أن الشريعة الإسلامية من خلال سيرة النبي صلى الله عليه وسلم اعتنت بالجانب العاطفي لتربية الطفل، وأبرز ذلك من خلال عدة عناصر دعمها بالنصوص الشرعية، فتحدث عن تقبيل الأولاد والمسح على رؤوسهم، ومباشرة اللعب معهم ومداعبتهم، ونصحهم وإظهار الحرص عليهم، ومواساتهم وتفقد أحوالهم، وتقديم الهدايا والعطايا لهم، وضرورة العدل بينهم، واحترامهم وتقديرهم، وحذر الآباء من إظهار التسخط منهم والإفراط في المحبة المؤدي إلى تدليل الطفل، وأخيرا بين وجوب الاعتدال في أمر التأديب والعقوبة. وفي خاتمة البحث بين أن مظاهر التربية العاطفية قررتها الشريعة وأكدتها التجربة، ومن واجب المربين أن يولوا لها اهتماما وأن يجسدوها حتى لا تبقى مجرد نظريات لا أثر لها في الواقع .


وتحتل العاطفة مساحة واسعة في نفس الطفل الناشئ، ولها دور كبير في تكوينه وبناء شخصيته، فإن روعيت هذه الناحية في مراحل نموها نشأ إنسانا سويا ومتزنا، وإن أخل المربون بها وبقواعدها زيادة ونقصانا أدى ذلك لا محالة إلى اختلال في سلوك الطفل وطريقة تفكيره، وربما كون له ما يسمى بالعقد النفسية (سويد ، بدون ، 310).


ومسؤولية هذه الرعاية تقع على الوالدين أساسا قبل غيرهما، ولابد للآباء أن يعلموا أن العلاقة بينهم وبين أولادهم ليست علاقة عسكرية أوامر ونواهي جافة لا رحمة فيها ولا شفقة، ولابد أن يعلموا أن الطفل يحتاج إلى الحب والحنان خاصة في المراحل الأولى من ولادته بل ويضل محتاجا إلى ذلك طول مدة طفولته.


وإن عدم إشباع هذه الحاجة النفسية والتفريط فيها والغفلة عنها يؤدي لا محالة إلى عدة عوارض وأمراض نفسية منها: انعدام الثقة بالنفس وظهور القلق والإنطواء على الذات، وربما يؤدي ذلك بالطفل إلى الاستقلال بمشكلاته والكبت والكظم الذي يضر به ويؤثر على سلوكه سلبا، وربما يصبح لا يهتم بشعور والديه انتقاما منها، والشيطان يزين له أن والداه لا يحبانه فيبغضهم، ويصبح يتكلف العقوق لهما، كما قد يؤدي ذلك إلى تعلق الولد بغيرهم من الأقارب الذين يظهرون له المودة والعطف والحنان فيبرهم ويفرط في بر والديه، ويؤدي في أكثر الأحيان إلى القسوة والعنف في التعامل مع كل من حوله وسوء الظن بهم.


وهذا الجانب من تربية الأطفال قد نبه عليه علماء التربية القدماء والمحدثون، الشرقيون والغربيون، ونحن في هذه المقالة نحاول جمع بعض النصائح التربوية وبعض الأمور التي يرشد إليها الآباء، ليحققوا التوازن المطلوب في التربية العاطفية، وذلك من خلال النصوص الشرعية من القرآن الكريم والسنة النبوية .

أولا : تقبيل الأولاد والمسح على رؤوسهم ومن أبرز مظاهر الرأفة بالأطفال وإظهار المحبة لهم والعطف عليهم تقبيلهم والمسح على رؤوسهم، وقد حث النبيصلى الله عليه و سلم على ذلك واعتبره من مظاهر الرحمة الواجبة بالأطفال ، وأنكر على بعض الأعراب خشونتهم وتركهم لهذا الأمر ، فقد قبّل رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حفيده الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ وَكان عِنْدَهُ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ جَالِسًا عنده فَقَالَ الْأَقْرَعُ إِنَّ لِي عَشَرَةً مِنْ الْوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ مِنْهُمْ أَحَدًا فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَالَ مَنْ لَا يَرْحَمُ لَا يُرْحَمُ (مسلم، 1983، رقم 2318). وفي حديث آخر ((قَدِمَ نَاسٌ مِنْ الْأَعْرَابِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا أَتُقَبِّلُونَ صِبْيَانَكُمْ فَقَالُوا نَعَمْ فَقَالُوا لَكِنَّا وَاللَّهِ مَا نُقَبِّلُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَمْلِكُ إِنْ كَانَ اللَّهُ نَزَعَ مِنْكُمْ الرَّحْمَةَ)) (مسلم، 1983، رقم 2317). وهذا التشديد من النبي صلى الله عليه وسلم في العبارة يدلنا على أهمية هذا الأمر الذي قد ينظر إليه الأعراب الغلاظ في أخلاقهم وتقاليدهم منافيا لتمام حزمهم وكمال شخصيتهم ، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك علامة نزع الرحمة من القلوب ، ودلهم بالقول والفعل إلى هذا الأمر وهو سيد المربين صلى الله عليه و سلم وأكملهم حزما ورجولة .


ولم يقصر النبي صلى الله عليه وسلم تعامله هذا مع أولاده وأحفاده، بل كان عاما مع صبيان المسلمين ، لأنه صلى الله عليه وسلم الرحمة المهداة للعاملين، فعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يزور الأنصار، ويسلم على صبيانهم، ويمسح رؤوسهم (ابن حبان ، 1993، رقم 459)، فتأمل كيف كان يلقي السلام على الصبيان ولا يحقرهم ويمسح على رؤوسهم إظهارا للرحمة بهم والعطف عليهم ، وعن جابر بن سمرة وهو من صغار الصحابة قَالَ : ((صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَاةَ الْأُولَى –أي صلاة الظهر -ثُمَّ خَرَجَ إِلَى أَهْلِهِ وَخَرَجْتُ مَعَهُ فَاسْتَقْبَلَهُ وِلْدَانٌ فَجَعَلَ يَمْسَحُ خَدَّيْ أَحَدِهِمْ وَاحِدًا وَاحِدًا قَالَ وَأَمَّا أَنَا فَمَسَحَ خَدِّي قَالَ فَوَجَدْتُ لِيَدِهِ بَرْدًا أَوْ رِيحًا كَأَنَّمَا أَخْرَجَهَا مِنْ جُؤْنَةِ عَطَّارٍ)) (مسلم، 1983، رقم 2329)، والجؤنة وعاء يضع العطار فيه متاعه.


ثانيا : مباشرة اللعب مع الأولاد ومداعبتهم ومن مظاهر تقوية الروابط العاطفية بين الآباء والأولاد مباشرة اللعب معهم ومداعبتهم والمزاح معهم، وهذا أمر لم يهمله قدوتنا محمد صلى الله عليه وسلم مع علو مقامه وشرفه ، وهو أمر يأنف كثير من الآباء عنه ويعتبرونه مما ينقص من أقدارهم عند أولادهم، وهو في الواقع مما يزيد من تعلق الأولاد واحترامهم للآباء ما لم يتجاوز الحدود الشرعية والمعقولة ، ومن الأحاديث الثابتة في هذا قول شَدَّادٍ بن الهاد قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي إِحْدَى صَلَاتَيْ الْعِشَاءِ وَهُوَ حَامِلٌ حَسَنًا أَوْ حُسَيْنًا فَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَوَضَعَهُ ثُمَّ كَبَّرَ لِلصَّلَاةِ فَصَلَّى فَسَجَدَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ صَلَاتِهِ سَجْدَةً أَطَالَهَا قَالَ شداد فَرَفَعْتُ رَأْسِي وَإِذَا الصَّبِيُّ عَلَى ظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ سَاجِدٌ فَرَجَعْتُ إِلَى سُجُودِي فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الصَّلَاةَ قَالَ النَّاسُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ سَجَدْتَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ صَلَاتِكَ سَجْدَةً أَطَلْتَهَا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ قَدْ حَدَثَ أَمْرٌ أَوْ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْكَ قَالَ ..كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ وَلَكِنَّ ابْنِي ارْتَحَلَنِي فَكَرِهْتُ أَنْ أُعَجِّلَهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ)) (النسائي ، 1986، رقم 1141). وحفيد النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان صغيرا لا يعقل معنى الصلاة ، لولا أن النبي صلى الله عليه وسلم عوده مثل هذا لما فعله. ولا يخلو هذا الحديث من دلالة على شدة رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بالأطفال وخاصة في تعليله لطول سجوده وقوله :« فَكَرِهْتُ أَنْ أُعَجِّلَهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ».


وكان نبينا صلى الله عليه وسلم يمزح مع الأطفال ولا يقول إلا حقا ، فعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمازحه ويقول له : ((يَا ذَا الْأُذُنَيْنِ )) (أبو داود ، بدون، رقم 5002)، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه :« ينبغي أن يكون الرجل في أهله كالصبي فإذا التمس ما عنده وجد رجلا »(الهندي ، ، ص573 ج16)، كالصبي أي في الأنس والبشر وسهولة الخلق والمداعبة مع أولاده ، وهذا لا ينافي كمال الرجولة كما سبق، واستعمل عمر بن الخطاب رجلا على عمل، فرأى عمر يقبل صبيا له، تقبله وأنت أمير المؤمنين! لو كنت أنا ما فعلته، قال عمر: فما ذنبي إن كان نزع من قلبك الرحمة! إن الله لا يرحم من عباده إلا الرحماء؛ ونزعه عن عمله فقال: أنت لا ترحم ولدك فكيف ترحم الناس(الهندي، 1989، ص584 ج16)..

 

المصدر: منتدى الاسرة والتربية الإسلامية,
ahmedkordy

خدمات البحث العلمي 01009848570

  • Currently 59/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
19 تصويتات / 2624 مشاهدة

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

30,775,620

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters