مروة حمزة
تُعاني بعض الأُسر من مشكلات الابن الوحيد بين البنات، ورغم أن الآباء يدركون مضار تدليل البنين، إلا أنهم يميلون في أغلب الأحيان لتمييزِه عن أخواته البنات اعتزازًا منهم بأنه "الولد"، وفي مجتمعاتنا الشرقية خاصة تفضل الذكور عن الإناث، إحساسًا منهم بأنه الابن الوحيد لذا فهو بحاجة إلى مساعدتهم ومساندتهم طول الوقت.
ولهذا نجد الابن الوحيد وسط أخواته البنات يحظى بالتمييز ويشعر باهتمام كبير من الأم والأب وسائر مَن حوله، ولهذا الوضع في التربية جوانب قد يأخذ منحًى إيجابيًّا أو منحًى سلبيًّا.
اللعب مع البنات
"ابني ميَّال للعب مع البنات"، هكذا بدأت "أم مصطفى" كلامها عن ابنها الوحيد على أخواته البنات وقالت: "ابني عمره 9 سنوات، وهو على ثلاث بنات، وألاحظ دائمًا أنه يميل إلى الفتيات أكثر من ميله إلى الأولاد، وإذا وجد مجموعة فيها أولاد وبنات يفضل اللعب مع البنات، وأنا وزوجي نشعر بأنها مشكلة حقيقية أنه غير مندمج مع أقرانه الأولاد ويشتكي دائمًا بأنه لا يحب اللعب مع الأولاد لأنهم يتعاملون معه بعنف بعكس البنات".
وبنفس الضيق تحدثت "أم رامي" وقالت: "ابني رامي عمره 11 عامًا, وقد جاء بعد ولادتي لأربع بنات، ولهذا كنا في غاية الفرحة به ولكن أشعر بأنه دائمًا يريد المزيد، ولا يكتفي مثل أخواته البنات، ودائمًا يذكرني بأنه الابن الوحيد وأنه يجب أن يحصل على كل شيء يطلبه، وكنت أستجيب له حتى أصبح الأمر فوق طاقتي، ووالده للأسف يشجعه على ذلك بأن طلباته كلها أوامر وكل أخواته البنات في خدمته، ولا يصح لواحدة فيهن أن تعارضه أو توبخَه على تصرف قام به، ولا أعرف ماذا أفعل، رغم أني تحدثت مع زوجي كثيرًا في أنه أصبح ولدًا مدللًا وسنفقد السيطرة عليه فيما بعد، إلا أنه يفاجئني بقوله أنه ابننا الوحيد، ولا بد أن نوفر له كل ما يحتاجه حتى لا يشعر بأنه أقل من أحد". أما "أم كريم" فتقول عن تجربتها مع ابنها الوحيد على أختيه: "بالعكس أنا لم أعانِ من مشكلة أنه الابن الوحيد، مع أنه يبلغ من العمر 15 عامًا، لأني اعتدت أنا ووالده أن نحمله مسئولية أنه الابن الوحيد المسئول عن أخواته البنات والقادر على حمايتهم ورعايتهم، ولهذا دائمًا ما نشعره بالثقة في نفسه وفي كونه رجلًا لا يتصرف تصرفات غير مسئولة، وهو يستجيب لنا, ولهذا والحمد لله أصبح متفوقًا في دراسته, وكل من يعرفه يحمد في أخلاقه".
مشكلات الولد الوحيد
وتحدثت د. ناهد حلمي، أستاذة علم النفس بكلية الآداب جامعة القاهرة، عن مشكلات الولد الوحيد بين أخواته البنات، بقولها: "إنه لا يكسب الأصدقاء الذكور بسهولة، أو أنه لا يستطيع الاحتفاظ بصداقاته مع أقرانه بنفس احتفاظه بصداقاته مع البنات، ولهذا يخسر أقرانه الذكور بسهولة، كما أنه يكون أكثر حساسية مع أصدقائه، هذا من ناحية تفضيله للصداقات مع البنات عن الأولاد، أما من ناحية أخرى فإن الولد الوحيد على بنات دائمًا يحب أن يشعر بأنه المميز بين أخواته، وبالتالي يحب أن يشعر بنفس الشعور بين أقرانه بأنه المميز بينهم لأنه الابن الوحيد الذي لا يرفض له طلب، ولذلك يكون شديد الحساسية لو شعر بأن هناك اهتمامًا بأحد الأشخاص من دونه".
"ديك البرابر"
وترى أ.د راجية أبو حسين، أستاذ علم الاجتماع وباحثة في المركز القومي للبحوث، أن وضع الوحيد وسط أخواته البنات يعطي تميزًا للولد في تربيته، خاصة أنه يشعر باهتمام كبير من الأم ومن سائر من حوله، وهذا الاهتمام الزائد يجعله فخورًا بنفسه وفرحًا بذاته لمجرد أنه الابن الوحيد، وقد يأخذ هذا الوضع منحًى سلبيًّا فينشأ مدللًا مرفهًا، وقد يأخذ منحًى إيجابيًّا حيث يعطي لصاحبه رغبة في الحفاظ على صورة ذاته المميزة في بقية مراحل عمره فيسعى إلى الإنجاز والتميز لكي يظل محتفظًا بالحفاوة والترحيب، ويضع ذاته التي يحبها في الوضع المناسب، وهذا ربما نسميه نوعًا من "النرجسية الإيجابية"، وهي شعور عالٍ بالذات مع سعي حقيقي لوضعها في أفضل المراتب من خلال إنجاز أصيل يعلي من قيمة هذه الذات واحترامها وتقديرها، وهذا الشعور العالي بالذات نجده في أغلب الناجحين والمتألقين، وربما يكون هذا الشعور أحد أو أهم دوافعهم للتميز والتفوق، فهم لا يحتملون أن يكونوا في غمار الناس، بل يسعون دائمًا للإنجاز والتألق والتفوق، وهذا بالطبع يختلف عن حالة "النرجسية الفارغة" التي لا تقوم على إنجازات حقيقية أصيلة وإنما تقوم على وهم في عقل صاحبها بالتفرد وعلوّ القيمة".
كيفية تعامل الآباء مع الابن الوحيد
وحول كيفية تعامل الآباء مع الابن الوحيد، تقول أ.د راجية: "هنا تقع المسئولية التربوية على الآباء، بحيث عليهم أن يهيِّئوا لابنهم الوحيد فرصة الاحتكاك مع أقرانه الذكور من خلال اشتراكه في النشاطات الاجتماعية والرياضية في النادي مثلًا أو المدرسة أو المراكز الرياضية الخاصة بحيث يتعلم كيف يتعامل مع أقرانه الذكور".
وتضيف أ.د راجية: وأذكّر الآباء بأن تميز ابنهم الوحيد عن أخواته البنات أمر شديد الخطورة على نفسية أخواته البنات، وأيضًا أمرٌ يضرّ بمصلحة الولد نفسه لأنه سيشعر طول الوقت بأنه "سي السيد" يطلب ليُجاب ويأمر ليُطاع، وهذا إحساس خطير وله عواقب وخيمة في الكبر، وتدليل الأم لابنها الوحيد لا بدَّ أن يكون بحساب، وليس طول الوقت، فعليها أن تتذكر أن الابن المدلل مشكلة كبيرة تصبّ أعراضها السلبية على الأسرة والمجتمع، فعليها أن تشعرَه بالمسئولية وأن تحفزَه دائمًا للارتقاء بذاته والاهتمام بدروسه من أجل أن يصبح شخصًا فعالًا ومؤثرًا في المجتمع على النحو الأفضل، وبأن يكون وجهةً مميزة لأخواته البنات يشرفهن لا أن يتعالى عليهن لمجرد انه الابن الوحيد". ونصحت أ.د راجية كل الآباء والأمهات "بضرورة أن تشعر ابنها الوحيد بأن أخواته البنات لهن حق في كل شيء من رعايتهن ماديًّا ومعنويًّا مثله تمامًا بدون تمييز، وبأنه لو أراد أن يتميز فبأخلاقه وقدراته وليس لكونه الولد الوحيد، وهذا سيكون حجر الزاوية في تكوين العلاقات الطيبة بينه وبين أخواته البنات".
"قوا أنفسكم وأهليكم نارًا وقودها الناس والحجارة"
"ما هو دور الأهل في مجال التربية الروحية الدينية للأبناء؟" توجهنا بهذا السؤال للأستاذ الدكتور "صبري عبد الرءوف" أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، والذي أجابنا بقوله: "إن التربية الدينية للأبناء هي المرجعية الأساسية في التأثير على سلوكيات الأفراد، والفرق كبير وواضح بين الأُسر المتدينة التي نجد هذا الأمر ينعكس على أبنائهم وبين الأسر التي لا تعير الجانب الديني سوى أقل القليل من الاهتمام، ولذلك نشير في موضوع "أخو البنات" أن لو الأسرة متدينة فهذا الأمر سينعكس على الابن في رعايته لأخواته وحفاظه عليهن، لا أن يحب نفسه ويفضل ذاته على أخواته البنات لكونه الابن الوحيد الذي يجب أن يكون مميزًا ومدللًا".
وأضاف الدكتور صبري أن "التربية الدينية للأبناء ليست مجرد الصلاة والصوم وحفظ القرآن ولكن التربية الدينية هي تربية الجانب الروحي للأبناء وكيفية التعامل مع أفراد أسرتهم، وبالتالي مع أقرانهم ومجتمعهم ككل". "فعلى الآباء أن يوفروا لأولادهم مجالًا تثقيفيًّا وترفيهيًّا في نفس الوقت، وأن يتعاملوا مع أبنائهم بدون تمييز شخصٍ عن الآخر، فلو كان الابن الوحيد بين أخواته البنات فعليهم أن يقصّوا عليه قصصًا فيها أبناء وحيدون مثله استطاعوا أن يصبحوا نابغين, مثل العالم الدكتور أحمد زويل، فهو الابن الوحيد على ثلاث بنات ورغم ذلك لم يكن مدللًا أو غير مسئول، بدليل أنه أصبح عالمًا وحمل راية العلم فوق كتفه حتى وصل إلى أرقى وأعلى المراتب، وعليهم أن يقصوا على الابن قصص أبناءٍ فلت زمامُهم بسبب التدليل لكونهم الوحيدين وعليهم أن يختاروا بين هذا وذاك". "وعلى الآباء أيضًا أن يتذكروا الآية الكريمة في سورة التحريم: بسم الله الرحمن الرحيم: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ)". وختم حديثه بذكر طرق الوقاية من الوقوع في تلك الأخطاء بأن "الوقاية تكون بالأعمال الصالحة وتربية الأبناء على أسس دينية وأخلاقية سليمة هي من الأعمال الصالحة بامتثال أمر الله وأمر رسوله صلوات الله عليه واجتناب ما نهى عنه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولأن تربية الأبناء ليست بالأمر الهيّن، بل هي مسئولية كبيرة، وعليهم أن يتقوا الله في أبنائهم كي يقوا أنفسهم النار، فعليهم أن يتفهموا طبيعة أبنائهم ويكسبون ثقتهم ليصلوا بهم إلى برّ الأمان".