ليلى بيومي
- بعض الشباب يتخذ من الخطبة وسيلة لأغراضه الخبيثة.
- كاتب أمريكي يطالب بعدم رؤية الشاب لزوجته إلا ليلة العرس.
- تساهل الأب مع خطيب ابنته حتى لا يفشل الزواج.. كارثة!
تساهل الأسر مع خطيب ابنتهم، وتركه يختلي بها، ويخرج معها؛ أصبح أمراً مألوفاً لدى كثير من الناس ، وقليلة هي الأسر التي تمنع ذلك.
فهل الخطبة في مجتمعاتنا العربية تخضع للضوابط الشرعية قبل عقد الزواج ؟ وهل يؤدي التساهل مع الخطيب في إفشال الزواج ؟ وما هي المشكلات التي تسببها هذه القضية ؟
شيماء حامد- معيدة بكلية العلوم - تقول:لقد تأخرت بعض الوقت في الزواج، وكان والدي في كثير من الأحيان يطلب مني أن أتنازل عن بعض من حجابي ، وأتبرج كي يكثر العرسان، ولكنني بفضل الله سبحانه و تعالى تمسكت بديني، وتمسكت أيضًا بأن يكون زوجي رجلاً متديناً، والحمد لله تمت الخطبة في أسابيع قليلة، ولما وجدت أن خطيبي يأتي لزيارتنا في البيت وأحيانًا يتركني أبي وحدي جالسة معه، وعلى الرغم من التزامي بالحجاب أمام خطيبي صممت على أن يتم العقد تحت أي ظرف حتى لا أقع في محاذير شرعية، وحرصي على ديني قبل أي شيء جعل زوجي يسعد بذلك كثيرًا، والحمد لله.
سلوى حافظ -32 سنة - تقول: لقد خطبت فور تخرجي في كلية التجارة لأحد زملائي الذي كان يأتي لزيارتنا ونخرج سويًا، وعندما اختلفنا على بعض الأمور افترقنا، وعندما تقدم لخطبتي شاب آخر وعلم أنني كنت مخطوبة من قبل تراجع عن الخطبة، والآن كل من يتقدم لي يكون شرطي الأول هو أن تكون الخطبة لأيام، ويتم العقد فورًا.
سامية صالح- ناظرة مدرسة- تقول: تحدث مآسي كثيرة أمامي من جراء خلوة الخاطب بخطيبته ،أو خروجهما معاً وحدهما، لقد تزوجت ولم أر زوجي غير مرة واحدة في حضور الأسرة، وحتى بعد العقد فالخلوة للزوجة والزوج فقط، وهذا أدعى للاستقرار.
أما فاطمة السعيد -25 سنة- فتقول: إنني مخطوبة الآن لزميلي، وقد تقدم لأهلي بعد أن اتفقنا على كل شيء بالجامعة، والآن نخرج سوياً بعد انتهاء العمل لكي نشتري احتياجاتنا، وأبي لا يمانع.
السيدة سمية صلاح الدين - تقوم بالتوفيق بين المقبلين على الزواج- تقول:أقدمت على هذا العمل بعد أن لمست حالات غير طيبة تحدث من بعض الشباب. لأن الكثير من الشباب يتقدمون للأسر، ثم يخرج الشاب مع الفتاة بحجة الحصول على مزيد من التعارف والتفاهم ، وبعد فترة قصيرة يترك الفتاة ويذهب لغيرها، وهكذا؛ لأنه في هذه الخطبة لا يتكلف شيئاً، وتتساهل معه الأسر؛ بل يدعوه أهل العروس للولائم والاحتفالات. وعلى جانب آخر كثير من الشباب الملتزم دينيًا وخلقيًا ينفر من الفتاة التي خطبت من قبل؛ لأنه وبالنظر إلى حال كثير من الأسر يدرك بأن في الخطوبة تفضي الفتاة بمشاعرها إلى خطيبها، وقد ترتبط به نفسيًا وعاطفيًا مما يشكل قلقًا بعد ذلك.
تأخر سن الزواج يدفع الآباء للتساهل!
يقول د. محمد كيرة -أستاذ علم الاجتماع-: مع تأخر سن الزواج، وارتفاع التكاليف والأعباء المرتبطة بالزواج؛ أصبحنا نجد ظاهرة تعقد الزيجات، مما يضع الآباء في مواقف حرجة وقلق دائم، ويصاحب هذه الظاهرة تساهل في بعض الأمور التي لم تكن تحدث في الماضي، مثل السؤال عن أهل العريس وأخلاقياته بشكل كامل، وأيضًا مثل خروج الفتاة مع الخطيب للنزهة، وذلك بحجة التعارف أو التسوق .
ولذا نجد أن مشاكل كثيرة تحدث، وخصوصًا عندما ينسحب الشاب من هذا الزواج، وتكثر الأقاويل حول الفتاة ، وتؤثر هذه الظاهرة على نفسية الفتاة، التي نجدها قبل الزواج تتبادل مع الخاطب مشاعر وتصرفات ليست من حقهما، وهذا يخلق نوعًا من الفتور واستنزاف عاطفي يؤثر سلبًا بعد ذلك على الفتاة شخصيًا ونفسيًا واجتماعيًا.
أما الدكتور أحمد عبد الرحمن -أستاذ علم الأخلاق- يقول : لا يجوز أبدًا خروج الفتاة مع خطيبها أو خلوتها به، ويجب أن يتم التعارف من خلال الأسرة وفي وجودها؛ لأن الشاب -حتى وإن كان سعيدًا بفتاته- فعندما يحس بالتساهل الأسري يتراجع؛ لأنه يدرك أن هذه الأسرة مفرطة فيبدأ بالحذر، وقد ينهي هذه الخطبة.
عالِمُ الاجتماع الأمريكي (فينكس) يحذر من الخلوة!
د. عبد الغني عزيز -أستاذ التربية بجامعة عين شمس- يقول : خروج الشاب مع خطيبته قبل العقد أو خلوته بها كارثة من الكوارث بالنسبة للفتاة ولعملية الزواج وللمجتمع ككل؛ لأن أي شاب يريد أن يقضي مآربه التي لا يستطيع أن يقضيها بصورة سليمة يقبلها الشرع ويقبلها المجتمع يذهب لأي بيت مدعيًا الخطوبة، ويتنقل هكذا من بيت إلى بيت، وما يجري لا يكون حلاً لمشكلة الفتاة بقدر ما يكون تعقيدًا لها.
لقد أجريت دراسة مقارنة بين نظام الزواج كما قرره الإسلام والأسرة المعاصرة، ووجدت علميًا أن الإسلام في مرحلة الخطوبة يحافظ على مبدأ الوقار والاحترام، الذي لا يمكن أن يقوم نظام محترم للأسرة على غيره ، فجعل من الممكن أن يرى الخطيب خطيبته، ولكن في حضور الأهل، وحرم الخلوة تمامًا، وبذلك حافظ على الأسس والمبادئ التي تقوم عليها الأسرة.
وفي هذه الدراسة تعرضت لموقف الفكر الغربي من القضية، ووجدت بين يدي كتابًا هامًا لمؤلف أمريكي اسمه "فيليب فينكس"، يتعرض فيه لنظام الأسرة والعلاقات الاجتماعية.
ويرى (فينكس) من خلال دراساته الاجتماعية أن النظام الأمثل للأسرة هو ألا يرى الرجل من اختارها زوجه له إلا في ليلة العرس، هذا الرأي لو قاله مسلم في العالم الإسلامي لاتهم بالتطرف و الانغلاق. لقد أعطى (فينكس) ثمرة تجربته على الأرض الأمريكية؛ فكان هذا رأيه، علمًا بأن الإسلام بشموليته ووسطيته لم يقل بذلك؛ وإنما قال بأن يرى الشاب من سيقترن بها، ولكن في تعفف واحترام، باحثًا عن الأصل الطيب والزوجة الصالحة، ومن الناحية النفسية؛ فإن انكشاف الفتى على الفتاة يلغي الاحترام بينهما، وأجمل ما في الفتاة أن تظهر أمام الرجل متسترة والرجل يحب الفتاة الغالية المتمنعة؛ لأنه هنا سيثق بها، ويأتمنها على بيته وأولاده.
التوعية الأسرية والمتابعة
د. محمد رأفت عثمان - عميد كلية الشريعة بجامعة الأزهر- يقول : الخطبة لا تغير صورة العلاقة بين الفتاة المخطوبة والخطيب من علاقة رجل أجنبي بامرأة أجنبية؛ وإنما هذه العلاقة مجرد تعارف بين الأسرتين، وإبداء للرغبة في الزواج، ولا يجوز مطلقًا أن يخرج الشاب مع الفتاة منفردًا بها أو يخلو بها، والعائلات التي تسمح بذلك تعرض فتياتها للمخاطر التي قد لا تدركها إلا بعد أن يحدث المحظور، وتفشل الخطبة، وهنا نجد الفتاة في موقف غير محمود، والخطبة هي مجرد إبداء الرغبة في الزواج من امرأة ، وبمجرد الموافقة يجب شرعًا أن يتم العقد، ووجود مدة زمنية بين الخطبة والعقد ليس لها أهمية، ولا يجب أن تحدث تحت مبرر التعارف؛ لأن المرأة المسلمة أكرم من أن تكون حقل تجارب، والحق الشرعي الوحيد للخاطب هو أن ينظر في البداية إلى من يتقدم إلى خطبتها، كما روي عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -"انظر إليها عسى أن يؤدم بينكما"، وكون الفتاة الآن بحكم عملها أو دراستها بالجامعة تجد فرصًا متكررة للقاء الخطيب؛ فهذا خطأ.
ومن هنا نجد أهمية التوعية الأسرية، والمتابعة أيضًا من قبل الأب والأم، ويجب أن تدرك الأسر أن هذه الضوابط الشرعية لمصلحة الفتاة؛ لأنه قد يحدث خلاف ويفترق الطرفان، خصوصًا أن الرجل في فترة الخطوبة لا تقيده الارتباطات والمسؤوليات التي تقيده بعد الزواج، والذي يجني الثمار المرة -إذا حدث فراق- هي الفتاة، سواء كان ذلك على المستوى الاجتماعي أو العاطفي والنفسي.
د. الشحات الجندي -أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر- يقول : الضوابط التي أرساها الإسلام للخطبة غرضها أساسًا الإبقاء على العلاقة بين الطرفين في الإطار الذي يسمح بالتعارف والتفاهم، وفي نفس الوقت الإبقاء على كل منهما بعيدًا عن الآخر، حيث لا يحل لأحدهما أن يحصل من الآخر على ما تعطيه الزوجة لزوجها، فالخطبة لا تمثل سوى وعد بالزواج، وهذا الوعد لا يحل حرامًا، وضوابطه الشرعية هي أن يكون اللقاء بين الطرفين في حضور محرم، وألا تحدث فيه أي شبهة للخلوة، وهذا اللقاء المحكوم بالضوابط الشرعية يكون بغرض الرؤية الشرعية واستكشاف الجوانب الشخصية لكلا الطرفين، والتعرف على الخطط المستقبلية بخصوص مشروع الزواج، لا أن تكون لقاءات عابثة، أو مضيعة للوقت، وإذا كانت هناك تغيرات اجتماعية حدثت في السنوات الأخيرة؛ نتيجة تعليم المرأة وخروجها للعمل، ونتيجة أيضًا لوسائل الإعلام، وما تبثه من ثقافة مفتوحة؛ فإن هذا لا يبرر أي تنازل من قبل الفتاة وأهلها ، ولذلك فإن والد الفتاة ينبغي أن يكون على صلة وثيقة، ويكون على دراية بتطورات أمورها، ويلزمها بالقيم الدينية والتقاليد الاجتماعية التي تحفظ لها كرامتها، وإذا كان الزواج غاية شرعية فيجب أن تكون الوسيلة منضبطة بالضوابط الشرعية.