تحقيق: عواطف عبد الحميد

- التغريب والموروثات الاجتماعية والإعلام وراء تشويه سمعة تعدد الزوجات


هل يمثل تعدد الزوجات مشكلة، أم هو حل للمشكلات الأسرية والاجتماعية؟ هل تكفي زوجة واحدة ؟ .. أم أن التعدد مطروح كحل يجب اللجوء إليه فقط عند الضرورة ؟ لماذا تثار هذه القضية كثيراً في الفترة الأخيرة؟ هل بسبب المشكلات التي يواجهها المجتمع العربي: العنوسة وارتفاع سن الزواج، أم أنها رخصة وأمر مباح يستغله الرجال على حساب النساء؟.
الأرقام الإحصائية تشير إلى أن ظاهرة الزواج المتعدد ليست واسعة الانتشار في البلدان العربية، وطبقاً للإحصائيات المتاحة فإن النسبة في مصر هي 4% من حالات الزواج، وتزيد قليلاً لتصل إلى حوالي 5% في سوريا والعراق بينما تصل في دول الخليج إلى نحو 8% ، لكن هذه الأرقام الرسمية لا تعبر عن واقع الحال، حيث توجد نسبة أخرى من الحالات تمثل الزواج غير الرسمي أو غير الموثق الذي يطلق عليه أحياناً "العرفي" أو "السري"؛ لكن الغريب أن تصدر في بلادنا الإسلامية قوانين لمنع وتقيد تعدد الزوجات؛ ففي المغرب يذكر أن الملك الحسن الثاني كان قد أدخل تعديلات مهمة على مدونة الأحوال الشخصية في مطلع التسعينيات، ومن أهم تلك التعديلات: منع زواج الشخص المتزوج إلا بإذن صريح ومكتوب من زوجته، وتوفر وثيقة طبية تثبت سلامة الشخص من أي مرض… وغيرها،
و يتراوح الاتجاه الاجتماعي لتعدد الزوجات في المجتمعات العربية بين التسامح مع الظاهرة وقبولها في دول الخليج إلى القبول الجزئي في أماكن أخرى مثل المجتمع المصري، أو الرفض التام والمنع بموجب قوانين مثل ما يحدث في تونس، ولكن في بلد آخر هو السودان هناك دعوة رسمية وتشجيع لتعدد الزوجات، لكن الغالب أن (وصمةً) ما ارتبطت بالزواج المتعدد، ونظرة عامة اجتماعية لا ترحب بتكرار الزواج وتنظر لمن يفعل ذلك على أنه قام بعمل غير مقبول!.
ولكن ما رأي النساء والرجال في قضية تعدد الزوجات؟ وهل أصبح تعدد الزوجات قضية سيئة السمعة في بلادنا الإسلامية رغم شرعيتها؟ وما السبب في ذلك؟.

نساء ورجال يشجعن التعدد

يقول محمد عبد الكريم –مهندس-: على الرغم أنني لم أفكر بعد في تعدد الزوجات أو الزواج على زوجتي، لكنني أقول إن الزوجة هي المسؤولة عن زواج زوجها بأخرى؛ فالزوجة التي تهمل بيتها وزوجها تستحق أن تعاقب بالزوجة الشريكة ما دام الزوج قد بذل جهده لإصلاحها ونصحها وتوضيح خطئها، وفي الحياة نماذج كثيرة لزوجات مهملات لمتطلبات واحتياجات الزوج يتزوج عليهن أزواجهن؛ فيراجعن أنفسهن ويعترفن بالخطأ بعد فوات الأوان.
ويقول أحمد كمال -مدرس-: أؤيد فكرة الزواج الثاني ولكن إذا مرضت الزوجة الأولي، ولم تعد قادرة على تلبية مطالب زوجها، هنا تكون فكرة تعدد الزوجات أمرًا مشروعًا.
وأما عبد الحليم محمد -صاحب مزرعة-؛ فيقول: أنا متزوج من اثنتين وكنت في الحقيقة غير مقتنع بالفكرة، ولكن زوجتي الأولى اقنعتني لأنها لا تنجب، وأنا احترمها جدًا وأحبها كثيرًا، ولكنني كنت أتمني أن يكون لي طفل، ووجدت بالفعل أن الزواج الثاني هو الحل لمشكلتي، وقد قبلته هي مني، وطلبت أن أبقي عليها في عصمتي ولا أطلقها، وبالفعل هي تعيش في راحة تامة، ويسود التفاهم بين الزوجتين وحتى أطفالي من الزوجة الثانية ينادونها بأمي، لأنها تعاملهم معاملة الأم.
وإضافة إلي آراء الرجال؛ فهنا بعض النساء أيضاً يؤيدن فكرة تعدد الزوجات؛ فتقول فاطمة صلاح -ربة منزل-: قد تكون الفكرة صعبة على المرأة في بدايتها، لكن لو نظرنا إلى القضية بنظرة أكثر شمولية؛ سنجد أن تعدد الزوجات في الأساس يعتبر رادعًا للمرأة إذا تجاوزت حدودها مع زوجها، وفشلت كل الأساليب والحلول لإصلاحها؛ وبالتالي كما أنه أيضا يحل مشكلة العنوسة التي ازدادت هذه الأيام فالمرأة لا بد لها من زوج يحقق لها الحماية والاستقرار، ويوفر لها الأمان بدلاً من المضي في دروب الانحراف والضياع.
وتقول السيدة ألفت حسين –محامية-: ما دام الرجل قادرًا ماديًّا أن يتزوج من أخرى، وقادر على العدل بين زوجاته؛ فلم نحرم الأخريات من الزواج برجل متزوج ما دام يوفر للزوجتين كافة حقوقهن ولا يظلم أيًّا منهن؟.
وتعدد الزوجات لا يضر المرأة بشيء إذا أسعدت زوجها وحققت له السعادة؛ فليس مهمًّا أن تكون لديه زوجة أو اثنتان، وهذا أفضل لها بدلاً أن يتخذ زوجها خليلة أو صديقة أو يطلقها أو ينحرف أو يصاحب أصدقاء السوء فتعدد الزوجات أسلم للمرأة.
وتقول نوال محمود -وهي زوجة ثانية -: على الرغم من أن تعــدد الزوجـات أمر أقره الشرع؛ إلا أن اعتراف المجتمع به في بلادنا يأتي على استحياء، حيث يتهم الرجل بـ " فراغة العين " وأنه جاحد وناكر لجميل زوجته الأولى التي ربما تذيقه الأمرين محتمية بوضعها كأم أولاده، وبتعاطف الأهل والأقارب فهي المظلومة، مهيضة الجناح، المغلوبة على أمرها.
وعلى جانب الطرف الآخر؛ وهو الزوجة الجديدة نجد نظرة الاتهام توجه لها على اعتبار أنها المسؤولة عن عذاب امرأة مثلها لأنها أخطفت زوجها، وأنها المشجعة والمحرضة الأولى للرجل في الإقدام على تلك الخطوة، ويجب أن تتحمل أي مشكلة أو أزمة بعد زواجها - كنوع من العقاب - لأنها وافقت منذ البداية على الزواج من رجل متزوج.
فهل يستطيع المجتمع حل مشكلة رجل وقع في شرك سوء الاختيار في بداية حياته مع زوجة لم تفهمه أو تلبي احتياجاته، أو ربما تزوجها تحت ضغط الأهل ...إلخ؟ أيهما أشرف للرجل وللزوجة الأولى نفسها: أن يتزوج عليها، أم يخونها؟!.
فمتى يفهم المجتمع أن ما يقره الشرع خير ألف مرة من الوقوع في الخطيئة التي يدفع إليها الرجل دفعاً ثم يعاقبه عليها!.
وتختم السيدة نوال محمود دفاعها بقولها: مع كل ذلك أنا لا أؤيد موضوع التعدد على المطلق، بل لابد أن يكون بدوافع قوية، ولحالات خاصة تحددها ظروف كل من الرجل والزوجة الثانية، وأن يأتي التعدد كحل لمشكلة قائمة بالفعل وليس البحث - ببلاهة - عن مشكلة جديدة.

نساء يعارضن تعدد الزوجات

تقول إيمان سيد -مدرسة-: تعدد الزوجات في أغلب الأحوال لا يحل المشاكل بل يعقدها؛ لأن الزوج يميل إلى الزوجة الجديدة، ويقدم لها كل حبه واهتمامه ويهمل الأخرى ولا يسأل عنها؛ بل يتجاهلها دون أن يفكر في حاجتها إليه وحاجة أطفاله لوجوده ولرعايته لهم.. وتشير إيمان إلى أن الزوج في أغلب الأحوال ينكر الجميل ويجحد مواقف زوجته إزاءه، وأول ما تصاب بمرض معين يقعدها في الفراش فترة معينة يفكر مباشرة في الزواج عليها متعللاً بمرض زوجته دون أن يسعى لعلاجها.
تقول حنان علي -ربة منزل-: لا شك في أن تعدّد الزوجات قد ألحق ظلماً بالمرأة؛ ففي التعدد هوى للرجل، وإن كان ثمة مصلحة لأحد الطرفين في التشريع له، ففيه للرجل مصلحة أكثر مما فيه للمرأة. ولا جدال في ذلك.. فتعدد الزوجات ليس حلاً لمشكلة العنوسة الموجودة داخل المجتمعات العربية الموجودة، فحل المشكلة عن طريق التعدد سينجم عنه مشكلة أكبر وهي الطلاق؛ وذلك لأن الكثير من الزوجات لن تقبل بوجود امرأة أخرى في حياة زوجها!.
فكيف نطالب النساء المتزوجات بفتح بيوتهن على مصراعيها لاستقبال الزوجات المستجدات وهدم الاستقرار؟ هل هذا يعقل؟؟ أنا ضد بناء سعادة بيتي على تعاسة بيت آخر..
أما نادية مصطفى –طالبة- فترى أن زواجها من رجل متزوج له حياته وأسرته أمر صعب على النفس ولا يمكن أن تتقبله، وتقول: إنني بذلك أهدم كل ما بناه هو وأسرته، كذلك لو قبلت الزواج من رجل متزوج، فهذا يعني أن أقبل بزواجه عليّ من امرأة أخرى بعد ذلك، وهو أمر لا أرضاه لنفسي، وبالتالي لا أرضاه لامرأة غيري.
وتقول جيهان مسعود - زوجة أولى تزوج عليها زوجها-: أنا ضد موضوع تعدد الزوجات تماماً، يكفي أنني فقدت الاستقرار في حياتي بعدما تزوج زوجي ولم أعد أجده بجواري.
وتضيف.. زواج الرجل بأكثر من واحدة لا يبرر طلب الطلاق، كما أنني أحب زوجي ولا أستطيع أن أحرم أولادي منه. وبالتالي أحاول التكيف راضية بالأمر الواقع.

رأي الشرع

وحول رأى الشرع في قضية تعدد الزوجات وأبعادها يقول الدكتور طه أبو كريشة -نائب رئيس جامعة الأزهر-: بداية لابد أن نسلم بأن تعدد الزوجات جائز شرعاً كما جاءت الإشارة إلى ذلك في كتاب الله تعالي وسنة رسوله -صلي الله عليه وسلم-، ولكن التعدد بزوجة ثانية أو ثالثة أو رابعة مشروط بشرط عام، هذا الشرط هو التأكد من إقامة تحقيق جميع الحقوق الواجب تحقيقها بالنسبة لكل زوجة من حيث النفقة والسكن والنفقة ومتطلبات الحياة التي تطلب من أي قائم على الزواج، كما يشير إلي ذلك قول النبي -صلي الله عليه وسلم-: " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم" فما يشترط في الزواج الأول يشترط في الثاني والثالث والرابع، والإسلام حينما شرع التعدد إنما كان ذلك لمعالجة بعض المشكلات التي تظهر في مجتمع من المجتمعات، ومنها علي سبيل المثال زيادة عدد الرجال على عدد النساء نتيجة الحروب أو أسباب أخرى، عندها يكون من الأفضل للمرأة والأكرم لها أن تكون زوجة ثانية أفضل من لا زوج، فالحلال بيِّن والحرام بيِّن.
هذا عن الحالة العامة للمجتمع - كما يقول الدكتور طه-؛ أما الحالات الخاصة فيضيف قائلاً: من الحالات أيضاً التي يباح فيها التعدد أن تكون الزوجة مريضة مرضاً يعوقها عن أداء مهامها الزوجية في هذه الحالة يصير من الأفضل للزوج وللزوجة أيضاً أن يتزوج بأخرى على أن تظل الزوجة الأولى تحت رعايته، كذلك الأمر عندما تكون الزوجة عقيماً لا تنجب وفي الوقت نفسه يكون زوجها يشتاق إلى الذرية والأبناء هنا يصبح من الأفضل أن يتزوج بأخرى، وتظل الأولى لها مكانتها دون أن يطلقها.
ويؤكد د. طه أن الأصل إذًا في التعدد هو الإباحة لكنها إباحة مشروطة.

التغريب والموروثات اجتماعية

يؤكد الدكتور محمد المنسي -أستاذ الشريعة بكلية دار العلوم. جامعة القاهرة- أن رفض التعدد في بعض المجتمعات سببه مجرد موروثات اجتماعية حيث كان الظاهر أن من يتزوج باثنتين يكون ظالماً مع إحداهما؛ فالخطأ هنا ليس في التشريع ولكن في التطبيق، السبب الثاني هو الثقافة الاجتماعية التي شاعت في الأجيال الجديدة، والتي أدت إلى النظر لموضوع التعدد من منظور غربي واستبعاده أحياناً كحل مفيد وآمن للعديد من المشاكل الاجتماعية.
كما أن وسائل الإعلام في بعض البلدان العربية أيضاً - كما يقول د. المنسي - تعارض فكرة التعدد؛ بل وتظهرها بشكل منفر جداً الأمر الذي يجعل المجتمع ينفر منها.
والسبب الثالث -وعلى حد قول د. المنسي-: القوانين الجديدة، فبعض المجتمعات التي تطالب بضرورة إبلاغ الزوج للزوجة الأولي بأنه يريد الزواج بأخرى وهو أمر صعب، كما أن الظروف الاقتصادية التي منعت الكثير من الرجال بالتزامات الزواج حتى بواحدة صعبت أمر التعدد.
ويري د. المنسي أن في تعدد الزوجات أمرًا مشروعًا وحلاً لكثير من المشكلات الاجتماعية؛ فهو يتيح الفرصة لكثيرات ممن فاتهن قطار الزواج أو طلقت أو توفي عنها زوجها أن تشعر بشيء من الاستقرار والأمان في كنف رجل يرعاها، الأمر فقط يحتاج إلى منهج إسلامي وثقافة إسلامية في التعامل مع القضية.

الخطأ في التنفيذ

أما الدكتورة عزة كريم -أستاذ علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث-؛ فتؤكد أن التعدد وإن كان مقبولاً شرعاً إلا أن المنفذ لأمر التعدد لا يراعي الضوابط التي وضعها الشرع حين شرع التعدد، حيث يصير للرجل الأمر المطلق والحرية الكاملة في الاستفادة من الرخصة الشرعية دون مراعاة لحق الزوجة الأولي أو دون مراعاة لشرط العدل، وهو ما يخلق نوعاً من الصراع والشعور بالإحباط بين نساء المجتمع، فلم يعد الزواج الثاني يتم إلا بغرض إشباع النزوات فقط، دون النظر إلى كونه وسيلة من وسائل إصلاح خلل ما في المجتمع كارتفاع نسبة العنوسة وما إلى ذلك.

ahmedkordy

خدمات البحث العلمي 01009848570

  • Currently 20/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
6 تصويتات / 1064 مشاهدة

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

30,756,705

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters