ونظراً لما يعانيه التعليم في مصر وفي الكثير من دول العالم العربي من أزمات مثل إرتفاع معدل الأمية، سوء حال الأبنية التعليمية، تدهورحال المعلم المصري، أزمة المناهج التعليمية، التسلط والعنف التربوي، أزمة الدروس الخصوصية، انخفاض مستوى الطالب الجامعي.....أثرنا مسألة مستقبل التعليم في مصر وكيف يمكن من خلال هذا البحث طرح النقاط الهامة التي يمكن علاجها وتلافي سلبياتها في المستقبل لإيجاد جيل متعلم تعليما جيدا ومثقف ومتصل بالعالم يتصدى لحل مشكلات العالم القائمة ويساير الثورة العلمية والتكنولوجية الحاضرة ويضع دولته في مصاف الدول المتقدمة.
الإطار النظري
لقد ظلت السياسة التعليمية بعيدة عن اهتمام الباحث في علم السياسة لسنوات طويلة، وتركزت معظم الدراسات على الدور الذي يلعبه التعليم في التنشئة السياسية، وبالرغم من أن التعليم كان متغير رئيسي في عملية التنمية، وأحد أدوات التكامل القومي والتنمية السياسية، إلا أن اللافت للنظر هو ندرة ارتياد علماء السياسة لهذا المجال البحثي الهام. وقد أبرز العمل المبكر الذي قدمه جيمس كولمان عام 1969 بعنوان Education and political development الأهمية التي يلعبها متغير التعليم في الحياة السياسية.
فالتعليم هو عنصر حاسم لمستقبل التنمية، وهو قناة لتكوين نخبة حديثة، وأداة رئيسية للحراك الاجتماعي.
إن السياسة التعليمية تعكس أهداف وأولويات النظام، كما تعكس أيديولوجية نخبته الحاكمة، فالتعليم قد يكون انعكاس ورد فعل للسياسة أو أداة للتغيير السياسي.
وتكمن أهمية دراسة السياسة التعليمية في عدد من النقاط:
· أن التعليم من أهم القضايا القومية، فالمشاكل والضغوط الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي يواجهها التعليم من جانب، وتدني المستوى الذي تتحقق به العملية التعليمية من جانب آخر، قد دفعا بقضية التعليم إلى أن تكون من بين هموم الأمة.
بل واعتبار هذا الموضوع قضية سياسية تمس الرأي العام المصري خاصة موضوعات مثل ( مجانية التعليم، الجامعات الخاصة، الدروس الخصوصية )
· التحديات الخارجية على المستوى الإقليمي والدولي، فمن الصعب جدا فصل نظم وسياسات التعليم في أي دولة عما يحدث من تطورات علمية وتكنولوجية في العالم، والبحث عن حلول وسياسات لمشاكل النظام التعليمي المصري لابد وأن تأخذ في اعتبارها الحلول العالمية.
· وفيما يخص سياسة التعليم العالي تثار قضية طبيعة مخرجات سياسة التعليم العالي ومدى علاقتها بالتنمية، حيث أثبت الباحثون أن هناك خللاً كبيرا في طبيعة العلاقة بين مدخلات العملية التعليمية وبين مخرجاتها، فمن ناحية هناك عدم توازن بين طلاب الكليات النظرية والعملية، وهناك خلل في العلاقة بين نسبة أعضاء هيئة التدريس ونسب الطلاب، الكثافة الطلابية، انخفاض كفاءة العملية التعليمية، تدني أوضاع المعامل والمكتبات والبحث العلمي.
· وعلى مستوى المخرجات فإن الطلاب الذين يتم إعدادهم في مؤسسات التعليم العالي، يعانون من البطالة المؤهلة أو بطالة الخريجين، وهذه الظاهرة لها تداعيات خطيرةعلى المستويات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، فعلى المستوى الاجتماعي فسوف يؤثر ذلك على القيم السائدة بين الشباب، وبحثهم عن أسهل وسائل للربح السريع، ومصدر لتغذية التيارات الدينية المتطرفة من ناحية، وتيارات السلبية واللامبالاة ، بالإضافة لإقبال الشباب على المخدرات.
وعلى المستوى السياسي فإن هذا النوع من البطالة أحد الأسباب الدالة على قصور المشاركة السياسية والاجتماعية على وجه العموم وهي مهدد رئيسي للاستقرار السياسي.([1])
التعليم والأمن القومي المصري
يرتبط التعليم بالأمن القومي لأي دولة في العالم، وذلك لأن الأمن القومي هو مجموعة القدرات والأنظمة والإجراءات التي تكفل حماية الوطن من كل ما يتهدده من أخطار منظورة أو محتملة تهدد استقراره ورفاهيته وسلامة أراضيه واستقلالية قراره، ويعتبر التعليم أحد مكونات تلك الإجراءات والأنظمة بالشكل التالي:
في المجال السياسي:
يشهد العالم الآن نقلة كبيرة في عالم الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، انتشار قيم الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان والمطالبة بالاصلاح في شتى جوانبه، معاناة العالم اليوم من الإرهاب وانتشار أسلحة الدمار الشامل وزيادة موجات التطرف والإدمان.
لهذه الأسباب ولغيرها فإننا نحتاج إلى سياسة تعليمية واعية وهي تلك السياسة المتواصلة والمتأنية والمتوائمة وسليمة القصد والقائمة على الأسلوب العلمي ومتخذة القنوات الشرعية و الأساليب الديمقراطية في كل مرحلة، وتعبر بصدق عن المتطلبات الحقيقية لشعب مصر، وتواجه بشجاعة وموضوعية التحديات العالمية التي يتعرض لها شعب مصر.
فإذا تعلم الطالب تعليما جيدا قائما على التربية التي تنمي ملكة القدرة على التحليل والنقاش والفهم، والإبداع وقبول الآخر والتعايش معه، وإبداء الرأي بكل شجاعة دون خضوع أو خنوع أوتبعية لأحد، هذا الطالب سيكون لديه أساسيات وبذور الديمقراطية والقدرة على تحمل المسؤلية الفردية والاجتماعية، وقادرا على تحقيق السلام الاجتماعي في الوطن.
في المجال الاقتصادي:
يعتبر مؤشر انتاجية الفرد هو أحد مؤشرات قياس تقدم الدول أو تخلفها وكلما ارتفع هذا المعدل كلما دل على تقدم الدولة والعكس، ويأتي ارتفاع هذا المعدل وبالتالي تقدم الدول من التعليم بداية فكلما كانت هناك رعاية جيدة وتعليم جيد للطفل ومن ثم للشاب تصقل قدراته ومهاراته وتساعده على الإبداع والتفكير وتقدم له الخبرات الجيدة، هنا تقدم الدولة شخصا متعلما مبدعا لديه من الخبرات والمواهب مايجعل بها دولته في مصاف الدول المتقدمة، خاصة في ظل ثورة المعلومات وتكنولوجيا الاتصالات، وازدياد التكتلات العالمية الاقتصادية بما تحمله من قدرة على التميز في الانتاج والمنافسة، وخاصة إذا أدركنا أن مصر أمامها الكثير من التحديات الاقتصادية حتى تستطيع أن تصل إلى مستوى جيد من الاصلاح الاقتصادي، وبحاجة إلى ارتفاع معدلات النمو، والسيطرة على مشكلة الزيادة السكانية.
وحتى لانثير النظرة التشاؤمية في نفوس الكثيرين نقول إن هناك دولا كثيرة مرت بنفس الظروف الاقتصادية التي تمر بها مصر الآن، إلا أنها اصبحت الآن في عداد الدول المتقدمة اقتصادياً، فدولة مثل اليابان تحولت من دولة مهزومة في أعقاب الحرب العالمية الثانية عام 1945 إلى دولة العملاق الاقتصادي الأول في العالم الآن بل وتنفرد اليابان الآن بأكثر من 50% من الانتاج العالمي من الميكروبروسيسورزالذي هو أساس صناعة المعلومات، وهي الآن عمود القوة الاقتصادية والعسكرية أيضا.مثال آخر ماليزيا التي وضعت لنفسها خطة بحيث تصبح بمجيئ عام 2020 من الدول المتقدمة، وهي تحقق الآن معدل نمو سنوي ضخم.
المحور العسكري:
يؤمن العالم اليوم بأن العلم والمعرفة هما سلاح المستقبل، وأنه كلما ارتفع مستوى العلم والمعرفة لدى الدول كلما زادتها قوة.
إننا في ظل ثورة المعلومات وتكنولوجيا الاتصالات وحرب المعلومات، فإن الحروب لم تعد هي تلك الحروب التقليدية التي تدور في ميادين القتال، إنما هي حروب العلم في عقول البشر ([2])وبالتالي سيصبح التفوق العسكري هو نتاج تعليمي، خاصة وأننا نتحدث اليوم عن تطور أسلحة الدمار الشامل البيولوجية والنووية والكيميائية وهذه الأسلحة ليست سوى نتاج التقدم العلمي والمعرفي الهائل، ولايستطيع العالم العربي أن يعيش بمعزل عن هذا التقدم الهائل دون أن يساهم فيه مفيدا ومستفيدا.
مشكلات التعليم في مصر
يمر التعليم في مصر بأزمة، وهي جزء من الأزمة العالمية التي تعاني منها كثير من دول العالم، وتعود جذور هذه الأزمة إلى الظروف الاقتصادية والعسكرية التي مرت بها مصر خلال السنوات السابقة والتي ترتب عليها التضحية بكثير من الخدمات ومنها التعليم الذي تأثر تأثرا بالغا بهذه الظروف السيئة وتمثلت هذه المشكلات في :
· أزمة المباني الدراسية:
إن أزمة الفصول الدراسية وعدم توافر أماكن كافية للطلاب، واضطرار المدارس إلى العمل فترتين وتكدس الطلاب في أعداد غير كافية من الفصول، هذا فضلا عن أن آلاف المدارس آيلة للسقوط، آلاف المدارس ليس بها دورات مياه، عدم توافر وسائل الأمان من الاسعافات الأولية، بل إن كثير من المدارس تخلو من الأبواب والنوافذ والمعامل والمكتبات والأسوار وأماكن الأنشطة التربوية المختلفة.
إن ما نود قوله هو إن كانت المدارس بهذه المواصفات فكيف يمكن لنا أن نجعل منها مكان جذب للأطفال وليس مكان لطردهم وتسربهم من التعليم.
· أزمة المعلم:
عانى المدرس المصري منذ سنوات طويلة من إهمال جسيم، حيث عدم توافر التأهيل التربوي المناسب منذ البداية في كليات التربية، ثم ازمة الفصول الدراسية المكدسة بالطلاب والتي تعيق أداء مهمة المدرس على الوجه الأكمل من عدم اتقان الشرح، وعدم السيطرة على الطلاب، واستساغة أسلوب التلقين وعدم السماح للطلاب بالمناقشة، ثم نأتي بعد ذلك إلى الدخل المحدود جدا الذي يتلقاه هذا المدرس نظير عمله مما يضطره في النهاية إلى البحث عن وسائل أخرى لجلب المال أهمها الدروس الخصوصية.
وتمثل مشكلة رفع الأجور معضلة أمام أية حكومة لأن عدد أعضاء المهن التعليمية يزداد بشكل كبير، وحتى الزيادات الطفيفة التي تقدمها الحكومة فهي غير كافية لإصلاح أحوال المعلمين العامة.
وحتى نقابة المعلمين في مصر هي أضعف النقابات على الإطلاق فيما تؤديه من خدمات ومعاشات ومكافأت وتعويضات لأعضائها، كما أن عدم إعطاء النقابات الفرعية، واللجان النقابية قدرا من حرية الحركة ساهم في تعقيد المشكلة.
تعاني نقابة المعلمين أيضا من تغييبها عن المشاركة بالرأي في كثير من القضايا القومية والتعليمية فيما يتعلق بتطوير المهنة، تأهيل القائمين عليها، قضايا التعليم العام والجامعي. إن أزمة المعلم وأزمة الأبنية التعليمية قادت بدورها إلى الأزمة الثالثة ألا وهي:
· أزمة الدروس الخصوصية:
تمثل الدروس الخصوصية حتمية لمعظم الأسر المصرية إن لم تكن كلها في الوقت الحالي، وحيث أن النظام يرى في الشهادة التي يحصل عليها الطالب الغاية الأساسية من التعليم خاصة إذا كان المجتمع يقيم الأشخاص بالشهادات التي يحصلون عليها، فالدروس الخصوصية تسهل الحصول على الشهادة أو تجعل الحصول عليها محققا بدرجة أعلى.
إن تردي حال التعليم المصري ، سوء حالة الابنية التعليمية، تزايد الأعداد والفصول المكدسة بالطلاب، تناقص الفرص المتاحة بعد التخرج، رغبة الأسر على اختلاف مستوياتها في أداء واجبها تجاه أبنائها من أجل مستقبل مضمون في ظروف تزداد تعقيدا و صعوبة عاما بعد عام، جعل من الدروس الخصوصية أمرا لابد منه.
وهنا يجد الطالب في الدروس الخصوصية البديل الأفضل للدروس المدرسية التي لايستفيد منها، ويجد المدرس المطحون فيها فرصته لتعويض نفسه عن مرتب هزيل أو وسيلة للحصول على الرزق وهو في حاجة ملحة إليه.
وهنا تبرز الأزمة على مستوى الأسرة وعلى مستوى النظام التعليمي، فعلى مستوى الأسرة، تعاني أولا على المستوى المادي خاصة مع تزايد أسعار مراكز الدروس الخصوصية والمدرسين، المستوى الآخر هو مستوى تنظيم الوقت والمكان للطلاب، خاصة في المراحل الهامة، المستوى الثالث هو مستوى مراقبة الأبناء في طريقهم من وإلى الدروس، وغياب الرقابة الأسرية، حيث يرجع الكثير من الباحثين أسباب انتشار الظواهر الإجرامية داخل المدارس وخارجها إلى موضوع الدروس الخصوصية لأنها تتيح للطالب وفي سن مبكرة الغياب عن رقابة الأسرة لفترات طويلة وخارج المنزل وعلى مستوى النظام التعليمي فعندما يفسد نظام المدرسة وما تبثه من قيم تربوية وتعليمية للطلاب وخاصة إذا كنا نعتبر المدرسة هي المنبع التعليمي فإن المجتمع سيصبح فاسدا. ([3])
· أزمة المناهج التعليمية:
إن مشكلة المناهج في مصر تتمثل في كونها تركز على الكم أكثر من الكيف، وهنا نجد المناهج تعاني من الحشو والتكرار، حتى نماذج الأسئلة الموجودة بالكتب الدراسية تكرس نفس المفهوم السيئ للحفظ والتلقين وتقتل الابتكار وتضع أمام عيني الطالب نمط أن الحقيقة ليس لها إلا طريقا واحدا وأن لكل مشكلة إجابة واحدة وذلك بدلا من تدريب الطلاب على الوصول إلى الحقيقة من عدة طرق وأن هناك الكثير من الإجابات الصحيحة للسؤال الواحد.
إن أسلوب الحفظ والتلقين الذي يسخدمه المعلم في مصر هو أحد أبرز المشكلات التي تقتل الابداع والفكر عند الطالب، وتجعله غير قادر على الحوار والمناقشة وقبول الرأي الآخر، وهي بذور التطرف.
ويعود انتشار التلقين في كثير من الدول العربية إلى الأسباب التالية:
1. يلجأ الكثير من المدرسين إلى التلقين كوسيلة سهلة وآمنة لتوصيل الكثير من المعلومات في وقت قصير وينظر معظمهم إليه كأداة فعالة للتوجيه والضبط.
2. يتم إعداد المعلمين في كثير من كليات التربية ومعاهد المعلمين بطرق تلقينية، والمعلم الذي يكون كذلك ليس لديه سوى هذه الطريقة لإيصال المعلومة.
3. يقوم التقويم في معظم المدارس العربية على أساس قياس قدرة الطلاب على التذكر والفهم وإهمال القدرات العقلية والمهارات.
4. تكدس الفصول بالطلاب في عدد كبير من المدارس والجامعات أدى إلى إعاقة الحوار والمناقشة واللجوء إلى التلقين.
5. كثرة المواد النظرية وطول المناهج الدراسية وهنا لايجد المعلم وسيلة للخروج من هذا المأزق سوى أسلوب التلقين.
· عدم الاهتمام بالمناهج الخاصة بالتربية الدينية:
إذ لابد من ترسيخ القيم الدينية والأخلاقية في أطفالنا، ولابد أن يكون تدريس الدين دافعا للأطفال للتمسك بالقيم العليا والأخلاق، وأن يكون جوهر الدين الحقيقي من التسامح والتكافل والتراحم، وحب الآخرين، والحرص على السلام الاجتماعي، وغير ذلك من القيم العليا والمبادئ السامية التي يدعو إليها الدين ، ومن الأسس التي يجب أن نهتم بتدريسها وتعليمها لأبنائنا.
· اهمال تعليم اللغات: سواءاً العربية أو الأجنبية، فنجد أن معظم الطلاب يعاني من ركاكة اللغة العربية وعدم الدراية بمعظم مصطلحاتها، وبالنسبة للغات الأجنبية فلم يعد ممكنا في ظل التقدم الهائل الذي يحدث من حولنا أن ننعزل عن الآخرين ولأن المعركة القادمة هي معركة عقول إليكترونية ولغة العقول الاليكترونية هي اللغة الانجليزية ولابد من تعلمها جيدا.
· إهمال التعليم الفني: وذلك بالنظرة إليه نظرة دونية وعدم الربط بينه وبين سوق العمل بل ووضع الحواجز في كثير من الأحوال والتي تمنع الانتقال الميسر من التعليم الفني إلى التعليم العالي. ، خاصة إذا ماعلمنا أن التعليم الحديث قائم على وضع بذور التعليم الفني من البدايات الأولى للتعليم، فتنمية الهوايات والأشغال اليدوية والفلاحة والنجارة والحدادة، كل ذلك يخلق مبدئيا نوع من احترام وتقديس هذا النوع من التعليم فالدول المتقدمة تسهل الانتقال في التعليم من الفني إلى العالي. حيث أنه طريق التقدم، خاصة وأن البلاد تعاني من نقص شديد في العمال المهرة والفنيين العلميين، الذين يمثلون عصب الحياة الانتاجية والاقتصادية المتطورة في كل البلاد المتقدمة، وهنا نجد حتى نظام الأجور والحوافز السائد حاليا على مستوى العمل الحكومي ما يزال يقلل من شأن العمل اليدوي والعامل الماهر والفني والمتوسط، قياسا إلى مايوفره التعليم العالي لخريجيه، والنتيجة الطبيعية هي انصراف المتعلمين عن التعليم الفني مع شدة الحاجة إليه والتزاحم على التعليم الجامعي والعالي، وهنا لابد من الإشارة إلى مشكلة عدم الربط بين برامج التعليم العام والتعليم الفني من جهة وبين سياسة التعليم العالي والتعليم الجامعي من جهة أخرى والتنسيق بينهما في إطار السياسية التعليمية الشاملة وارتباطها بخطط التنمية للدولة، وهذا هو السبب الرئيسي في السباق المتزايد والاندفاع نحو التعليم الجامعي بسبب سياسة التوسع في الثانوي العام وهو اندفاع لايتناسب مع الطلب على العمالة في المستويات العليا، التي توهل لها الدراسات الجامعية.
· عدم الربط بين خطط التعليم وبرامجه وبين الاحتياجات الفعلية للبلاد من اليد العاملة في المجالات المختلفة وبالتالي نجد نقصا في جانب معين من العمالة يقابلة زيادة في جانب آخر غير مرغوب فيه، مما يخلق لدينا أزمة عمالة ماهرة وبطالة مؤهلة.
· التسلط والعنف في التربية العربية المعاصرة:
لابد أن نوضح أولا أن الحياة التربوية هي الأساس الذي تتشكل فيه نواة الصورة الاجتماعية للحياة سواء بالتسامح والديمقراطية، أو بالاستبداد والتشدد والتسلط، وهنا نصل إلى نتيجة مؤداها أن ديمقراطية المجتمع السياسية والاجتماعية لايمكنها أن تنفصل عن ديمقراطية المؤسسات التربوية، فإذا وجدنا مجتمعا حراً فإن الأساس هو حرية في إطار المدرسة والأسرة والحياة التربوية بصورة عامة.
لقد تطلع أفلاطون إلى تكوين مجتمع من الأحرار عن طريق التربية ورفض أن تكون التربية طريقا إلى العبودية، بل يجب أن تكون التربية من أجل بناء الإنسان الحر المتكامل جسدا وروحا وعقلا.
إلا أن الواقع يشهد بأن الشعب العربي يعاني من الاضطهاد والتميز والتسلط في مجال الحياة التربوية.
إن المشكلة تكمن أساساً في الثقافة والتنشأة التي تتشبع بمضامين العنف والتسلط، ففي العائلة العربية مثلا نجد هذه العلاقة القائمة على القهر، فالأب هو مصدر السلطة والنسق الأبوي البطريركي وما ينطوي عليه من تسلط العقل الواحد والرأي الواحد في إطار المجتمع والدولة والأسرة هو الأساس إذ أن الثقافة العربية تعاني من العلاقات الاجتماعية التي تأخذ طابع الإكراه والقهر والتسلط، التي تضرب جذورها في العائلة والمدرسة والحياة العامة وبالتالي يخضع الصغار للكبار والأبناء للأباء والإناث للذكور ، والفقراء للأغنياء والضعفاء للأقوياء و تغيب العلاقات الإنسانية المتكاملة خاصة إذا ما علمنا أن التنشأة العربية تشدد على العقاب الجسدي والترهيب، أكثر مما تشدد على الإقناع، وتؤكد على أهمية الضغط الخارجي والقمع السلطوي.([4]) إن تربية الأطفال سواءا في المدرسة أو المنزل على استخدام أساليب القمع النفسي معهم مثل الإزدراء، الاحتقار، والامتهان والسخرية والتهكم وتوجيه الألفاظ النابية وأساليب التخويف وأساليب الحرمان المختلفة كالزجر والنهي ، وأساليب العقاب البدني بأشكالة المختلفة كالضرب والمنع والسجن يؤدي إلى وجود أطفال غير أسوياء تربويا.([5])
شكل آخر وهوأن الثقافة العربية تفترض أن نفسية الطفل تنطوي على نزعة شريرة فطريا والتربية سواء في المدرسة أو البيت عليها استئصال هذه النزعة، ولاسبيل إلى ذلك سوى القيام بسلسلة من عمليات الإكراه والضرب والقسر حين يخالف الطفل تعليمات الأسرة أو المدرسة.
إن الطفل منذ البداية يوضع تحت تصرف الأبوين وكثيرا ما ينتظر الآباء من أبنائهم تحقيق آمال الآباء المحبطة التي لم يستطيعوا تحقيقها، أو يحاولون تنشأة أطفالهم على صورتهم من حيث السلوك والمهنة وغير ذلك، وقد لاتتطابق الصورة التي ينتظرونها من أبنائهم مع الصورة الحقيقية للأبناء، والحل هنا يكون الإرهاب التربوي، وهنا تؤكد الدراسة التي أجراها بولدين عن أثر كل من الأسرة الديمقراطية والأسرة الأوتوقراطية حيث يكون أبناء الأسرة الديمقراطية مواجهين هجوميين مبدعين يكون أبناء الأسرة الأوتوقراطية عكس ذلك تماما.
وبالنسبة للقيم التربوية في نطاق الأسرة نستطيع أن نثبت الآتي كما أوضحتها دراسة متخصصة:
1- هيمنة قيم التسلط والعنف في النسق التربوي للأسرة العربية.
2- استخدام أساليب التهديد والوعيد التي يمارسها الكبار على الصغار.
3- اعتماد الآباء والأمهات على أسلوب الضرب المباشر للأطفال.
4- التأنيب المستمر الذي يعانيه الطفل من قبل ذويه.
5- الأحكام السلبية المستمرة التي يحكمها الأبوان على الطفل.
وبالنسبة للمدرسة:-
1- يسود أسلوب الضرب والعقاب الجسدي.
2- الاعتماد على أسلوب التحقير والازدراء
3- تتداخل في أساليب التنشأة العربية بشكل عام أساليب الشدة والتذبذب والمحاباة والحماية الزائدة بنسب مختلفة.
4- سلطوية التدريس حيث أن طريقة التدريس تعتمد على التلقين أو ما أسماه باولو فريري " التعليم البنكي " وتعني أن دور الطلاب فيه ينحصر في الحفظ والتذكر وإعادة تسميع ما تلقاه دون التعمق في مضمونه واستقبال المعلومات وتخزينها دون وعي، فيتحول الطلاب إلى أوان فارغة يصب فيها المعلم كلماته ويصبح التعليم نوعا من الإيداع حيث يكون الطلاب هم البنوك ويقوم المعلمون بالإيداع فيها.
وحتى في الجامعات فهو نفس أسلوب التلقين مما أفقد الطلاب القدرة على الابداع والتحليل والمناقشة.
مشكلة المناهج والامتحانات، حيث أن المناهج تركز على المادة العلمية أكثر من الطالب، فالطالب محاصر بالمنهج أو الكتاب المقرر وهو مصدره الوحيد للمعرفة والطالب أيضا أسير الكتاب والمدرس الذي يدرسه، يتبع ذلك مشكلة الامتحان التقليدي الذي يعتبر في كثير من الدول العربية مقياس ذاتي، وذلك يعني أن النتائج التي يعطيها تتأثر برأي الشخص الذي يقوم به وتقديره، فحتى هذا التقيم السيئ هو أحد أدوات التسلط التربوي.
ننتقل إلى الإدارة التربوية لنرى ضعف القدرات الإدارية لدى مديري المدارس ومعاونيهم، سيادة النزعة التسلطية في الأساليب الإدارية، هيمنة المركزية والبيروقراطية على الإدارة، غياب التناغم بين الإدارة والمدرس والطالب والأسرة. حتى على مستوى الجامعات فلا يتم إشراك أعضاء هيئة التدريس في صنع القرار ات الجامعية، اعتماد الجامعات على المركزية في اتخاذ وصناعة القرار.
إن كل الأساليب السلطوية السابقة بدءاً من تربية الطفل في المنزل ثم المدرسة ثم المدرس ثم الإدارات التربوية أدت إلى:
1- خلق شخصيات مطوعة تميل إلى الإذعان والتبعية وتقتل فيها إمكانيات النقد والحوار والمناقشة والإبداع.
2- معاناة الشخص من ضعف الثقة بالنفس وفقدان القدرة على ممارسة الأدوار الايجابية وميل إلى الخضوع لكل أشكال السلطة وبالتالي فقدان المبادرة الذاتية والعمل التلقائي.
3- تسيطر على الطفل حالة من القلق والتوتر الدائمين وهو مايؤدي في النهاية إلى شل بنية الطفل الذهنية والعقلية.
4- يؤدي أسلوب التلقين في المدرسة إلى تشجيع الاتكالية والسلبية بدلا من الايجابية وكشف المواهب وتحقيق الاستقلالية .
5- إن استخدام التلقين بعيدا عن الفهم والتطبيق والتجريب، والربط بينها وبين مشكلات التلميذ يقلل من ميل التلاميذ نحو المادة العلمية.
6- يحصر التلقين دور المتعلم في الاستماع ويحرمه من المشاركة ويهمل حاجات الطلاب واهتماماتهم، ولايراعي الفروق الفردية بينهم.
7- وعلى المستويات الأعلى في التعليم نجد عدم تمتع الطلاب بمهارات التساؤل والمناظرة والقدرة على إدارة الحوار والنقاش.
8- يثير اختلاف الآراء غضب المعلمين وعدم ارتياحم.
9- لايستطيع الطالب شرح وجهة نظره بصورة متكاملة وبدون مقاطعة.
10- المناقشة قليلة ولاتشمل وجهات نظر الطلاب الشخصية وشعورهم ومواقفهم.
-11ارتفاع نسبة كلام المعلم وضعف المبادرة عند الطلاب.
-12 قلة التفاعل بين الأساتذة والطلاب وبين الطلاب أنفسهم وغياب العلاقة الديمقراطية المتوازنة بينهم.
وأخيرا نجد طالب متمرد لديه رغبة عدوانية، غير متحمس للتعليم أو لمكان العلم ليس لديه قدرة على اتخاذ قرار سليم. خاصة إذا ما علمنا أن كثير من الأنظمة السياسية في العالم تنظر إلى مثل هذا النوع من التربية التسلطية كوسيلة تسطيع من خلالها تطويع شعوبها وتعويدها على الخنوع والاستسلام بدلا من النظر إليها كأداة للتنمية والتطوير وخدمة المجتمع.([6])
وفي النهاية نود أن نقول أن التربية العربية الإسلامية، تركز على المناقشة والمناظرة والحواربالأسئلة والأجوبة لتقوية الحجة وإعمال العقل وزيادة الثقة بالنفس والقدرة على التعبير، وتعود الفرد على تعليم نفسه والبحث عن المعرفة وتحسين القدرة على النقد والاجتماع والتفكير الحر، واكتشاف الأخطاء والرد عليها بمهارة.
أزمة التعليم الجامعي
وهنا نشير إلى دراسة أجراها الدكتور يوسف محمود أستاذ مساعد بكلية التربية بالفيوم بجامعة القاهرة. حددت هذه الدراسة معالم أزمة الجامعة في خمسة مؤشرات هي:
1 ـ ميل الجامعة إلي الجانب التقليدي والسلفي وابتعادها التدريجي عن المضمون الليبرالي الذي ميزها منذ نشأتها في إطار الحركة الوطنية المصرية.
2 ـ اتساع المسافة بين الجامعة والتطورات الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، مما أدي إلي تزايد معدلات البطالة بين خريجي الجامعة، نتيجة عدم مواكبة الجامعة في إعدادها لهم لمتطلبات المهن العصرية وهي التي تتطلب إتقان اللغات وإستخدام الكمبيوتر.
3 ـ هبوط وظيفة الجامعة من التفكير والتنظيم للمجتمع، إلي إمداد الصفوة الحاكمة بالموظفين من الأساتذة، والذين لم يعودوا قادة، بل خبراء وآراؤهم ليست ملزمة في كل الأحيان.
4 ـ انخفاض مستوي العملية التعليمية، فلم يعد التركيز علي الخلق والإبداع ولا إكتساب القيم الدامغة للأخذ بالمنهج العلمي، بل أصبح الطالب الجامعي داخل الجامعة مغتربا عن العلم.
5 ـ فقدان المؤهل الجامعي لكثير من بريقه، باعتباره ضمانة أكيدة للحصول علي وظيفة أو عمل.
ومن المؤكد أن هذه المؤشرات عن أزمة الجامعة صحيحة في مجملها، بالاضافة إلى مؤشرات أهمها عجز الجامعة عن التجدد المعرفي، بما يتناسب مع عصر الثورة العلمية والتكنولوجية، والانفجار الأكاديمي في منح درجات الماجستير والدكتوراه لمن لا يستحقون، مما أدي في النهاية إلي تدن ملحوظ في مستوي التدريس في بعض الكليات، كل ذلك بالإضافة إلي عجز الجامعة عن التعامل مع مشكلة الأعداد الكبيرة. ولا ينبغي أن نقلل من إسهام نظام الفصلين الدراسيين في تدني مستوي الأداء تدريسا وتحصيلا، وهو النظام الذي طبق أساسا لأسباب أمنية ولحصار النشاط السياسي للطلاب والطالبات غير أن مردوده كان سلبيا للغاية علي العملية التعليمية.([7])
ويقف بالمرصاد أمام هذه الجامعات التقرير الذي أعدة فريق عمل بالمجلس الأعلى للجامعات عن أداء الجامعات الخاصة عام 2003-2004 والذي كشف عن وجود تجاوزات في بعض الجامعات خاصة فيما يتعلق بزيادة أعداد المقبولين عن الأعداد المقرر لها في بعض الكليات والتي ظهرت جلية في الكليات العملية والتي بلغت أكثر من ثلاثة أضعاف العدد المقرر قبولة في كلية الهندسة جامعة 6 أكتوبر مثلا، حيث كان المقرر لها قبول 275 طالبا تجاوزتة إلى 719 طالباً، الأمر لم يتوقف عند هذا الحد بل امتد إلى عدد آخر من الجامعات فجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا قبلت في إحدى السنوات في كلية الطب 479 طالباً بينما كان المقرر لها 220 طالبا وكذلك كلية الصيدلة المقرر لها قبول 440 طالبا بينما كان العدد المقبول في إحدى السنوات 738 طالبا.
الجامعات الخاصة:
يرى البعض أن هذه الجامعات لها دور في تقديم خدمة تعليمية متميزة الهدف، منها إيجاد تخصصات جديدة مطلوبة في المجتمع وخريج قادر على المنافسة في سوق العمل داخل وخارج مصر، كما أن هذه الجامعات قدمت حلاً بديلاً لكثير من الطلاب للتعلم داخل مصر بدلاً من السفر في الخارج ولكن ما زال أعداد الطلاب بهذه الجامعات قليلة وتصل إلى 35 ألفاً تقريبا من إجمالي 1.8 مليون طالب في المرحلة الجامعية.
وعلى الجانب الآخر يرى رئيس لجنة التعليم والبحث العلمي بالبرلمان المصري الدكتور حسام بدراوي بشأن ظاهرة الجامعات الخاصة التي باتت تظهر بين اليوم والأخر أن مصر تحتاج إلى 70 جامعة جديدة خلال السنوات العشر المقبلة حيث يتجاوز أعداد الطلبة في التعليم العالي الآن ما يزيد عن1.5 مليون طالب ولا تستوعب الجامعات سوى 30% فقط من المرحلة العمرية 18-23 معربا عن أملة في زيادة هذه النسبة لتصل إلى 505 أسوة بالدول المحيطة.
ويرى بدراوي ضرورة التركيز على رسالة التعليم الأساسية في إعداد جيل من الكوادر والشباب قادر على قيادة الأمور بعد إجراء المؤسسات التعليمية للدراسات اللازمة للتعرف على احتياجات ومتطلبات سوق العمل مع المراجعة المتسمرة والدورية لمناهج التعليم وبرامج المؤسسات التعليمية بحيث تعكس رسالتها المعلنة واحتياجات وطبيعة مجتمعاتها، والانتقال من فكر التعليم الذي يجعل المعلم هو محور العملية التعليمية إلى فكر التعلم الذي ينتقل بمحور العملية التعليمية إلى الطالب.
وعلى الجانب الآخر فإننا لانستطيع الجزم بأن خريج الجامعات الخاصة هو الأفضل إلا أن نظم التعليم وطبيعته تكاد تكون مختلفة بحكم أن الأعداد الموجودة في الجامعات الخاصة قليلة ولا وجه للمقارنة بينها وبين الجامعات الحكومية في ظل تواضع الإمكانيات المادية والمعملية في الجامعات الرسمية.
نفس الكلام يؤكده الدكتور شريف القصاص الأستاذ بالجامعة الأميركية في علوم الحاسب الذي رفض الإفصاح عن رواتب أعضاء هيئة التدريس داخل الجامعة وأكد أنها تزيد في كل الأحوال عن رواتب عضو هيئة التدريس في الجامعات الرسمية مشيرا إلى أن فرص العمل لخريج الجامعة الأميركية مثلا هي الأكبر نظرا لأن هذا الخريج يعد خريج " سوبر" استطاع الجمع بين النواحي العلمية والفنية والنظرية معا كما أنه يقوم بدراسة تخصص آخر إلى جانب التخصص الرئيسي Major فإلى جانب تخصص علوم الحاسب مثلا يقوم الطالب بدراسة الاقتصاد أو الرياضيات ويتم معادلة شهادة خريج الجامعة الأميركية من المجلس الأعلى للجامعات المصرية هذا من جانب ومن الجانب الآخر تعادل أيضا من المجلس الأعلى للجامعات في الولايات المتحدة الأميركية لينافس بذلك خريج الجامعات الأخرى على مستوى العالم، هذا بالاضافة إلى أن
الطلبة العرب أصبحوا هم الوقود الرئيسي لهذه الجامعات من خلال حجم الإنفاق والمصروفات التى يتم إنفاقها والتى يكون أغلبها بالدولار الأميركي وهذا ما يحاول التقرير الرسمي الذي أعدة مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء المصري أن يؤكده، حيث يقول التقرير أن إجمالي قيمه ما ينفقه الطلبة الوافدون للدراسة سنويا في مصر يصل إلى 39 مليون دولار سنويا ويصل أعداد الطلبة الوافدين في الجامعات الحكومية إلى 5934 طالبا وتصل متوسط تكلفه الإقامة للطلاب الوافدين حوالي 500 دولار شهريا للطالب الواحد وهو ما يوازي 4500 دولار بمتوسط 9 أشهر إقامة داخل مصر حيث جاءت هذه الدراسة تحمل عنوان " وسائل تنمية الصادرات المصرية من الخدمات التعليمية " أكدت أن تكلفة الدراسة بالجامعات الحكومية للطالب الواحد تصل إلى 1453 دولارا أميركيا في المرحلة الجامعية في الكليات والمعاهد النظرية بينما تصل إلى 2179 دولار سنويا في الكليات والمعاهد العملية ويرجع ذلك الارتفاع إلى طبيعة الكليات العملية والتي تطلب توفير معامل وأجهزة خاصة للطلبة بداخلها.
وأشارت الدراسة أن الطلب الخارجي على الخدمات التعليمية داخل مصر في المرحلة القبل جامعية يكاد يكون منعدما ويقتصر على المرحلة الجامعية سواء في الجامعات الحكومية أو الخاصة نظراً لما تتمتع به هذه الجامعات من عناصر تميز تتمثل في كفاءة أعضاء هيئة التدريس في الجامعات المصرية مشيرة إلى أن إجمالي عدد الطلاب الوافدين للدراسة في الجامعات الحكومية المصرية المختلفة وصلت إلى 5.93 ألف طالب من 66 دولة على مستوى العالم بنسبه 0.52% من إجمالي أعدد الطلاب المقيدين في الجامعات الحكومية والبالغ عددهم 1.14 مليون طالب في العام الدراسي 2000/2001 وبلغ إجمالي عدد الطلاب الوافدين للدراسة في الكليات النظرية 4.18 ألف طالب وهو ما يمثل 70.5% من إجمالي الطلاب الوافدين للعام الجامعي 2000/2001 في الجامعات الحكومية أما في الكليات العملية فقد بلغ إجمالي عدد الطلاب الوافدين للدراسة 1.75 ألف طالب وهو ما يمثل 29.5% من إجمالي الطلاب الوافدين للعام الجامعي 2000/2001 في الجامعات الحكومية.
واحتلت كليات التجارة والحقوق والهندسة المراكز الأولى بين الكليات الحكومية في جذب الطلاب الأجانب للدراسة بها حيث بلغ إجمالي عدد الطلاب الوافدين للدراسة في تلك الكليات في الجامعات الحكومية 2.488 ألف طالب وتستحوذ كليات التجارة على النصيب الأكبر من أعداد الطلاب الوافدين بنسبة 25% خلال العام 2000/2001 كما استحوذ طلاب الدول العربية الوافدين للدراسة في مصرعلى النصيب الأكبر ووصل عددها إلى 21 دولة عربية تلتها الدول الآسيوية 17 دولة ثم الدول الإفريقية 16 دولة من إجمالي 66 دولة تستفيد من هذا القطاع كما بلغ إجمالي عدد الطلاب الوافدين للدراسة في الجامعات الخاصة في الكليات المختلفة 4.62 ألف طالب بنسبه 27.9% من إجمالي عدد الطلاب المقيدين في الجامعات الخاصة والبالغ عددهم 16.7 ألف طالب في العام الجامعي 2000/2001.([8])
استقلال الجامعة: إن استقلال الجامعة يعني أن يكون لها الاستقلال الوظيفي في تحديد مجالات البحث العلمي والمقررات وتوليد الأفكار الجديدة وأن يكون لها حق تحديد عدد الطلاب المقبولين وفقاً لقدراتها دون ممارسة أي ضغوط عليها،الاستقلال السياسي فلا تكون مصلحة حكومية، كما تكون مستقلة عن الأحزاب مشيرا إلى أن كل رؤساء الجامعات يتم ضمهم للجان الحزب الوطني حتى ولو لم يعرف عنهم أي اهتمام سياسي قبل تولي المنصب.
الاستقلال المالي للجامعة، وهذا لا يعني بالضرورة أن تكون مضطرة لتوليد احتياجاتها ولكن أن يكون لها حرية التصرف. وفي حين يُطالب المجتمع بالإغداق على الجامعة، تطالب وزارة المالية بعدم التدخل، في إشارة لمطالبة الوزارة بـ50% من الأموال المتبقية في نهاية كل عام من ميزانية مشاريع البحث العلمي في الجامعة، التي تمولها جهات أجنبية بالإضافة إلى 5% من إجمالي إيراداتها..!
الحاجة إلى الترابط بين الجامعات ومراكز البحوث من ناحية وبين مراكز البحوث والمؤسسات الانتاجية من ناحية أخرى.
السياسة المستقبلية للتعليم في مصر
لقد استعرضنا في الصفحات السابقة الأزمات التي يواجهها التعليم في مصر، وبصفة الدراسة التي نقوم بها هي دراسة متخصصة بالحلول المستقبلية الممكنة لحل مشكلات التعليم المصري خصصنا هذه الصفحات لذلك.
إن التخطيط للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والتخطيط للتعليم مترابطان، يؤثر كل منهما في الآخر ويتأثر به، فتصور التنمية البشرية عن طريق التربية وتزويد المواطن بالمعرفة وتكنولوجيا العصر، هي أمور لابد منها الآن للاستفادة من التقدم المادي والحضاري لبناء الإنسان وهنا لابد من التخطيط لبناء قوى بشرية كفئ عن طريق العلم والتعليم، والتخطيط للتنمية الاقتصادية وما يرتبط بها من تنمية اجتماعية شاملة وبذلك يتم التكامل في مجال التخطيط القومي.
وبخصوص التعليم الذي هو موضوع البحث فإنه يلزم الآتي:
· القضاء على الأمية ووضع خطة زمنية تدريجية لتحقيق ذلك ومتابعتها والاشراف عليها، واعادة النظر في مفهوم محو الأمية فإذا كنا قد انتقلنا من مفهوم الأمية الأبجدية إلى الأبجدية الثقافية فإن التطور العلمي الحديث يطرح مفهوم الأمية التكنولوجية.
إن الاتجاه الحالي في الاستفادة من طاقات شباب الخريجين في محو الأمية لهي من الجهود الجيدة التي تبذلها الدولة للقضاء على الأمية إذا وضعت تحت المراقبة والتنفيذ المستمر وإعادة التقييم.
يرتبط أيضا بموضوع محو الأمية موضوع آخر ألا وهو ظاهرة التسرب من التعليم خاصة في السنوات الأولى منه ، وإذا كنا كما أسلفنا قد أشرنا إلى الأزمات العديدة التي تواجه التعليم المصري، من تدهور الأبنية التعليمية، إلى أزمة المناهج، سوء حال المعلم، كلها عوامل طارده للطلاب وهو مايستدعي من خلال هذا الفصل طرح الحلول الممكنة لحل هذه الإشكالية.
· حل إشكالية التمويل عن طريق ترشيد مجانية التعليم، بمعنى أن تقتصر هذه المجانية على مراحل التعليم الأساسي، ثم تتدرج المصروفات الدراسية في الارتفاع حتى مرحلة الدكتوراه مع الالتزام بمبدأ مجانية التعليم للمتفوقين دراسيا في كافة المراحل التعليمية.
· إنشاء صندوق قومي لتنمية التعليم وهذا الصندوق يساهم في تشييد الأبنية التعليمية والتجهيزات المدرسية ويمول من المصادر الآتية:
· المنح والهبات سواء من دول أو أفراد.
تشجيع المؤسسات الصناعية والتجارية على المساهمة وفي المقابل تمنح لهم بعض التسهيلات.
إصدار طابع بريد غير رسمي بقيمة رمزية تحت اسم تنمية التعليم، يضاف إلى رسوم البريد العادية على كل المراسلات.
· أما من داخل المؤسسات التعليمية: فلابد من فتح أبوابها لتقديم خدمات للجمهور بصور مختلفة وتحصل نسبة من أرباحها لصالح الصندوق.
· الربط بين المجتمع والمؤسسات التعليمية بتشجيع المؤسسات الصناعية والتجارية على نقل مشكلاتهم ورغباتهم في تطوير منتجاتهم إلى الجامعات ومراكز البحوث مقابل اعفائهم من نسبة الضرائب أو منحهم تسهيلات في دفعها.
تكوين مجالس أمناء للوحدات التعليمية يمثل فيها رجال الأعمال وأهالي الأحياء البارزين وشخصيات عامة قادرة على الاسهام في التنمية لهذه الوحدات في هذا الاتجاه. ([9])
· التوسع في التعليم بما يتفق مع الزيادة السكانية وبما يكفل لكل مواطن الحق في التعليم وما يشمله ذلك من ضرورة توافر المباني والمرافق والمعلمين والأدوات والتوسع في العلوم التي تلائم العصر والالمام بتكنولوجيا العصر، فليس من المنطق أبدا أن الحياة المعاصرة تزداد تعقيداً اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وتحتاج إلى أفضل الحلول الممكنة وأكثر من نصف الشعب يعاني من الأمية، وهناك افتقار إلى مقررات مثل(السيبرنطقيا) علوم الفضاء، دراسة الصحاري والغابات ، الجيوفيزياء، الانثروبولوجيا الاجتماعية، تكنولوجيا الادارة ،تكنولوجيا الطب، البتروكيماويات.
· الاهتمام بعلوم المستقبل، فلابد من التركيز على الرياضيات والعلوم، والتجارب العالمية واضحة جدا في هذا الشأن، فعلى سبيل المثال عندما أطلق الاتحاد السوفيتي أول قمر صناعي سنة 1957 سارعت الولايات المتحدة الأمريكية من أجل اللحاق بالاتحاد السوفيتي، ولم تطور صناعة الصواريخ والصناعات الحربية فحسب إنما ذهبت إلى تطوير منهج الرياضيات والعلوم في التعليم الأساسي، وهذا المدخل هو الذي خلق انتصار الولايات المتحدة المذهل في هذا السياق.
وفي عام 1983 أحس الرئيس رونالد ريجان أن الين الياباني استطاع السيطرة على السوق العالمية، فانطلقت الولايات المتحدة باخراج برنامج ( أمة في خطر) واهتموا مرة أخرى بالعلوم والرياضيات.
إن علوم المستقبل هي العلوم التي يخترق بها الإنسان أفاق المستقبل، مما يساعد متخذ القرار على وضع القرارات السليمة والتي تهيئ المجتمع للانتقال بأسلوب علمي إلى عالم المستقبل، وهنا لابد أن يظهر دور الجامعات بانشاء مراكز للمستقبليات بحيث يساهم أساتذة الجامعات في تخصصاتهم المختلفة في دراسة آفاق المستقبل واحتمالاته المختلفة، وبحيث يصبح أمام صانع القرار تصورات علمية عن المستقبل في كافة المجالات والخيارات الممكنة في الاستعداد لهذا المستقبل وسبل مواجهته.
· ادخال التكنولوجيا والأساليب الحديثة في التعليم مثل أسلوب التعليم عن بعد، التعليم الذاتي، استخدام الحاسب الآلي كأداة للتعلم وليس مصدر للمعلومات، استخدام الأجهزة السمعية والبصرية من إذاعية وتلفزيونية ، ظهور السينما التعليمية والشبكات الخاصة بالتعليم، وقنوات الإذاعة والتلفزيون، معامل اللغات والشرائح العلمية، الملصقات، وغير ذلك من الوسائل التعليمية.
· ضرورة التواؤم بين خطط التعليم وبرامجه والحاجات الأساسية والفعلية للبلاد من اليد العاملة حتى نتفادى تكدس العمال في مجال، والنقص الشديد في مجال آخر، فعلى الرغم من التوسع التكنولوجي الذي يمر به العالم، لاتزال البلاد تعاني من نقص شديد في العمال والفنيين والمهرة، الذين يمثلون عصب الحياة الانتاجية والاقتصادية، وهنا نجد أن المشكلة تكمن في التكدس والاندفاع نحو التعليم الجامعي والعالي بسبب سياسة التوسع في الثانوي العام، وهذا التكدس لايتناسب مع الطلب على العمالة في المستويات العليا التي تؤهل لها الدراسات الجامعية. مما يشكل أزمة في استخدام الطاقة البشرية.
· التوسع في التعليم الفني وتزويد مدارسه بالتجهيزات الحديثة لتوفير القوى العاملة الفنية القادرة على الإسهام في التنمية والانتاج. ورفع نظام الأجور والحوافز لهؤلاء العاملين، وأن يحظى التعليم الفني بقدر أكبر من الاستثمارات كالتعليم العام، بالاضافة إلى تحقيق سهولة الانتقال من نوع معين من التعليم إلى نوع آخر، فيجب أن يكون من حق كل شاب أن يتجه إلى التعليم الذي يناسب إمكاناته، ومن انتقل إلى التعليم الفني لايحرم من مواصلة التعليم في الجامعة. وفي المانيا وهي أولى دول العالم في التعليم الفني، نجد أن الملتحقين بالتعليم الفني والذين عملوا بالمؤسسات الصناعية ولديهم رغبة في التعليم الجامعي ليست أمامهم قيود كما هو الحال في مصر، بل على العكس توجد الكثير من الإغراءات تتمثل في احتفاظهم بأماكنهم، وعلاواتهم، وترقياتهم، حتى ينتهوا من التعليم، ويرفعوامن مستوياتهم العلمية، ويعودوا إلى أماكن عملهم.
· ضرورة تحقيق الترابط الوثيق بين الجامعات ومراكز البحوث من ناحية وبين مراكز البحوث ومؤسسات الانتاج من ناحية أخرى، وذلك حتى يتحقق التكامل بين البحوث النظرية والدراسات الأكاديمية وبين التطبيق والانتاج.