ن واقع المرأة في أي مجتمع يشكل معيارا فعليا للحكم على درجة النمو الحقيقية لهذا المجتمع وارتقائه، فحدود تقدم هذا المجتمع هي نفسها هي درجة تقدم المرأة فيه ، فتقدم الرجل وارتقائه يرتبط بشكل وثيق بتطور المرأة فهو لا يمكن أن يتقدم فعليا بمعزل عن المرأة ، وذلك أنه حيث يكون هناك تخلف يكون نصيب المرأة فيه اكبر وحظها من الفرص اقل الحظوظ، فالتقدم لا يقاس فقط بحده الأعلى بل بدرجة كبيرة بحده الأدنى، أي بوضعية الشرائح السكانية الأكثر غننا(1).

هذا وتمثل المرأة النصف الأخر للإنسانية – هي نصف ساهم في صنع التاريخ وإقامة الحضارة على الأرض ، وبذلك تعد من قديم الأذل وعلى مر العصور وتعاقب الأجيال عضوا فاعلا مشاركا أصيلا إلى جانب الرجل ،خاضت معه على مدى مراحل التاريخ ومسيرته البشرية معارك ضارية ، وتعرضت لإحداث دامية ومواقف صعبة تحملتها وواجهتها وعانت منها الكثير والكثير ضد قسوة الطبيعة وقسوة الظروف وقسوة القهر وكل أنواع العنف والاضطهاد والتمييز العنصري  والظلم و الحرمان وما زالت المرأة حتى اليوم تناضل وتكافح وتواجه وتخوض المعارك المتلاحقة المتعاقبة وان تنوعت مسمياتها وأشكالها وصورها أو تغيرت ظروفها وطبيعتها ضد التخلف والعادات القبلية والسلفية والتقاليد البالية الجامدة المتوارثة ضد النظرة الدونية لها كأنثى وليست كإنسانة مما ترك آثارا عكسية سيئة على نفسيتها وخلف ظلالا من التشكيك وعدم الثقة في دورها وأداؤها وبالتالي التقليل من شأنها وإغفالها حقوقها والجور عليها والنيل منها ما أمكن(2) .

وان المتتبع للتراث الفكري والموروثات الدينية يجد أن الأديان السماوية المختلفة اهتمت بالمرأة ، ففي الديانة المسيحية نجد أن هناك اهتمام كبير بالمرأة حيث يظهر أروع وأعمق تعبير عن المحبة في العلاقة ما بين الرجل والمرأة وحيث علاقة العطاء الأكمل ، وإن الدارس للأناجيل المختلفة يجد أن النسوة كن يصحبن المسيح وكن  الأشجع وسط التلاميذ ورغم تأثير التقاليد والحضارات القديمة تجاه المرأة ، فلقد أظهر المسيح اهتمامه بدور النساء ومكانتهن في المجتمع .

كما جاء الإسلام فوضع المرأة في مكانها الصحيح حيث منحها حقوقها الإنسانية والمدنية والاقتصادية ، ويتجلى ذلك في عدد السور التي تعرضت لأمور النساء وهي كثيرة .. منها سورة البقرة ، وسورة المائدة ، وسورة النور ، وسورة المجادلة ، وسورة الأحزاب ، وسورة التحريم .. غير أن سورة النساء هي أكثر السور تعرضاً للمرأة ، فهي تعرض الاستقرار الداخلي ، وتوضح الأسس الكفيلة بدوام هذا الاستقرار ونشاطه .

ولقد تعرضت السور للأسس الآتية :

  1. 1.    تكريم المرأة .
  2. 2.    نظام الأسرة . 
  3. 3.    مساواة الرجل بالمرأة في الكسب وفي حدود الطاقة .
  4. 4.    الحقوق المالية للمرأة .
  5. 5.    حرية المرأة في ذاتها وأموالها .
  6. 6.    نظام الزواج : المحرمات من النساء ، تخير الزوجات ، قوامة الرجل على المرأة .

      كما حقق الإسلام للمرأة ذاتيتها وشخصيتها المستقلة وصان لها كرامتها الإنسانية ، فيما شرع من نظم العبادات والمعاملات ، كما غير الإسلام من مكانة المرأة ومن نظرة الرجل لها ، وذلك من وضع الامتهان للمرأة الذي كان سائداً قبل الإسلام ، وحظيت جميع النساء في الإسلام بحقوق لم تحظى بها المرأة الأوروبية إلا في القرن العشرين ، بل أن المرأة الأوروبية لم تنل بعد كل ما حققه الإسلام للمرأة من حقوق ، حيث كفل للفتاة التعليم ، واستلزم أن تكون فرص التعليم متساوية للمرأة والرجل ، وموقف الإسلام صريح في أن تعمل المرأة كالرجل ، وأمرت شريعة الإسلام الرجل بأن يعامل المرأة معاملة طيبة ، وأن يعاشرها معاشرة سمحة ، وأن يشاورها فيما يعن له من أمور ، وجعل العلاقة التي ينبغي قيامها بين الزوجين مبنيه على المودة والرحمة ، وربطها بالسكينة بينهما .

      و المرأة العصرية في العصر الحديث أصبح لها دورا حقيقيا مؤثرا في كل جوانب الحياة . وفى الفترة الأخيرة – ارتفع معدل مشاركة المرأة في برامج ومشروعات التنمية المحلية ، وأصبح لها مساهمة كبيرة في العمل والإنتاج ، كما بلغ عدد النساء العاملات أكثر من ثلث العاملين.(3)

هذا وقد لقيت المرأة العربية اهتماماً متميزاً لإسهامها الفعال في إنجاز خطط التنمية ، وشهدت العقود الأخيرة من القرن الماضي من كثير من الدول العربية ومؤسسات العمل العربي بتزايد اهتمامها بأوضاع المرأة .

فعلى صعيد جامعة الدول العربية ، أنشئت إدارة خاصة بشئون المرأة والأسرة، كما أصدرت منظمة العمل العربية اتفاقية خاصة بشأنها هي " الاتفاقية العربية رقم(5) لسنة 1979 " ، وقد عمدت معظم الدول العربية إلى تشجيع إقامة اتحادات نسائية وجمعيات تعني وتهتم بشئون المرأة ، كما تأسست إدارات مثيلة لها في معظم وزارات الشئون الاجتماعية ، ويستمد الاهتمام العربي بشئون المرأة من اعتبارات موضوعية في مقدمتها تشجيع دخولها ميادين العمل من خلال كونه حق طبيعي وواجب مقدس وهو يمثل توسعا في زيادة الإنتاج وتقدم المجتمع ورفاهية الأسرة ، وان مساهمة المرأة في قوة العمل يحقق من جهة تطوير أوضاعها الاجتماعية وتحسين قدراتها الاقتصادية ، ومن جهة أخرى فهو مؤشر ايجابي عن مدى إسهامها في عملية الإنتاج ، وفى المحصلة النهائية تحقق للمرأة مكانتها ويلبى حاجاتها الاقتصادية والاجتماعية والنفسية .(4)

وليس هناك ثمة شك في أن المرأة العاملة في مصر تمثل عنصرا هاما من عناصر التنمية القومية الشاملة ، فهي نصف المجتمع الذي يقع عليه عبء كبير في صنع التقدم والتنمية ، كما يقع عليها أيضا عبء تربية النشء والشباب والمشاركة الايجابية في بناء أجيال صالحة . (5)

 

المرأة والعمل :

يقول الله تعالى : " لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ [النساء : 32]

والعمل هو وسيلة الاكتساب ومعنى هذا أن القران الكريم يقرر حق المرأة فى العمل ولقد كان النساء على عهد رسول الله s يخرجن لقضاء حوائجهن غير أن هناك بعض الآيات القرآنية التي توصى بغير ذلك ، وقال تعالى" وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى " [الأحزاب : 33] "

فالأمر بالقرار يوصي بعدم الخروج للعمل ، وقال تعالى : " فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى " إفراد بعد تثنية ، خروج آدم وحواء من الجنة ، ولكن انفرد آدم بالشقاء .. والمقصود بالشقاء هنا هو الكد والتعب من أجل العيش والكسب ، وهذا إيماء بأن العمل هو الوظيفة الأولى للرجل أما المرأة فمقرها دارها ، فهما معاً في الجنة كانت تتوفر لهما كل مقومات العيش والهناء ، ثم خرجا من الجنة وأحدهما أضعف من الآخر وفي حاجة إلى حماية ورعاية ، والرعاية تقتضي التعب والشقاء، فكان آدم هو ذلك الشخص ، كيف إذن يمكن أن توفق بين النصوص ؟ آيات توصي بالعمل وأخرى توصي بغيره ؟

ويمكن التوفيق بين الآيات في ضوء مرونة الإسلام وصلاحيته لكل زمان ومكان وفى ضوء حرصه على الكرامة الإنسانية ، فواجبات المرأة المنزلية ورعاية شئون أسرتها قد تكون كبيرة أو هي كبيرة بالفعل، غير أن ظروف الواقع وضرورات الحياة قد توجب غير ذلك فتملى على المرأة إلا تكتفي بدورها في المنزل بل تشارك الزوج فى كسبه ، وهذا ما كان من السيدة أسماء g ، وهذا ما فعلته السيدة خديجة g ، فالعمل قد يكون الباعث عليه الضاغط الاقتصادي وثقل مسئوليات الأسرة المادية ، كما أن الإسلام يكفل للمرأة أن تعمل حفاظاً على شرفها بدل من التردي إلى هاوية الرذيلة ، كما يكفل لها أن تعمل بدل أن تفقد كرامتها فتضطر للتسول أو تصير عبئاً على غيرها .

إن المهمة الإنسانية للمرأة كبيرة فقد جعل الله من وظائفها أن تحمل ، وأن تضع ، وأن ترضع ، وأن تكفل ثمرة الاتصال بينها وبين الرجل .. وهي وظائف ضخمة أولاً ، وخطيرة ثانياً ، وليست هينة أو يسيرة بحيث تؤدي بدون إعداد عضوي ونفسي وعقلي عميق غائر في كيان المرأة فزودت بما يلزم من خصائص الرقة والعطف وسرعة الانفعال والاستجابة العاجلة لمطالب الطفولة بغير وعي لا سابق تفكير، وهي استجابة مستحبة في معظم الأحيان وكان طبيعياً وعدلاً أن يناط بالرجل توفير الحاجات الضرورية والحماية للأنثى حتى تتفرغ لوظيفتها الخطيرة(6).

هذا وتتعدد ادوار المرأة الاقتصادية ويمكن تناولها في الاتى :

1)    بالنسبة للأنشطة الاقتصادية – على المستوى القومي نجد أن المرأة تعمل بالزراعة منذ القدم ، بل لقد عنى المصريون القدماء بتسجيل رسوم متتابعة عن حياتهم اليومية على جدران مقابرهم يؤخذ منها مدى المشاركة الفعالة للمرأة الفرعونية مع الرجل في الأنشطة الزراعية إضافة إلى أعمالها التقليدية ، ولقد أشارت إحدى الدراسات إلى أن دور المرأة في العمليات الزراعية كان أهم أدوارها بعد العمل المنزلي ، ولقد أشارت منظمة الأغذية والزراعة في عام 1990م إلى أهمية إدماج المرأة الريفية في عملية التنمية ، ولعل هذا يعود بالضرورة إلى دورها في الإنتاج الزراعي ، وتقوم المرأة في مجال الزراعة بالعمل في مراحل الإنتاج المختلفة من حرث للأرض وبذر للبذور ومكافحة للآفات
وجني للمحصول.

2) وعن نشاط المرأة في مجال الصناعة – نجد أن مشاركة المرأة في الصناعة يرجع إلى عهد الفراعنة، حيث كان يعهد للنساء بالقيام بعملية غزل ونسيج الكتان ، واستمرت ممارسة المرأة لهذه الأعمال عبر العصور المتعاقبة ، لكن علاقة المرأة بالصناعة يمكن إرجاعها بصفة رسمية إلى عام 1874 ، حيث نصت لائحة مدرسة البنات بالسيوفية في المادة 41 على أن مدة الدراسة بالمدرسة خمس سنوات ، فإذا انتهت هذه المدة خرجت التلميذات من المدرسة إما إلى عائلاتهن أو الاشتغال بعمل أو الالتحاق بالمصنع الذي سينشأ لصنع الملابس اللازمة لموظفي الحكومة والأفراد ، ثم تطور الأمر إلى إصدار القانون رقم (48) لسنة 1933 حيث أشار إلى توظيف المرأة في المصانع ، وعدل هذا القانون سنة 1936 ليواجه الأعداد المتزايدة من المشتغلات بالصناعة ، وفي عام 1964 التزمت الدولة بتعيين فائض الخريجين عن طريق القوة العاملة ذكوراً وإناثاً .

وفي الوقت الحالي تقوم وزارة الشئون الاجتماعية من خلال مشروعات مثل مشروعات تنمية المرأة الريفية ، ومشروع الأسر المنتجة ، بإكساب المرأة الريفية ، المهارات اللازمة بحيث تستطيع الحصول على القروض اللازمة لعمل مشروع منتج ، وتشير الدراسات (وزارة الزراعة 1990) إلى أهمية تنمية المرأة الريفية حتى تتمكن من زيادة دخلها من خلال تصنيع بعض المنتجات التي تحتاجها الأسرة في البداية ثم بعد فترة توجيه الإنتاج إلى السوق .

3)  ومن حيث نشاط المرأة في مجال الخدمات فلقد كان أول ميادين الخدمات العامة للمرأة المصرية هو ميدان الخدمة الصحية ، حيث أنشئت أول مدرسة للمولدات في عام 1831 ، ثم ازداد هذا الدور بالتوسع في إنشاء كليات الطب والتمريض ومدارس الحكيمات ، وغير ذلك من المعاهد الطبية والصحية(7) .

هذا وتوضح الدراسات الخاصة بمعدلات النشاط الاقتصادي للإنتاج في مصر الحقائق التالية :

إن نسبة الإناث الناشطات اقتصاديا يصل إلى 38% وذلك لفئات السن 12 سنة فأكثر ، والسبب الرئيسي في انخفاض هذا المؤشر يرجع إلى عدم إدراج عمالة المرأة في قطاع الزراعة بصورة دقيقة، حيث تبلغ معدلات الإناث في هذا القطاع حوالي 19.5% عام 1976، 11% عام 1986 ، بينما تصل إلى 41% في بحث العمالة بالعينة لعام 1984م ، 67% في بحث العمالة بالعينة لعام 1988م.

-      كما بلغ معدل نشاط الإناث بالريف 48.4% مقابل 26% في الحضر .

كما تتركز معظم العمالة النسائية في قطاع الزراعة بنسبة 67.2% ويليها قطاع الخدمات بنسبة 15% وذلك وفقا لبيانات عام 1988م.

وهناك اتجاه واضح نحو العمل بأعمال البيع والزراعة وتربية الحيوانات والصيد ، وانخفاض التوجه نحو العمل بالمهام العلمية والفنية والخدمية، وقد يرجع ذلك إلى عدم وجود فرصة عمل حقيقية أمام النساء للعمل بهذه الأنشطة ، ولذا توجهن نحو الأنشطة التي لا تمثل فرص عمل حقيقية تنافسية وربما يعكس ذلك أيضا الأوضاع والمستويات التعليمية للإناث (8).

" وبنظرة نقدية تحليلية نقر أن المرأة العاملة تمثل رمزا هاما ومؤثرا في المجتمع المصري ، وأصبحت تلعب دورا حيويا ومحوريا في كل جوانب الحياة وفى مسيرة التنمية في مصر عامة والمجتمع الصعيدي خاصة . ولكن من الملاحظ أيضا انه برغم كل هذا إلا أن  هناك العديد من الآثار الاجتماعية والاقتصادية والأسرية المترتبة على عمل المرأة وخروجها للعمل والتي قد تؤثر سلبا على كيان الأسرة المصرية وعلى علاقة الرجل بالمرأة داخل محيط الأسرة والتي قد تعرقل مسيرة التنمية والإصلاح " .

وتتمثل مشاكل المرأة العاملة فيما يلى :

(1)   التأثيرات القاتلة التي تؤثر في الأم وفى الجنين، قبيل الوضع وبعده، من جراء العمل المرهق، وانصراف الأم عن العناية بولدها في الأسابيع الأولى من حياته ، من الحقائق التي لا منازع فيها وما يزال صور التمييز الجنسي في مجال الاستخدام والأجر قائما ، ولا تزال الحقوق المكتسبة بعيدة عن التطبيق الفعال فالكثير من المنشآت لا تنفذ القانون... كذلك فان الرعاية الطبية للمرأة الحامل تكاد تكون معدومة ، وأطباء المستشفيات العمالية يرفضون علاج أمراض الحمل ، ويعتبرونها أمراضا دخيلة لا شأن لهم بها.

(2)   هذا في الوقت الذي تؤكد فيه التقارير كثرة تعرض المرأة العاملة للإصابة بمرض نسائي معين نتيجة وقوفها على قدميها ساعات طويلة أمام الآلات، ولقد أوضحت الكثير من الدراسات أن الأم العاملة لديها تقدير لذاتها أعلى من ربة البيت ، كما أنها اقل عرضة للشعور بالاكتئاب، ولكن بالمقارنة لزوجها فهي أكثر إرهاقا وتعرضا للمرض.

(3)   وتعانى المرأة العاملة من الصراع، والذي ينتج عنه ( مرض الطفل المضروب ) وهو مرض اصطلح عليه بسبب كثرة ضرب المرأة العاملة للأطفال وعدم قدرتها على عدم تحمل مشاكلهم. ويعود هذا إلى خروج المرأة العاملة للعمل ثم عودتها مرهقه إلى المنزل لتواجه الطفل الذي لا يكف عن الصراخ فيفقدها اتزانها وعواطفها فتلجأ إلى ضربه.

(4)   كما اكتسبت المرأة قدرا من السلطة داخل إطار العائلة نتيجة لدخولها الى إطار العمل المأجور واستقلالها الاقتصادي مما أصبح مصدرا للصراع بين الزوجين وإشاعة الإحساس بعدم الاستقرار، والإصرار على  الحصول على الطلاق ومنافسة الذكور في أشياء عديدة مثل التدخين وقيادة السيارات(9) .

(5)   كما أن وجود الزوجين خارج الدار للعمل يعنى أن الأسرة باتت بأمس الحاجة إلى الأغذية الجاهزة والمعلبة والملابس الجاهزة أيضا والى وسائل منزلية لتسهل مهامها داخل المنزل ، فانتشرت المطاعم والمخابز والمقاصف والأطعمة المجمدة والمحفوظة ومعدات التنظيف والشغالات والمربيات ودور الحضانة .

هذه التطورات والابتكارات الخاصة بالمنزل تبلورت من جراء عمل المرأة خارج دارها لكي تساعدها في استمرار عملها والبقاء فيه والحفاظ بذات الوقت على وظيفتها المنزلية تجاه أسرتها .

(6)   ليس هذا فحسب بل أن خروج المرأة للعمل خارج الدار وصعوبة العيش في المدينة الحضريه وتزايد وتكاثر متطلبات العيش الرغيد  دفع بالزوجة الى ان تقوم ببعض الأعمال التي كان الزوج يقوم بها وكانت تعد من مسئوليته مثل التبضع والتسوق اليومي ووضع قوائم ( فواتير) متطلبات الدار في المكاتب والشركات ومتابعة المعاملات الرسمية فى مكاتب الدولة ودوائرها، وبالوقت ذاته دفعت ( هذه الظروف) الزوج الى ان يقوم بمهام وواجبات الزوجة مثل غسل الصحون وتنظيف الدار وطبخ بعض المأكولات وشراء الأطعمة وإطعام الأطفال وتنظيف أجسامهم مثل هذه المهام الدورية كانت من واجبات الزوجة ، هذه الدلائل تشير إلى حدوث تغير نوعى في نظام تقسيم العمل داخل الأسرة الحضرية . (بالذات في الطبقة الوسطى ) أي لم تبقى مسئوليات الزوج والزوجة وواجباتهما كما هي قبل التحضر بل حصل تعاون وتساند بينهما ولم تبقى حدود دورهما ثابتة وجامدة (10) .

(7)   ولقد اتفقت كثير من الدراسات على أن المرأة العاملة أكثر استخداما لوسائل تنظيم الأسرة ، واقل إنجابا من المرأة غير العاملة ، ويرجع هذا إلى أن عمل الزوجة يؤدى إلى خلق اهتمامات جديدة لديها ، ويرفع مكانتها في الأسرة ، كما انه يرتبط بارتفاع المستوى التعليمي في حالة العمل بمهن فنية ، بالإضافة إلى انه يرفع من دخل الأسرة ومستواها الاقتصادي.

(8)   ويلاحظ أن التحاق المرأة بعمل يؤدى إلى تأخير السن عند الزواج ، حيث تبين من خلال دراسة أجريت عن العمر عند الزواج الأول ، والعوامل المؤثرة عليه ، وتأثيره على الخصوبة أن التحاق الفتيات المتعلمات بعمل يؤدى إلى تأخرهن عن الزواج بمتوسط عامين عن الفتيات المتعلمات التي لا يمارسن عملا (11) .

وإذا كان الأمر كذلك فأنه يصبح من الضروري العمل على خلق الظروف المواتية لتضطلع المرأة بدورها كما يجب ، حيث يجب العمل على إزالة المعوقات التي تقف في سبيل تحقيق المرأة لدورها أو تحد من قدرتها على أداء هذا الدور.

   حيث أن هناك معوقات كثيرة تواجه قيام المرأة بدورها ، منها معوقات خاصة بالمرأة وحدها ومنها معوقات مشتركة يواجهها الرجال والنساء على السواء.

   فمن المعوقات المشتركة بين الرجال والنساء ارتفاع نسبة الأمية وتدنى المستوى التعليمي .... أما عن المعوقات التي تواجه المرأة وحدها فمنها متاعب المرأة العاملة والتي تتمثل في تشعب دور المرأة بين الأعمال المنزلية وعملها خارج المنزل ، كذلك من أهم المعوقات وجود تصورات غير حقيقية وغير واقعيه تسود بين دوائر المثقفين ورجال السياسة عن أوضاع المرأة والأسلوب الأمثل نحو تغيير هذه الأوضاع.

   كذلك هناك معوقات أخرى تتمثل في التناقض بين نصوص القوانين والممارسة حيث إن هناك تناقض واضح بين القوانين والتشريعات المتعلقة بالمرأة وبين الممارسات الفعلية وذلك نتيجة لمعايير ثقافية سائدة، فمثلا نجد إن الدستور سوى بين الرجل والمرأة في جميع المجالات في إطار الشريعة الإسلامية إلا أننا نجد في كثير من الأحيان وجود تفرقة بين الرجل والمرأة وقد يرجع ذلك إلى وجود معايير ثقافية تحدد الأوضاع الاجتماعية مسبقا لكل من المرأة والرجل في النسق الاجتماعي (12) .

لذا يجب العمل على :-

1-   إصدار التشريعات التي تحقق دخول المرأة في الميادين التي كانت ممتنعا عليها الالتحاق بها كلية.

2-           توسيع نطاق التعليم بما يحقق اشتراك المرأة في جميع فروعه.

3-   إعداد مؤسسات ومراكز لتأهيل ذوى العاهات ، ومن يصبن بالعجز أثناء العمل من النساء لإعادتهن إلى الحياة المنتجة.

4-   إعادة النظر في برامج التعليم والإعداد والتدريب المهني مع التوسع فى إنشاء المدارس الفنية للبنات لإعداد المدربات.

5-   معاملة المرأة وفقا لأنظمة موحدة فيما يتعلق بإجازات الحمل والوضع والرضاعة في جميع القطاعات.

6-   التوسع في أنشاء مراكز الرعاية النهارية ودور الحضانة للأطفال تتناسب ومراحل النمو المختلفة(13).

وأخيرا يجب وضع رؤية مستقبلية تتضمن آليات لتفعيل دور المرأة في المجالات المختلفة ومنها :-

أولا : سياسات تنمية المرأة تعليميا :

( أ ) سياسات استيعاب الإناث فى التعليم الاساسى للجميع:

1- توفير المبانى المدرسية             

2- توفير المدارس ذات الفصل الواحد

3- توفير برامج محو الامية للإناث  

4- إزالة معوقات تعليم الفتيات

5- زيادة نسب القبول بين الاناث عنها بين الذكور فى التعليم الاساسى

6- نشر رياض الأطفال وتعميمها.

7- توفير فرص التعليم للأطفال ذوى الاحتياجات الخاصة .

(ب) سياسات استمرار الإناث فى التعليم.

  1. 1.    الارتفاع بعناصر الجودة فى العملية التعليمية .
  2. 2.    الارتفاع بمستويات إعداد المعلم .
  3. 3.    الارتفاع ببرامج تدريب المعلم أثناء الخدمة .
  4. 4.    توفير برامج التعليم عن بعد .
  5. 5.    توفير المواد القرائية للمتعلمات حديثاً وبرامج التدريب المهني وبرامج تعليم الكبار .
  6. 6.    تطوير أساليب مراقبة الجودة في العملية التعليمية .

ثانيا : سياسات تنمية المرأة ثقافيا :

      الحديث عن تنمية المرأة ثقافياً ، يستدعي التعرف على الواقع الثقافي للمرأة المصرية ، ومن (الواقع) ينطلق الحديث عن (المستقبل) حتى لا يأتي هذا الحديث المستقبلي حديث خيال وأوهام وتصورات تبخس الواقع قيمته ، أو تضفي عليه ما لا يحمله من أحلام وردية ... وأتصور أن تلك هي مهمة الأجهزة الثقافية في الدولة، التي يجب أن تبني سياستها وتحدد ملامح خططها المستقبلية ، قصيرة المدى وطويلة الأجل ، على وجود هذه الصورة في الواقع الثقافي الفعلي للمواطن المصري بصفة عامة ، وبالتالي المرأة المصرية بصفة خاصة .

      ومن الملاحظ أن وعي المرأة بذاتها ، وبقدرها وقدرتها ، إنما يتحدد أول ما يتحدد بما يمثله الخطاب الثقافي المتضمن في ذلك المخزون الاجتماعي المتوارث ، وبما يطرحه من إعلاء لقيمة المرأة أو هبوط بتلك القيمة. ثم يأتي حسب التسلسل التاريخي وليس الأهمية – التعليم ، كمصدر من مصادر الإسهام في التكوين الثقافي للمرأة المصرية . وتأتي وسائل الإعلام المسموعة ، والمرئية المسموعة ، على رأس قائمة المؤثرات الثقافية للمرأة .

 

ثالثا : سياسات تنمية المرأة صحيا :

      وهي حصيلة مباشرة لتفاعل دينامي مستمر بين السياسات والمكونات للتنمية الثقافية ومع مخرجات التنمية الاقتصادية ، فالمرأة تمثل جزءاً هاماً من مكونات طاقة العمل سواء في الإنتاج السلعي أو الخدمي ، ومن ثم تصبح سياسات تنمية المرأة صحياً من القواعد الأساسية لدورها للنهوض بالمجتمع .

      ولما كانت السياسة الصحية في أي مجتمع من المجتمعات تقوم على مجموعة من السياسات الفرعية ، هي سياسة الصحة الوقائية ، وسياسة الصحة العلاجية ، وسياسة الصحة التأهيلية ، وسياسة الثقافة الصحية والبيئية والسكانية، وسياسة تنمية الكوادر البشرية الصحية، وسياسة اقتصاديات الرعاية الصحية .

رابعا : سياسات تنمية المرأة اجتماعيا :

      إن الدور ­السياسي للمرأة يرتبط بالدور السياسي للرجل وكلاهما جزء فعال من الحراك السياسي كله لذلك فإن دور المرأة السياسي لابد أن ينكمش في ظل الديكتاتورية وغياب الديمقراطية وضعف المشاركة السياسية .

      كما يجب أن نعترف بوضوح أن دور المرأة السياسي الذي نتحدث عنه هو ذلك الدور الذي يباركه المجتمع لا الذي تفرضه سلطة علوية بشكل رمزي لا يعبر عن واقع حقيقي .

      وبالتالي فأنني أريد أن أقول وبشكل مباشر أن دور المرأة الصعيدية يحتاج إلى تطور في البيئة السياسية والمناخ العام ، وأنماط التربية وأساليب التعلم ، وبرامج التثقيف وسياسات الإعلام فذلك هو الطريق الأوحد الذي يضع المرأة المصرية في قلب الحياة العامة ويوفر لها آليات العمل السياسي .

خامسا : المقومات التشريعية لتنمية المرأة :

      إن مجموع البنيان التشريعي الذي يحكم كافة أوجه وجوانب الحياة بالنسبة للمرأة هو بنيان يقوم على قاعدة جوهرية هي مساواتها الكاملة بالرجل ، وقد قصدنا في هذا المقام بالبنيان التشريعي مجموع الأحكام القانونية التي ترسي قواعد عامة يخضع لها الكافة ، سواء في ذلك قمة هرم هذه الأحكام وهو الدستور أو أحكام القوانين الداخلية أو أحكام المعاهدات والمواثيق الدولية التي تلتزم بها مصر وتجعلها جزء من نسيجها التشريعي .

      وإن الفلسفة التشريعية التي يمكن أن تعتنقها السلطة السياسية في مصر يجب أن يكون قائماً على تحريك القوى الكفيلة بمجابهة احتلال التوازن التاريخي بين حقوق الرجل والمرأة ، أي أن يسعى هذا الدور إلى وضع إيجابي في شأن المرأة يمكنها من اللحاق بالرجل على مستوى الواقع ، وهذا هو ما يمكن أن نسميه فلسفة المساواة الإيجابية .

 

سادسا : سياسات تنمية المرأة اقتصاديا :

      وتتلخص السياسات الاقتصادية التي من شأنها تعظيم مساهمة المرأة في عملية التنمية باعتبارها شريك كامل سواء في الجهد المطلوب لتحقيق التنمية ، أو في التمتع بثمار وعوائد هذه التنمية ، وفي عبارة مختصرة في المرأة والتنمية البشرية في مصر باعتبارها عنصراً فاعلاً في التغيير ومستفيداً منه .

      وهي تقوم على أربعة عناصر أساسية هي رفع الإنتاجية ، وتحقيق المساواة في الفرص ، وتعزيز القدرة على الاستمرارية ، والتمكين من المشاركة في القرار.

 

سابعاً : سياسات تنمية المرأة اجتماعياً :

      إن تنمية المرأة الاجتماعية لن يتحقق إلا بالتغلب على ما يواجهها من عقبات مع توفير المناخ الاجتماعي والثقافي الملائم الذي يمكنها من أداء دورها باعتبارها شريك كامل في تنمية المجتمع .

      ولعل وضع السياسات التالية موضع التنفيذ سيكون له أثر فعال في اتجاه تحقيق الهدف وهي :

‌أ)      تصحيح الصورة السائدة عن المرأة في المجتمع .

‌ب)تنشئة اجتماعية تحد من التحيز ضد الطفلة الأنثى .

‌ج) محو أمية المرأة .

‌د)    تعليم الفتيات الحجر الأساسي لمعالجة مشكلة أمية النساء .

‌ه)    الحد من وطأة الفقر وإتاحة فرص العمل للمرأة .

‌و)   العمل على زيادة المشاركة السياسية للمرأة .

‌ز)   تمكين المرأة من المشاركة في صنع القرار الأسري .

‌ح) توعية المرأة بحقوقها القانونية .

‌ط)  وسائل الاتصال وتغيير صورة المرأة في المجتمع .

ثامناً : المرأة والجهود التطوعية :

      يشهد العالم ونحن في بداية الألفية الثالثة اهتماماً متزايداً ببعض القضايا من بينها التطوع والمجتمع المدني ، ويرى الكثيرون أن الجهود التطوعية تعبر عن اتجاهات وقيم مرغوبة لصالح المجتمع ، فهي تعبر عن مدى الانتماء الذي يشعر به الفرد نحو مجتمعه ورغبته في العطاء لهم بالصورة التي يستطيعها والتي يراها مناسبة ، وشعوره بأن هذا العطاء يسد احتياجاً معيناً .

      ويعبر التطوع أيضاً عن مناخ ديمقراطي يتيح للمواطن اختيار قضية معينة أو مشكلة مجتمعية يهمه المساهمة في حلها برغبة منه دون فرض أو إجبار .

      وحينما يتطوع المواطنون بشكل منظم من خلال المؤسسات المختلفة فإن ذلك يزيد من توحدهم ويعظم من ناتج عطائهم .

      ويتطلب هذا من الهيئات والمنظمات الراغبة في جذب المتطوعات الاستعانة بالأساليب التكنولوجية ، وتحديد الأعمال التي تسهل هذه الأساليب وتأديتها دون الحاجة للتواجد بالهيئة وعرض هذه الأعمال لجذب متطوعات لها .(14)

 

 


المراجــع

1)  عدلي على أبو طاحون : حقوق المرأة -دراسات دينية وسوسيولوجية، المكتب الجامعي الحديث، الإسكندرية، 2000م،ص ب .

2)  محمد خالد : المرأة العاملة – رؤى مستقبلية ، مجلة النيل – وزارة الإعلام- الهيئة العامة للاستعلامات ، العدد78، 2000،ص ص 54:53.

3)  احمد حمدي شوره : دور مؤسسات المجتمع فى تمكين وتحسين قدرات المرأة المصرية، المؤتمر الثالث للمجلس القومي للمرأة لمحافظة قنا- التمكين الاقتصادي للمرأة طريق للتقليل من الفقر، 2006م ، ص ص 3:2 .

4)  محمد سيد فهمي : المشاركة الاجتماعية والسياسية للمرأة فى العالم الثالث، المكتب الجامعي الحديث، الإسكندرية، 2004 م ، ص 123.

5)  فاطمة محمد على عثمان : القيادة النسائية فى عالم متغير ، الملتقى المصري للإبداع والتنمية ، الإسكندرية ، 1998م ، ص93.

6)  محمد سيد فهمي : المشاركة الاجتماعية والسياسية للمرأة فى العالم الثالث ، مرجع سبق ذكره , ص.ص 47:46 .

7)  بتصرف عن :عدلي على أبو طاحون : حقوق المرأة -دراسات دينية وسوسيولوجية، مرجع سبق ذكره ، ص.ص 113:111.

8)  محمد سيد فهمى : المشاركة الاجتماعية والسياسية للمرأة فى العالم الثالث، مرجع سبق ذكره ، ص.ص 290:289.

9)  بتصرف عن :حسين عبد الحميد رشوان: علم اجتماع المرأة ، المكتب الجامعي الحديث ، الإسكندرية ،1998 ، ص.ص . 131:129.

10)    معن خليل عمر: علم اجتماع الأسرة ، دار الشروق للنشر والتوزيع، عمان، 2000م ، ص 18.

11)  بتصرف عن: عدلي علي أبو طاحون : حقوق المرأة – دراسات دينية وسوسيولوجية ، مرجع سبق ذكره ، ص. 393.

12)    عدلي على أبو طاحونة : حقوق المرأة -دراسات دينية وسوسيولوجي، مرجع سبق ذكره ، ص 241.

13)    حسين عبد الحميد احمد رشوان : علم اجتماع المرأة ، مرجع سبق ذكره ، ص.ص 132:131.

14)  بتصرف عن :  محمد سيد فهمي : المشاركة الاجتماعية والسياسية للمرأة فى العالم الثالث ، مرجع سبق ذكره ، ص.ص 410:294 .

المصدر: احمد حمدى شوره توفيق دكتوراه فى التنمية والتخطيط المعهد العالى للخدمة الاجتماعية بقنا
ahmedkordy

خدمات البحث العلمي 01009848570

  • Currently 64/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
20 تصويتات / 2660 مشاهدة
نشرت فى 24 يناير 2011 بواسطة ahmedkordy

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

29,878,205

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters