|
||||
د. محمد فتحي
يقولون في معاجم اللغة: "يقنع قناعة": إذا رضي, وسُمّيت 0قناعة لأنه يقبل على الشيء الذي يكون له راضيًا. يقنع قناعة: أي رضي بالقسم فهو قنع، وتغيَّر الشيء عن حاله: "تحوَّل"، وغيّره: حوله وبدله كأنه جعله غير ما كان. يقول الله عزَّ وجل: "ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ" (الأنفال: 53). قال ثعلب: معناه: حتى يبدلوا ما أمرهم الله، والغير: الاسم من التغيير، وغيَّر عليه الأمر: حوله. ويقول ابن الأعرابي: يقال غيّر فلان عن بعيره إذا حط عنه رحله وأصلح من شأنه. وتغيير القناعات كمصطلح هو: تحويل الرضا والتسليم بأفكار ومفاهيم ما إلى غيرها. إنَّ تغيير القناعات أمرٌ في غاية الصعوبة وهو عملية تتأثر بأربعة عوامل أساسية هي: "المُغيِّر والمغيرَّ، والظروف التي تصحب عملية التغيير، وعامل الزمن". ويولد الإنسان صفحة بيضاء ناصع لونها ويبدأ أبواه بتلقينه ما يعرف بعد ذلك بالطبائع والعادات، ثم بعد سن الرابعة تقريبًا يبدأ بتقبل الأفكار – كمتلقٍ فقط ولا أكثر – ويبدأ بالحفظ ويستمر بتقبل الأفكار كالكتاب المفتوح حتى سن البلوغ أي الخامسة عشر، وبعدها يبدأ باستخدام عقله بعد أن يصبح مخه ناضجًا صالحًا للربط بين الأشياء وقادرًا على إجراء العملية الفكرية بشكل طبيعي، حتى هذه السن لا يكون لدى الإنسان أي قناعات بالمعنى الاصطلاحي وأغلب ما يكون لديه لا يخرج عن تصديق أو مفاهيم غرست فيه منذ نعومة أظافره وهو لا يعرف ولم يفكر يومًا في منشئها أو صحتها، ومن بعد البلوغ فإن نضوج المخ وجاهزيته من الناحية الوظيفية يبدأ بجعله يبحث عن القناعات وترسيخ مغروسات وعادات وطبائع في نفسه أو على النقيض رفضها وهذا من مزايا الشباب يتحرك بسرعة وطاقة كبيرة ويغير باستمرار، وعلى العكس الشيوخ كلما زاد عمر الإنسان تترسخ قناعته الأولى حتى وإن كانت خاطئة. قال رسول الله: «اقتلوا شيوخ المشركين واستحيوا شرخهم» مسند الإمام أحمد، والشرخ هو الشباب وفي تفسير الحديث قيل: الشيخ لا يكاد يسلم، والشاب يسلم كأنه أقرب إلى الإسلام من الشيخ لذا فهي فرصة لك، وأنت في مرحلة عمرية أن تغير من قناعتك الأولى الخاطئة، ومن أهم القناعات الواجبة التغيير هي القناعات السلبية التي نحملها في داخلنا والتي تأخذ صورة التأكيد واليقين بعدم الإمكانية من إحداث أي تقدم أو تغيير بنا أو بقول: نحن آخر من يتغير، عد بذاكرتك التاريخية لمرحلة انهيار الدولة العباسية على يد التتار وقناعة المسلمين بأن هؤلاء المغول لن يصمد أمامهم أي فرد حتى حل الهوان بكل الناس ملوكًا وشعوبًا، إلى أن جاء قطز وسلطان العلماء العز بن عبد السلام فغيروا قناعات الناس فدخلوا الحرب بفكر جهادي خالص لله عز وجل فقضوا على التتار في عين جالوت. وهذه امرأة في السبعين من عمرها لا تجيد القراءة والكتابة تمنت ذات يوم أن تكتب بيدها اسم الله فتعلمت الكتابة والقراءة، ثم قررت أن تحفظ كتاب الله وخلال عامين استطاعت في هذه السن أن تحفظ كتاب الله عز وجل كاملاً، لم يمنعها كبر سنها ولا ضعفها أن تغير قناعاتها لله عز وجل. وهذا طالب في إحدي الجامعات بكولومبيا حضر إحدى المحاضرات في الرياضيات وجلس في آخر القاعة ونام بهدوء، وفي نهاية المحاضرة استيقظ على أصوات الطلاب ونظر إلى السبورة فوجد أن الدكتور كتب عليها مسألتين فنقلهما بسرعة وخرج من القاعة، وعندما رجع إلى البيت بدأ يفكر في حل المسألتين، كانت المسألتان صعبتين، فذهب إلى مكتبة الجامعة وأخذ المراجع اللازمة وبعد أربعة أيام استطاع أن يحل المسألة الأولى، وهو ناقم على الدكتور الذي أعطاهم هذا الواجب الصعب، وفي محاضرة الرياضيات اللاحقة استغرب أن الدكتور لم يطلب منهم الواجب فذهب إليه وقال له: يا دكتور لقد استغرقت في حالة المسألة الأولى أربعة أيام وحللتها في أربع أوراق، تعجب الدكتور وقال للطالب: ولكني لم أعطكم أي واجب!! والمسألتان اللتان كتبتهما على السبورة هي أمثلة كتبتها للطلاب للمسائل التي عجز العلم عن حلها. إن هذه القناعة السلبية جعلت الكثير من العلماء لا يفكرون حتى في محاولة حل هذه المسألة ولو كان هذا الطالب مستيقظًا وسمع شرح الدكتور لما فكر في حل المسألة. ولكن رب ضارة نافعة وما زالت هذا المسألة بورقاتها الأربع معروضة في تلك الجامعة. إنها القناعة السلبية هي التي تمنع الشخص من المحاولة والتجديد والتفكير من جديد، ويصدق هنا قول الحكيم: «إن الرجال ليسوا أسرى مصائرهم بل أسرى عقولهم». وهذان طياران أمريكيان أسقطت طائرتهما في فيتنام وسجنا في نفس السجن وتعرضا لنفس ظروف الاعتقال غير أن قناعات كل منهما كانت مختلفة تمامًا، فأحدهما اعتبر حياته منتهية ولتجنب المزيد من الألم أقدم على الانتحار، بينما استخلص الثاني من تجربته المزيد من قوة الاقتناع بنفسه وبالإنسان والخالق – عز وجل – وبقدرته على التغلب على كل أنواع الألم أو التحديات. إنها القناعات: القوة الدافعة التي تحدد لنا ما الذي يؤدي إلى الألم وما الذي يؤدي بنا إلى المتعة، وبالتالي كل أفعالنا هي نتيجة لقناعتنا. إذا كنت تريد ابتداع تغيرات طويلة الأجل ومستمرة في سلوكك فعليك أن تغير القناعات التي تشدك إلى الخلف. تذكر قول الله عز وجل: "إِن يَكُن مِّنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ" (الأنفال: 65). وقوله: "وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ" (آل عمران: 139). أفكارك الجديدة مثل قرص الطاولة لن تصمد دون أرجلها، أما القناعة فلها أرجل والأرجل هي تجاربنا من حياتنا التي تدعم الفكرة. وبإمكانك تطوير أفكارك حول أي شيء إذا استطعت العثور على أرجل كافية (تجارب كافية تستند عليها) لكي تبني هذا القناعة. كان عبد الله بن مسعود إذا رأى الشباب يطلبون العلم قال: مرحبًا بكم ينابيع الحكمة ومصابيح الظلمة خلقان الثياب جدد القلوب. حلس البيوت، ريحان كل قبيلة. الرجل الطموح يبدأ بــ: معرفة قناعاته الأساسية. تعزيز قناعته بإضافة مرجعيات جديدة أكثر قوة وأكثر عاطفية. البحث عن حادث يدفعه أو يبتدع مثل هذا الأمر. يبدأ العمل. وأنت لها دون شك,, د. محمد فتحي – خبير التنمية البشرية والتطوير الإداري. |
||||
|
نشرت فى 5 سبتمبر 2011
بواسطة ahmedkordy
أحمد السيد كردي
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
30,877,404