إدارة المهارات الذهنية


من اهم التطورات الحادثة في مجال ادارة الاعمال حاليا والتي يتوقع منها تحقيق زيادات ملموسة في انتاجية الاجهزة الحكومية هي تلك الجهود التي تبذل لقياس وزيادة القدرة على استخدام وتطوير (الثروة الفكرية) او (الثروة البشرية) في تلك الجهات الحكومية. وليس من المغالاة في شيء ان نطلق اسم رأس المال الفكري (للدلالة على اغلى اصول الاجهزة الحكومية واكثرها اهمية, اضف الى ذلك ما تعنيه غالبية الاجهزة الحكومية من نقص او محدودية الميزانيات. ولاشك ان تلك الجهود سوف يكون لها عظيم الاثر على اداء الاجهزة الحكومية لعدة اسباب والسبب الاول في ذلك هو ان الاجهزة الحكومية تتميز بكثافة عالية من العمالة البشرية, ومن ثم فإن التعرف على السبل الممكنة لتنمية وتطوير تلك الثروة البشرية هو حل منطقي يفرض نفسه على القائمين على ادارة امور تلك الاجهزة وتظهر اهمية التنمية والتطوير نتيجة للدرجة العالية من الآمان الوظيفي التي يتمتع بها الموظف الحكومي مما يدفعه في كثير من الاحيان الى عدم التجديد او التطوير الذاتي. ان تفاعل عدم رغبة الموظف الحكومي في تطوير ذاته مع محدودية الميزانية يجعلنا نفكر بجدية في كيفية تعظيم الاستفادة من الثروة البشرية المتاحة, كذلك فإن تعظيم الاستفادة لايعني بالضرورة زيادة الانتاج فقط بقدر ما يعني ضرورة تطوير وتنمية الاصول الفكرية للاجهزة الحكومية التي قد تصل اقصى حد للاستفادة منها 20% فقط. اما السبب الثاني للاهتمام بتنمية وتطوير رأس المال الفكري هو كون الثروة البشرية المصدر الاساسي لأي عملية تجديد او ابتكار. ان التوسع في الثروة البشرية (عن طريق التعيين والتدريب والتعليم) يمكن ان تمثل نبعا لا ينضب ومصدرا مستديما للتطوير والابتكار, فنحن كل يوم نتعلم ونكتشف طرق جديد لتنمية العقل البشري وتطوير طاقاته الابداعية.

 ولاشك تفوق بطل العالم في الشطرنج (جاري كاسبروف) في بعض المباريات على الحاسب الآلي العملاق (ديب بلو) انما هو تجسيد لقدرات العقل البشري اللانهائية ودلالة لاشك فيها على ان الانسان هو اعظم الحاسبات على الاطلاق, ان تنمية وتطوير رأس المال الفكري يعتبر بلاشك التحدي الاول الذي يواجهنا خلال العقود التالية. ومما سبق يلاحظ ان (رأس المال الفكري) في الاجهزة الحكومية هو عبارة عن الاصول غير المادية والتي تتكون من المهارات والمعارف والمعلومات داخل تلك الاجهزة, ومن ثم فإنه في حالة قدرة الاجهزة الحكومية على تنظيم رأس المال الفكري سوف يؤدي بالتبعية الى انتاج العديد من الاصول المادية الاخرى, ومن هذا المنطلق فإن التحدي الرئيسي للاجهزة الحكومية هو التعرف على الاصول الفكرية والمعرفية المتاحة لديها, والتعرف على الاساليب الادارية التي يمكن استخدامها لتنمية تلك الاصول, ثم البدء في ادارة تلك الاصول بما يؤدي الى تحسين الاداء الكلي للاجهزة الحكومية, وفي حقيقة الامر فإن التحدي السابق يطلق عليه تحدي (القدرة على التعلم) , ويتطلب هذا التحدي قدرة على قياس الاصول الفكرية بشكل علمي, وقياس كفاءة وفعالية ادارة تلك الثروة البشرية.

ويتطلب قياس رأس المال الفكري من الاجهزة الحكومية تطبيق برنامج من ثلاث مراحل اساسية هي: مرحلة الاختبار التشخيصي, ومرحلة التعيين الانتقائي, ومرحلة تنمية المهارات الذهنية, وتهدف مرحلة الاختبار التشخيصي الى قياس القدرات الذهنية لرأس المال الفكري داخل الجهاز الحكومي, ويمكن من خلال هذا الاختبار التعرف على اصحاب القدرات التحليلية او اصحاب القدرات الحسية من العاملين, ويتميز اصحاب القدرات التحليلية بقدرة عالية على التعامل مع المواقف او القرارات التي تتطلب الدخول في التفاصيل الفرعية للامور والدقة المتناهية او التحليل النقدي للمشاكل, اما اصحاب القدرات الحسية فيتميزون بقدرتهم على حل المشاكل المعقدة وتطوير الرؤيا المستقبلية والتعامل مع الازمات والمشاكل المعقدة.

ومن الممكن الاستفادة من نتائج هذا الاختبار في تحسين الانتاجية من عدة جوانب منها على سبيل المثال تكوين فرق العمل المتجانسة, او تعيين المرشحين في اماكن العمل او الوظائف التي يمكن ان يساهموا في تطويرها بشكل فعال, وبنفس المنطق فإن نتائج هذا التحليل يمكن ان تستخدم في اكتشاف الافراد القادرين على تقييم وتحليل الافكار الجديدة, او اكتشاف هؤلاء ممن لديه القدرة على قيادة الاخرين خاصة في حالات اتخاذ القرارات. ومن النادر ان تتولى الاجهزة الحكومية عمل مثل هذا الاختبار او ان تعتمد على نتائجه عند تخطيط او تنفيذ اعمالها وعلى العكس من ذلك فان كل ما تعرفه تلك الأجهزة عن العاملين لديها هو المسمى الوظيفي والاختصاصات والمسؤوليات والخبرة الوظيفية ممثلة في عدد سنوات العمل بالجهاز الحكومي, ومن النادر جدا ان تجد احد الاجهزة الحكومية يستخدم وسيلة متطورة لقياس ما يملك من قدرات عقلية وذهنية بشرية, غير ان حاجتنا الى البحث عن طرق واساليب جديدة لقياس القدرات الذهنية لمواردنا البشرية تزداد بزيادة اهمية وحيوية الدور الذي يتوقع ان تلعبه الموارد البشرية خلال العقود التالية.

 وفي مرحلة التعيين الانتقائي يتم الترشيح لشغل المناصب بناء على القدرات الذهنية التي تم تحديدها في المرحلة الاولى بما يضمن دعم الوظائف والمهام الحكومية سواء على المستوى الفردي او المستوى التنظيمي, وبنفس المنطق السابق فإن العاملين من اصحاب القدرات الحسية يمثلون الذخيرة الاساسية للتجديد والابتكار داخل الاجهزة الحكومية, ومن ثم يمكن الاعتماد عليهم في تكوين فرق العمل لاقتراح حلول للازمات او للبحث عن اساليب مبتكرة لتطوير العمل الاداري داخل الاجهزة الحكومية, ومن الطبيعي ان تكون المهمة الاساسية لفرق العمل هذه هي صياغة الحلول المقترحة لعلاج المشاكل التي تواجه الجهاز الحكومي, وعند الانتهاء من هذه المهمة يجب تكوين مجموعة اخرى من العاملين من ذوى القدرات التحليلية لتقييم تلك الحلول ووضعها في شكلها النهائي, ومن الطبيعي ان يتم بعد ذلك عقد لقاءات بين المجموعتين السابقتين بغرض مناقشة ومراجعة النتائج التي توصل اليها الفريقان بغية التوصل الى حلول تعكس وجهة نظر رأس المال الفكري داخل الجهاز.

وفي حالة التوصل الى صياغة نهائية للحلول المقترحة لعلاج المشاكل التي تواجه الاجهزة الحكومية فإنه يمكن البدء في تنفيذ المرحلة الثالثة من هذا البرنامج وهي مرحلة تنمية المهارات الذهنية, وبالرغم من توافر المعرفة عن القدرات الذهنية والعقلية للانسان, الا ان الاجهزة الحكومية تعتمد على جزء بسيط للغاية من تلك المعرفة, وبصفة عامة فإن الحاجة باتت واضحة لاستخدام الاساليب الجديدة والمتطورة بغية تطوير امكانات ومهارات العاملين الذهنية. ومن الاساليب الذهنية الشائعة في هذا المجال اساليب العصف الذهني واساليب الفكر الجماعي, او استخدام اسلوب الاجتماعات المرنة او المفتوحة او جماعة المستشارين الداخليين, وفي كل الحالات فإن الهدف الاساسي من استخدام هذه الاساليب هو تشجيع التفاعل بين الموارد البشرية داخل الاجهزة الحكومية لكسر الجمود الفكري الذي يمكن ان ينشأ ويرسخ نتيجة ممارسات بيروقراطية بالية. ومن الطبيعي ان يتطلب نجاح برنامج (ادارة المهارات الذهنية) العديد من التغيرات الهيكلية في الاجهزة الحكومية ومن هذه التغيرات ضرورة خلق مناخ العمل الذي يؤكد اهمية ــ بل حتمية ــ التجديد والابتكار كأحد القيم الهامة في العمل الحكومي, كذلك يتطلب الامر تبني نظم العمل التي تتميز بالمرونة والانفتاح والتي يمكن في نفس الوقت ان تسمح بالمشاركة وقبول اراء ووجهات نظر العديد من العاملين داخل الجهاز الحكومي كذلك فإن تطبيق هذا البرنامج بنجاح يستدعى بالضرورة ان تتولى القيادات الادارية في الاجهزة الحكومية تسهيل مهمة تفاعل العاملين وحثهم على بذل اقصى جهد ممكن بغرض تحسين الاداء الحكومي.

 

المصدر: موقع التنمية الإدارية .
ahmedkordy

خدمات البحث العلمي 01009848570

  • Currently 66/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
22 تصويتات / 2582 مشاهدة
نشرت فى 14 نوفمبر 2010 بواسطة ahmedkordy

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

30,758,408

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters