بشار دراغمة
كرب وهم، حيرة وتخبّط، البحث عن الحل دون نتيجة، زوج يحاول إنهاء خلاف دون جدوى، وزوجة لم تترك وسيلة إلاّ اتّبعتها من أجل إرضاء زوجها، وحسم خلاف بات يتكرر بشكل شبه يومي. كلها صور بتنا نشهدها بشكل متكرر في مجتمعنا العربي. وفي هذا السياق تفتح شبكة (الإسلام اليوم) الباب واسعاً من أجل تقديم أفضل الحلول في هذا المجال، والتعرّف على أفضل الطرق لإنهاء الخلافات الزوجية، بعد الاطّلاع على مسببات هذه الخلافات ودواعي حدوثها.
لماذا الخلافات الزوجيّة
سألت أحدهم: "لماذا أنت على خلاف مع زوجتك؟" فأجاب: "من كثرة الأسباب!! لم أعد أتذكر لماذا اختلفنا أمس، ولماذا اختلفنا أمس الأول، واليوم الذي سبقه".
أمل متزوجة منذ ثلاث سنوات سألتها: "هل تختلفين مع زوجك؟" قالت: "هذا أمر طبيعي وسنة الحياة"، تتوقف قليلاً ثم تتابع: "لكن لاحظت أن خلافاتنا زادت حِدّتها في الفترة الأخيرة. أعتقد أن هناك أموراً كثيرة خطأ يجب إصلاحها لكن.. ما الحل؟".
يتساءل الكثير عن تلك الأسباب التي تؤدي إلى نشوب الخلافات الزوجية بين الزوج وزوجته، وفي أحيان كثيرة هناك من يلقون اللوم على الزوجة بأنها السبب الرئيس لهذا الخلاف. وهنا تستطلع شبكة (الإسلام اليوم) آراء عدد من الأزواج حول السبب في هذه الخلافات.
مجدي عامر (35 عاماً) يعتبر أن السبب الرئيس لخلافه مع زوجته في كثير من الأحيان يعود إلى اختلاف المستوى التعليمي بين الاثنين ويقول: "أنا أنهيت درجة جامعية عليا، وزوجتي لم تنه المرحلة الأساسية بالمدرسة، وبالتالي فإنني ألحظ أن هناك اختلافاً كبيراً في المستوى الثقافي بيننا". ويضيف قائلاً: "أحاول دائماً أن أرشدها إلى الطريق الصواب، لكنني ألحظ أنها لا تتقبل مني النصيحة، وأعتقد أنها ترفض ذلك؛ لأنني أعلى ثقافة منها، وترى أنني أحاول فرض رأيي عليها لهذا السبب".
أما عصام فيعتبر أن السبب الرئيس في الخلافات التي تنشب مع زوجته يعود إلى اختلاف البيئة بين الاثنين، موضحاً أنه عاش طيلة فترة حياته في قرية صغيرة، وتزوج فتاة من مدينة بعيدة عن قريته يقول: "فوجئت أن الكثير من الأمور تختلف بين أهل المدن والقرى، هناك عادات لا نقبل بها، لكنها بالنسبة لهم شيء طبيعي. هذا الأمر يسبب خلافات دائماً مع زوجتي".
بينما يرى سعيد أن السبب الرئيس لخلافه الدائم مع زوجته يعود إلى رفض زوجته له عندما تقدم لخطبتها. إلا أن أهلها أجبروها على الزواج منه بحكم علاقة القرابة بين الاثنين. ولم يخفِ سعيد أنه بات يتعامل مع زوجته بقسوة بسبب رفضها له مضيفاً: "لاحظت أنها كانت ترفض ما أطلبه منها فاضطرني الأمر إلى معاملتها بقسوة، وباتت الخلافات بيننا مستمرة بشكل دائم ومن كثرتها لم أعد أبحث عن حل لها وهي أيضاً كذلك".
سهام تؤكد أن الخلاف الأساس مع زوجها ينشب بسبب عصبيته الزائدة عن حدّها على حد قولها وتضيف: "عندما يطلب مني أن أعدّ له فنجان قهوة فإنه يثير مشكلة كبيرة إذا تأخرت دقيقة واحدة في إعدادها، هو لا شك يحبني كثيراً لكن عصبيته تجعلني على خلاف متواصل معه".
أما سلام فإنها تختلف مع زوجها لسهره لأوقات متأخرة خارج المنزل. بينما أماني تختلف مع زوجها لأن زوجها متقلب المزاج، ويتغير حاله بسرعة. و وِداد ترى أن العامل الأهم في خلافاتها مع زوجها هو تدخُّل والدته في شؤونها الخاصة.
الأسباب التي تؤدي إلى الخلافات الزوجية لا يمكن حصرها، وما تقدم هي نماذج بسيطة وتجارب لأشخاص محددين اختلفوا مع أزواجهم وزوجاتهم.
كيف نحل الخلافات
الخبير الاجتماعي والمتخصص في القضايا الأسرية الأستاذ مهيب فلاح يرى أن الاعتماد الأساسي على حل الخلافات الزوجية هو لغة الحوار. مؤكداً على أهمية وجود مثل هذه اللغة لكي يكون الانطلاق نحو حل الخلافات على أسس سليمة. أما القضية الأخرى التي تحدّث عنها فلاح فهي استعداد الطرفين لتحمل مسؤولياتهم من أجل القضاء على الخلافات بشكل نهائي أو على الأقل تقليصها إلى أعلى حد ممكن.
ويرسم فلاح مخططاً محدداً من أجل إنهاء هذه الخلافات مبيناً أن العامل الأساس الأول في هذا المجال هو الرغبة الجادة في إنهاء الخلاف ومنع حدوثه مرة أخرى. ويقول: "الرغبة هي القاعدة للانطلاق، ويأتي بعد ذلك أمر هام جداً وهو الحديث مع النفس؛ إذ يكون الزوج والزوجة كل أمام مسؤوليته، ويطرح الزوج سؤالاً على نفسه: "هل أخطأت بحق زوجتي؟" وتطرح هي ذات السؤال، وهنا قطعاً سيتبين مَن المخطئ؛ لأن مَن ارتكب خطأً لا يمكن أن ينكره مع نفسه، على الرغم من أنه قد ينكره أمام الغير، مع الإشارة إلى أنه قد يكون الخطأ ناجماً من الاثنين، وليس من شخص واحد".
وبعد ذلك يؤكد الخبير الاجتماعي على ضرورة اتخاذ كلا الزوجين أو على الأقل المخطئ منهما موقفاً حازماً بتجنّب السبب الذي أدّى إلى الخلاف، وبالتالي منع حدوث هذه الخلافات مرة أخرى.
ويرى فلاح أن الاعتذار لا يعيب الرجل إذا كان مخطئاً، واعتذر لزوجته، وكذلك الحال بالنسبة للزوجة. مؤكداً على أهمية التركيز على نقطة هامة جداً وهو المصارحة بين الاثنين بحيث يجلس الزوجان إلى بعضهما ويتحدثان عن كل شيء ممكن أن يسبب خلافاً. وبالتالي يتعرف الاثنان على الأمور التي تغضب الطرف الآخر. وعلى سبيل المثال كما يقول فلاح :"إذا كان الزوج عصبياً جدا فإن عليه أن يخبر زوجته بذلك، ومن هنا يتم البدء بحل هذه القضية من خلال أمرين:
الأول: هو أن الزوجة تكون على علم بأن زوجها عصبي المزاج، وبالتالي تهيئ نفسها لمثل هذا الأمر، وتحاول أن تتجنّب ما يسبب ذلك.
أما الأمر الثاني: فهو أن الزوجة تكون قد عرفت السبب الذي يؤدي للخلاف مع زوجها، وبالتالي تكرس طاقتها لنزع هذه الصفة منه كونها صفة سلبية، وهناك أمر آخر يجب مراعاته وهو أن الزوج عليه أن يساعد نفسه على التخلص من هذه العادة السيئة، وهي العصبية، واضعاً نصب عينه هدفاً رئيساً وهو أنه لا يريد خلافاً مع زوجته".
وحول الخلافات التي تنشب بين الزوجين على أساس الفارق في المستوى التعليمي يقول فلاح: "الأساس في الأمر المساواة، يعني أن يختار الرجل شريكة حياته، ويحاول جاهداً أن تكون من مستواه الثقافي، لكن في حال حدوث الزواج ووقوع مشاكل لهذا السبب فإن الحل يكون بالحوار أولاً، وعلى كل منهما أن يتقبل الآخر. وإذا كان الزوج ذا مستوى تعليمي عال، والزوجة تعليمها متدنٍّ فعليه ألاّ يشعرها بهذا الفرق، وألاّ يكثر الحديث حول تعليمه وسنوات دراسته في الجامعات، وكذلك على الزوجة ألاّ تشعر بالغيرة من هذا الأمر، بل تشعر زوجها أنها فخورة بتعليمه، وتبدي دوماً فرحها بذلك أمامه".
ويشدّد فلاح على أهمية عدم تدخل الأهل والأقارب في أي مشكلة تحدث بين الزوجين إلاّ إذا اقتضت الضرورة ذلك، ويقول: "يجب أن يدرك الزوجان أنه لا يوجد هناك من يحل لهما خلافاتهما، وعليهما إنهاء أي مشكلة بنفسيهما".
ويوضح الخبير في شؤون الأسرى أن هناك أهمية بالغة وهي بأن يدرك الزوجان أن لديهما أطفالاً، وأن أي خلاف بينهما سينعكس سلباً على حياة أطفالهما من عدة نواح، ويضيف: "مثلاً بعض الخلافات الزوجية تسبب حالة من القلق والتوتر الدائم لدى الأطفال. وفي حالات أخرى يصبح هناك مشكلة في النطق والكلام لديهم وبطء في المشي، وما إلى ذلك من مشاكل صحية لا يمكن حصرها، وبالتالي من الأهمية أن يدرك الزوجان مصلحة أطفالهما".