عاصم السيد
على الرغم من السهولة النسبية التي وفرتها الأجهزة الكهربائية والإليكترونية، والتي جعلت الأعباء المنزلية خفيفة قدر الإمكان على الزوجة، إلاّ أن الزوجة ما زالت تئنّ بالشكوى من كثرة الأعباء.
لكن، وفي الاتجاه المقابل، فإن الزوج المعاصر يرى أنه مظلوم أكثر من الزوجة في الأعباء والمسؤوليات.
* يقول وجدي عبد اللطيف –مهندس-: زوجتي منتقبة، وهي لا تخرج من المنزل إلاّ لضرورة، ولا تذهب إلى الأسواق، وأنا الذي أحضر حاجيات الأسرة ومتطلباتها من السوق، كما أقوم بتوصيل الأبناء إلى مدارسهم والعودة بهم بعد انتهاء اليوم الدراسي، ثم أذهب إلى العمل مرة أخرى، وأعود لأتابع مذاكرة الأبناء.
أشعر بأن العبء كبير على عاتقي، ولكن هذا كله يهون أمام غلاء الأسعار والوفاء بحاجات الأسرة المادية، خاصة إذا كان الإنسان يطمح في السكنى في وسط محترم، ويحرص على أن يتعلم أبناؤه في مدارس محترمة.
وتكون المشكلة قاسية حينما يحتاج بعض الأبناء أو كلهم دروسًا خصوصية بأسعار فوق طاقة ميزانية الأسرة.
* سالم محب -أخصائي اجتماعي- يقول: إنني أعمل في اليوم (15) ساعة، فأنهي العمل في المدرسة، ثم أتوجه للعمل في القطاع الخاص، ولا أعود للمنزل إلاّ متأخرًا يوميًا، من أجل توفير متطلبات الأسرة، وزوجتي متعاونة معي، وهي تقوم بأعباء المنزل على خير وجه، ولكنها مسرفة، وهذا يسبب لي مشكلات كثيرة. فالضغط الرئيس الذي أتعرض له هو ضغط مادي.
المشاركة في أعمال المنزل
* أما رءوف سليم -موظف بأحد المصانع الخاصة- فيقول: زوجتي موظفة وتعود من العمل مرهقة، وتريدني أن أشارك في أعمال المنزل، وأن أساعدها في أعمال المطبخ، وهي تصر على ذلك، وتحزن إذا لم أفعل. وهي تعايرني بأنها تعمل مثلي، وتساهم في مصروف المنزل مثلي، وهذا الموضوع يؤلمني، وكثيرًا ما أدى إلى وقوع خلافات بيننا.
* ويعرض إبراهيم الوحش -بائع في محل أقمشة- لتجربته الخاصة فيقول: في بداية الزواج كانت لدي ميول منزلية، فكنت أحب الوقوف في المطبخ وتجهيز الطعام بنفسي، وأحيانًا كنت أغسل الملابس وأنشرها، وأنظف الشقة، تعاونًا مع زوجتي.
وهي في البداية كانت تسر لذلك، ولكنها رويدًا رويدًا أصبحت لا تراه تفضلاً مني بل واجباً عليّ، وأصبحت تطلب مني أن أقوم بهذا الواجب لو لم أقم به. وكثيرًا ما كانت غير مشغولة، وتطلب مني ذلك. فرسمت خطة الخلاص، وهي الانسحاب التدريجي وليس مرة واحدة. ففي البداية أقلعت عن دخول المطبخ، وظللت أغسل الملابس وأنشرها وأنظف الشقة، وبعد شهور امتنعت عن تنظيف الشقة، ولم أعد أعمل إلاّ نشر الملابس، وأخذت أتباطأ في هذا الأمر مع الوقت حتى امتنعت عنه تمامًا.
والآن صار لي أكثر من عامين لا أفعل أي شيء في المنزل، وزوجتي هي التي تفعل كل شيء، وأنا سعيد بذلك، وأرى أن هذه الأعباء هي واجب الزوجة.
زيادة حالات الطلاق
في دراسة علمية للمركز القومي للبحوث الاجتماعية في مصر أكدت أن الأعمال المنزلية وراء انتشار الخلافات بين الأزواج، ووقوع الطلاق خلال الفترة الأخيرة. وأشارت الدراسة إلى أن العداوة الصامتة التي تقع بين الأزواج تكون بسبب رفض الزوج مشاركة زوجته في الأعمال المنزلية، ومنها إعداد الطعام بالمطبخ وتنظيف المنزل، كما أن رفض الأزواج الاستجابة لمساعدة زوجاتهم يعرض الحياة والعلاقة الزوجية للخطر، وقد يكون السبب في نهاية الزواج.
وطالبت الدراسة الزوجات بالقيام بتدريب أزواجهن على جميع الأعمال المنزلية من طبخ ونظافة، بالإضافة إلى ضرورة فهم الأزواج للأعباء الكثيرة التي تواجه المرأة في المنزل.
ثلاثة أنواع
تقول د. هناء الطوخي -أستاذة الخدمة الاجتماعية-: إن الأزواج ينقسمون إلى ثلاثة أنواع:
النوع الأول: هو الزوج المتطفل الذي بمجرد دخوله إلى المنزل يتجه إلى المطبخ؛ ليملي شروطه، ويتدخل في كل صغيرة وكبيرة، ويكتفي بالأوامر والإرشادات، ولا يعجبه بأي حال من الأحوال ما تقوم به الزوجة.
أما النوع الثاني من الأزواج: فهو الرجل المحب للطعام الذي يحب دخول المطبخ للطهي، ويدّعي أنه "طبّاخ ماهر" وهو ليس كذلك، وهو دائم الانتقاد لما تقوم به الزوجة من مهام.
أما النوع الثالث وهو الأكثر شيوعًا: فهو الزوج الأناني الذي يعتقد أن مساعدة الزوجة في الأعمال المنزلية ينتقص من رجولته.. لذلك قد نرى أن هذا النوع من الأزواج ينتظرون من زوجاتهم "تلميع الحذاء" قبل خروجه للعمل، أو كي ملابسه
ولا يوجد رجل يساعد زوجته في أعمال البيت إلاّ إذا كان الزواج قد تم بينهما عن تفاهم وحب، وهو بذلك يقوم بهذه الأعمال بإرادته الكاملة، وبالأعمال التي تتناسب معه، كإصلاح الأجهزة المعطلة، وتجهيز المشروبات في بعض الوقت، أو كي الملابس، وغيرها مما يمكن أن يقوم به، وفي بعض الأحيان لا مانع من أن يتبادل الزوج رعاية الطفل مع زوجته.
الحياة الحديثة معقدة
ويرى د. هشام ذهني -الباحث في العلوم الاجتماعية- أن أكبر الهموم التي يعاني منها الزوج المعاصر هي الوفاء بالمتطلبات المادية للأسرة، في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية لكثير من مجتمعاتنا، وانتشار البطالة في هذه المجتمعات.
وكثير من الأزواج يلجؤون إلى الأعمال غير المشروعة كالاختلاس للوفاء بمطالب الزوجة، خاصة لو كانت هذه الزوجة ممن لا تعذر زوجها، ولا تتفهم أوضاعه وظروفه، وإنما تقارن بين حالة أسرتها وحالة أسر الأقارب والمعارف والأصدقاء.
وكثير من الأزواج يصبح همهم الأول هو مدى تفهم الزوجة وتعاونها وعدم ضغطها عليه للحصول على المال بأي شكل.
الهم الثقافي أكبر
بينما يرى د. عبد الرازق عثمان -أستاذ التربية- أن الأمور المادية هامة جدًا، وتثقل عاتق أي زوج معاصر، ولكن لا ينبغي أن نغفل الجوانب التربوية.
فالزوج الملتزم المثقف يشعر أن أولاده محاصرون في الشارع والمدرسة ووسائل الإعلام؛ فهم لا يتلقون المثل والأخلاق المطلوبة في هذه الأماكن، وبالتالي فإن هذا الزوج يدخل في صراع شديد، وألم نفسي رهيب من أجل أن يحل هذه المعضلة؛
فهو يحاول أن يشرف بنفسه، ويتأكد من تربية ضمير الابن، ويصلح ما أفسده المدرس والصديق والتلفاز. وهو يحاول أن يوجه الأبناء نحو قراءات معينة، ويراقب مشاهدتهم للتلفاز والإنترنت. وهو يشعر بالخطر المحدق من الفيديو وقنوات الأغاني والفيديو كليب والقنوات الإباحية.
والزوج إذا كان مثقفًا يكون همه أكبر، فلو تأكد من الضمير الأخلاقي لدى الأبناء، فهو يريد أن يتأكد من أن المستوى الثقافي ليس ضحلاً، ويريد أن يغرس في الأبناء حب القراءة، واختيار نوعية الكتاب.
وهناك مستوى آخر يواجه هذا الزوج المعاصر المسكين وهو تطوير نمط تفكير الأبناء، حتى يتجنبوا الاستسلام لأنماط الثقافة الراكدة، وأن يتبنوا نمط الثقافة الراشدة العميقة المنفتحة الهادئة، وفي نفس الوقت يتجنبوا ثقافة التطرف وعدم التسامح.