تواجه المشروعات الصغيرة في الدول العربية تحديات كثيرة على رغم شعور الجميع بأهميتها ومن الملاحظ أن أكثر دول العالم تعتبر أن للمشروعات الصغيرة قدرة تفوق قدرة المؤسسات الكبيرة على إيجاد فرص عمل، وتفوقها في حسن استخدام العمالة، لكن النجاح في هذا الميدان كان مرتبطا بسياسات تعمل على تقوية القدرة التنافسية وعلى فتح الأسواق كما تهدف إلى الحد من البطالة أو التخفيض منها. كما لاحظنا في غالبية الأحيان أن التزايد السكاني يشكل عائقا دون نجاح تلك السياسات وبالتالي عائقا دون مكافحة البطالة من طرف المشروعات الصغيرة وخصوصا فيما يتعلق بفئة الشباب خريجي الجامعات. ومن الواضح أن البطالة تسجل ارتفاعا في البلاد العربية إذ تبلغ في تونس 10 في المئة و18 في المئة في المغرب و20 في المئة في السودان و30 في المئة في الجزائر و10 في المئة في البحرين.

ويقول الخبراء إن للمشروعات الصغيرة الدور الأكبر في استيعاب هذا الكم من العاطلين إلا أن هذا القطاع يواجه عدة تحديات أهمها:

التحدي الأول: خلق فرص عمل:

دور المشروعات الصغيرة في هذا المجال دور حتمي لأن إيجاد فرص العمل في الاقتصاد العالمي يكاد يرتكز على القطاع الخاص فحسب. وإذ تمثل المشروعات الصغيرة فيه نصيب الأسد فلابد من أن تكون تلك المشروعات قادرة على رفع التحدي. على سبيل المثال: تواجه مصر اليوم وجوب إيجاد 750 ألف وظيفة سنويا منها 600 ألف في القطاع الخاص وتنتظر تونس أن يغطي القطاع الخاص 90 في المئة من العاطلين. أما في البحرين فإن أعداد الداخلين الجدد إلى سوق العمل يقارب 7000 باحث عن عمل سنويا ومن المفترض أن يستوعب هذا القطاع 65 في المئة منهم.

التحدي الثاني: عدم توازن سوق العمل:

إذ تحتاج المشروعات الصغيرة إلى كفاءات ومهارات وتخصصات في مجالات متعددة، ويفتقر سوق العمل في عدة حالات إلى تلك المهارات أو البعض منها على رغم وجود عدد كبير من العاطلين، وتعاني أكثر من 70 في المئة من المشروعات الصغيرة من حدة تلك المشكلة في الدول العربية، وخصوصا أن غالبية المشروعات تفتقد برامج تدريبية متخصصة تساعدها على حل المشكلة.

التحدي الثالث: القطاع غير الرسمي

الذي يستوعب هذا القطاع في بعض الحالات أكثر من 60 في المئة من المشروعات الصغيرة ولذلك الأمر انعكاسات سلبية كثيرة نذكر منها تدهور وضعية العمالة، انخفاض الإنتاجية، عمالة الأطفال، تزايد تكاليف الإنتاج، عدم استقرار العمالة وصعوبة إدراج برامج تدريبية للعمال والمستثمرين الصغار، وخصوصا أن نسبة الأمية أو تدني مستوى التعليم تصل إلى 30 في المئة.

التحدي الرابع: المنافسة الخارجية:

يتحتم على كل المشروعات الصغيرة اليوم أن تواجه لا المنافسة في مجال التصدير فقط بل كذلك في مجال الاستيراد أمام المنتجات الأجنبية التي تغزو الأسواق قادمة من شرق آسيا بطريقة قانونية أو غير قانونية، تعززها أسعار وجودة تصعب منافستها. ومازالت قدرة مشروعاتنا الصغيرة على التصدير تتعثر أمام عدة عوامل ولعل أخطرها أحيانا عدم انتباه المستثمرين الصغار إلى وجوب الحضور في السوق العالمية واستيعابهم معطيات العولمة.

التحدي الخامس: استيعاب التكنولوجيات الحديثة:

تشكل التكنولوجيات الحديثة عبئا كلما أدرجت من دون دراسة جدوى تؤمن صلاحيتها. ففي هذا المجال لاحظنا أن بين مجموعة مشروعات صغيرة أدخلت تكنولوجيات حديثة على أسس علمية ثابتة أبرزت قدرة إضافية على إيجاد فرص عمل جديدة. هناك دراسة تفيد بأن 1700 مؤسسة كانت نسبة المشروعات التي أخذت تكنولوجيا حديثة 18 في المئة وكان إحداث فرص عمل في هذه الأخيرة يمثل 80 في المئة من مجموع فرص العمل التي أحدثت في 1700 مؤسسة. كما أن المؤسسات الناجحة في استخدام التكنولوجيات أظهرت قدرة أوفر على تدريب عمالها.

التحدي السادس: الخصخصة:

من الأسباب التي أدت إلى فشل نسبي في سياسات الخصخصة هي التطرق إلى الخصخصة كمجرد انتقال ملكية مؤسسات غادرت القطاع العام للقطاع الخاص من دون تأهيل هذا الأخير التأهيل المناسب، أولها التدريب وآخرها إعادة النظر في هيكلة المؤسسات قبل وبعد تسليمها للقطاع الخاص. على رغم إمكان تجزئة تلك المؤسسات لتخفيض حجمها ما ييسر في إدارتها وتطويرها، أما على الصعيد الاجتماعي فلم تراع مصالح العمال المنصرفين بقدر ما اهتم المسئولون بتسليم المؤسسات إلى القطاع الخاص على رغم أن إدراج الكثير في مهمات تلك المؤسسات إلى مجموعات عمال قادرين على تشكيل مشروعات صغيرة كان ما شأنه أن يحل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية.

التحدي السابع: التنمية الريفية:

تلعب المشروعات الصغيرة الدور الأكبر في مقاومة الفقر والبطالة، فلابد من تشجيع المستثمرين على بعث مشروعات في القرى والريف وخصوصا أن القطاع الزراعي مازال يمثل مورد العيش الأكبر في غالبية بلداننا العربية. على رغم الجهود التي تبذلها الحكومات لتوفير التوازن في التنمية الاقتصادية والاجتماعية بين الحضر والريف فمازال الوضع في صالح المدن. ونشير هنا إلى الجهود التي تبذلها مصر في بعث المشروعات الكبرى في الريف والتي تتيح الفرص للاستثمار في مشروعات صغيرة، وكذلك تسليم الأراضي الزراعية للشباب خريجي الجامعات، وكذلك نشيد بالتجربة التونسية في ميدان التنمية الريفية وبرامج التأهيل الشامل.

التحدي الثامن: أجهزة سوق العمل:

يشتكي جل المستثمرين الصغار ضعف بعض الأجهزة القومية وافتقارها إلى مد الخدمات المطلوبة منها. ففي الدراسة المذكورة لـ 1700 مؤسسة، أقل من 5 في المئة من المؤسسات التجأت إلى الأجهزة الرسمية بسبب عجز الهياكل المعنية بالأمر عن توفير العمالة الكفوءة أو بطء الاستجابة أو عدم وجود مؤسسه في المنطقة.

التحدي التاسع: عمالة الأطفال وإدماج العنصر النسائي:

17 في المئة من الـ 1700 مؤسسة في الدراسة المذكورة أشارت إلى أنها تفضل استخدام من كان عمرهم اقل من 19 سنة، إذ إن نسبة السيدات لم تتعد 13 في المئة من مجموع العمالة، و3 في المئة من المؤسسات صرحت بأنها تفضل عمالة سيدات.

التحدي العاشر: التمويل:

مازال قطاع المشروعات الصغيرة في الدول العربية يعاني من قصور في أجهزة التمويل المتخصصة في المشروعات الصغيرة. ففي سنة 1998 وبحسب معطيات البنك الدولي يغطي تمويل المشروعات الصغيرة نسبة ضئيلة لا تتعدى 2 في المئة من الحاجة.

وأكد الخبراء أن هناك أساليب جديدة للتمويل غير الإقراض حتى يمكن أن تدخل في قوانين التمويل منها التمويل المنتهي بنظام التمليك والتمويل غير الرسمي وتمويل الاستصناع.

أما المتبع الحالي منها القروض الربوية التي ثبت فشلها إذ إنها تسبب إرهاقا ماليا وتضر بسير المشروعات وافلاسها، وهناك القروض الإسلامية وتقوم على المشاركة سواء كانت المتبقية بالتمليك أو ما يسمى المشاركة المتناقضة وإجراءاتها كما يمكن أن تقوم بها الجمعيات الأهلية.

ونشيد هنا بتجربة الرئيس التنفيذي لاجفند الأمير طلال بن عبدالعزيز (برنامج الخليج العربي لدعم منظمات الأمم المتحدة الإنمائي) وذلك على نسق مصارف تساعد الفقراء وكذلك الملكة رانيا العبدالله في الأردن بإنشاء البنك الوطني لتمويل المشروعات الصغيرة وكذلك التجربة المصرية عبر الصندوق الاجتماعي والتجربة التونسية عبر بنك التضامن والتجربة العمانية عبر بنك التنمية العماني (برنامج سند).

والغاية من تأسيس هذه المصارف في الوطن العربي بحسب القائمين على فكرتها هي الوصول إلى مئة مليون أسرة من شريحة الفقراء في العالم بحلول العام 2005 مؤكدين أن تأسيس مصارف تعمل على مساعدة الفئات الفقيرة في الوطن العربي جاء بسبب أهمية القروض الصغيرة وفاعليتها للتخفيف من حدة الفقر الذي أصبح جزءا من الاستراتيجيات العامة للتنمية وأداة تنموية يمكنها الوصول إلى الفقراء ورفع مستوى معيشتهم للإسهام في نمو الاقتصاد الوطني.

كم نحن بحاجة في مملكتنا العزيزة إلى أن تكون هناك مصارف تمويل الباحثين عن عمل في إنشاء مشروعاتهم الصغيرة لقدرة هذا القطاع في علاج مشكلة البطالة وتحقيق التنمية لكونها تقوم على أساس الجهد الذهني والعضلي للشباب والخامات المحلية التي لا تتأثر كثيرا بالأسعار العالمية والتسويق المحلي قليل الكلفة.

حتى نتمكن من مواجهة هذه التحديات آن الأوان لتنسيق الجهود العربية في إنشاء اتحاد عربي للمشروعات الصغرى والصغيرة والمتوسطة إذ يكون عمليا وبعيدا عن الأطر البيروقراطية، وإعطاء دور رئيسي لجميع المؤسسات الحكومية وغير الحكومية في المشاركة لتسيير شئون هذا الاتحاد والذي سيصنع السياسات والاستراتيجيات لهذا القطاع الكبير ليلعب الدور الأكبر في تخفيف البطالة ومكافحة الفقر والتهميش الاجتماعي.

المصدر: أحمد الحايكي, صحيفة الوسط البحرينية - العدد 674 - الأحد 11 يوليو 2004م الموافق 23 جمادى الأولى 1425هـ
ahmedkordy

خدمات البحث العلمي 01009848570

  • Currently 35/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
11 تصويتات / 1238 مشاهدة
نشرت فى 23 يونيو 2011 بواسطة ahmedkordy

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

30,884,497

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters