نشأة و تطور التسويق :
إذا أردنا تتبع و تطور التسويق، يمكننا القول أن التسويق وجد منذ الأزمنة الغابرة بمفهوم يدعى الآن بالمقايضة، حيث كان الناس آنذاك يلتقون في سوق محددة و معروفة من قبل الجميع، و في وقت معين لتجري بينهم مقايضة و تبادل للمنتجات الزراعية و الحرفية التي كانوا ينتجونها في مزارعهم و حرفهم. و مع ظهور النقد لم يعد هناك مقايضة، بل تحولت إلى عملية بيع و شراء بواسطة العملات المتداولة في البلد و في أسواق معينة. يتضح من ذلك أن مفهوم التسويق في هذه الحقبة من الزمن، إنما كان يقتصر على عملية بيع وشراء بسيطة تتم بين المنتج البائع و المشتري في أسواق محددة، و لم يكن هناك نشاطا تسويقيا بمعنى الكلمة.
و استمر الحال على ذلك إلى أن بدأت التجارة بين البلدان عبر البر و البحر، فقامت رحلات تجارية بين الشرق و الغرب بين الصين و الهند و الشرق الأوسط و أوربا، وبين بلاد الشام و الحجاز و اليمن ، إلى جانب ذلك كانت هناك في القرون الوسطى تجارة رائجة وناجحة هي تجارة البندقية.
في هذه الأزمنة لم تكن هناك مشاكل تسويقية و ترويج للمنتجات لان السوق آنذاك كان سوق بائعين أي أن الطلب على المنتجات اكبر من العرض، إذ كان هناك عطش دائم للسلع على اختلاف أنواعها، فالقرب مثلا كان دائما يتشوق للبهارات الهندية و الحرير الصيني،و استمر الحال على هذا المنوال إلى أن قامت الثورة الصناعية بظهور الآلة البخارية، فتطور الإنتاج من حيث الكم و النوع، و بقي السوق في البداية سوق منتجين، على اعتبار العطش للسلع و المنتجات كان موجودا، وضل التسويق من حيث الاهتمام به متواضعا، و كان مفهوم التسويق آنذاك يدعى بالمفهوم البيعي للتسويق الذي يقتصر على الإعلان و تعريف المستهلك للسلعة و بالتالي تتم عملية البيع و الشراء.
و مع مرور الزمن و التطور التكنولوجي و العلمي في ميادين حياتنا و تزايد عدد السكان المتسارع، ظهر الإنتاج الكبير، و تحسنت نوعيته، و ظهرت المنافسة بين المنضمات في جميع بلدان العالم، و خاصة بعد تطور أدوات الاتصال و النقل السريع. في ظل هذه الظروف أصبح السوق في معظم بلدان العالم سوق مستهلك، حيث أصبح عرض المنتجات اكبر من الطلب عليها فالمستهلك الذي يريد شراء سيارة مثلا أصبح أمامه عشرات البدائل، و الشركات المنتجة جميعها تحاول كسب اكبر حصة أو نسبة من السوق.
و تماشيا مع هذه الأحوال و الظروف أصبح التسويق هو الملاذ و الوسيلة الفعالة التي يمكن للمنظمات الاعتماد عليها في ترويج مبيعاتها و كسب الأسواق.
و أصبح التسويق علما قائما بحد ذاته له مبادئه و قواعده و أسسه الخاصة به، و يمكن الاستعانة به في تحقيق رقم مبيعات جيد و أرباح مناسبة للمنظمة. فراح التسويق بمفهومه الحديث في ظل سوق المستهلكين يدرس المستهلك من حيث دوافعه و العوامل المؤثرة في اتخاذ قراره الشرائي، و دراسة و تخطيط السلعة بما يتماشى مع ذوقه و متطلباته، و اختيار قنوات التوزيع المناسبة التي تحقق له المنفعة المكانية و الزمانية، و راح يخطط برامج الإعلان و الترويج لتعريف المستهلك بالسلعة و خلق الرغبة و الدافع لديه للشراء. يتضح إذن أن المفهوم التسويقي الحديث يؤكد على ضرورة التركيز على المستهلك لنجاح المنظمة فقراره بالشراء أو الامتناع عنه في ظل ظروف سوق المستهلك له الأثر الكبير في مسيرة و تطور المنظمة.
و في الوقت الحاضر تطور مفهوم التسويق إلى أن دخل في مرحلة جديدة هي مرحلة المفهوم الاجتماعي للتسويق الذي يؤكد على نشاط التسويق لم يعد حرا في أن يخطط و يروج كما يحلو له دون مراعاة لمصلحة المجتمع و أبنائه.
فالتسويق عليه أن يسعى إلى تحقيق مصلحة ورفاهية المجتمع و المستهلكين فيه، عن طريق إشباع حاجاتهم و رغباتهم. و على المنظمات و من خلال أنشطتها التسويقية أن تتحمل مسؤوليتها في هذا المجال، و تحاول التوفيق بين ثلاثة اعتبارات أساسية هي إشباع حاجات و رغبات المستهلكين، تحقيق الأرباح، و مراعاة مصلحة و رفاهية المجتمع عن طريق الترويج الصادق و الأسعار المناسبة و المنافسة الشريفة. و لا شك أن المنظمة التي تراعي ذلك فهذا خير دعاية لها و لمستقبلها، و يستدعي الأمر هنا مراعاة أن استراتيجياتها التسويقية في مجال ترويج منتجاتها قائمة على أساس الاهتمام بالمستهلك و مراعاة مصالحه و عدم استغلاله، و عدم الإضرار بمصلحة المجتمع الذي تعيش فيه المنظمة كالغش و التلاعب التجاري على سبيل المثال.
تعريف التسويق.
تختلف تعاريف التسويق باختلاف الاديولوجيات و المفكرين و توجهاتهم الفكرية و اختصاصاتهم العلمية.
1.تعريف STANTON : التسويق هو نظام متكامل تتعامل فيه مجموعة من الأنشطة يهدف إلى تخطيط، تسعير، ترويج، و توزيع الخدمات و البضائع بعد الإنتاج.
2.تعريف ROSENBERG : التسويق هو عملية ملاءمة بواسطتها يتمكن المنتج من تقديم مزيج تسويقي.
3.تعريف الجمعية الأمريكية للتسويق (1960) : التسويق هو نشاط الأعمال الذي يوجه السلع و الخدمات من المنتج إلى المستهلك.
4.تعريف MeCarthy : التسويق هو تنفيذ أنشطة المشروع التي توجه تدفق السلع و الخدمات من المنتج إلى المستهلك.
5.تعريف SCOH, REWOLD, WARSHAW : التسويق هو تلك العملية في مجتمع ما و التي يتم بمقتضاها توقع هيكل أو حجم الطلب على السلع و الخدمات الاقتصادية ثم إشباعها و يتم ذلك من خلال عمليات الإدراك، الترويج، التبادل و التوزيع.
6.تعريف منظمة التعاون و النمو الاقتصادي : التسويق هو عبارة عن مجمل النشاط التجاري الذي يوجه المنتجات الحالية و الجديدة نحو السوق انطلاقا من معرفة رغبات و حاجات المستهلكين.
7.تعريف الجمعية الأمريكية للتسويق (1985) : التسويق هو عملية تخطيط و تنفيذ التصور الكلي لتسعير و ترويج و توزيع الأفكار و السلع و الخدمات لخلق عملية التبادل التي تشبع حاجات الأفراد و المؤسسات.
و من خلال التعاريف السابقة يمكن إعطاء تعريف شامل للتسويق على النحو التالي:
« التسويـــــق هو عمليــة اجتماعيــة و إداريـــــــة يحصـــــل من خلالــــه الأفــــراد و الجماعــات علـــــى احتياجاتهم و رغباتهم من خلال خلق و تقديم و تبادل المنتجــــات ذات القيمـــــة مــــــع الآخريـــــــن ».
أهمية التسويق.
تعيش معظم المنظمات في الوقت الحاضر عصر التسويق حيث تمثل قضية التسويق الفعال محور اهتمامات جميع المنظمات على اختلاف أنواعها و في جميع الدول نظرا للدور التأثيري الهام الذي يلعبه النشاط التسويقي كمحدد لنجاح المنظمات و سوف نتعرض لأهمية التسويق في المنظمات المختلفة، و يمكن توضيح ذلك في الفروع التالية:
الفرع (1): في منظمات الأعمال.
يمثل قطاع الأعمال أكثر القطاعات اهتماما بالنشاط التسويقي على اختلاف أنواعه و اختلاف حجم منظماته. و قد انتشر التسويق بداية و بشكل سريع في المنظمات المنتجة للسلع الميسرة مثل المياه الغازية و المواد الغذائية ثم بدأت الشركات المنتجة للسلع الاستهلاكية المعمرة في الاهتمام بالجوانب التسويقية و يليها في الترتيب الشركات المنتجة للمعدات الصناعية. و قد أظهرت العديد من الدراسات مدى تبني الشركات الهادفة للربح للتوجه التسويقي و ذلك على النحو التالي.
أ-تتبنى الشركات المنتجة للسلع الاستهلاكية المفاهيم التسويقية و تطبقها بصورة اكبر من الشركات المنتجة للسلع الصناعية.
ب- تتبنى الشركات كبيرة الحجم المفاهيم التسويقية بصورة اكبر من الشركات صغيرة الحجم.
قد بدأت الكثير من المنظمات الخدمية- في العقد الأخير- الاهتمام بتسويق خدماتها و بصفة خاصة البنوك و شركات الطيران عندما واجهت منافسة قوية في الأسواق ووجدت أن المشاكل التي تواجهها معظمها تسويقية الأبعاد.
و على هذا بدأت الكثير من البنوك في إنشاء إدارات مستقلة لتسويق الخدمات المالية بصفة عامة و المصرفية على وجه الخصوص. وبطبيعة الحال فان أمام هذه المنظمات شوط طويل حتى تصل إلى مستوى الشركات الصناعية في مستوى و عمق التطبيق للمفاهيم التسويقية.
و أخيرا و في السنوات الأخيرة بدأت مجموعة من قطاع الأعمال في تطبيق المفاهيم التسويقية و هي مقدمي الخدمات المهنية (Professional Services Providers) مثل المكاتب الاستشارية و المحاسبين و المحامين و مصممي الديكور ... الخ.
و قد جاء التطبيق المتأخر للمفاهيم التسويقية بسبب قيام العديد من الحكومات بوضع القيود أمام هؤلاء الفئات نحو الإعلان عن خدماتهم تحت ضغوط أخلاقيات المهنة. و لكن في الوقت الحاضر قامت حكومات العديد من الدول في الخارج بالسماح للمهنيين بالترويج عن خدماتهم مما يعطي مؤشر لإمكانية اهتمام هذه الفئات بالتوجه التسويقي.
الفرع (2): في المنظمات غير الربحية .
جذب التسويق اهتمام العديد من المنظمات غير الهادفة للربح مثل الجامعات و المعاهد العلمية و المستشفيات و المنظمات الدينية كالمساجد و الكنائس و المتاحف.
و قد جاء الاهتمام بالتسويق نظرا لارتفاع التكاليف و زيادة حدة المنافسة و رغبة هذه المنظمات في تقديم خدمات أفضل للأسواق المستهدفة.
فالمستشفيات على سبيل المثال واجهت مشاكل متعددة تتعلق بارتفاع أسعار الخدمة و زيادة دور المستشفيات التي تقدم نفس الخدمات مما حدا بالبعض منها إلى تنمية تشكيله من الخدمات و افتتاح أقسام جديدة مثل الغسيل الكلوي و وحدات زرع الكلى و الكبد، بالإضافة إلى زيادة اهتمامها بأقسام الطوارئ و وحدات علاج الأسنان و تقويمها، و في محاولتها لفتح أسواق جديدة بدأت المستشفيات تتصل بالشركات الصناعية لتقديم خدماتها الطبية على أساس تعاقدي للعاملين بهذه الشركات، و قامت بالإعلان عن خدماتها الوقائية عن طريق الاشتراك فيها لعمل فحوص طبية عامة كلمدة معينة نظير اشتراك سنوي معين بل أن بعض المستشفيات بدأت في الترويج للمستشفى كمكان للاستجمام و النقاهة عن طريق تقديم الخدمات الترفيهية و حمامات السباحة و إلى غير ذلك من أدوات التسلية.
و بطبيعة الحال فإن هذه المنظمات قد واجهت مشكلة في تحديد أسواقها و الوصول إلى أسواق جديدة لتحافظ على بقاء المنظمة و تغطية تكاليفها في ظل تغير اتجاهات المستهلكين و تقلص الموارد المالية لها.
و قد بدأت الوحدات الحكومية في الاهتمام بالتسويق و استخدامه في تصميم حملات للتسويق الاجتماعي (Social Marketing Campaigns) تهدف إلى حماية الأفراد من التدخين و الكحوليات و تنظيم الأسرة ... و إلى ما غير ذلك من الموضوعات ذات البعد الاجتماعي.
الفرع (3): في مجال التسويق الدولي.
قامت العديد من المنظمات التي تعمل في المجال الدولي بتكريس اهتمامها و بالاستثمار في تنمية المهارات التسويقية حتى تكون قادرة على تحقيق الميزة التنافسية في الأسواق الدولية. و قد ترتب على ذلك انتشار المفاهيم و الممارسات التسويقية في دول العالم و خاصة النامية منها مما حدا بالشركات الوطنية في تلك الدول إلى تلمس السبل المختلفة لتحسين أدائها التسويقي حتى يمكنها المنافسة مع تلك الشركات متعددة الجنسيات.
و قد ساهم ظهور و تطور التسويق الدولي في رغبة العديد من الدول و خاصة الاشتراكية منها زيادة إدراك وعي المسئولين فيها و عل مستوى الشركات المملوكة للدولة بحتمية الاهتمام بالتسويق سواء على المستوى المحلي أو الدولي و العمل في ظل آليات السوق الحر حتى تتمكن الدولة من تحقيق سياسات الإصلاح الاقتصادي و تحقق الازدهار في التنمية الاقتصادية المنشودة.
أهداف التسويق:
يمكن تحديد أهداف التسويق في العناصر التالية:
إيجاد المستهلك المقتنع بشراء أو اقتناء السلعة أو الخدمة.
إشباع حاجات و رغبات المستهلك من خلال دراسة سلوكه و العوامل المؤثرة في عملية اتخاذه لقراره الشرائي.
المحافظة على المستهلك و العمل على إبقاء القناعة لديه في أن سلعتنا أو خدمتنا التي نقدمها له هي الأفضل و الأقدر على إشباع حاجاته و رغباتها في ضوء ظروفه و إمكانياته الخاصة.
الاقتناع بالربح القليل في البداية لتحقيق الربح الكبير و الأوفر في المستقبل، من أجل القناعة و الرضا و الولاء لدى المستهلك بالسلعة و الخدمة.
يتضح من الأهداف الرئيسية السابقة التي يسعى التسويق إلى تحقيقها أن المستهلك هو نقطة البداية في العمل التسويقي (البحث عنه و إيجاده و دراسة حاجاته و رغباته و ذوقه و دخله ... الخ) و نقطة النهاية (إحداث القناعة لديه و المحافظة عليه) فالمفهوم الحديث للتسويق وفق هدفه يشير إلى أن المنظمة تنتج ما تقدر على تسويقه بمعنى أن عليها أن تنتج للمستهلك وفق رغباته و حاجاته و ظروفه، و لا تنتج مجرد للبيع فقط، و هذا يعد الركن الأساسي في نجاح وظيفة التسويق بوجه خاص و المؤسسة بوجه عام.
و بالتالي فالمفهوم الحديث للتسويق يجعل المستهلك و خدمته هدفه الأول و الأخير، فهو منبع الأفكار الإنتاجية و التسويقية المتجددة، ليكون العمل الإنتاجي و التسويقي في المؤسسة أكثر كفاءة و تحقيق أفضل الأرباح، فقبول و رضا المستهلك هو محور النجاح و البقاء و الاستمرار.