د. محمد الشريم
يستخدم كثير من الآباء والأمهات أسلوب التهديد مع أطفالهم، إما تشجيعاً على أداء أمر مطلوب، أو نهياً عن عملٍ غير مقبول. لا يُعدّ التهديد -في معظم الأحيان- أسلوباً تربوياً ناجحاً؛ لأنه لا يشجع الطفل على الاستجابة لأوامر والديه بطريقة مقبولة ومحببة إلى نفسه، نتيجة لكونه يتبع التعليمات مجبراً، بل إن التهديد قد يساهم في تكريس العناد عند بعض الأطفال صعبي الانقياد، أو عندما تكون دوافعهم النفسية مشجعة على اتباع أساليب لفت الأنظار أو الاستحواذ على الاهتمام، ومنها العناد المدفوع بالتهديدات.
ولذلك فإنه من غير المناسب أن يلجأ الوالدان –والمربون عموماً- إلى التهديد في كل صغيرة وكبيرة. نسمع أحياناً بعض الآباء يردّد تهديدات مثل: "إذا سمعتك ترفع صوتك مرة أخرى فسأكسر رأسك"، وربما نسمع الأم تردّد: "والله لن تذهبي معنا إلى الملاهي إذا لم تأكلي طعامك". كما أن بعض الآباء أو الأمهات قد يطلبون من طفلهم ذي السنتين ألاّ يسكب العصير على ملابسه وهو يشرب من كأس مفتوح، عندها لا يناسب أن يُقال له: "إن سكبت العصير مرة أخرى فلن تخرج للحديقة" .
ويزداد الأمر سوءاً عندما تكون التهديدات مصحوبة بصراخ أو صوت عال أو نظرات قد تكون مخيفة. فالطفل ينظر إلى والديه على أنهما مصدر الحب والخير والحنان، فإذا بدرت منهما تلك التعبيرات المرعبة فإنه سيُصدم بذلك التغيّر الطارئ عليهما، مما يجعله في النهاية يفتقد الاستقرار النفسي داخل منزله، وهو الأمر الذي قد يزيد بدوره من مشكلة عدم اتباع التعليمات، وقد يتطور -إذا ازداد هذا الشعور- إلى مشكلات أكبر.
يجب أن يكون اللجوء للتهديد أمراً مخططاً له حتى يؤتي ثماره بشكل إيجابي للوالدين وللطفل نفسه؛ ولذلك فإنه من الضروري أن يقوم الوالدان بدورهما التربوي ابتداء قبل أن يتوقعا من طفلهما اتباع تعليماتهما أو التصرف بالشكل المقبول أمام الآخرين. ولكي تزيد فرص تعاون الطفل مع والديه ينبغي عليهما فعل ما يلي:
تعليم الطفل أولاً بدرجة كافية يتأكدان معها أنه فهم ماذا يريدان منه بشكل واضح: إذ ليس من المعقول أن يطلب أب من طفله ذي السنوات الأربع أن يكتم سراً عن الأطفال الآخرين؛ فالطفل اجتماعي، ويعبر عما يجول بخاطره بكل براءة، ولذلك فإنه يحاول أن يجذب انتباه الآخرين بأن يخبرهم عن أشياء مثيرة رآها أو سمعها، وهذا ما قد يكون سبباً في غضب والديه عليه.
التأكد من أن الطفل قادر على اتباع ذلك السلوك بشكل معقول: فلكل عمر قدرات تتناسب مع مستوى النمو العقلي والبدني والحركي والانضباطي. ولذلك فإنه ليس من المتوقع أن تستجيب طفلة عمرها ثلاث سنوات لطلب أمها بألاّ تأخذ من الحلوى التي تقدمها مضيفتها مع القهوة.
إعطاؤه فرصاً لتعديل سلوكه: فعندما يرتكب الطفل خطأ غير مقصود فمن المناسب أن يشرح له الوالدان أن هذا الأمر خطأ، فعندما يضرب الطفل أخاه الأصغر نطلب منه الاعتذار وتقبيل أخيه أو احتضانه.
التأكد من عدم وجود دوافع قوية تقوده نحو هذا السلوك: لدى الأطفال طاقة عالية، ولابد من تفريغها بشكل مناسب، وإلاّ فإنه فقد يفرغ تلك الطاقة بشكل سلبي، مثل استفزاز الطفل الأصغر لأخيه أثناء حل الواجب المدرسي. فإبعاد الصغير أو إلهاؤه بأمور أخرى كفيل بإنهاء المشكلة.
بديل التهديد
ترى كثير من الدراسات السلوكية أن كثرة التهديدات التي يوجّهها الوالدان لطفلهما أو المربون عموماً تجعله أقلّ تعاوناً، وربما ترسّخ العناد في نفسه، أو تعزّزه بدرجة تجعل التفاهم معه أمراً أكثر صعوبة. كما أن كثرة التهديدات تجعل الطفل لا يشعر بالأمان، وأنه معرض لخطر الحرمان أو العقاب كلما فعل أمراً لا يرضي والديه. هذه المشاعر تجعل الطفل في النهاية ينظر لنفسه نظرة سلبية تحرمه من الشعور بأنه محبوب من قبل والديه، أو أنه طفل طبيعي مثل الآخرين الذين يعيشون طفولتهم في جوّ من الألفة والمحبة داخل أسرهم.
ولكن عدم اللجوء للتهديد لا يعني ترك الحبل على الغارب للطفل؛ فمن المهم أن يعلم الطفل أن السلوك الخاطئ مرفوض تماماً. فعندما يعرف الطفل ذلك فإنه ربما يحاول كسر تلك القاعدة باختبار والديه ومعرفة ردة الفعل التي سيبديانها عندما يخالف أوامرهما. فما هو الحل عندها؟! أهو اللجوء للتهديد أم إيقاع العقوبة مباشرة!
الحل الأفضل هنا لا يكمن في أي من هذين الأسلوبين، مع أنهما الأكثر شيوعاً عند الآباء والأمهات، بل في تعليم الطفل أن هناك تبعات للسلوك الحسن وعواقب للسلوك السيئ على حد سواء. فيمكن أن يُقال للطفل في غير وقت ارتكاب الخطأ أن الاعتداء على الآخرين لفظياً أو بدنياً غير مقبول، ولذلك فإن من يفعل ذلك سيُنبّه في المرة الأولى، وفي المرة الثانية سيُطلب منه البقاء في غرفته مدة نصف ساعة، وبعد الاعتذار يمكنه العودة، وإذا تكرر الأمر مرة ثالثة فستكون نتيجته الحرمان من مشاهدة التلفاز يوماً كاملاً -على سبيل المثال- أو الحرمان من مرافقة إخوته في المرة القادمة التي يذهبون فيها إلى الملاهي.
من المهم أيضاً، حتى نعزز السلوك الإيجابي عند الطفل، أن ننفذ ما نقول؛ فعندما نخبره بأن السلوك الفلاني ستكون نتيجته كذا، فلا بد أن يرى الطفل النتيجة، ويعيشها بالفعل حتى تردعه في المرات القادمة عن تكرار الخطأ، ويعرف أن الأمر ليس مجرد صراخ في الهواء يزول أثره بمجرّد هدوء أعصابنا وننساه، ولا أن تغلبنا عواطفنا فنسامحه عندما يعتذر أو نرى دموعه تنسكب على خديه. ولكننا في الوقت نفسه ينبغي ألاّ نظهر للطفل أننا نعامله بشكل يختلف عن طريقة تعاملنا مع بقية إخوته، إلاّ في هذا الأمر الذي استحق أن يُعاقب عليه. ومن المفيد عندما يهدأ الطفل أيضاً أن يبين أحد الوالدين- ويُفضّل أن يكون الآخر الذي لم يفرض العقوبة- للطفل أن السلوك الذي بدر منه غير مقبول، وأنه يجب عليه الاعتذار من ذلك السلوك أمام كل من تأثر به.