<!-- /////////////-->

 

د. فهد بن محمد الفريح

    لكل عمل إذا ما أريد له النجاح وتحقيق الأهداف المرجوة منه من مقومات تيسر الوصول لهذه الأهداف وتحقيقها بكفاءة وفاعلية وواقعية.

والمملكة العربية السعودية ممثلة في وزارة التعليم العالي ما فتئت تمد يد العون والتيسير على الباحثين وطالبي العلم في المملكة للوصول للمعلومات واستخدامها بفاعلية من خلال الاهتمام بالمكتبات الجامعية والمشاركة بمعارض الكتب المحلية والإقليمية والدولية وفي وقتنا الحاضر تبنيها ممثلة بالمركز الوطني للتعلم الاليكتروني والتعليم عن بعد بناء المكتبة الرقمية السعودية على مستوى الوطن لتلبية احتياجات الباحثين والدارسين في التعليم العالي السعودي بشكليه التقليدي أو عن بعد.

إن هذا المنتج إذا ما صح لنا أن نسميه ليعد خطوة جريئة وغير مسبوقة تحسب وبشكل مباشر لجهود الوزارة ممثلة بشكل خاص بالجهود الحثيثة للمركز والقائمين عليه.

إن المناقشات والأطروحات التي تمت خلال تدشين المكتبة الرقمية وحلقة النقاش الثامنة المصاحبة ليدعم نشوء هذه المكتبة وتطويرها لتصبح مركزًا معلوماتيًا للوطن والمواطن مما يسهم بالتالي في بناء وتنمية المعرفة وإنتاجها وهو ما يطمح إليه راسمو الخطط.

إن هذا التدشين لهذا النوع من المشاريع ( مشروع المكتبة الرقمية ) ليعد لبنة من لبنات التأسيس الصحيح للبحث العلمي المبني على أسس وقواعد سليمة. إن توافر المعلومات بين أيدي الباحثين وطالبي العلم ليعد أمرًا أساسيًا لتمكين الباحث والمتعلم من تحقيق أهدافه.

وعلى كل حال فإن قيام مثل هذه المشاريع الضخمة خاصة في المملكة لا يمكن أن تمر من دون معوقات قد تعود للفرد ( الباحث / المعلم / المتعلم )، المؤسسة ( الجامعة / المعهد / المدرسة / المكتبات ومراكز المعلومات )، الدولة ( الميزانية / القوانين )، البنية التحتية لتقنية الاتصالات والمعلومات، حقوق التأليف، اللغة، وأخيرًا الباحثين والمتخصصين في مجال المعلوماتية ( informatics ).

أولاً : ( الفرد )

يقصد بالفرد هنا المستفيد النهائي من خدمات المكتبات الرقمية خاصة في قطاع التعليم العالي والذي يشمل أعضاء هيئة التدريس، الطلبة والطالبات في برامج التعليم الجامعي بشكليه التقليدي والتعليم عن بعد وبرامج الدراسات العليا، والباحثين. إن الفرد هنا قد يكون أحد أهم المعوقات في نظام بناء ونشر مفهوم المكتبات الرقمية ومن عدة نواحٍ :

من حيث مدى تقبل الفرد لهذا النوع من التحول من المكتبات التقليدية إلى المكتبات الرقمية، مدى تفاعل الفرد مع مكونات المكتبات الرقمية من حيث قدرة التعامل مع الحاسب الآلي وشبكات المعلومات،مدى تفاعل الفرد مع المكتبات الرقمية والقبول بها على أساس أنها المستقبل في عالم المعلومات، مدى ثقافة الفرد المعلوماتية للتعامل مع مكونات المكتبات الرقمية والتي تشمل المعرفة التامة بطرق البحث عن المعلومات والوصول إليها ومن ثم استخدامها، مدى الدعم المعنوي الذي يقدمه الفرد للجهات المسؤولية عن هذه المكتبات من خلال إبداء الرأي، مدى دراسة التغذية الراجعة من قبل المستفيدين والتقييم المستمر لخدمات المكتبات الرقمية، مدى التعاون بين المستفيدين والمشاركة في الخبرات، إن قضية تثقيف الفرد معلوماتيًا ومحو أميته المعلوماتية وتوجيه سلوكه للتعاطي الايجابي مع القضايا المعلوماتية ليعد حجر الزاوية في نجاح مثل هذه المشاريع الرقمية وتطورها، لآن الفرد هو المستفيد النهائي من هذا المنتج.

ثانيًا : ( المؤسسة )

ينبغي أن تتبنى المؤسسات العلمية ممثلة في الجامعات ومكتباتها الجامعية هذا النوع من المشاريع وفق خطط علمية مدروسة وتبعًا لطبيعة البرامج العلمية المقدمة.

إن قيام مشروع المكتبة الرقمية السعودية على مستوى الوطن ليعد محركًا فاعلاً للعملية الثقافية والعلمية والبحثية في الجامعات.

إن هذا المشروع ليدعم المكتبات الجامعية ويجعلها تنشط للتعامل مع هذا الواقع الجديد ومن ثم تطوير أدواتهم ووسائلهم وخدماتهم للتعامل مع هذا النوع من المكتبات.

إن قيام هذا المشروع لا يمكن له من التمام إذا ما قبل بالجحود والنكران من قبل المكتبات الجامعية إما حسدًا أو غيرة !

إن على المكتبات الجامعية مهمة كبيرة في دعم مثل هذا النوع من المشاريع عبر التعاون والتشاور مع القائمين على هذا المشروع وكذلك من خلال الاستمرارية في مشاريع الرقمنة الحالية ومن ثم المشاركة في أتاحتها لمستخدمي المكتبة الرقمية على مستوى الوطن.

إن للجامعات ومكتباتها الجامعية دورًا مهمًا في تثقيف منسوبيها للتعامل مع هذا النوع من المكتبات وعمل البرامج التسويقية المناسبة لدعم هذا التوجه نحو استخدام المكتبات الرقمية.

إن حل قضايا حساسة كالحرص الغير مبرر تجاه سرية المعلومات والخوف من إتاحتها للجميع عبر الشبكة العنكبوتية - على سبيل المثال - ليعد أحد معوقات اكتمال بناء المكتبة الرقمية السعودية وتطوير المحتوى العربي على الانترنت.

إن التعاون الذي يمكن أن تقدمه المكتبات الجامعية نحو الاستخدام الفاعل والتفاعل مع المكتبة الرقمية يتم عبر إتاحتها لجميع منسوبيها بدون تحفظ 24/7 .

إن قيام مثل هذا المشروع على مستوى الوطن يمكن له من توفير الكثير من المال والجهد المبذول حاليًا من قبل كل مكتبة على حده للاشتراك في الدوريات العلمية والمجلات الاليكترونية وقواعد المعلومات المختلفة وكذلك الكتب الاليكترونية، مما يستدعي التعاون مع هذا المشروع بكل مكوناته ودعمه حتى يصبح علامة بارزه للتعليم العالي السعودي بشقيه التقليدي وعن بعد.

ثالثًا : (الدولة )

نشير هنا إلى أهمية دعم مثل هذه المشاريع ليس على مستوى التعليم العالي فحسب بل أيضًا على مستوى التعليم العام والوطن بصفة عامة مماثلاً لانتشار كافة أنواع المكتبات في كافة أرجاء الوطن.

إن الدعم التشريعي والمالي من قبل الدولة لقيام مثل هذه المشاريع ليعد امرأ هامًا مما يسهم في بناء مجتمع المعلومات ومن ثم بناء مجتمع يتسلح بسلاح المعرفة وهو السلاح الذي يمكن ممتلكيه من النمو والتطور العلمي المدروس.

إن تمكين الشعب بكافة أطيافه للتعامل مع المعلومات العلمية وتيسير وصولهم لها ليمكنهم من التعاطي مع المتغيرات الحديثة في العالم ومن ثم القدرة على اتخاذ القرارات في مجال حياتهم الخاصة او في مجال العمل.

إن الدولة وتبنيها لمثل هذه المشاريع ليعد دليلاً على الرغبة الأكيدة في تطوير المجتمع ودفع عجلة الحراك الثقافي للمجتمع ومن ثم الإسهام في إنتاج المعرفة وليس فقط استهلاكها.

رابعًا : ( البنية التحتية لتقنية الاتصالات والمعلومات )

تعد قوة البنية التحتية لتقنية الاتصالات والمعلومات في السعودية المحرك الأساسي لقيام المشاريع الاليكترونية كمشروع المكتبة الرقمية.

فعلى سبيل المثال إن توافر خدمة الانترنت المتطورة - وهي التي تعد العمود الفقري لمشروع المكتبة الرقمية - ليعد أمرًا أساسيًا لنجاح هذا المشروع على مستوى المملكة.

إن الاهتمام بمبدأ المساواة بين كافة أفراد المجتمع فيما يختص بسهولة وحرية الوصول للمعلومات ليعد أمرًا لا يمكن تجاهله بل إنه أحد أهم المعايير الأخلاقية التي يجب الاهتمام بها.

لذا فإن بناء بنية تحتية قوية للاتصالات والمعلومات في كافة أجزاء المملكة ليعد أمرًا مهمًا ومطلبًا ملحًا ليس فقط في مجال استخدام والإفادة من المكتبة الرقمية فحسب بل أيضًا إمكانية التعامل والتفاعل مع التوجه الجديد فيما يتعلق بالتعليم الاليكتروني.

خامسًا : ( حقوق التأليف )

تدعم القوانين في المملكة مبدأ حماية حقوق المؤلفين والناشرين ومنتجي ومسوقي المعلومات ومصادرها وهو ما يواجه العمليات المصاحبة لاستخدام المكتبات الرقمية كسوء الاستخدام أو الاستخدام الجائر لمصادر المعلومات المتاحة عبر المكتبة الرقمية.

لذا فإن ضبط وتقنين العمليات الخاصة باستخدام المكتبة الرقمية ليعد امرًا مهمًا ورافدًا ضروريًا لاستمرارية المكتبة الرقمية وازدهارها ومن ثم الوثوق بها وتجاوزها للكثير من الإشكاليات القانونية مما قد يعيق من مسيرتها نحو النماء والتطور.

إن التقنيات الحديثة تساهم بشكل أو بأخر بضبط عملية حقوق التأليف والحد من السرقات المصاحبة لهذا النوع من المشاريع.

سادسًا : ( اللغة )

إن الهدف الأساسي من إنشاء مثل هذه المشاريع ليس فقط جمع أكبر عدد من المصادر ومن ثم إتاحتها للمستفيدين، إن قضية النوع يجب أن يكون الأساس في بناء هذه المكتبة ومن ثم تبرز قضية اللغة ودورها في التأثير على سياسة الاختيار.

إن جمعًا كبيرًا من المستفيدين من هذه المشاريع خاصة من الطلبة والطالبات قد يعانون من قضية صعوبة التعامل مع المصادر الأجنبية ومن ثم فقد مجموعة من المستفيدين وحرمانهم من الإفادة من مصادر المكتبة الرقمية.

إن تركيز الجهود نحو المصادر العربية وكذلك التركيز على تبني خدمة الترجمة في هذه المكتبات الرقمية ليعد أمرًا هامًا وضروريًا فبدونهما ستفقد المكتبة الرقمية جزءً مهمًا من روادها الذين قد يكونون المستهدفين في المركز الأول من بناء مثل هذه المكتبات.

إن تجاوز حاجز اللغة وبناء مجموعة عربية قوية وتقديم برامج ترجمة مناسبة للمحتوى الرقمي لهذه المكتبة الرقمية سيسهم في تطويرها ومن ثم استمراريتها وتحقيقها لرغبات وحاجات المستفيدين.

سابعًا : الباحثين والمتخصصين في مجال المعلوماتية (informatics)

 لا يمكن أن يكتب لأي مشروع مكتبة رقمي النجاح والتطور وتحقيق حاجات ومتطلبات المستفيدين إذا لم يتم وفق منهجية علمية واضحة تحدد أهدافه، ووسائله، وسياساته وطريقة تقديمه.

وهذا الدور الجوهري لقيام أي مكتبة رقمية يعتمد بشكل أساسي على توافر الخبرات والقدرات في مجال المعلوماتية من قبل أشخاص متخصصين في هذا المجال.

لذا فإن من مقومات تطور مثل هذه المشاريع مساهمة أقسام المعلومات في الجامعات السعودية على تخريج كوادر وطنية علمية تستطيع التفاعل مع هذا التوجه وتطويره بما يحقق أهداف الدولة في خطتها الخمسية التاسعة فيما يتعلق ببناء المجتمع المعرفي.

إن وجود الخبرات العلمية المتمكنة للتعاطي مع كافة مكونات المكتبة الرقمية ليعد أمرًا ومطلبًا ملحًا، بل إن أقسام المعلومات في الجامعات السعودية والعربية مطالبة - خاصة تلك التي مازالت تتبنى المناهج القديمة - إلى التفاعل الايجابي مع التطورات الحاصلة في تكنولوجيا المعلومات ومن ثم بناء المناهج وفق هذا التوجه الحديث.

إن المتخصصين في مجال المعلوماتية المزودين بالقدرات الفنية اللازمة للتعامل مع البيانات والمعرفة والمعلومات، وكذلك القدرة اللغوية للتفاعل مع النتاج الفكري في مجال المعلوماتية من لغات أخرى ليعد أمرًا لا يمكن التنازل عنه ومن ثم إصلاح مناهج التعليم في الكثير من أقسام المعلومات يعد أمرًا لا مفر منه !

إن مقومات النجاح لهذا المشروع الجبار والمشاريع المماثلة في المملكة وفي الوطن العربي يكمن في حل المعوقات المذكورة أعلاه ومن دون ذلك فإن مجالات الشك قد تتغلغل في نفوس الكثير حيال نجاح مثل هذه المشاريع المكلفة.

فشكرًا جزيلاً لكل القائمين على هذه المبادرة والجهود الجبارة في دعم التعليم العالي الجامعي ممثلاً بوزارة التعليم العالي والمركز الوطني للتعلم الاليكتروني والتعليم عن بعد ولكافة القائمين على المركز، وشكرًا لكافة أطياف المجتمع على تفاعلهم ودعمهم لهذا النوع من المشاريع بالحضور والمشاركة في حفل التدشين.

إن كاتب هذه الأسطر ومن مسؤوليته العلمية في هذا المجال في طور إعداد دراسة تتناول هذا الموضوع بالتفصيل مع الآمل بإنجازها في وقت قريب.

المصدر: جريدة الرياض
ahmedkordy

خدمات البحث العلمي 01009848570

  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 3730 مشاهدة
نشرت فى 22 سبتمبر 2011 بواسطة ahmedkordy

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

30,756,088

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters