بشار دراغمة

مع اتساع نطاق عمل المرأة في الكثير من المجالات، وخاصة المجالات الوظيفية، أصبحت المجتمعات العربية تخطو وبخطا سريعة إلى حقيقة كون الزوجين موظفين عاملين، ولعل ضيق ذات اليد، وارتفاع مستوى المعيشة من أبرز الأمور التي تدفع بهذا الاتجاه.

إذاً الأزواج والزوجات إلى ميدان العمل، والأبناء إلى المدارس و الحاضنات. حل المشكلة في غاية السهولة.. الأبناء في المدارس والحاضنات، لكن وإن كان هناك مساوئ للحاضنات، تكمن المشكلة: كيف يمكن للرجل رب الأسرة الذي اعتاد على أن توفر له والدته كل ما يطلبه دون عناء، واليوم يعيش في وضع يختلف كلياً؛ فهو في ميدان العمل، وزوجته في العمل أيضاً، وبعد انتهاء يوم العمل يعودان إلى البيت، ماذا سيجدون؟ هل هناك طبق من الطعام جاهز؟ هل هناك اعتناء من قبل المرأة بزوجها؟ قد يقول البعض لا بد من وجود شغّالة تحضر الطعام، وتوضب البيت. والرد سهل للغاية: ولماذا يعمل الزوجان؟ أليس بسبب ضيق الحال؟! بينما قد يكون ذلك معقولاً لو كانت الزوجة تعمل لتمارس هوايتها، وليست في حاجة إلى المال، لكن كيف وإن كان العكس ؟

دعنا نتوقف مع عدد من الحالات التي رصدناها في هذا التقرير للتعرف: كيف يمكن أن يتعايش الأزواج العاملون مع هذا الواقع؟

الملل والرتابة

سمير وأمل زوجان يعملان. يقول سمير: واجهنا مشكلة في بداية الأمر، كيف لنا أن نترك الأبناء، ولكن حلت المشكلة مع الحضانة التي كنت أرفض وبشدة فكرتها، ولكن بقيت مشكلة لم تحل بعد، وهي أمور البيت، هناك تقصير من قبل الزوجة بالاعتناء بالبيت، ولا سيما الأبناء وأشعر أن هناك فتوراً بالعلاقة بيننا وبين الأبناء، ساعات قليلة نمضيها معاً، وكل منا في عجلة من أمره.

بينما تقول أمل إن مشكلتها الوحيدة في البيت -كونها عاملة- هو في كيفية تنظيم وقتها بين العمل والبيت والأبناء.

محمد حازم يصف مشكلة الأزواج العاملين بالسندويشة، فيقول وجبتنا الرئيسة السندويشة، وفي أحسن الأحوال طبق من المطعم جاهز، لا أرى فيها رائحة الطعام، وأتشوق إلى يوم الإجازة لكي اشتم رائحة الطعام الحقيقي في بيتي.

ويضيف الأزواج العاملون لديهم إيجابية واحدة، وعندهم سلبيات كثيرة، فأنا أشعر أن هناك تقصيراً كبيراً من ناحية زوجتي تجاهي، فهي تعود من العمل منهكة، وتحتاج إلى قسط من الراحة، وتعاود العمل داخل المنزل كونها مدرسة, فالأمر يحتاج منها إلى العمل في المنزل.

ويوافقه الرأي حسام الذي وصف عمل الزوجة بأنه يسبب الفتور العاطفي مع الزوج. يقول حسام: لم أكن أتخيل يوماً أن يحد العمل من التواصل والعطاء مع زوجتي؛ فهي تعود منهكة، وأنا أيضاً مثلها، فكل منا بحاجة إلى من يمسح جبينه.

ويضيف: نكابر... ونلملم بعضنا على أننا في غاية السعادة، ولكن سرعان ما يظهر ذلك علينا في فتور العلاقة.

عاملون سعداء

وعلى العكس من كل ذلك يقول وجيه حمدان إنه يمكن للأزواج العاملين أن يكونوا في قمة السعادة، ويبتعدوا عن الفتور إذا كانت لديهم النية الصادقة في التفاهم والمساعدة. فيمكن لهما العودة من العمل إلى المنزل، ويأخذا قسطاً من الراحة ويتعاونا في عمل البيت أيضاً وتربية الأبناء، ويقضيا وقتاً سعيداً معاً.

ويؤكد مؤيد عبد العزيز أنه يعود إلى البيت، ويساعد زوجته العاملة في أمر البيت، ويقول: من أراد أن تعمل زوجته خارج المنزل عليه أن يعمل داخل المنزل، فهو يكد ويتعب، وهي مثله بل أكثر منه، كونها امرأة، وطبيعة جسدها تجعلها تتعب أكثر.

ويقول: أنا أعود للمنزل، وأساعد زوجتي في كل أمور المنزل، وألاطفها، وهي كذلك، فنحن سعداء في العمل وفي البيت.

جواد عزمي يقول: علينا أن ندرك حاجات الأبناء، فنحن نقضي اليوم خارج المنزل، فعلينا أن نعتني بهم في تلك الساعات القليلة، ونعطيهم أكبر كم من الحنان والعطف، ويمكن لك أن تخرج الأبناء في نزهة قصيرة بعد العودة من العمل، أو أن تصطحبهم إلى مقهى أو مطعم، أو أي مكان يرغبونه كثيراً، وتمنحهم حنان اليوم الذي ضاع منهم.

ماجدة بري تقول: أنا وزوجي نتعاون في شؤون البيت وفي رعاية الأبناء، على الأزواج التأقلم مع هذه الحياة التي أصبحت واقع حياتهم.

وتضيف أنا أهتم بأمور زوجي، وهو أيضاً لا يتذمر إن وجد تقصيراً؛ لأنه يقدر كوني أعمل، ودائماً يطلب مني ألاّ أرهق نفسي في البيت، ويهم دائماً بمساعدتي في أمور البيت، والتي يرى فيها البعض عيباً على الرجل، وأن أمور البيت ليست من شأنه بل من شأن الزوجة.

مجدي صبح يقول: أنا أساعد زوجتي في أمور البيت، وأعيش في قريتي الصغيرة التي يندر بها أن تعمل الزوجة. أواجه مشكلة في مساعدة زوجتي في أمور البيت، فأقوم بمساعدتها داخل المنزل، ولا أحد يعلم بذلك سوى الله عز وجل.

ويقول: لو علم أهلي بذلك أو أقربائي لأخذوني هزواً؛ فقد اعتاد المجتمع على أن عمل البيت من شأن الزوجة والرجل عيب عليه أن يعمل مثل الزوجة.

ويضيف نواجه أيضا مشكلة الأبناء، فنحن كما أسلفت في قرية صغيرة ولا يوجد بها حضانة للأطفال، فنقوم بإرسال أطفالنا إلى والدتي، والتي أشعر أنني أتعبها بهم، وهي لا تتذمر بينما نحن نرى في ذلك الأمر عبئاً وثقلاً عليها، ولكن ما باليد حيلة. الأبناء في بداية العمر.

مختصون يرون العمل سوياً

يرى الباحث والمختص في علم الاجتماع الأستاذ عبد الحليم عمر والباحث في جمعية التأهيل أن على الأزواج أن يشتركوا معاً في الخروج من الرتابة وضنك الحياة التي تواجههم كونهم يعملون.

ويضيف حدث الكثير من الإشكاليات بين الأزواج بسبب العمل والتقصير بالواجبات من كلا الطرفين.

ويقول: يجب على كلا الزوجين أن يضعا خطة ما للتأقلم على الوضع الذي يعيشونه، كما أن عليهم أن يركزوا على ضرورة الخروج من المنزل وإعطاء النفس شيئاً من الترفيه، والخروج عن الروتين الذين يمارسونه.

ويؤكد أن العلاقات الأسرية الاجتماعية يمكنها أن ترفه عن النفس، وتُخرج الأسرة من أجواء الروتين.

الدكتورة جلتان حجازي أستاذة علم النفس تقول خروج المرأة للعمل في مجتمعنا أصبح له ضرورة تحتمها الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي يعيشها المجتمع الفلسطيني، وتواجه المرأة العاملة ضغوطاً متعددة، منها ما يرتبط بطبيعة العمل نفسه، ومنها ما يرتبط بوضعها الأسري والاجتماعي.

وتضيف: يعتقد الكثيرون أن المرأة العاملة أكثر إهمالاً لبيتها وأطفالها، وأكثر ممارسة للعنف في عملية التربية، كما يعتقد البعض الآخر أن أطفال المرأة العاملة أكثر إخفاقاً، ولكن تلك الأفكار السائدة تتنافى مع ما أكّدته الدراسات النفسية والاجتماعية.

 

  • Currently 50/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
16 تصويتات / 572 مشاهدة

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

29,722,987

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters