخصياً فلان بن فلان الفلاني، وليس الأمر كذلك، فإن المسألة أعم وإن الحالات تتشابه والأمور متكاثرة، وإن الطيور على أشكالها تقع. عندنا زوجات مكتويات بنار أزواج مرتدين عن دين الله، وقد يكون الزوج علمانياً، أو حداثياً، أو على أي ملة من ملل الكفر ومرتداً عن دين الله، تتمثل ردته عن دين الله باستهزائه بالدين وبالشرع وبالسنن المحمدية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، أو ترك أمور تخرج من الإسلام بالكلية كترك الصلاة نهائياً. ماذا يكون حال امرأة زوجها يرفض الصلاة ولا يصوم ويريد أن يأتي زوجته في نهار رمضان في دبرها، وهو مع ذلك يهينها وإذا دعته للإسلام والشريعة قال: ما لك دخل ربي يحاسبني! وهو يطلقها في كل حين، وهي تظن أنها الآن تعيش معه بالحرام، ليس فقط من جهة حكمه الشرعي بأن الله يقول:  لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ  [الممتحنة:10] ولكن من جهة هذه الطلقات الكثيرة المتتابعة؟ ما هي حال امرأة تحت رجل إذا صلت أمامه ورفعت كفيها تدعو قال: أنتِ شحاذة، ما أنتِ إلا شحاذة، تشحذين من ربك، فيستهزئ بها في صلاتها، ودعائها؟ ما حال زوجةٍ تحت رجل لا يصلي ولا يصوم ويسكر، ويضربها ضرباً شديداً مما أدى إلى إسقاط جنينها؟ ما حال امرأة تحت رجل يدخل البيت مخموراً، ويضرب أولاده، وطلقها مرات كثيرةٍ جداً وهو يسب الدين ويلعن الرب ويحرم زوجته من المصروف يقول لها: اذهبي واشتكي؟ ما حال امرأة قد لعب عليها رجل باطني من ملة منحرفة عن دين الإسلام، فضحك عليها، وعقد عليها وتزوج بها وعندما رأى أن عندها بعض الأحاديث عن أبي هريرة رضي الله عنه مزقها وألقاها في القمامة ولما سألته قال: هذا كذاب هذا خبيث، هذا منافق وهكذا؟ ما حال امرأة إذا تحجبت قال لها زوجها: أنت مثل القرد، وأهله قد يمالئونه على الإثم والعدوان، يقول لزوجته: أنت عجوز، أنت قبيحة، أنت كبرت استهزاءً بالحجاب؟ ما حال زوجة قد أمهلها زوجها ثلاثة أيام لتكشف وجهها أمام إخوانه وإلا فإنه سيطلقها إذا رفضت، وهو لا يدخل بيته ولا ينام معها حتى تنتهي المهلة وسنتدرج معكم من الزوج الكافر المرتد إلى الزوج العاصي الفاسق الفاجر وهكذا. ماذا يكون حال هذا النوع الذي ذكرناه قبل هذا المثال الأخير، الزوج المرتد، الزوج الكافر؟ وفي المقابل يوجد زوجات كافرات، ربما تسب الدين وتستهزئ بأهل الدين، وهي تاركة للصلاة بالكلية، وربما أنها متمردة على شرع الله، وتقول: الحجاب لا أعترف به، وهذه تعقيدات، الأوامر التي تقولون عنها في القرآن والسنة لا تناسب العصر، وتنادي بتحرير المرأة ونحو ذلك، ما هو حال مثل هذا الوضع الموجود؟

 العشرة لا تجوز بين زوجين أحدهما كافر أو مرتد:

نقول: قال الله عز وجل :  فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ  [الممتحنة:10] فبين الله عز وجل أن الرجل المسلم لا يجوز له أبداً أن يتزوج من امرأة كافرة، إلا ما كان من المحصنات من أهل الكتاب، وبين الله عز وجل في هذه الآية أن المرأة المسلمة لا يجوز أن يعقد عليها رجل كافر لا يصلي أبداً، ويستهزئ بالدين ويفعل ويفعل من الأمثلة التي ذكرناها. فإذاً الحل: أن العقد باطل ويجب التفريق بينهما، وأن المرأة ترجع إلى أهلها، إذا كان زوجها على الحال التي ذكرناها، وأن المرأة إذا كانت كافرة وزوجها مسلم فإن العقد باطل، وهو ينفصل عنها، ولا تجوز العشرة بينهما، وإذا استمر على العشرة معها، أو استمرت على العشرة معه إذا كان كافراً أو كانت كافرة، فإن الحال هو زنا وفاحشة -والعياذ بالله.

المجتمع والدعاة يتحملون المسئولية:

وإنني أتساءل كما تتساءل بعض النساء المظلومات التي تقول: كيف أخرج من البيت وعندي أولاد؟ زوجي كافر، وأنا أعلم أنه كافر، وقد أقمت عليه الحجة ونصحته بلا فائدة، كلمت الأقارب، استعنت بالأهل والأصدقاء، ليس هناك فائدة.. إذا ذهبت إلى بيت أهلي ماذا يحدث للأولاد؟ ثم إنها قد تقول: أكثر من ذلك إن أهلي يرفضون عودتي إليهم، ولو رجعت لردوني إليه، وقالوا: اذهبي إلى بيت زوجك، وليس لك عندنا مكان، أو تقول: لا أخ ولا أب ولا عائل، وليس لي أهل وأهلي في بلد بعيد، أو ليس لي أهل يؤونني إليهم، فماذا أفعل؟ أجلس في بيت أختي، وأضايق زوج أختي أم ماذا أفعل؟ إن هناك كثيراً من المشكلات المستعصية من هذا النوع، هذا نتيجة انحراف المجتمع عن شرع الله، ونتيجة شيوع التيارات الإلحادية الكافرة في المجتمع؛ نتيجة تخلف الدعوة وتخلف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتخلف التزام الناس بشعائر الدين، هذه واحدة من الآثار السيئة التي نعاني منها في المجتمع نتيجة الانحراف عن شرع الله عز وجل، إذاً المسئولية لا تتحملها المرأة فقط، يتحملها المجتمع كله بسبب حصول هذا التقصير، وإلا لو كانت الشريعة مطبقة تماماً لكانت هذه الحالات نادرة جداً. ولكن مادامت تسمع يميناً وشمالاً ودائماً فمعناها أن هذه الانحرافات موجودة متكاثرة، وتعني بأن الحال لا زال من السوء بحيث يفرض علينا الإسلام أن نتحرك لمواجهة هذه الانحرافات، حتى يعود الناس إلى دين الله، وعند ذلك لا يكون هناك من الحلول إلا أن تجتنب إذا تعذر عليها الخروج من البيت، أن تجتنب الزوج وأن لا تكشف عليه، وأن تبتعد عنه، ولا تجعله يقترب منها؛ لأنه كافر وهي مكرهة، ثم أنه لو اضطرها للجماع وهو كافر بالقوة فهي مكرهة والإثم عليه، علماً بأنه يجب عليها أن تسعى بكل طريق من المحكمة إلى أي إنسان آخر، أو مصدر من مصادر القوة والسلطة من الابتعاد عن هذا الرجل الكافر، فلا خير مطلقاً في البقاء عنده، ولو كانت أخلاقه عسلاً مصفى.

مشاكل زوجية بين زوجين أحدهما فاجر:

 رجل فاجر يقول لزوجته: يجب أن تكشفي وجهك عند إخواني، وإن لم تكشفي فسأطلقك، ويعطيها مهلة، أو يكون الزوج فاجراً يقيم علاقة محرمة مع الخادمة وتعلم الزوجة بأن ذلك الرجل زانٍ وأنه يفعل الفواحش، هذه ثلاثة خادمات رفضن الإقامة في البيت؛ لأن هذا الرجل يحاول أن يفجر بهن، وإذا كان الرجل أيضاً يفعل أموراً أخرى من الفواحش كأن يصر على وطء الزوجة في الدبر، ويقول: يكفينا العيال وأنا أريد أن آتيك من الخلف ونحو ذلك، فماذا يمكن أن تفعل؟ أو أنه يبلغ به السوء من أول ليلة الزفاف أن يضربها ويعطيها حبوباً مخدرة وأن يربطها ويأتيها بالقوة في المكان الذي حرمه الله عز وجل في الوقت الذي حرمه الله عز وجل مثلاً: في زمن الحيض. فإذاً هناك نوعية أخرى من المشكلات، وبلغ من فجور بعضهم أنه ربما قطع الكتب الإسلامية لزوجته وأتلف الأشرطة التي عندها، ومنعها من طلب العلم، وماذا نفعل في زوجٍ فاسق؟ قد يكون مصلياً مسلماً، لكنه يشرب الخمر، وهي تأمره وتنهاه وهو يضربها، وهي تدفعه بقوة للصلاة فرضاً وراء فرض، حتى صارت الحياة مملة؛ لأنها سئمت هذا الرجل المتقاعس عن الصلاة الذي يصلي مرة ويترك مرة، وقد أخذ مصاغها ونقودها وهو يبقى ثلاثة أيام جنباً لا يغتسل؟ ما نفعل في زوج آخر قد يستهزئ من التزام زوجته بالدين، أي في بعض الشعائر واعتبر ذلك تزمتاً وتنطعاً؟ وقد يصلي ويفعل أشياء من الإسلام، لكن عنده هذه النظرة القاتمة النقدية إلى شيء من أمور الدين التي لا يمكن أن يتنازل عنها الشخص المسلم المتمسك بالسنة؟ هذه امرأة تقول: إذا دخلت السوق وقلت ذكر السوق وهو: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير... إلى آخره، قال: بعدين يكفي، خلاص باسم الله يكفي، أنت تريدين إلقاء خطبة.. لماذا؟ لأنه حتى ذكر السوق لا يريد من زوجته أن تتلفظ به، أو أنه يريد أن يرغمها بالقوة على أن ما تفعله من العبادة رياء ونفاق، وهذه مسألة موجودة. رجل آخر بلغ من فجوره أنه إذا رأى زوجته تتسنن وتصلي وتقوم الليل، وتقرأ القرآن وتدعو ربها، قال: هذا نفاق ورياء، وأنتِ تظنين نفسك مأجورة على هذا، كلا. أنتِ لا تريدين وجه الله، وأنت تفعلين ذلك أمام الضيوف، وأنت وأنتِ، حتى بدأت المسكينة -فعلاً- تشك في نفسها أنها منافقة، وأنها مرائية من جراء هذه الألفاظ وهذه الحيل التي يأتي بها. مسألة تكاسل بعض الأزواج عن صلاة الفجر نوع من الفسوق؛ حتى أنهم لا يصلون الفجر إلا بعد طلوع الشمس، ومنع النساء من حِلق الذكر ومن القراءة والاطلاع في المسائل الشرعية، إذاً هذه حالة أخرى من الفجور أدنى من الحالة السابقة، ماذا تفعل المرأة في مثل هذه الحالات؟

 حل المشاكل الزوجية بين زوجين أحدهما فاجر:

بالنسبة للزوج المسلم الفاجر الفاسق، يجوز شرعاً للمرأة أن تبقى عنده، من ناحية الجواز يجوز، لا يمكن أن نقول لها: إن بقاءك مع الزوج المسلم شارب الخمر هو زنى أبداً، لكن ينبغي عليها أن تواصل في دعوته إلى الله عل الله أن يهديه، وبما أن الواقع قد أثبت أنه قد أمكن هداية كثير من الأزواج على يد زوجاتهم الصالحات، فإن الحالة الاستمرارية في الوعظ لا بد أن تستمر، لكن المرأة إذا لم تتحمل فجور زوجها، فإنه يحل لها شرعاً أن تطلب الطلاق، لأن بعض الرجال من فجورهم لا يمكن العيش معهم أبداً. وكذلك في الجانب المقابل، فإنه يوجد زوجات فاجرات -كما وصفن- قد لا ترد يد لامس، وقد تقبل أن تعاكس بالهاتف، وتتكلم مع الأجانب، وتخرج من البيت بغير إذن زوجها، أو تذهب إلى محلات مريبة، أو ترفض لبس الحجاب، تقول: مقتنعة أن الحجاب صحيح لكن أنا لا أستطيع أن أغطي وجهي وأن أخنق نفسي، وترفض لبس الحجاب، وربما أنها وقفت في السوق معها ولدها الرضيع فأخرجت ثديها أمام الناس لترضعه. ماذا يكون الحل إذاً في مثل ذلك؟ على الزوج أن يدعوها إلى الله، وأن يفعل كما أمر الله في التدرج في معاملة الزوجة العاصية الناشز، وخصوصاً عندما يكون النشوز ليس في مسألة عصيانه في بعض الأشياء الدنيوية، وإنما في قضايا شرعية، فيجب عليه أن يقوم بالوعظ والتذكير والتنبيه وأن يعمل من الإجراءات الشرعية المذكورة التي ستمر معنا ما يحمل به زوجته على شريعة الله، فإن أصرت وبقيت على فجورها فلا يمكن أن يستمر البيت على هذا، ولا يمكن أن يطمئن الرجل لأولاده وهم يعيشون مع مثل هذه المرأة الفاجرة السافرة، فعند ذلك لابد من الكي وهو آخر الدواء، ومفارقة تلك المرأة والاستغناء عنها؛ لأنها امرأة سوء، وامرأة مخربة، وسيبدله الله خيراً منها، ولو كانت جميلة وكان متعلقاً بها، ولو كانت غنية: (من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه) وكان من الأسباب المانعة لرفع الدعاء، أن يبقى الرجل عند امرأته السيئة الخلق دون أن يطلقها. والعجيب -أيها الأخوة- أن بعض الناس يتهاونون في علاج الوضع المتردي لزوجاتهم من ناحية الالتزام، فقد تتهاون في الالتزام شيئاً فشيئاً، أول ما يتزوجها تكون ملتزمة بالدين ثم تتراخى وتتهاون، وبالعكس قد يكون الزوج ملتزماً بالدين ثم يتراخى ويتهاون، وحصلت أمثلة كثيرة لهذا. فإذاً: الدعوة والنصح، للوصول إلى إصلاح الأوضاع مطلوب، لكن إذا استحال الأمر ومضت فترة زمنية كافية للحكم على أنه لا يمكن الرجوع في هذا المنظور القريب، فعند ذلك يكون الفراق هو النهاية، لذلك فإنني أنصح كل رجل مستقيم إذا رأى نوعاً من التهاون في زوجته بأن وصل إلى مراحل فجور وفسوق عندها ألا يتهاون مطلقاً في العلاج؛ لأن بعض الأزواج قد ينشغل بعمله أو وظيفته -ربما أحياناً بالدعوة إلى الله- والمرأة تتردى في الالتزام وتتردى في مستواها الإيماني حتى أنها تصل في النهاية إلى حالة سيئة جداً، ويمكن أن أقول لكم عن قصة رجل تنازل عن كشف زوجته، قالت: أما الحجاب لا. أنا لا يمكن أن أغطي وجهي، كل شيء إلا تغطية الوجه، وأصرت وألحت، وصممت، ورضخ الرجل وقال: حسناً! سكت عن كشف وجهها، وبعد ذلك صارت تحسر عن شعرها، وأكثر وأكثر حتى وصل الأمر أنه صارت تغازل الشباب بالهاتف، وتخرج مع فلان وعلان، فإذاً مسألة ترك الأمور حتى تستفحل دون أن تعالج علاجاً حاسماً من البداية هو أمر خطير جداً. ومن العجيب أن بعض الأزواج يسافر ويشرب وزوجته متدينة، يقول: أنا الآن مبسوط جداً لماذا؟ يا جماعة أنا أنصحكم أن تتزوجوا نساء متدينات، لماذا؟ قال: لأني أخرج من البيت وأنا مطمئن، انظر.. هو فاجر، لكن يريد أن تكون مستقيمة، وهذه نوعية من الرجال موجودة، هو فاجر يعمل الفسوق، لكن يقول: لا. هذه أم الأولاد، لا يشاركني فيها أحد، هذه متدينة، وقد يمجدها وهو إنسان فاسق، ولكنه متمسك بها، وعند ذلك ينبغي على الزوجة أن تستغل هذه العلاقة وهذا التمسك في جعل زوجها يستقيم على طريق الحق. وإني أقول: إن كثيراً من النساء يملكن المفتاح والزمام، وإن المرأة قد تستغل أوضاعاً نفسية معينة في جعل زوجها يمشي على الطريق المستقيم، وهناك زوجات فاضلات إذا رأت عند زوجها صوراً أو أفلاماً أتلفتها، أو أشياء من المشروبات المحرمة ونحو ذلك كسرتها وأراقتها، ومنعت زوجها من السفر وضغطت عليه، وهناك كثيرٌ من الأزواج قد يستجيبون لنسائهم في هذه القضية، فينبغي على الزوجة ألا تتهاون أيضاً في العلاج الحاسم لمثل هذه الأمور.

ستر عيوب الزوج أو الزوجة بعد التوبة أمر مطلوب:

 وأنبه هنا إلى أنه قد يقع شيء من الذنوب من الزوج أو من الزوجة، قد تقع -والعياذ بالله- فواحش من الطرفين، فماذا يفعل كل طرف؟ يعتمد على الحال التي تكون عليها القضية مثلاً: بالنسبة للزوجة، إذا تابت إلى الله توبة نصوحاً فستر عليها فالحمد لله، وإذا لم تتب إلى الله عز وجل فينبغي أن يفارقها، ولا يمكن لإنسان أن يعيش مع امرأة فاجرة، وكذلك هي لها الحق أن تطلب الطلاق منه إذا عرفت أنه إنسان فاجر زان مصر على الفجور والفواحش، فإذا حصلت التوبة فلا بد من الستر ولا يجوز فضح الطرف الآخر بأمور كان يفعلها في جاهليته الخاصة به، وهذه مسألة مهمة. فإنني أعلم من الواقع أنه هناك كثيراً من الأزواج قد يعير زوجته بأمور باحت له بها في بعض المناسبات، وقالت له عن أشياء معينة وهي قد تابت إلى الله، وهو كل ما حصل مشكلة أو شيء قال: أنت كنت تفعلين، وكنت تفعلين، وبالعكس أيضاً يمكن أن يحدث ذلك لأشياء كان يفعلها الرجل في الماضي، لذلك -أيها الإخوة- عليكم بالستر الذي أمرنا الله به، ونحن لا بد أن نستتر بستر الله عز وجل، ولا داعي لأن تخبرها ولا لأن تعيرها بأشياء حدثت مادام تابت فيما بينها وبين الله عز وجل، ونبقى على الستر، ونبقى على ما أمر الله سبحانه وتعالى به من الطهر والعفاف. أما بالنسبة لبقية المشاكل التي هي أقل من هذا، بمعنى: أنك قد لا تصل إلى فواحش أو كبائر، لكن هي قد تكون معاصي كظلم أو أخطاء في التعامل ومخالفات واضحة جداً لقوله تعالى:  وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ  [النساء:19] وحقوق المرأة على الزوج، كحقوق الزوج على زوجته.

مشاكل زوجية بين زوجين ملتزمين وحلولها:

 فالآن دعونا نتكلم في هذا القسم الثالث -إن صح التقسيم- في هذه المشكلات التي تقع حتى بين بعض المستقيمين وبين زوجاتهم الملتزمات بشرع الله.

 (وعاشروهن بالمعروف):

أولاً: أيها الأخوة! كل المشاكل يمكن أن تعالجها بكلمتين من كتاب الله سبحانه وتعالى، ونحن لا ينقصنا العلم في بعض الأحيان إنما ينقصنا التطبيق، قال الله عز وجل:  وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ  [النساء:19] لو كل رجل طبق هاتين الكلمتين فقط:  وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ  [النساء:19] لانتهت قضايا كثيرة جداً لا يعلم بها إلا الله، لكن لأننا نغفل ونهمل ونعصي الله عز وجل في المعاشرة بالمعروف؛ يقع الظلم في العلاقات الزوجية، وتقع الإشكالات. إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (أحرج عليكم حق الضعيفين، استوصوا بالنساء خيراً) تكفي هذه المقاطع يا أخي:  وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ  [النساء:19] ( استوصوا بالنساء خيراً ) (خيركم خيركم لأهله) تكفي هذه النصوص الشرعية في حملنا على العلاج، لكن القضية في الإرادة وفي مجاهدة النفس، هذا بالنسبة للرجل.

أحاديث في وجوب طاعة الزوج:

بالنسبة للمرأة يكفي أنها تلتزم بما أمر الله سبحانه وتعالى به من معاملة البعل بالإحسان وطاعته، وفي ذلك يقول الله عز وجل:  فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً  [النساء:34]. (إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحصنت فرجها، وأطاعت بعلها، دخلت من أي أبواب الجنة شاءت) حديث صحيح. (أيما امرأة ماتت وزوجها راض عنها دخلت الجنة). (لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر، ولو صلح لبشر أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها) من عظم حقه عليها. (والذي نفسي بيده، لو كان من قدمه إلى مفرق رأسه قرحة تجري بالقيح والصديد ثم استقبلته فلحسته ما أدت حقه) حديث حسن، رواه الإمام أحمد في المسند . فالمرأة يكفيها هذه الأحاديث لتحل الإشكالات التي بينها وبين زوجها، ينقصنا تطبيق الشريعة، نحن نتكلم عن تطبيق الشريعة في قضايا الاقتصاد والسياسة، ونغفل عن تطبيق الشريعة على مستوى أدنى من ذلك في البيوت والأسر، و لو طبقنا الشريعة في البيوت لحُلت جميع المشكلات. وانظر إلى الخطبة الرائعة التي أخبر بها صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع! الناس مجتمعون -مائة وأربعة وعشرون ألف شخص- مع الرسول صلى الله عليه وسلم، لا ينتهز هذه الفرصة ليتكلم إلا إذا كان الكلام مهم جداً، وإلا لانتقى ما هو أهم منه، لكن ركز على أشياء في خطبته حجة الوداع، فقال: (إلا واستوصوا بالنساء خيراً فإنهن عوان عندكم، -أسيرات- ليس تملكون شيئاً غير ذلك، إلا أن يأتين بفاحشة مبينة، فإن فعلن ذلك فاهجروهن في المضاجع، واضربوهن ضرباً غير مبرح، فإن أطعنكم، فلا تبغوا عليهن سبيلاً). ثم الطرف المقابل، فلا ننسى الرجل ولا المرأة، بعض الناس يتكلم عن الرجال كأنهم هم المخطئون فقط، وينسى النساء، وبعض الناس يتكلم عن النساء كأن النساء هن المخطئات فقط، وينسى الرجال، وأنت ترى طريقة الشريعة والنصوص تعالج الجانبين معاً: (ألا وإن لكم على نسائكم حقاً، ولنسائكم عليكم حقاً، فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون، ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون، ألا وإن حقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن .) الحديث.

العلاقة الزوجية تتطور من مرحلة إلى أخرى:

وأريد أن أقول -أيها الأخوة- في مطلع الكلام عن المشكلات التي ذكرناها من قبل، نقطة من النقاط التي تحدث في الحياة الزوجية. البداية أول ما يدخل الإنسان بزوجته أو يعقد عليها، من العقد إلى وقت نشوء المشكلات تمر الحياة الزوجية بمراحل بعد العقد في فترة أحاديث ودية جداً، وتبادل الأحاسيس والمشاعر، والإنسان يدخل حياة الزوجية ويحس أن له طرفاً آخر مرتبطاً به، وأنه مقبل على شيء جديد، وأن هذه لذة أباحها الله عز وجل، وأنه سيقيم الآن علاقات أسرية، ولذلك يبدأ كثير من الشباب يكلمون زوجاتهم التي عقد عليها، ماذا سنقرأ؟ وماذا سنسمع من الأشرطة؟ وكيف سنقوم الليل في المستقبل؟ وكيف سنربي الأولاد؟ ويتكلمون عن أحلام كثيرة وعن قضايا شرعية، ونسأل المشايخ وإلى آخره، ويتواصى معها، قرأت كتاب كذا، وسمعت شريط كذا، وهي تقول له: حفظت سورة كذا، وحضرت محاضرة كذا، وهكذا بالهاتف قبل الدخلة، بعد الدخلة فترة مجاملة. فترة المجاملة هذه عبارة عن مدارات وكلام طيب وأشياء من العسل، ولكن فترة المجاملات هذه بعد حين من الزمن تبدأ في الانحسار، وإذا انتهت المجاملات ظهرت المشكلات؛ لأن بعد فترة المجاملات بعد الدخلة سواء كانت أسبوعاً أو أسبوعين، شهراً أو شهرين، المهم في فترة مجاملات كل واحد يحاول أن يغطي عيوبه عن الآخر، ويحاول أن يراعي نفسية الآخر ومشاعر الآخر، والآن هما مقدمان على حياة جديدة وعلاقة جديدة، ويريد أن يكسب ودها وتكسب وده وهكذا. بعد فترة المجاملات تظهر الشخصيتان على حقيقتهما، تبدأ المجاملات تنحسر وتبدأ المشكلات تظهر، وتبدأ عيوب الزوج وعيوب الزوجة في الظهور، مثلاً: قضية العناد كانت مخفية فالآن ظهرت، قضية عيوب في التعامل وأشياء في الاحتكاك قوي كان غير موجود في فترة المجاملات والآن ظهر، وتبدأ المشكلات والاحتكاك والمصادمة، وقد تكون الطبائع فيها اختلاف لكن في فترة المجاملات كان في تغطية من الطرفين، فإذا انحسرت المجاملات تبدأ قضية المصادمة والمشكلات والعناد، وربما وصل الأمر إلى الشتائم والضرب إلى آخره من الأشياء الموجودة في الحياة الزوجية. بعد فترة المصادمة هنا البيوت تختلف والأزواج يختلفون والزوجات يختلفن، فبعد انتهاء فترة المجاملات تأتي فترة المصادمات، ظهور العيوب والمشاكل، بعد فترة العيوب والمشاكل يبدأ كل طرف بالتعود على عيوب الطرف الآخر، ويبدأ كل منهما في استيعاب مشكلات الطرف الآخر، ويبدأ كل منهما أو أحدهما بمحاولة تضييق فجوة الخلاف، ومحاولة التكيف مع هذه العيوب، وهذه الأخطاء الموجودة، ومحاولة مداراة كل واحد للآخر خصوصاً إذا صارت المسألة فيها أولاد، وتبدأ الحياة تسير سيرها الطبيعي، فالمشاكل موجودة لكن وجد الاعتبار، وربما أعقبه وئام إذا وفق الله وحصل التقاء بعد ذلك، ولكن هذه الفترة الأخيرة، المرحلة الأخيرة ربما لا تحدث، وربما تستمر المصادمات والمشاكل إلى أن تنتهي القضية بالطلاق أو الموت. وهذه المراحل التي ذكرتها تحدث في الأحيان العادية، ولكن ليس كل الزواجات تنتهي بالمواءمة في النهاية، وليس كل الزواجات فيها مشاكل في البداية فربما يكون الزواج سلساً جداً، ولذلك لا يغفل المرء لحظة واحدة عن الإقبال على الله عز وجل في أن يختار له الخير، ويختار له الأحسن والأفضل، ونحن الآن نتكلم بعد فترة المجاملات، وقد سبق أن تكلمنا في محاضرة (المرأة المسلمة على عتبة الزواج) وكانت موجهة للمرأة قبل الزواج إلى العقد، نحن الآن نتكلم في هذه اللحظات، وما سيليها من كلام، ليس بعد فترة العقد، ولا ما بعد العقد من الملاطفات، ولا ما بعد الدخلة من المجاملات، نحن نتكلم الآن عن تلك المرحلة عندما تبدأ العيوب في الظهور، وهي الفترة التي يعيشها ربما كثير من الأزواج والزوجات.

مشكلة السب والشتم عند الزوجين:

من المشاكل الزوجية: قضية تعيير أحد الطرفين للآخر وأضرب لكم أمثلة: بعض الرجال يعيرون زوجاتهم بعيوب خلقية، يا عرجاء يا حولاء، يا قصيرة، يا ذميمة، وهي تقول له مثلاً: أنت يا بدين، يا سمين ونحو ذلك من الألفاظ، قضية التعيير مشكلة من المشكلات، وربما يكون إنساناً عنده سوء بحيث أنه قد يعيرها بحادث أصابها، العيوب الخلقية ليست ذماً للشخص ولا للمرأة بل هي من الله، كيف إذا كان هذا العيب نتيجة حادث معين قدره الله على الرجل أو المرأة؟ فإذاً هذا إثم كبير أن يقول لها: أنت فيك وفيك، واذهبي عالجي نفسك، سبحان الله! كأنه لا علاقة له أبداً في القضية أي: علاج زوجته. وقد يكون السب والشتم بكلمات نابية، قضية العقم، إذا كان الزوج لا ينجب أو الزوجة لا تنجب، أثناء المصادمات يعيرها يقول: أنتِ يا عقيم، أو تقول له: أنت يا عقيم، وأنت الذي أنا صابر عليك وصابر على عدم إنجابك، وصابرة على أن السبب منك، وتنزل عليه، أو ينزل عليها في المقابل، قضية العقم هذه من الله عز وجل:  يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً  [الشورى:49-50] وسبحانه وتعالى على كل شيءٍ قدير، حكيم عليم. ومن قضايا الشتائم والسباب التي تحدث: مسألة اللعن، مع الأسف قطاع لا بأس به من الأزواج والزوجات بينهم لعن متبادل، مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن اللعن، واللعن: هو الطرد والإبعاد من رحمة الله، فإذا قلت لها: لعنة الله عليك، معناه: أنك تدعو الله ألا يدخلها في رحمته، وإذا كانت هي بريئة، وإذا كنت ظالماً ومتعدياً في اللعن، فاللعن يرجع عليك، تصعد اللعنة إلى السماء وترجع إلى الأرض فإن كان الملعون يستحقها أصابته، وإن كان الملعون لا يستحقها رجعت على اللاعن، وكم من لعنٍ في اليوم يحدث من كثير من الأزواج والزوجات في البيوت؟! الذي يقول: لعنة الله عليك، ولعن الله وجهك وقفاك... وإلى آخره من ألفاظ اللعن وهي قد تبادله الشيء الآخر. ومسألة الألفاظ الجارحة: اقلبي وجهك، الله يقطع هذا الوجه، أنت عقدة في نفسي وحياتي، وإذا لم أذهب بك إلى مستشفى المجانين ما يكون اسمي فلان، ولا أريد أنظر رقعة وجهك، أكلك سيئ وأكل المطاعم أحسن منه، أنا سوف أحطم حياتك وحياتي مع بعض أو أنت لا تفهمي، أنتِ هندية، أنتِ بقرة أو يا غبية، أو يتفل عليها أمام أولادها، المشكلة أمام الأولاد، وكم يكون لذلك من أثر سيئ على نفسية الأولاد، وعقد لا يعلم بها إلا الله تتركز وتترسب في نفسيات الأطفال، ثم بعد ذلك تكون عندنا العقد، ويصير الأطفال انطوائيين، أو فيهم عيوب قد تكون في الكلام واللسان، أو غير مبدعين وغير منتجين، أو أطفال يكون عندهم قصور في جوانب حتى في وظائفهم الجسدية، وأطفال عندهم عقد نفسية، ولا يجرءون على مواجهة المجتمع، ولا يحل مسألة ولا يتكلم في الفصل أمام أستاذ ولا أمام الطلاب إلى آخره، والسبب هو ما يرى هذا الولد يومياً من المشكلات والسباب والشتائم التي تحصل بين أبيه وأمه. من الأشياء الموجودة: قضية الإهانة، قد تكون الإهانة باللفظ، مثلاً أن يقول: أنا أخذتك من الشارع، انظر أنا أخذتك من الشارع! نقول: أيها الأخوة: إن الله عز وجل يقول:  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ  [الحجرات:11] وقال الله عز وجل:  وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْأِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ  [الحجرات:11].

ضرب الزوجة:

ومشكلة أخرى من المشكلات في الحياة الزوجية: قضية الضرب؛ الضرب يحصل في الغالب من الرجل، أي من النادر أن تسمع أن زوجة ضربت زوجها، لكن الغالب أن الظلم في هذا يقع من الرجل، فهو الذي يحمل العصا أو الأنبوب البلاستيكي أو الحذاء ويضرب زوجته، ويد الرجل غير جلد المرأة وجسمها، فهذا الضرب إذا كان في غير مشروع فهو حرام وهو ظلم وتعدٍ يأثم الرجل عليه، وإذا كان نزل منها دماء، فأول ما يقتص يوم القيامة في الدماء، والجرح الذي يجرحه به الزوج زوجته لن يضيع عند الله، حقوق العباد لا تضيع، وكم من ظلمة في البيوت؛ بعضهم كسر عظم زوجته، أو جرحها وأسال دمها، أو كسر سنها، وربما عطل شيئاً من حواسها، أو أسقط جنينها، ونحو ذلك في قضية الضرب، وربما لا تستطيع أن تمشي، ثم إن هذا الضرب إذا علم في جسدها وصار علامة خضراء أو حمراء أو سوداء في الجسد، كيف تقابل الناس؟ وعندما يكون هذا في الوجه، كيف تقابل أهلها، وكيف تقابل الجيران بالضرب؟ ثم إن الضرب في الوجه أصلاً حرام، غير أن الضرب إذا كان غير مشروع فهو ظلم، كما إذا كان الضرب في الوجه فإنه يكون حراماً، ولذلك نهى صلى الله عليه وسلم عن الضرب في الوجه، فأما بالنسبة لقضية الضرب فإليك هذه الأحاديث المبينة: قال صلى الله عليه وسلم: (لا تضربوا إماء الله، فجاء عمر رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ذأرن النساء على أزواجهن) أي: تمردن، أنت منعت الضرب، فبعض النساء العاصيات الناشزات أخذن راحتهن لما عرفن أن الضرب ممنوع، فرخص عليه الصلاة والسلام في ضربهن، ولكن ضرب من؟ ضرب الناشز -العاصية- فأطاف بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء يشتكين للنساء، جاءت نساء المدينة إلى نساء الرسول صلى الله عليه وسلم وزوجاته تشتكي كل واحدة إلى امرأة من زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم زوجها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فأطاف بآل بيت محمد نساء يشتكين أزواجهن، ليس أولئك بخياركم) الرجال هؤلاء الذين يضربون ظلماً ليسوا بخياركم. وقال عليه الصلاة والسلام: (ائت حرثك أنى شئت، وأطعمها إذا طعمت، واكسها إذا اكتسيت، ولا تقبح الوجه ولا تضرب) لا تقول: قبح الله وجهك، ولا تضرب في الوجه، والآن الضرب الذي يحصل في كثير من البيوت هو تعدٍ لحدود الله؛ لأنه ليس عقاباً تعزيرياً مشروعاً للناشز؛ لأنه قد تكون المرأة مطيعة، وإنما تضرب لأتفه الأسباب، أو تضرب ظلماً، هناك أناس عندهم نزعة سادية -كما يقولون في مذاهب علم النفس- يتلذذ بالتعذيب، عنده تعذيب الزوجة مسألة فيها لذة لنفسه، ولذلك فهو يشفي غليله ويريح نفسه إذا ضرب، فإن لم يضرب فلا يستريح، فهذه النوعية السيئة يقول عليه الصلاة والسلام مبيناً: (يعمد أحدكم فيجلدها جلد البعير، ولعله يضاجعها في آخر النهار!) أي: يلفت نظرنا، يقول: يا جماعة! يعمد أحدكم إلى امرأته فيجلد امرأته جلد البعير، ضرب مبرح جداً يعلم في الجسد، وفي آخر النهار يقول: تعالي للفراش، أي: كيف تتوافق القضية، كيف تتناسب هذه مع بعضها، كيف ينتقل من مرحلة الضرب الشديد إلى مرحلة الملاطفة؟! فهذا التناقض الذي يعيشه بعض الرجال مع زوجاتهم يعبر عن نفسية سيئة. على الأقل لابد للإنسان قبل أن يضرب بأن ينصح إذا أخطأت ونشزت ولم تنتصح، إذا وعظت وهجرت في الفراش، فلم تجد فائدة فعند ذلك يُلجَأُ إلى الضرب، بعد أن يستنفذ جميع الحلول يلجأ للضرب، أما الضرب من أول شيء فخطأ ولو كانت المرأة مخطئة:  فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ  [النساء:34] هنا ترتيب كما سنتكلم بعد قليل.

منع الرجل امرأته من الخروج معه إلى السوق:

هنا مشكلة: بعض النساء تقول: زوجي لا يذهب بنا إلى السوق أبداً، ويقول: أنا أشتري لكم جميع الأشياء حتى ملابس النساء، وحتى ملابس الأولاد هو يشتريها. السوق لا شك أنه شر البقاع عند الله، وليس من المحمود أبداً التجوال في الأسواق لكثرة ما فيها من منكرات -على الرجل وعلى المرأة- لكن من أين يشتري الإنسان حاجته؟ لا بد أن يكون عندنا نظرة واقعية في السوق، ينبغي على الإنسان أن يتحين الأوقات التي يذهب بها إلى الأسواق، في أوقات لا يكون فيها ازدحام. قضية ثانية: هناك بعض الأشياء في السوق لا تحسن شراءها إلا المرأة، وقليل من الرجال الذين يعرفون النوعيات الجيدة أو المناسبة للأطفال أو الأشياء المناسبة، المرأة التي هي ستلبس، على الأقل يكون عندها حرية في الاختيار والأشياء التي ستلبسها، أقل شيء يجعلها ترى بعض الأشياء، مثلاً: ألوان الأقمشة، إذا كنت مصمماً على الأقل تقول لك: أريد من هذا النوع بدلاً من أن تقول لها: أن الذي سأتحكم فيك وفي لبس الأولاد، أنا الذي سأشتري وأنت عليك أن تلبسي كما أريد وكما أنتقي، وربما هو لا يفهم شيئاً في ملابس النساء والأطفال، ويشتري أشياء غير مناسبة، حتى الأشياء التي فيها تشبه بالكفار من أنواع الملابس والأشياء المحرمة قد لا تدركها إلا الزوجة، فإذاً ليس من الصحيح القذف بالزوجات في الأسواق وترك الزوجة في السوق بدون رجل، فتكون عرضة للأذى من الغادي والرائح وتحصل المنكرات العظيمة، وربما تؤدي إلى فواحش -والعياذ بالله- هذا حرام لا يجوز، وفي نفس الوقت لا بد من مراعاة حس المرأة في مسألة شراء الأشياء المناسبة لها ولأولادها من السوق، بعض الناس لا يستطيع أن يفرق بين الملابس الرجالية والنسائية، فيذهب يشتري لبنته شيئاً يصلح للذكور، وقد يشتري لولده شيئاً لا يصلح إلا للبنات. ولكن أول شيء إذا أنزلت زوجتك إلى السوق أنزلها في وقت لا يكون فيه السوق مزدحماً بالمنكرات، وثاني شيء لا تكثر التنزيل للسوق، وثالث شيء أن تلبي لها رغبتها في أن تشتري ما يناسبها بنفسها.

إهانة الزوج أو الزوجة بالفعل:

وقضية أخرى من القضايا: وهي مسألة الإهانة، نحن تكلمنا سابقاً في الإهانة بالقول، فلا يفوتنا أن نتكلم عن الإهانة بالفعل. هناك رجالٌ يهينون زوجاتهم، كيف تكون الإهانة؟ كأن المسألة أنه يريد أن يكسر رأسها وأن يكسر أنفها، طبعاً أقصد الكسر المعنوي، وليس الكسر الحسي، الكسر المعنوي بأن يرغمها لأن تكون خاضعة ذليلة عنده، وأن تكون مثل العبد عند سيده تماماً، بحيث أنه لا رأي لها ولا شخصية ولا كلمة، وأن تكون حقيرة مهينة أمامه، فمثلاً: بعض الرجال يعتمدون سياسات خاطئة في معاملات الزوجات من جهة الإذلال وتحطيم الشخصية ومسحها تماما،ً فهو يريد ألا يرى أمامه أي رأي وأي كلام وأي نقاش، فهو يريد أن تسكت وتخرس ولا تقول أي كلمة، وهذا دائماً شأنه في كلامه، دائماً هذه كلمة: اسكتي هي عنوان الحديث، وربما أن بعضهم إذا دخل البيت يمد رجله وهو واقف حتى تنزل هي وتخلع الجورب ولا بد، وينبغي كذلك أن تخلع له حذاءه، وإذا جاءت له بكوب الماء أن تكون واقفة عند رأسه حتى يشرب، ولو ظل يشرب كأس الماء على نصف ساعة، لا بد أن تكون واقفة مثل الصنم عند رأسه، ولا تتكلم ولا تتحرك ولو صاح الولد ولو حصل ما حصل من الطبخ على النار، وأقول لكم: إنه عليه الصلاة والسلام كان يراعي زوجاته ويراعي مشاعرهن جداً.

 

المصدر: الشيخ محمد صالح المنجد - كانول وحدة المعرفة
ahmedkordy

خدمات البحث العلمي 01009848570

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

30,765,091

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters