سلطان بن عبد الرحمن العثيم
يواجه عالم المشروعات الصغيرة الماتع والمثمر بعض التحديات القابلة للعلاج والتدارك, وهي التي من شأنها أن تقلل النجاح وتحّجم التوسع وتدهور الوضع المالي والإداري بعد أن كان متصاعدًا، وربما تصيب صاحب هذا المشروع الحالم بصدمة يرى فيها حلم حياته الجميل يتهاوى أمامه وهو لا يعرف ما هو السبب.
ولعلنا في عالمنا العربي، كفكر وثقافة وقيم، تواجهنا ثقافة العمل التقليدي البسيط والغير ممنهج على غرار مدرسة الآباء والأجداد، والتي هي ولا شك مدرسة ثرية بالتجارب والناجحات، ولكن في هذا الباب بالذات لم تعد صالحة، حيث أصبح العالم لا يؤمن إلا بالعمل الاحترافي المتقن، ذي الإطار العام الواضح، والخطة التشغيلية الواضحة، والاستراتيجيات المستقبلية الطموحة، والإدارة المالية الحكيمة، والتسويق الفعال، والمنتج الجيد، والخدمة الراقية، والسعر العادل، والموقع المدروس، والديكور المناسب، وغيرها من المعايير التي أصبحت من ضرورات هذا العصر المتسارع, وهي أيضًا أولويات مستهلك هذه الأيام الذي زاد سقف توقعاته عن السابق بكثير، وأصبح واجبًا علينا إرضاؤه مهما كلف الأمر.
ففي هذه الأسواق لا نعترف بالمثل الشائع القائل: "رضا الناس غاية لا تدرك"، إنما رضا الناس غاية تدرك, وبدل أن نخطط للوصول إلى سقف توقعات العميل علينا أن نبهر العميل ونكون فوق سقف توقعاته، سواء في عالم الخدمة أو السلعة أو الأفكار التي تدور حولها أعمالنا التجارية المختلفة. ما هي التحديات التي يجب أن نتجنبها في عالم المشاريع الصغيرة الساحر؟
1- غياب دراسات الجدوى والعمل بمنطق الحدس والتوقع!!
من أكثر ما يجعل المشروعات الصغيرة في مهب الريح وعلى مرمى سهام الفشل والتقهقر هو إغفال دراسات الجدوى الاقتصادية والاعتماد على الحدس والتوقع والحماس الذي قد ينسينا أركان أي عمل تجاري مهما كان حجمه.
ولعلي من مشاهدات شخصية وقراءات مستفيضة في هذا الباب ألحظ هنا وهناك مفاهيم خاطئة في هذا الباب؛ حيث يعتقد البعض أن هذه الدراسات مكلفة جدًا أو معقدة أو غير مجدية، وهذا خطأ كبير يقع فيه شطر من المقبلين والمقبلات على عالم المشروعات الصغيرة ذي الفرص الكبيرة والأفكار الغنية والمستقبل الواعد. وهنا أؤكد لكم أن الأمر في المشروعات الصغيرة أيسر مما تتوقعون، وتستطيعون أنتم القيام بجزء كبير منها إذا توفرت المعلومات الكاملة, ولكم الاستعانة بالكثير من الجهات التي تدعم هذا التوجه، فهي تقدم الكثير من الخدمات اللوجستية للكثير من المقبلين على هذا الأمر، إما مجانًا أو بأسعار رمزية مثل الغرف التجارية والصناعية المنتشرة. وتنقسم هنا دراسات الجدوى بدايةً إلى دراسة الفرصة المتاحة لهذا العمل المراد الاستثمار فيه، ومن ثم يأتي بعد ذلك دراسة السوق ووضعه العام واحتياجاته، ومن ثم الدراسة الفنية، وهي متعلقة بالتجهيزات والآليات الواجب توافرها، وأخيرًا الدراسة القانونية والنظامية للمشروع، وهي تعنى بمدى مطابقة شروط هذا المشروع للاشتراطات والأنظمة واللوائح الرسمية للبلد، والدراسة المالية، وهي متعلقة بتفاصيل تمويل المشروع وتكاليفه وإيراده المتوقع، وربط تكاليف التأسيس وتكاليف التشغيل بالإيراد المتوقع لمعرفة الربح المستهدف، وأخيرًا الدراسة التنظيمية وقوى العمل، وهي معنية بالعنصر البشري الواجب توفره لتشغيل المشروع أفضل تشغيل، كمًا وكيفًا، بالإضافة إلى تنظيم وتقسيم المهام والمسئوليات وتحديد الحقوق والواجبات بين الجميع بما يخدم مصلحة العمل.
2 - غياب التخطيط والرؤية المستقبلية:
وهي إشكالية كبرى تواجهه العمل في هذه المشاريع؛ حيث يغلب على البعض التخبط والعشوائية والاجتهادات الشخصية والتخرصات وسيطرة العمل الفردي وغياب العمل الجماعي وغياب الهدف المستقبلي (الرؤية) وعدم رسم خطوط المستقبلية للعمل, وهنا نتذكر المقولة الشهيرة: "إذا فشلت في التخطيط فلقد خططت للفشل"، فالمشاريع ذات الخطة والأهداف والرؤية والرسالة غالبًا ما تكون في خانة المشاريع المميزة إذا اكتملت المعادلة.
3 - البعد عن الإتقان كفكر والجودة كمخرجات:
وهي ولاشك أزمة تطل علينا في هذا العصر، حيث يقل عند البعض الإيمان بأهمية الإتقان في العمل والإحسان إلى العملاء, ناهيك عن عدم إدراج أي أسلوب أو طريقة تمكن المستثمر من قياس جودة العمل والمخرجات العامة ورضا العميل، خصوصًا في بعض أنواع الاستثمار من عالم الأطعمة والمأكولات والتي يعتبر فيها عدم رضا العمل عن كارثة مستقبلية قادمة، حيث تبدأ ما يسمى بالحرب الشعبية على المشروع وتكثر الروايات والشائعات، وما يلبث العمل إلا أن يتوقف بسبب غياب الجودة والإتقان الذي هو منهج أصيل في ديننا ولا شك.
4- غياب التأهيل والتدريب على كيفية إدارة مثل هذه المشاريع والنجاح فيها:
قد تكون تاجرًا بالفطرة، وهذا ما يسرنا، ولكن يجب علينا أن نعلم ونفهم أن هناك كل أربع دقائق معلومة جديدة حول العالم يجب أن نستفيد منها ونطوعها لصالح أهدافنا السامية في الحياة، فلا تدخل المحيط وأنت لا تعرف أن تسبح، واحرص على التأهيل والتدريب الذي يحقق لك إشباعًا فيما تحتاج من مهارات وقدرات وقناعات ومعلومات في مشروعك الصغير بحجمه والكبير بحلمه، فاحذر من ادِّعاء معرفة كل شيء، واعلم أن كلًا ميسرٌ لما خلق له، فواصل التأهيل والتدريب بلا حدود أو قيود، واعلم أنك تستثمر في نفسك عندما تطورها وتمكنها من الانطلاق.
5 - تداخل الحسابات الشخصية مع حسابات الاستثمار:
من الأخطاء الشائعة في عالم المشروعات الصغيرة تداخل الحسابات الشخصية مع حسابات الاستثمار، وعدم الدقة في القضايا المادية، وهذه كارثة حيث لا يمكننا أن نعرف الإيراد والأرباح والمصروفات والمبالغ الاحتياطية اللازمة لمواصلة العمل والتوسع فيه.
وهي عناوين مالية مهمة لأي مقدم على هذا العالم المميز، فلا تنسوها، وإياكم من الإنفاق على حاجياتكم الشخصية من دخل المشروع، إنما من الأرباح الذي نشتقُّها من طرح الإيراد من المصروفات.
6 - إغفال أهمية التسويق والدعاية والإعلان:
يغفل بعض أرباب المشروعات الصغيرة عن الاهتمام بحجر الزاوية لهذه المشروعات، ألا وهو التسويق. ويعتقد البعض أن إتقان فنون التسويق غير مهم، وأنها هي مصاريف باهظة ليس لها إي أهمية، ولكن أثبتت الدراسات والأبحاث أن الناجحين في هذا الباب هم من يعتبرون الأموال التي أنفقت في التسويق بجميع مراحله والدعاية والإعلان هي استثمار له ما بعده من الإيرادات الكبيرة وليست مصروفات كما يعتقد البعض, فلا تنس أن تستثمر في عوالم التسويق المذهلة وسوف ترى العجب.
7 - إغفال أهمية استقطاب الموارد البشرية المميزة والحفاظ عليها:
وهو من الأخطاء الشائعة في عالم المشروعات الصغيرة؛ حيث تكون السلعة أو الخدمة أو الأفكار المقدمة في هذا المشروع غاية في الروعة، ولكن يغيب الموظف الكفء والمخلص والمتفاني الذي يقدمها للعميل!!
ناهيك عن وجود ملاحظات أخرى حول آلية اختيار الموظفين وتأهيلهم، واختبار المميزات والسمات الشخصية والمؤهلات العامة التي يحملون، ووضعها في المكان المناسب لكل هذه المقومات، مع الإشارة إلى أنه يجب عدم تقديم أي تنازلات في حق أي موظف يسيء للمشروع أو رواده، ومعالجة الأمر بحزم، لأن ذلك سوف يهدد المشروع برمته، مهما كان الخطأ صغيرًا، كما لا ننسى أهمية التحفيز في هذا الباب للموظفين المميزين.
8 - استعجال النتائج:
وهذا من الأخطاء التي تعكس مدى قلة الوعي نوعًا فيمن يديرون هذه المشروعات، حيث يحكم البعض على المشروع من أول شهر أو 3 أشهر أو حتى 6 أشهر، وهذا غير كافٍ على الإطلاق للحكم على السوق ونجاح المشروع. وتذكر دومًا المقولة الشهيرة: "لا تنتظر الربح في عامك الأول"، فسنة التأسيس لها خصوصيتها، وهي مرحلة تحتاج إلى صبر وجهد وحسن إدارة، ومن ثم سوف تأتي مرحلة قطف الثمار بإذن الله.
9 - عدم سرعة معالجة الأخطاء وتداركها:
وهنا تتراكم المشاكل والتحديات، ويصبح العمل يعاني من الكثير من الصعوبات, فحل كل مشكلة أو صعوبة أو ظرف في وقته سوف يجعل النتائج والمخرجات أفضل، وأجواء العمل أكثر ملائمة وراحةً واستقرارًا, ولا تنس أن المشكلات مثل كرة الثلج، تبدأ صغيرة وسهلة التفتيت، وتنتهي كبيرة وقاصمة للظهر.
10 - ضعف الرقابة والإهمال:
تعاني الكثير من المشروعات الصغيرة الفاشلة حول العالم، والتي أقفلت أبوابها ورحلت عن السوق، من إشكالية كبيرة في قضية الرقابة، خصوصًا في الأمور المادية, وهذا من شأنه ظهور الكثير من ظواهر التسيب والانفلات الإداري والتلاعب والتظليل المادي، وعليه فيجب وضع نظام رقابة شامل لا يستفز الموظفين، ولكن يحفظ حقوق ومكانة المشروع، ويعكس الواقع الحقيقي للعمل والإنتاج، ناهيك عن كشف أي أخطاء أو عيوب مبكرًا، وعندها يسهل العلاج وتقديم الحلول.
"محبرة الحكيم"
عند البداية في مثل هذه المشاريع لابد أن نكون متفائلين وصادقين ومتقنين, فطريق الألف ميل يبدأ بخطوة, والمليون الأول يبدأ من أول قرش يدخل إليك عبر هذا العمل. وتذكر أن الأعمال العظيمة والكبيرة والقيمة هي ما تجاوزت التحديات بكل ثبات وعزم وإيمان, وضعْ تجربة شركة وولت دزني العالمية أمام عينيك, فقد أعلن السيد وولت دزني الإفلاس 5 مرات في تاريخه، وعاد ولم يرفع العلم الأبيض استسلامًا، بل أدرك تمامًا أن الاستسلام الحقيقي عندما: تنسحب وليس عندما تخسر.