النجاح والتطور وتنمية القدرات والارتقاء نحو الافضل والاجدى ومواكبة الحركة التطورية في العالم وتقديم الصور العملية في الواقع كل ذلك رهين بمستوى التفكير الانساني وفاعلية الافراد الذين يديرون دفة العمل ويخططون له سواء في المؤسسات الحكومية او المؤسسات الخاصة او المشتركة بين القطاعين.
وحتى ترتقي المؤسسة الى القمة وان تسبق مثيلاتها او على الاقل ان تواكب التطور الحاصل في الدول المتقدمة فعليها اولا ان تنمي القدرات الذاتية للعاملين في نطاقها بكونهم الجانب الحيوي في العملية الانتاجية.
وقطعا لا يقصد من التنمية بحدود الآلات والمستلزمات التقنية كابدال الاعمال اليدوية بنظام الحواسيب وتحويل الرسائل والمخاطيات الى البريد الالكتروني لأن هكذا امور بات من الطبيعي استخدامها بصورة كاملة في حياتنا المعاصرة فليس ثمة مؤسسة تستغني اليوم عن استخدام التقنية الجديدة في تفاعلاتها العملية من اكبر الشركات الى اصغر الورش الشخصية التي يديرها اكثر من شخص، بل المقصود بشكل واضح تطور الفكر وانفتاحه وتهذيبه وتكامل الاساليب وسموها ونمو الاهداف والطموحات ونمط التعامل ومنهجية العمل داخل المؤسسة ادارة وعاملون في الداخل والخارج ، ذلك لان العمل مهما تطور تقنيا او امتلك من القدرات فانه يبقى رهين العقول التي تتعامل معه بصورة مباشرة.
وهذا فرق جوهري فهناك بلاد غنية بما يكفي الا انها ضعيفة الادارة وشعوبها تحت خط الفقر وتحت الظروف المريضة مثل الامية والجهل وتعصف بها المجاعات، فيما لا يملك الشعب قراره وخانع مضطرا تحت خيمة الاستبداد والمصادرة والتهميش وضياع موارده دون ان يحصل على شئ منها.
وهذا يمكن ان نجد مصداقه في الشعب العراقي بكونه يمتلك طبيعيا نهرين كبيرين يشقانه طوليا إضافة الى انه من افضل الاراضي المتكونه رسوبيا والمعدة لصالح الزراعة والنخيل والحمضيات، وياتي النفط كمصدر كبير من ضمن الموارد التي يعول عليها الاقتصاد العراقي.
ونجد بعد كل هذه الموارد كيف هو حال الشعب العراقي وخصوصا في الحقبة الصدامية، وماهي التركة التي خلفها ذلك النظام والتي سيعاني منها العراقيون الى فترات طويلة.
هذا قد نرجعه الى سوء الادارة وانعدام الفكر الايجابي لدى القائمون على الامر السياسي، بغض النظر عن تعسف السلطة بحقوق الانسان وتجاهاتها وهي معروفة لدى كل الناس تقريبا.
وفي اوقاتنا الحالية وخصوصا في المرحلة التي اعقبت التغيير كان المنجزالمعماري والانشائي رديئا بشكل مفرط رغم توفر التقنيات والمستلزمات، واذن فان تنمية القائمون على العمل لهم الجانب الفعال في العملية الانتاجية قبل التفكير في تقنية العمل.
لقد بات من الضرورات تنمية الفكر الانساني في اوساط العمل وهي مسالة تلح على الانظمة في الابعاد السياسية او الاجتماعية او الادارية واصبحت المعيار على مداومة وثبات المؤسسات وبقاءها وتطورها، وبات على الجميع الاذعان الى هذه الحقيقة ومواكبتها مواكبة عقلانية بما يضمن تطور الافكار ودمجهم في العملية الانتاجية من خلال قناعاتهم ورؤاهم الفكرية وتجنب الاساليب القديمة التي لا تعول على الجانب البشري في الابداع والتجديد وبعيدا عن قطار التقدم المتسارع ولذا لم يعد للذين لايؤمنون بفاعلية البشر الجدية ان تتاح لهم فرص النجاح والتطوير. وليس المقصود بالتطور الا بكونه وسيلة الى الافضل وتحقيق الاهداف الاسمى والطموحات الارقى.
كما نريد ان نتحرر من كل معتاد سلبي ونمطي يعرقل النمو والتكامل الذي نقصده ونعنيه ان ندرس افكارنا واساليبنا في مجالات العمل لنبقي على الصحيح ونطوره ونؤكد بان ذلكمنوط بالمدراء واصحاب القرار اولا وقبل كل شئ.
فمن الواضح ان التطور والنمو يتوقف على الابداع والاخلاقية بدرجة كبيرة لأن مسيرة التقدم لا تتحقق بالكلام ولا تنال بالشعارات او بالخطط المثالية وانما تتحقق بالتدبير الخلاق، وهذا الكلام لا يقلل من اهمية الافكار المتطلعة والاهداف العالية واهميتها في التطوير والتنمية لأن معادلة النمو تتقوم باطرافها جميعا ، ولكن يبقى للتدبير والادارة ايضا الدور الاكثر فاعلية بل والاكثر اهمية في ايجاد او تطوير الافكار والاهداف معا.
ان كل مؤسسة تتقوم بالعنصر البشري لذا لا يعدم ان تكون لها افكار متطلعة واهداف بعيدة وطموحات وآمال تسعى لتحقيقها اذ لولا ذلك لبطل دورها واصبح وجودها بلا معنى، فالمعادلة هي: الفكر المتطلع+ الاساليب المبدعة+ الادارة الخلاقة.ففي هذا المثلث تكمن الجذوة التطورية وهذه كلها تخرج من داخل البشر وليس من التقنيات ذلك لان قيادة التقنيات بيد البشر انفسهم ولإ فان جميع المستلزمات رغم اهميتها تبقى آلات باردة يتناوشها الصدأ والذوبان ان لم تجد السواعد والنفوس المقتنعة بالعمل.