الإسلام اليوم
التأريخ لحركة تحرير المرأة التي بدأت في مصر، ومنها انتشرت في جميع البلاد العربيَّة والإسلاميَّة يرتبط بالحملة الفرنسيَّة التي جاءت إلى مصر عام 1798م وحملت معها الأفكار التي تحض المرأة على التحرر والتمرد، وقد جاء الفرنسيون بنسائهم معهم، فكن يسرن في الشوارع سافرات، يركبن الخيول والحمير ويسوقونها سوقًا عنيفًا مع الضحك والقهقهة ويداعبن سائقي الحمير وحرافيش العامة، فاتخذتهن النساء الأسافل من المصريات قدوة، وصرن يقلدهن ويفعلن مثلهن.
وحينما دخل الفرنسيون حي بولاق وفتكوا بأهلها وغنموا أموالهم، أخذوا ما استحسنوه من النساء والبنات أسيرات عندهم، فألبسوهن زي نسائهم، ولما جاء محمد علي، ورغم أنه لم يؤسس مدارس حكومية لتعليم البنات، إلا أنه استقدم نساء أوروبيات لتعليم بناته في قصره، ثم قلده بعد ذلك علية القوم.
وكان أول كتاب يحمل دعوة لتحرير المرأة هو كتاب مرقص فهمي (المحامي النصراني) عام 1894م وكان بعنوان "المرأة في الشرق", ودَعَا فيه إلى نزع الحجاب وإباحة الاختلاط وتقييد الطلاق، ومنع الزواج بأكثر من واحدة.
وفي عام 1899م أصدر قاسم أمين كتابه الأول "تحرير المرأة", الذي أكد فيه أن حجاب المرأة الذي كان سائدًا حينئذ ليس من الإسلام، وأن الدعوة إلى السفور ليست خروجًا على الدين ونصوص الشرْع, وفي عام 1900م أصدر كتابه الثاني "المرأة الجديدة" الذي كرر فيه أفكاره السابقة ودعا إلى سفورها، وكانت كتابات قاسم أمين – على حد قول كثير من الباحثين الإسلاميين والعلمانيين - بتشجيع من الشيخ محمد عبده، وسعد زغلول ولطفي السيد.
دور الاستعمار والنصارى
وظلَّت الحركة النسائية في مصر، والمتمثلة في تعليم النساء والدعوة إلى سفورهن ونزع الحجاب والتحرر من أحكام الشريعة الإسلامية، مرتبطة بالجاليات الأجنبية وبالاستعمار؛ فقد أنشئ في مصر عام 1835م أول مدرسة أجنبية للبنات على يد المستر ليذر (وهو أحد المبشرين الإنجليز).
ثم أسست راهبات المحبة مدرسة لتربية البنات عام 1846م، وأسست الراهبات الفرنسيسكان مدرسة للبنات بالقاهرة عام 1859م، ومدرسة ثانية ببولاق عام 1868م ومدرسة ثالثة بالمنصورة عام 1872م، وتكبَّدت هذه المدارس الكثير من المتاعب من أجل جذب بنات المصريين إليها. ومما ساهم في تأجيج حركة تحرير المرأة ظهور موجة من المطبوعات النسائية بدأت عام 1892م حينما أصدرت هند نوفل مجلة "الفتاة" وهند تنتمي إلى أسرة لبنانية أقامت بالإسكندرية وتخرجت من إحدى مدارس الراهبات بها. وفي عام 1896م ظهرت مجلة نسائيَّة أخرى هي "الفردوس" لصاحبتها لويزا حابلين التي جاءت مع عائلتها من الشام، وفي آخر عام 1896م ظهرت مجلة "مرآة الحسناء" التي أصدرها سليم سركيس. وفي بداية القرن أنشأت لبيبة هاشم مجلة "فتاة الشرق" وكانت تباع في مدارس مصر وسوريا ولبنان. كما أصدر اتحاد النساء المصريات عام 1925م مجلة "المصرية" وأصدرت رابطة فتيات النيل مجلة "المرأة الجديدة".
رجال صالون نازلي فاضل
نظَّمت الأميرة نازلي فاضل صالونًا ثقافيًّا لأصدقائها من المثقفين المصريين الذين يؤمنون بحركة تحرير المرأة، وكان من أهم أعضاء هذا الصالون الشيخ محمد عبده وسعد زغلول وقاسم أمين، والغريب أن هذا الثلاثي هو الذي قاد حركة التحرير هذه..
فالقيادة الثقافية كانت لقاسم أمين، والقيادة الدينية كانت للشيخ محمد عبده، والقيادة السياسية كانت لسعد زغلول، وقيادة قاسم أمين معروفة من خلال تفجيره المعركة بكتابيه "تحرير المرأة" و"المرأة الجديدة". وكثير من المحققين يذهب إلى أن كتاب "تحرير المرأة" هو بقلم وبفكر الشيخ محمد عبده، ولكنه فضل أن يتوارى خلف اسم صديقه قاسم أمين، ومن هؤلاء المحققين د. محمد عمارة في تحقيقه للأعمال الكاملة للشيخ محمد عبده. وهناك محققون آخرون يرون أن كتاب "تحرير المرأة" نبت في حديقة أفكار الشيخ محمد عبده، وتطابق مع عبارات عبر فيها الشيخ عن حقوق المرأة ي مقالات مجلة "الوقائع المصريَّة" وفي تفسيره لآيات أحكام النساء، حيث وصل إلى حد تحريم تعدد الزوجات؛ لما فيه من ظلم للمرأة في العصر الحاضر. أما الزعيم السياسي سعد زغلول فلم يترك فرصة يروج فيها لتحرير المرأة إلا اغتنمها، لدرجة أنه اشترط على السيدات اللواتي كن يحضرن لسماع خطبه أن يزحن النقاب عن وجوههن، ثم كان هو أول من نزع الحجاب عن المرأة المصرية عندما دخل إثر عودته من المنفى إلى سرادق المستقبلات من النساء فاستقبلته هدى شعراوي بحجابها، فمد يده ونزع الحجاب عن وجهها وهو يضحك، واتبعتها النساء فنزعن الحجاب بعد ذلك. وكذلك فعلت زوجته "صفية زغلول" ابنة مصطفى فهمي باشا، رئيس الوزراء وقتئذ، وأشهر صديق للإنجليز عرفته مصر.
الاتحاد النسائي
هدى شعراوي هي ابنة محمد سلطان باشا الذي خان الثورة العرابية وكان يرافق الإنجليز عند دخولهم القاهرة محتلين، وقد اشتركت هدى شعراوي في ثورة 1919م، وقد أسست الاتحاد النسائي في عام 1924م بعد عودتها من مؤتمر الاتحاد النسائي الدولي الذي عقد في روما عام 1922م.. ونادى بمجمل مبادئ حركة تحرير المرأة المعروفة، وقد مهد هذا الاتحاد لعقد مؤتمر الاتحاد النسائي العربي عام 1944م.. وقد رحَّبت به في ذلك الوقت الولايات المتحدة وبريطانيا.
وكانت سيزان براوي صديقة هدى شعراوي وزميلتها على درب الحركة النسائيَّة وأكملت المشوار بعدها، ثم جاءت درية شفيق التي سافرت إلى فرنسا وإنجلترا وحصلت على الدكتوراة وشكَّلت بعد عودتها حزب "بنت النيل" عام 1949م بدعم من السفارتين الأمريكيَّة والبريطانيَّة وكان لها حضورٌ بارز بعد الثورة في هذا المجال. وعلى خطى هدى شعراوي جاءت د. سهير القلماوي التي تربت في الجامعة الأمريكيَّة في القاهرة وتنقلت بين الجامعات الأمريكيَّة والأوروبيَّة ثم عادت للتدريس في الجامعات المصريَّة. ثم جاءت أمينة السعيد التي رأست تحرير مجلة حواء.. وكانت جريئة في الهجوم على أحكام الإسلام والأعراف الإسلاميَّة، وورثت د. نوال السعداوي الراية، وهي أكثر تطرفًا في الهجوم على كل ما ينتسب للإسلام بصلة، ومن جملة خرافاتها أن الحج شعيرة وثنيَّة.
ضد حركة تحرير المرأة
وقف الأزهر ضد ما في حركة تحرير المرأة من تصادم مع الشريعة الإسلاميَّة.. فكان مع تعليم المرأة، ولكنه لم يكن مع خروجها واختلاطها بالرجال، كما وقف ضدّ الدعوة إلى حظر تعدد الزوجات وتقييد الطلاق، ومن أمثلة ما قام به علماء الأزهر أنهم عندما أحسوا أن قادة ثورة يوليو بصدد إعطاء المرأة حق الانتخاب للمجالس النيابية أصدروا فتوى عام 1952م يعترضون فيها على ذلك، لضعف المرأة الطبيعي وسرعة تعرّضها للتأثيرات والعواطف الفوريَّة، وعجزها عن حمل أعباء العمل السياسي وتقلباته، ولأن اشتراكها في الحياة العامَّة يعرِّضها للظهور والسفور والاختلاط بالرجال وإهمال واجبها الأساسي، وهو رعاية الزوج وتربية الولد وحماية الأسرة.
ومنذ أن ظهرت دعوة قاسم أمين للعلن عارضها نفر من ذوي الاتجاه الوطني مثل الزعيم مصطفى كامل الذي رأى أن أفكار قاسم أمين ضد الشريعة الإسلاميَّة ولخدمة الاستعمار الإنجليزي، كما ألف الاقتصادي المصري الكبير محمد طلعت حرب كتابه "تربية المرأة والحجاب" للرد على قاسم أمين وتفنيد أفكاره التي لا تخدم التحرر الوطني.
قاسم أمين تاجر شنطة
الأديبة والكاتبة الإسلاميَّة صافيناز كاظم تقول: إن قاسم أمين أطلقوا عليه زورًا "محرر المرأة"، إن قاسم أمين كان مشغولا بقضية التغريب أكثر من انشغاله بقضية تحرير المرأة.
في كتابي قاسم أمين "تحرير المرأة" و"المرأة الجديدة" قال: إن مصر كان أمامها طريقان؛ محاكاة أوروبا أو العودة إلى الإسلام، وقد اختارت مصر محاكاة أوروبا، فهو لم يقل التمثل بأوروبا أو الاقتداء بالنماذج الطيبة هناك، وإنما قال "محاكاة" وفي كل كتابات قاسم أمين كانت هذه هي نقطة اهتمامه الرئيسية، وكان لا بد أن يكون هناك لافتة براقة لقضية التغريب، وهي قضية المرأة؛ لأن قاسم أمين كان تاجر شنطة ثقافية ولم يكن صاحب رؤى أصيلة، والبداية الإسلاميَّة الصحيحة في قضية المرأة بدأها حسن البنا.. فقد كانت هناك جمعية "السيدات المسلمات" التي كانت ترأسها الداعية زينب الغزالي، فمد لها يده لدمج العمل، لأنه لا شيء اسمه الرجال وحدهم والنساء وحدهم، وقد كانت هذه لفتة ذكية ومتطورة من حسن البنا. وعلى حين كانت بداية قاسم أمين خطأ.. فقد بدأت ملك حفني ناصف بداية صحيحة وخطت خطوة وكانت معاصرة لقاسم أمين، وكانت دائما تهاجم دعوته، وكان لها برنامج بديل متكامل في تهذيب المرأة المصرية وتطويرها وتعليمها.
دور استعماري مشبوه
أما د. سعاد صالح (الأستاذة بجامعة الأزهر) فتقول: إن حركة تحرير المرأة تحمل الكثير من الأفكار المعادية للإسلام، ورموز هذه الحركة وضعوها في مواجهة الإسلام، ولم يحرصوا أن يكونوا متوافقين مع تعاليم الإسلام، فقد تصوَّروا أن الإسلام هو مصدر لقهر المرأة وإذلالها، ومشكلتهم أنهم لم يفهموا الإسلام وتعاليمه فهمًا عميقًا متكاملا، وعندما أصدر قاسم أمين كتابيه الذين دشن بهما أفكار الحرية، في هذه الأثناء ألف الإيطالي "أومتليو جوريو" كتابه "ثورة النساء في الإسلام" قال عن كتابي قاسم أمين إنهما ذوا طابع ثوري خطير، وقال: إن تعاليم القرآن في موضوع المرأة أحفظ لكرامتها من أفكار قاسم أمين.
فالإسلام حض على تعليم المرأة ومشاركتها في جوانب الحياة المختلفة، وحذَّر في نفس الوقت من الاختلاط المحرم وعدم الحياء، ونحن نعترف بأن الأمة تعرضت لعصور جهل وظلام كثيرة نتجت عن بعدها عن دين ولم تأت -كما يزعم هؤلاء- بسبب تمسكها بالدين، ورثت الأمة فيها بعض العادات التي ألصقها القوم بعد ذلك بالإسلام وهو منها بريء. وحينما جاء الاستعمار كان كل همه هو تفكيك الأسرة المسلمة التي يرون أنها أساس تماسك المجتمع الإسلامي، فعملوا جاهدين على تصدير أفكارهم في هذا الشأن إلينا، والعجيب أنهم لم يملوا ذلك، فما زالوا حتى الآن يتحدثون عن قهر الإسلام للمرأة وينادون بحقوق الإنسان وحقوق المرأة في المجتمعات الإسلامية على النهج الغربي المنحرف.
الصحوة الإسلاميَّة رد طبيعي
أما د. نادية هاشم (أستاذة الفقه بجامعة الأزهر) فتقول: إن العجيب في الإسلام هو قدرته الديناميكيَّة الهائلة على مقاومة الضغوط والتغلب عليها، فرغم هذه الحملة الشرسة لتمرير ما يسمونه بقضية تحرير المرأة منذ وصول الحملة الفرنسية إلى مصر وحتى الآن أي قرابة مائتي عام... لم يفلحوا إلا في القليل، وكانت الصحوة الإسلامية التي اجتاحت العالم العربي والإسلامي، بل ووصلت إلى المجتمعات الأوروبية نفسها خير رد على مخططاتهم.
فالفتاة العربية المسلمة بعد أن تعلمت وأصبحت طبيبة ومهندسة ومحامية وأستاذة في الجامعة ومعلمة وطالبة في الجامعة وفي المرحلة الثانوية ارتدت الحجاب وضربت حركة تحرير المرأة في مقتل، بل ووصل الحجاب إلى فرنسا وألمانيا ومختلف أنحاء أوروبا وأمريكا، ولم يجد القوم إلا القوانين المقيدة للحريات لمواجهة الحجاب.