ان المدقق لاحوال العالم النامى هذه الايام يجد انه مقبل على فترة من اصعب الفترات التاريخية.‏ فهو فى مواجهة خطيرة بين العزلة عن الحركة العالمية والمشاركة فى عولمة هذه الحركة،‏ وكلاهما خيارات صعبة ليست فى صالحه بالشكل الحالى لمجريات الامور.‏ وعليه تصبح حركة العالم النامى حركة المأذق التى تتطلب المواجهة بشكل حاسم.‏ وطريق المواجهة طريق واضح المعالم تحدده رؤية واضحة وهى انه لن تتقدم دول العالم النامى بدون تعليم راق وديمقراطي حقيقية لا تذوب مضامينها فى اشكالها.‏ وفى هذا المقام فاننا نركز فقط على التعليم.‏ حيث ان مناخ التعليم لا يطور فقط الثروات البشرية ويجعلها قادرة على ادارة وتنفيذ برامج التنمية.‏ ولكن ايضا يجعلها قادرة على العمل بالاساليب الديمقراطية على المستويات الادارية والتنفيذية والسياسية.‏ ويرتبط حجم وجودة الخدمات الجامعية بالمنظومة الادارية التى تجعل رسالة الجامعة بوصلة الحركة على طريق المبادىء الارشادية والأخلاق الجامعية.‏ وفى ذلك نرى ان مستوى الاداء الجامعى لن يرتفع فوق مستوى الاداء الادارى.‏ وعليه فان الادارة العصرية تفرض نفسها على جامعة المستقبل .‏ كما سوف يتحدد نجاح القائد الجامعى من خلال قدرته على تحويل رؤية المستقبل الى واقع ملموس.‏ وعليه فى ذلك ان يتفاعل مع القائمين على رسالة الجامعة دون ان يفقد مكانه فى المقدمة ،‏ كما لا يجب ان يغالى فى موقعة المتقدم حتى يراه الآخرون ويتمكنوا من اتباعه.‏ والقائد العصرى هو الذى لا يتوقف عن تعليم نفسه بالوسائل المعروفة وتتوقف المقدرة القيادية حينما تتوقف الرغبة فى التعليم.‏ ونتناول فى هذا البحث الانماط الادارية التقليدية ثم نركز على الادارة العصرية والتى ترتكز على ثلاثة محاور رئيسية هى الادارة بالرؤية المشتركة والادارة من موقع الاحداث والادارة التفاعلية.‏

 

الادارة الجامعية

والسؤال الان كيف تدار جامعاتنا؟‏ هل تدار برؤية المستقبل وتحدياته وخطورة رسالة الجامعة على حركة المجتمع ام ان هناك اسلوبا اخر تدار به لمصلحة قصيرة الاجل تجعل من العملية التعليمية عبئا على التنمية والديمقراطية ؟‏ وحتى يمكن تفهم ارتباط التعليم بالتنمية والديمقراطية فلابد من اختصار الانماط الادارية المختلفة والتى يمكن ان تدار من خلالها اى مؤسسة علمية كانت او غير ذلك.‏ والادارة بصفة عامة هى واحدة من ستة عناصر هامة فى الكيان الجامعى وهى:‏ـ

(‏ا)‏ سوق العمل بالنسبة لخريجى الجامعات.‏

(‏ب)‏ التقنية المطلوبة لاعداد الخريجين.‏

(‏ج)‏ الجهاز التنفيذى.‏

(‏د)‏ راس المال اللازم لتمويل العلمية التعليمية فى جوانبها.‏

(‏ه)‏التنظيم الذى يربط ما بين العناصر السابقة

(‏و)‏ والجهاز الادارى المسئول عن وضع رسالة المؤسسة الجامعية موضع التنفيذ من خلال رؤية واضحة ومبادىء ارشادية تنقح الانظمة للحفاظ على التراث الثقافى وتطوير المهارات التقنية ومهارات الاتصال والتفاعل الانسانى.‏ ان المبادىء الإرشادية لعملية التعليم والتعلم مبادىء فطرية وذات لحن وتناغم واحد،‏ وميلنا الى هذه المبادىء يعنى اننا نحاول ان نعيش حياتنا الجامعية متوافقين معها.‏ وبذلك تتحدد وتتحد اتجاهاتنا الداخلية والخارجية،‏ وذلك هو المعنى البسيط للاستقامة فى الإدارة الجامعية.‏

الأنماط الإدارية:‏ـ

هناك أنماط إدارية متعددة ولكننا نركزهنا على اربعة انماط اساسية منهما نمطين تقليدين واخرين عصريين نتطلع اليهما فى جامعة المستقبل.‏ وفيما يلى سرد لهذه الانماط وبعض اوجه القصور وكيفية التغلب عليها.‏

اولا:‏ الادارة بالاساليب:‏ـ

وفى هذه الادارة يهتم الجهاز الادارى بالاساليب على حساب الاهداف ويغلب الشكل على المضمون بشكل يجمل القبيح ويخفى المشاكل رغم وجودها،‏ وقد تصل درجة الاهتمام بالشكل الى التضليل واخفاء الحقائق.‏ وفى الادارة بالاساليب يتحول الجهاز التنفيذى الى جهاز خدمى يخدم اهداف الادارة العليا دون النظر الى اهداف المؤسسة الجامعية.‏ فعلى سبيل المثال تعقد العديد من المؤتمرات العلمية التى لايتمخض كثير منها الا عن جلسة افتتاحية صاخبة تحضرها بعض الشخصيات الهامة وتستحوذ على اهتمام اجهزة الاعلام المختلفة دون التركيز الموضوعى والاكاديمى على مضمون المؤتمر واهمية موضوعاته.‏ ودون اى متابعة لتوصياته.‏ وعليه فتصبح بعض هذه المؤتمرات غاية وليست وسيلة بالاساليب على حساب الاهداف والرؤى وتكلف جامعاتنا الكثير من الجهد والمال.‏ والشكل التالى يوضح الفرق بين الوسائل والاهداف فى ادارة المؤتمرات الجامعية.‏ والمدقق لهذا الشكل يجد ان هناك خلط واضح فى جامعاتنا المصرية مما يفقد هذه المؤتمرات اهميتها ومردوداتها،‏ وبذلك يعتبر الانفاق عليها من النوع الاستهلاكى.‏

ثانيا:‏ الادارة بالاهداف :‏

فى هذه الادارة يقسم الهدف الاستراتيجى فى رسالة المؤسسة الجامعية الى عدد من الاهداف التكتيكية التى توزع على عمداء الكليات ثم يقسم كل هدف تكتيكي الى عدة اهداف صغيرة توزع على رؤساء الاقسام.‏ بعد ذلك يقسم كل رئيس قسم هدفه الصغير الى مهام يوزعها على مرؤوسية فى شكل خطط بسيطة مستهدفة التحقيق.‏ وهنا تتعدد الاهداف وطريقة الاداء تبعا لتعدد المستويات الادارية والتنفيذية.‏ ومن الطبيعى ان يحدث انفصال بين اهداف اعضاء هيئة التدريس ومعاونيهم واهداف الادارات الوسطى والعليا والاهداف الاستراتيجية للجامعة وهى تنمية الموارد البشرية بهدف خدمة المجتمع فى جوانبه الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية.‏ وكل هذه الجوانب تتطلب مهارات تقنية ومهارات للعلاقات الإنسانية.‏ ان تفتيت الاهداف على طريقة الادارة بالاهداف هو سر فشلها كمنهج ادارى ويكمن الفشل الحقيقى فى عدم وضوح الرؤية على كافة المستويات الجامعية.‏ ولايقصد بالرؤية هنا ان ننظر للاشياء المرئية ولكن نقصد بها البصيرة التى ترى ما لا يمكن ابصاره،‏ وينطبق ذلك على المستقبل الذى لايمكن ابصاره ولكن يمكن استبصاره.‏

ثالثا:‏ الادارة بالرؤية المشتركة :‏

وهذا الاسلوب الادارى بسيط فى متطلباته عميق فى آثارة.‏ والادارة بالرؤية او الادارة على المكشوف هى الادارة التى يتم فيها الاهتمام بالوسائل والاهداف بشكل شمولى بحيث تنتقل رؤية المؤسسة الجامعية الى عقل وضمير ووجدان القائمين على رسالتها على اختلاف مستوياتهم التنفيذية والادارية.‏ وفى هذه لحالة لا تقسم الاهداف الاستراتيجية.‏ ولكن تقسم ادوار وادوات الوصول الى هذه الاهداف وتطلق الطاقات وتعطى الحريات لكل العاملين بالمؤسسة الجامعية للعمل حسبما يتراءى لهم بهدف الوصول الى الهدف الأسمى المنشود وهو تنمية وتطوير الثروات البشرية بشكل حقيقى لا يعتمد فقط على اجتياز الامتحانات والحصول على الشهادات.‏ والادارة على المكشوف ليست تنازلا عن السلطة ولكنها مشاركة فى استخدام الادوات وتسلم الادوار للوصول الى هدف يراه الجميع واضحا-‏ هدف ليس مقسما الى امتحانات وبحوث وكنترول ومؤتمرات… الخ حيث ان كل هذه اهداف تكتيكية اذا لم تخدم الهدف ا لاستراتيجى اصبحت مضيعة للوقت والمال والجهد واصبحت وسيلتها غاية وغايتها وسيلة.‏ والادارة بالرؤية تحول كل القائمين على العمل الجامعى الى شركاء يعرف كل منهم استراتيجية التعليم الحالية والمستقبلية ولكل منهم مهارة التعبير عن ارائه الشخصية وتقبل اراء الاخرين ونقدهم كما لايجب ان يلهى القائمين على العمل اهتمامهم بتفاصيل ادوارهم عن بعد النظر ورؤية الهدف الاستراتيجى او ان تمنعهم وحدة الهدف عن مهارة ومرونة التحول عند الضرورة،‏ ولكن كيف يتم هذا التحول؟‏

اهداف الادارة وادارة الاهداف:‏ـ

ان اسلوب الجزرة والعصا المستخدم فى الادارة بالاهداف لم يعد الاسلوب الامثل لتحفيز قوى العمل الجامعى،‏ حيث ان افضل مناهج التحفيز هو التمكن وافضل مناهج التمكن الادارة بالرؤية او الادارة على المكشوف.‏ والرؤية المشتركة تنمى الوعى باسباب العمل وتمكن الادارة الجامعية من الحصول على تغذية مرتدة سريعة من القائمين على العملية التعليمية مما يكسب هذه العملية حماسا وجدية والادارة التعليمية سواء كانت بالاساليب او الاهداف تصيب العقول والهمم بالخمول والكسل وتميت الطاقات المبدعة والخلاقة،‏ ولكن منهج الادارة بالرؤية المشتركة يحاول بعث الحياة فى كل هذه العوامل مما يثير التحفيز ويعظم الانجاز.‏ وحينما تطبق اساليب الادارة على المكشوف فى العمل الجامعى على جميع مستوياته،‏ فالجميع سوف يتحدث نفس اللغة ويجمعهم هدف استراتيجى مشترك يتعدى مرحلة الارقام الجامعية ونتائج الامتحانات والاعلان الصحفى عن المؤتمر الى اعداد الانسان المصرى لعهد جديد ميثاقه هو ان نعيش اولا نعيش.‏ ذلك هو الفرق بين الادارة بالاهداف والادارة بالرؤية المشتركة ففى النمط الاول تتحول الاهداف الجامعية الى اهداف ادارية تقاس بالتقارير الرقمية التى تخلو من المضمون،‏ وفى النمط الثانى تدار الاهداف الجامعية من خلال رؤية لتحديات المستقبل حتى وان كان ذلك على حساب الارقام فى المدى القريب.‏

مزايا الادارة على المكشوف:‏ـ

ان منهج الادارة على المكشوف يحمل فى ثناياه عوامل بقائه واستمراره فتأتى مقاومة المنهج من الذين يشعرون انهم مهددون بفقدان مكانتهم الوظيفية.‏ أو الذين يتوقعون مزيدا من الضغوط على ادائهم الحالى،‏ وكذلك لا يرون فى المنهج اية فرصة لترقيتهم وظيفيا او ماليا،‏ وقد تاتى هذه المقاومة ايضا من بعض المديرين اصحاب الفلسفة البيروقراطية.‏ كل هؤلاء عادة ما يكونون غير متفهمين لمنهج الادارة على المكشوف،‏ لذلك يمكن العلاج الصحيح فى توعيتهم بمزايا هذا المنهج والتى يتلخص بعضها فيما يلى:‏

  1. ان يهتم العاملون والاساتذة ومعاونوهم،‏ شأنهم شأن الادارة العليا،‏ بنجاح جامعتهم واساليب تطوير الاداء بها،‏ وعليه لا ينتظرون احدا ليشخص لهم المشاكل او يوصف لهم الحلول حيث تصبح هذه المهام من مسئوليات وواجبات اعمالهم التى يؤدونها بوعى تام من تلقاء ذاتهم.‏

  2. ان يكون كل عضو فى اسرة الجامعة خبيرا بالارقام وان يفهم لغة الخبراء وبالتالى يصبح اكثر قدرة على تنفيذ الخطة المستهدفة فى تكامل مع الخطة الاستراتيجية العامة.‏

  3. نظرا لان الادارة على المكشوف تخاطب جميع المستويات الادارية والتنفيذية فهى تحقق التكامل والترابط فى النسيج الجامعى مما يحقق وحدة اللغة والهدف.‏ ان وجود رؤية مشتركة للجهازين التنفيذى والادارى تنمى اسلوب الرقابة الذاتية،‏وعندما تسود هذه الرؤية فان الجميع يتمتعون بحرية التجريب واكتشاف الجديد،‏وعندما يثابون على استخدام عقولهم يتحول الالتزام الى تفان ويتسامى الاخلاص الى اعلى درجاته واعظم صورة من الولاء والانتماء للمؤسسة الجامعية والوطن الام.‏ وتحرر الادارة بالرؤية المشتركة القائمين على الاعمال الجامعية من عقدة الخوف من الخطا والفشل.‏ وبذلك تحرر طاقاتهم الابداعية وقدراتهم الخلاقة.‏ وهنا تكمن اهمية الادارة على المكشوف حيت تساعد على صياغة المناخ المناسب للابتكار الذى يشكل مفردات لغة المستقبل.‏

  4. منهج الادارة على المكشوف ينمى روح الولاء والالتزام التى تحفز اخلاص العاملين فى تأدية وظائفهم ورغبتهم الصادقة فى انجاح الجامعة.‏ وبذلك يمكن القول بان منهج الادارة على المكشوف يعمل على اخراج الطاقات الكامنة لدى العاملين.‏ وليس هناك غرابة فى ذلك وذلك لان الانسان يدعم كل شىء قد شارك فى انجازه ويزداد هذا الدعم اذا اتصف انجازه بالابتكارية والإبداع.‏

  5. يعالج منهج الادارة على المكشوف ازمة الثقة المتعلقة بحجب المعلومات بين العاملين والاساتذة والادارة.‏ وعندما يثق القائمون على العملية التعليمية فى الادارة الجامعية،‏ يقل التوتر والصراع المخفضان للإنتاجية،‏ وعندما تثق الادارة الجامعية فى القائمين على رسالة الجامعة،‏ تقل تكلفة انظمة الرقابة الرسمية وغير الرسمية التى اصبحت متعددة لدرجة جعلت الخوف يهدد العمل الجامعى فى العديد من أبعاده.‏ خاصة البعد الذى ينمى قيمة وثقافة الديمقراطية فى الاجيال المقبلة من خلال القدوة داخل الحرم الجامعى.‏ كذلك فان الثقة تحقق سرعة وجدية تقديم الخدمة الجامعية كما تقلل من تكلفة أنظمة الأشراف والمراقبة.‏

  6. يزكى منهج الادارة على المكشوف مربع التحفيز المكافآت-‏ العمل الممتع-‏التقدير-‏ المشاركة.‏ وتخلو المناهج الاخرى من اهم اضلاع هذا المربع خاصة التقدير والمشاركة.‏

  7. ان الادارة بالرؤية المشتركة تخلق بيئة عمل يسودها المناخ الديمقراطي الذى لم يصبح خيارا مطروحا للمستقبل ولكنه اصبح ضرورة حيوية لرؤية هذا المستقبل.‏ وذلك لان تصوير الواقع باكثر من منظار واكثر من زاوية لمن افضل اساليب القاء الضوء على المستقبل،‏ وبالطبع لا يمكن تحديد الاهداف بدقة دون رؤية مستقبلية دقيقة،‏ وفى ذلك نصف المعالجة.‏

  8. يعمل أسلوب الادارة بالرؤية المشتركة على إسقاط الحواجز المعنوية بين الجهازين التنفيذى والادارى،‏ وذلك يرفع من مستوى وكفاءة عملية الاتصال التى تعتبر الجهاز العصبى فى مؤسساتنا الجامعية.‏ ان الحواجز المعنوية قد تخفى ورائها اشكالا اخرى من الحواجز التى قد تفيد فى انضباط شكل العملية التعليمية دون الوصول الى عمق مضمونها.‏

  9. حيث ان الادارة بالرؤية المشتركة تعنى التفويض والتمكن فى اعلى صورهما وعليه فهى تعمل على مستويين:‏ الاول هو محاولة الاستفادة من الامكانات القائمة للأفراد،‏ والثاني هو العمل على اخراج وتوليد الطاقات الكامنة داخل الافراد.‏ وفى ذلك يتميز هذا الاسلوب عن الاساليب الادارية الاخرى،‏ بما فى ذلك اسلوب الادارة بالاهداف والذى يركز فقط على المستوى الاول.‏ ويجب ان ندرك هنا ان اسلوب الجزرة والعصا المتبع فى منهج الادارة بالاهداف اسلوب منقوص للتحفيز حيث لايفيد التحفيز المادى الذى يفتقر الى التحفيز المعنوى،‏ فالانسان مخلوق عاطفى تسعده كلمات التقدير والامتنان حينما يحقق انجازا او اداء متميزا.‏

  10. ان الادارة بالرؤية المشتركة تجعل جامعة المستقبل تعطى قيمة كبيرة للتغيير فى محتوى ووسائل العمليات التعليمية والبحثية وخدمة المجتمع الى الدرجة التى تجعل التغيير جزءا من ثقافة الجامعة.‏ وهنا يجب التنويه على ان الوضع القائم اوالراهن (‏status quo)‏ يمثل شبكة الامان لبعض القيادات التى تجهل قيمة التغيير والمخاطرة،‏ ولهؤلاء نقول:‏ انه ليس هناك امان فى هذا العالم… هناك فرص لن نجنى ثمارها الا اذا خاطرنا لاستغلالها.‏

رابعا:‏ الادارة المرئية

يعتبر هذا النمط الادارى وليد التجربة اليابانية ونرى زيادة اهميته فى دول العالم النامى والتى تزداد فيها درجات التشويش المؤسسى.‏ وهناك اسباب متعددة للتشويش فى المؤسسات الجامعية نرى اهمية تحليلها حتى نستطيع تلافيها وتأدية رسالتنا الجامعية دون اللجوء الى جراحات التجميل او اساليب التضليل.‏ وفيما يلى بعض الاسباب التى قد يقع عليها اهدار شفافية العمل الجامعى فى محاورة المتعددة:‏

  1. تحول مفهوم الولاء الى بعض اشكال النفاق التى تهدف الى ارضاء القيادات الجامعية،‏ حتى وان استدعى ذلك ادعاء مثالية الاداء ومحاولة تضليل الرؤساء.‏

  2. تطرف احكام المؤسسة الجامعة فى الشخصيات القيادية والعامة وتحميلها مسئولية كل الاخطاء مما يتسبب فى قتل روح المخاطرة والابتكار.‏

  3. عدم دقة اختيار بعض القيادات الجامعية.‏ وعليه فقد تسرب الى مسيرة العمل الجامعى قيادات تغيب عنها المصداقية وتحاول الاحتفاظ بمواقعها بكل الاساليب عملا بميثاق "‏الغاية تبرر الوسيلة"‏ ومن هنا تجيىء شدة التمسك بالمنصب على حساب المصلحة العامة وجدية الاداء.‏

  4. تعدد وتداخل الجهات الرقابية ونفاذ بعض نشاطاتها الى عمق المؤسسات الجامعية،‏ وبذلك اصبح الخوف ثقافة للعمل المؤسسى،‏ وكلنا يعلم ان الخوف والتضليل وجهان لعملة واحدة.‏

  5. تمسك القيادات الجامعية بمواقعها اصبح من دواعى الحماية،‏ خاصة وقد انتشرت ثقافة البحث فى سلبيات وتجاوزات القيادات السابقة ومحاولة النيل منها.‏

  6. انشغال بعض القيادات الجامعية بادارة الاعمال الورقية والمكتبية وانفصالها عن ارض الواقع ووقوعها فريسة للخداع المؤسسى الذى غالبا ما يبدأ من القاعدة والمقربين.‏

  7. انتشار ظاهرة العنف الادارى التى قد تجبر القيادات الوسيطة على اخفاء الحقائق او تلوينها.‏

  8. عدم جدية العمل ونقص المعلومات ونمو مراكز القوى وتغليب المصالح الشخصية على اليات التقييم والمحاسبة وسوء استغلال المناخ السياسى.‏

  9. الاعتماد بصفة مطلقة على الاحصاءات والتقارير فى تقييم العمل الجامعى والقائمين على تنفيذه وادارته.‏ ولا يغيب عنا ان التقييم بالتقارير لا يخلو من العامل الشخصى.‏ الذى تكمن خطورته فى التعيين للمناصب العليا بالجامعة.‏

  10. انعكاس مفهوم "‏الادارة فى خدمة الجامعة"‏ الى"‏ الجامعة فى خدمة الادارة"‏ ويقع التركيز على الايجابيات والمبالغة فى ابعادها.‏ واخفاء السلبيات وعدم الاستفادة من فرضها ضمن اليات هذا التحول الشاذ.‏ وهنا يجب ان تسأل القيادات الجامعية نفسها هذا السؤال:‏ هل اقوم بتنمية الثروات البشرية وتحقيق رسالة الجامعة،‏ ام استغل الاخرين فى احلامى الشخصية على حساب الرسالة والقائمين عليها؟‏

والادارة المرئية اسلوب ادارى معروف ويعتبر من اهم اسباب نجاح التجربة اليابانية.‏ وتسمى الادارة فى اليابان "‏ جمبا كايزن"‏ (‏Gemba Kaizen)‏ وهى كلمات بسيطة تعنى ادارة المشكلة من المكان حتى يمكن ادارة الزمان بالدقة والسرعة المناسبين للتخلص من جذور هذه المشكلة والعمل على منع تكرارها فى المستقبل،‏ وعليه فهو اسلوب مستمر يستمد قيمته من ارض الواقع.‏ وبهذا الشكل تكتمل عناصر الادارة وهى:‏ التخطيط والتنفيذ والمتابعة والتطوير.‏ وحتى تثمر نتيجة تكامل هذه العناصر فلابد من التمسك بثلاث استراتيجيات اساسية وترجمتها الى خمس خطوات تنفيذية.‏

استراتيجيات الادارة المرئية:‏ـ

ليست الادارة المرئية اسلوبا لادارة الازمات ولكنها منهاج عمل مستمر لادارة الاحداث اليومية فى مكانها وزمانها.‏ ويستمد النمط الادارى قيمته من الواقعية وشفافية العلاقات الرأسية والافقية فى اركان العمل المؤسسى.‏ وعليه فهو احد التحديات الهامة لادارة المستقبل من ارض الواقع.‏ ولايمكن ان تتوفر الشفافية المطلوبة للادارة اذا طبقت ثلاث استراتيجيات هامة يمكن تلخيصا فيما يلى:‏

اولا:‏ وضع قواعد العمل:‏-‏

وفى ذلك فانه يجب ان تكون هذه القواعد واضحة وتخدم رسالة المؤسسة الجامعية بالطريقة المثلى.‏ كما يجب الا تكون هذه القواعد جامدة حتى يمكن تطويرها وتعديلها لتصبح بسيطة وفعالة وتواكب ثقافة السرعة التى تصف النظام العالمى الجديد.‏ وهذه القواعد تشمل تحديد المهام وطرق ومعايير قياس الاداء واساليب المراجعة والتقييم من خلال دراسة موضوعية ومنهج علمى بسيط وواضح.‏

ثانيا التطهير:‏-‏

وهى استراتيجية هامة تستوجب النزول الى ارض الواقع لتشخيص المشاكل واسبابها بدقة حتى يمكن توصيف علاجها المناسب.‏ وبالطبع قد يكون ضمن اساليب العلاج ابعاد بعض الشخصيات التى تعوق مسيرة العمل،‏ ولا يقف التطهير عند هذا الحد،‏ بل يجب ان يمتد الى الادوات والمعدات والاساليب والسياسات.‏ ورغم ان التغيير وسيلة للتطهير خاصة بعد الازمات والكوارث الا انه اهم وسيلة للتطوير المستمر،‏ وعليه فيجب ان يكون التغيير احد القيم الثقافية اللازمة لمواجهة تحديات المستقبل .‏ والادارة من موقع الاحداث تهدف الى التحسين المستمر،‏ وعليه فهى ادارة الحاضر لاكتشاف اوجه القصور،‏ وادارة المستقبل لتطوير الاداء.‏

ثالثا القضاء على الهدر فى الانشطة والثروات:‏-‏

وتهدف هذه الاستراتيجية الى ادخال قيمة السرعة فى ثقافة الجامعة.‏ وهناك اشكال كثيرة لاهدار الثروات الجامعية رغم ندرتها وقد يكون الهدر بهدف وضع المؤسسة الجامعية فى خدمة الادارة.‏ كذلك فان هناك عنفا رقابيا على حركة العمل الجامعى لا يجنى العاملون من ورائه الا الخوف والشك والتردد والتباطؤ والتعقيد والتعطيل.‏ قد يصل الهدر فى الوقت الى اتخاذ بعض القرارات الروتينية فى عدة شهور مما يعطل مسيرة الجامعة ومصالح العاملين بها،‏ ويدفع الى بعض اشكال الفساد والنفاق الادارى.‏ ويستوجب القضاء على الهدر وضع الحدود بين الاساليب والاهداف والتاكيد على مفهوم الادارة فى خدمة الجامعة ومشاركة الاخرين رؤية المستقبل.‏

ويقتضى تطبيق استراتيجيات الادارة المرئية من موقع الاحداث ضرورة اتباع خمس خطوات اساسية يمكن تلخيصها فبما يلى:‏

  1. النزول الى موقع الاحداث بصفة متكررة ومفاجئة،‏ مع سرعة واهمية التواجد فى هذه المواقع عند ظهور اى مشكلة.‏

  2. الاهتمام بكل عناصر الموقع مع استخدام اساليب التفكير الجانبية والمعكوسة(‏Lateral &‏ Reversal Thinking)‏ بالاضافة الى الأساليب التقليدية وذلك للوصول الى جذور المشكلة ووضع بدائل غير تقليدية لحلولها.‏

  3. اتخاذ الاجراءات الوقائية والفورية والتى غالبا ماتكون اسعافية لوقف النزيف لكن لايجب ان يمنعنا زوال العرض من متابعة واحتواء المرض.‏

  4. البحث عن الاسباب الحقيقية واهميتها النسبية فى خلق المشكلة.‏ كما يجب ادخال سياسة نوادى التفكير المتعددة واليات القدح الذهنى للوصول الى افضل سيناريوهات التشخيص والعلاج .‏ وهنا فاننا نهيب بالقائمين على ادارة جامعاتنا المصرية تفعيل مراكز دراسات المستقبل لخدمة وترشيد القرار الجامعى والوصول بالرسالة الجامعية الى طموحاتها المستقبلية.‏

  5. وضع الحلول المناسبة للمشكلة.‏ مع اتخاذ كافة الاجراءات الكفيلة بتجنب تكرارها فى المستقبل.‏

القيادات الجامعية

ان التجربة تؤكد على ان اى مؤسسة لا يمكن ان ترتفع فوق مستوى قياداتها وذلك يشكل خطورة على جامعاتنا.‏ خاصة مع الطرق التقليدية التى تختار على اساسها القيادات الجامعية.‏ ان نتائج البحوث حول شخصية الانسان تجمع على ان الأفراد الأصحاء فى اى مجتمع يتطلعون الى معاملة تقدر كفاءتهم وتشعرهم بذاتهم وتحافظ على استقلاليتهم فى اطار من الثقة والاحترام المتبادل.‏ والشكل الذى يتم به التعامل والتفاعل بين الادارة الجامعية والمسئولين عن تنفيذ البرامج التعليمية والبحثية وخدمة المجتمع هو الذى يفرق بين الادارة التقنية والادارة التفاعلية.‏ والاخيرة تمثل حتمية لدخول جامعاتنا سباق القرن الحادى والعشرون.‏ وهنا يجب التركيز على اهمية الادارة التفاعلية ليس فقط كاختيار ولكن كضرورة تتطلبها المتغيرات المحلية والعالمية والتطور المذهل فى ثورة المعلومات وتكنولوجيا الاتصالات .‏

القيادة التقنية والقيادة التفاعلية:‏ـ

يهتم التقني بالقوانين واللوائح والمهام اكثر من اهتمامه بالقائمين على هذه المهام،‏ وهذا الاسلوب قد ينمى مشاعر الغضب والاستياء التى تنعكس سلبا على جودة وانتاجية المؤسسة الجامعية سواء فى العملية التعليمية او البحث العلمى او خدمة المجتمع.‏ اما القيادى التفاعلى فهو الذى تتواءم انسانيته مع اهتمامه بالقوانين واللوائح حيث يركز اهتمامه على علاقات العمل من خلال تفهم مشكلات العاملين واحتياجاتهم بقدر تركيزه على اهداف ورسالة المؤسسة الجامعية والقوانين واللوائح المنظمة لها.‏ ان التركيز على اهداف المؤسسة الجامعية يرفع من انتاجيتها،‏ اما التركيز على العلاقات الانسانية فيحافظ على مقدرتها الإنتاجية.‏ وحتى يكون القائد الجامعى تفاعليا فيجب ان يتحلى ببعض المهارات والصفات الهامة.‏ واهم هذه المهارات هى مقدرة التاثير فى الاخرين بشرف والاستماع النشط والايمان باهمية التغذية الراجعة وضرورة الاستفادة منها والقدرة على المواجهة والثقة بالنفس واحترام الاخرين وتقدير مشاعرهم وفهم اوجه القوة والضعف فى القائمين على رسالة الجامعة….‏ الخ)‏.‏ كل هذه المهارات وكذلك بعض الصفات الهامة.‏ مثل الامانة والتكامل والنضج… الخ،‏ تجعل القائد التفاعلى قدوة للاخرين،‏ وبذلك يلقى اسلوب تفاعله معهم واستثماره لجهودهم-‏ لمصلحة المؤسسة الجامعية ورسالتها – مزيدا من الرضا والاستحسان.‏

هناك نظرة قاصرة لدى الكثير من القائمين على ادارة الجامعات على اختلاف مستوياتهم ومسئولياتهم،‏ حيث يرى بعضهم ان الانتاجية هى محور العمل الجامعى دون الاهتمام بقيم ومعتقدات العاملين وتاثيرها على احتياجاتهم وسلوكهم.‏ والاهتمام بهذا الجانب بالقدر الذى يسمح للعاملين باشباع حاجاتهم الوظيفية يعد من اهم سمات قيادات المستقبل على مستوى رؤساء الاقسام وعمداء الكليات ورؤساء الجامعات وكذلك القائمين على ادارة الاجهزة المعاونة.‏ وبصفة عامة فان القائد او المدير الناجح هو الذى لا ينظر للعاملين معه نظرته للثروات المادية وأدوات الانتاج.‏ حيث ان هذه النظرة وتؤثر سلبا على العاملين وتقديرهم لذاتهم ومدى ولائهم للعمل المؤسسى بصفة خاصة وانتمائهم القومى بصفة عامة.‏ ان قدرة القائد الجامعى على الموازنة بين العمل والعاملين تنعكس على نتائج رسالة الجامعة فى المدى البعيد.‏ وعلى ذلك تاتى بعض شعارات "‏ مصلحة العمل"‏ التى كثيرا ما يتشدق بها الكثيرون،‏ ببعض العائد لبعض الوقت ولكن عائدها فى المدى البعيد غالبا ما يكون دون المتوقع،‏اذا اخفت ورائها بعض الاجراءات التى تطبق لتصفية حسابات لا تحركها الا دوافع شخصية ترفع فيها قيمة الولاء الشخصى فوق قيمة الولاء.‏ وعلى ذلك فالقائد الجامعى الناجح هو القادر على التعرف على العاملين واهتماماتهم،‏ ولايمكن ان يتم ذلك الا من خلال مهارات الأتصال العالية.‏ ان غياب هذه المهارات قد يصيب القائمين على الادارة العليا فى مجتمع الجامعة بالانا المتضخمة وشعور التميز ومحاولة كسب التاييد الزائف من خلال بعض الاساليب التى تضر بمناخ الثقة وتقضى على المبادرة وتحفز على النفاق الادارى.‏ كما انه من الاساليب الادارية المريضة التى انتشرت بين الاوساط الجامعية اسلوب التجاهل الذى استشرى واصبح سرطانيا،‏ وكذلك اساليب قتل التلقائية فى الممارسة الديمقراطية بالمجالس الجامعية من خلال التكتل لخدمة بعض الاهداف او السياسات التى تخفى وراءها مصالح شخصية او فئوية.‏

فن القيادة الجامعية:‏ـ

ان فن ادارة العمل الجامعى مثل الدراجة – ثنائية العجلة-‏ حيث تمثل العجلة الخلفية المعرفة التقنية والإلمام باللوائح والقوانين وفيها مقومات الحركة للامام وتمثل العجلة الامامية المعرفة بالعاملين وعلاقاتهم واهتماماتهم واحتياجاتهم،‏ وعليه فهى تعطى الدراجة القيادة والتوجه وذلك من خلال ترجمة قوة العجلة الخلفية الى حركة ذات هدف واضح ومحدد .‏ وعلى ذلك فانه وبعد ان اصبحت المؤسسات الجامعية معقدة ومتشابكة وفيها كثير من الضوضاء والغموض الادارى فان القيادة التفاعلية تمثل مطلبا للارتقاء برسالة الجامعة والوصول بها الى حسن الاداء .‏ ان ثقافة المؤسسة الجامعية لا تقل اهمية عن الامكانيات المادية والقدرات التكنولوجية،‏ وتعتبر علاقات العمل والعاملين والقيم السائدة فى مجتمع الجامعة اهم عناصر المحتوى الثقافى الذى يجب التركيز عليه اذا كان ولابد من النهوض برسالة الجامعة،‏ واعادة مناخها لضمان المحافظة على مستقبل الديمقراطية والامن والاندماج الاجتماعى داخل اسوار الجامعة وخارجها .‏ خاصة حينما ينضم خريجوها الى سوق العمل.‏ كل ذلك يستوجب ان تقوم على قيادة وتوجيه حركة المؤسسة الجامعية ادارة تفاعلية تستوعب متغيرات العصر وتلم بالاساليب الجديدة فى هندسة وتكنولوجيا الادارة.‏ ان غياب التفاعل فى الادارة الجامعية قد يحول منصب القادة الجامعيين الى مديرى ارشيف يوقعون على اوراق بتأشيرات محفوظة ،‏ ويستصدرون قرارات غالبا ما يعوزها الرشد الادارى والجانب الانسانى .‏ ويمكن اختصار فن القيادة الجامعية فى المقدرة على فهم اللوائح والقوانين ومحاولة الالتزام بها دون عبادتها او المغالاة فى تطبيقها مما قد يضر بالنواحى الانسانية والنسج الاجتماعى وثقافة الثقة والاطار الديمقراطى للمؤسسة الجامعية.‏

فلسفة القيادة التفاعلية:‏ـ

وترتكز فلسفة القيادة التفاعلية على بعض العناصر الهامة التى يجب ان نوليها الكثير من اهتمامنا فى مراحل التحول من النمط التقنى الى النمط التفاعلى فى ادارة جامعة المستقبل ،‏ علما بان هذا التحول اصبح ضرورة لا اختيارا ومفتاحا لدخول جامعاتنا القرن الحادى والعشرون.‏ وكل هذه العناصر تعتمد على تطوير العلاقة بين الادارة والعاملين الى علاقة انسانية اساسها الثقة والاحترام المتبادل والمقبول بمبدأ التعددية الفكرية كمنهاج للوصول بالادارة الجامعية الى حسن الاداء.‏ ويختلف ذلك عن الادارة التقنية والذى يعتمد بالدرجة الاولى على تطوير علاقات الشك التى تشبه العلاقة بين الأب القاسى والابن الشقي.‏ وفيما يلى اهم العناصر التى ترتكز عليها فلسفة الادارة التفاعلية:‏

  1. ان الهدف الإستراتيجي للإدارة التفاعلية هو بناء العلاقات لخدمة رسالة الجامعة فى ضوء المبادىء الارشادية التى تضبط ايقاع القيم الجامعية.‏

  2. يجب ان تبنى الادارة حول روابط الثقة فى علاقات العاملين بالجامعة وذلك يتطلب ان تكون هذه العلاقات مفتوحة وصريحة من جميع الاطراف (‏ الادارة والأجهزة المعاونة والاساتذة ومعاونيهم والطلاب)‏،‏ كما يتطلب ذلك قبول مبدا المساواة فى حقوق المواطنة الجامعية رغم اختلاف المواقع والمناصب.‏

  3. ان استجابة العاملين تعتمد فى الاصل على تفهمهم لرسالة الجامعة واحساسهم بملكية المؤسسة الجامعية وانتمائهم لها وشعورهم بالتقدير الشخصى والمهنى.‏

  4. ان الناس يسعون باستمرار للحصول على حق اتخاذ قراراتهم بانفسهم ويلفظون بذلك كل اشكال التسلط والتحكم والاستغلال وذلك يوضح اهمية التفويض والمشاركة والتمكن فى إدارة المؤسسة الجامعية.‏ وهنا يجب التنويه عن اهمية وضع نهاية للتفويض المعكوس والذى غالبا ما تفوض فيه المجالس الجامعية عميد الكلية او رئيس الجامعة علي اتخاذ القرارات دون الرجوع الى هذه المجالس فى حين ان المعنى الادارى للتفويض هو عكس ذلك.‏

  5. ان اسلوب الادارة فى حل المشاكل يجب ان تعتمد على خلق المناخ الذى يساعد العاملين على تفهم مشاكلهم ووضع بدائل الحلول والمفاضلة بينها واتخاذ القرار وتنفيذه بالتزام وجدية .‏ وبالطبع ذلك هو احسن اساليب ضمان جدية تنفيذ القرارات ومتابعتها.‏

  6. ان ملكية المؤسسة الجامعية تتوزع بالتساوى ولا يحكمها موقع العاملين فى السلم الوظيفى او الهرم الادارى.‏ وبذلك تصبح الديمقراطية احد مواثيق الاطار المؤسسى التى تنمى روح المبادرة والابتكار والمخاطرة،‏ وتدعم روابط الثقة بين العاملين والادارة الجامعية وتطور روح العمل الجامعى والتنشيط التعاونى.‏

الرسالة الجامعية بين العمل والعاملين :‏

ان التعريف المتفق عليه للادارة هو المقدرة على جهود العاملين لانجاز العمل المؤسسى ،‏ وعلى ذلك لهذا الانجاز وجهى عملة:‏ الوجه الاول هو النتيجة المادية للعمل المؤسسى سواء كان ذلك فى الانجاز او نسبة النجاح او مستوى البحوث او خدمة،‏ اما الوجه الاخر فهو العاملون انفسهم فاذا ما اعتمدت نتائج العمل على سوء الاستغلال والسيطرة على القائمين على رسالة الجامعة وتطلعاتهم الوظيفية ومعاملاتهم كأدوات انتاج دون مراعاة لاحوالهم النفسية والصحية والاجتماعية والمادية واحتياجاتهم ورغباتهم فأن النتيجة المتوقعة فى المدى البعيد هى انعدام الفعالية،‏ لاسيما وان مقدرة العاملين على تحمل هذا النوع من السلوك الادارى تحفز على بعض اشكال التمرد الوظيفى اما سرا أو علانية .‏ لقد ان الآوان أن نضع القائمين على رسالة الجامعة على راس قائمة اهتمامات الادارة العليا دون التشكيك فى قدراتهم او تصيد اخطائهم او المغالاة فى الرقابة والاشراف عليهم او التشدد فى تطبيق القوانين واللوائح عليهم دونما اى اعتبارات انسانية .‏ كذلك فانه يجب ان تصبح رسالة الجامعة ومبادئها الارشادية هى المحدد الرئيسى للسلوكيات الادارية،‏ وذلك حتى لايفاجا القائمون على هذه الرسالة بقرارات وسياسات جديدة ومتناقضة فى كل مرة يعين فيها ادارى جديد.‏ ان اسلوب الاستمرارية واستكمال مسيرة العمل الجامعى يجب ان يرقى فوق اسلوب هدم وتشويه كل ما تم انجازه على ايدى الغير،‏ وعقاب كل من كانت له صلة بالجهاز الادارى السابق والذى غالبا ما يطلق عليه "‏ العهد البائد"‏ لقد اصبحت هذه الامراض الادارية شائعة فى مؤسساتنا القومية ،‏ بما فيها الجامعات ،‏ والخطورة فى انتشار هذه الأمراض أنها لا تخلو من ظلم بعض الشرفاء كما أن الوطن هو الذي يدفع الثمن أولا وأخيرا .‏ يجب أن يرتفع مفهوم التغيير فوق كل دعاوي التشهير كما لا يحتاج التغيير الي المزيد من القرارات والسياسات والاجراءات بقدر احتياجاته الي اعاده صياغه ثقافة المؤسسة حتي تعود الثقة العالية وتنمو روح المواطنة الجامعية ويتمتع العاملون برؤية واضحة لرسالة الجامعة ومبادئها الارشادية .‏ وللأسف فقد يدفع بعض العاملين بالجامعات ضريبة تغيير قياداتهم الجامعية .‏ خاصة وأن رسالة الجامعية لا تأتي علي قمة الأولويات في ثقافة المؤسسة الجامعية .‏ وبالتالي لا تكون المعيار الاساسي في مبدأ الثواب والعقاب .‏

حتمية التحول الاداري :‏ـ

وقد لا ترجع المشاكل الادارية الي قصور في المعرفة التقنية أو الالمام بالقوانين واللوائح أو الخبرة أو طاقه وذكاء الاداري واخلاصه في عمله .‏ ولكن يمكن أن ترجع بالدرجة الأولي الي عدم مقدرة الاداري علي بناء العلاقات والمحافظة عليها وصيانتها .‏

وفي محاولة لمعرفة أهم المهارات التي يتطلبها الاداري ليكون فعالا فان الاجابات تأتي متكررة في مقدرة الاتصال بالآخرين وسهولة التفاعل معهم وتفهم قيمهم ومعتقداتهم التي تحرك سلوكهم .‏ وحسن ادارة احتياجاتهم ورغباتهم المهنية والمادية والاجتماعية والعاطفية والنفسية .‏ وللأسف فان القائمين علي ادراة العديد من مؤسساتنا لا يجيدون فن ادارة العلاقات الانسانية بقدر اجادتهم لادارة القوانين واللوائح والأعمال التقنية المكتبية .‏ والادارة الحالية لجامعاتنا المصرية قد غلب عليها بعض أساليب الادارة التقنية وفيها ينصب اهتمام القائد الجامعي (‏ رئيس القسم أو عميد الكلية .‏ أو رئيس الجامعة )‏ علي الشكل في رسالة الجامعة دون الاهتمام بمضمون هذه الرسالة أو القائمين عليها .‏ وبذلك تجيء النتائج علي حساب التكلفة الانسانية .‏ وغالبا ما يصطبغ سلوك الاداري بالاستعجال .‏ عدم الصبر والتسيد وأهمال مبدأ المكسب للجميع الذي يعتبر أهم مواثيق العمل الجماعي .‏ وفي المقابل فان الاداره التفاعلية تجعل القائد الجامعي مستشارا قادرا علي حل مشاكل العاملين مؤمنا بتكامل الأدوار وميثاق المكسب للجميع وعلية فان سلوكه الاداري غالبا ما يصطبغ بالثقه والصبر والتعاطف والفهم والاستعداد لمساعدة الآخرين الأخذ بأيديهم .‏ وكل ذلك يساعد علي اثراء الرسالة الجامعية .‏ ويستخدم القائد التفاعلي كل جوارحه لخدمة مهارات اتصالاته بالعاملين معه .‏

وعلية فتكون له من البصيرة والفطنة والرؤية الثاقبة ما يجعله يتحرك بجامعته حركة هادفة وواثقة .‏ واذا سلمنا بأن الأسلوب الحالي لادارة بعض جامعاتنا يغلب عليه الجانب التقني فانه يجب أن ندرك حتمية اعادة هندسة الاداره في هذه الجامعات حتي تتحول الي ادارة تفاعلية .‏ وتتخلص اليات هذا التحول في العمل علي اعادة روابط المحبة وثقافة الثقة .‏ وكذلك تقوية وتمكين القائمين علي رسالة الجامعة واشراكهم في صنع القرار .‏ وكل ذلك يهيئ المناخ الجامعي لاحتضان التعدد الفكري والتغذية الراجعة والتنشيط التعاوني وأسس الديمقراطية الادارية وحقوق المواطنة الجامعية .‏ كما أن الادارة علي المكشوف .‏ بعيدا عن الشللية التي تشكلها دوافع شخصية لا تتوازي مع المصالح العليا للجامعة والدولة .‏ تعتبر احدي الوسائل الهامة لاعادة هندسة الادارة الجامعية حتي يكون طابعها العام ادارة الالتزام والتزام الادارة .‏ وفي النهاية يجب القول بأن الادارة التفاعلية هي التي ترتقي بالمدير الي درجة القائد .‏ والقيادة ليست وظيفة ولكنها تفاعل وتأثير وادارة وتحدي هذا ولا تحتاج جامعات المستقبل الي مديري عصر الصناعة.‏ ولكنها تحتاج الي قيادات عصر المعلومات وتكنولوجيا الاتصالات التي تشكل الرؤية والابتكارية والمخاطرة والشفافية والانتماء أهم مفردات لغتها الادارية .‏

خلاصة

ان الفجوة الأدائية بين واقع الأنظمة الادارية في جامعات دول العالم النامي واحتمالات المنهج المقترح لعمليات الاصلاح الشامل علي كم مستويات البدائل المتاحة لسد الفجوة تقتضي منا ثورة الأداء الجامعي والارقتاء المعرفي واعادة تشكيل مهارات القائمين علي رسالة الجامعة علي كل المستويات الادارية والتنفيذية.‏ لذا يجب العمل علي تطوير الأسلوب الاداري في جامعاتنا المصرية حتي ينتقل من الأسلوب المتأرجح بين الادارة بالأساليب والأهداف الي اسلوب الادارة بالرؤية المشتركة والذي يحمل في طياتة مزايا الإدارة المرئية والادارة التفاعلية وفي ذلك توسيع لقاعدة ملكية العمل الجماعي وتعميق مفهوم المشاركة ليس فقط في صناعة القرار ولكن في عائد العملية التعليمية علي المدى البعيد .‏ والمتمثل في التنمية الشاملة والحفاظ علي النظام الديمقراطي الذي يجب تحويله من الاختيار الي الإجبار ومن مجرد قيمة بسيطة الي ثقافة مجتمعية .‏ وحينما نتكلم عن توسيع قاعدة ملكية العمل الجامعي بجامعاتنا الحكومية فان الملكية تعني هنا ملكية المشاعر والتفكير والتصرف .‏ وليست ملكية بالقانون وحده .‏ أما بالنسبة للجامعات الأهلية فان الملكية القانونية تضيف حافزا أخرا فوق الحوافز التي تهيئها وتطورها مناهج الادارة علي المكشوف .‏ وعليه فيجب تشجيع الجامعات الأهلية وعدم وضع العراقيل أمامها .‏ وكثيرا ما تتحدث القيادات الجامعية عن التطوير في المؤسسات الجامعية دون أن يتوازي الحديث مع تغيير وتطوير في أفكارها ومعتقداتها وفي ذلك قتل لروح الابتكار والابداع في كل مؤسساتنا الجامعية .‏ ان العلاج الوحيد لذلك هو اسلوب المشاركة والادارة علي المكشوف لرؤية شاملة تكون الديمقراطية أهم أسبابها وأخطر نتائجها .‏ ويجب علي جامعة المستقبل أن تربي فلذة أكبادنا بطريقة تجعلهم لا يهابون طرح أفكارهم الجديدة وان استهجنها المحيطون .‏ وبذلك يتخلصون من قيود الأسر التي تسمي في علم النفس الاجتماعي سلوك القطيع .‏ ويجب أن نبتكر الجديد ونناقشه.‏ لماذا لا نناقش الفكر الذي يقول أن قوة أي مؤسسة جامعية تأتي من قوة أفرادها حينما تتوافر لديهم امكانيات الفكر المتطور والمتنوع بغير حدود أو قيود.‏ ان التطوير الاداري له محوران أساسيان .‏ الأول هو اعداد القيادات للمستقبل.‏ والثاني هو تدريب القيادات الحالية علي المهارات الادارية التي تتناسب مع عصر المعلومات وتكنولوجيا الاتصالات وتحديات المستقبل .‏ ولا ينفصل هذان المحوران عن مفهوم القيادة الطبيعية والذي يمكن الوصول اليه من خلال ما يسمي بقوانين القيادة الطبيعية وهي :‏

  1. لا توجد قيادة في غياب رغبة التابعين

  2. ليست القيادة وظيفة .‏ وانما هي حقل للتفاعل بين القائد وتابعيه

  3. القيادة موقف أو حدث

  4. يرتفع التأثير القيادي فوق مستوي السلطات الرسمية

  5. ليست النمطية أسلوبا قياديا

  6. تستخدم القيادة اليات المخاطرة وعدم التأكد

  7. لا يوجد تأييد مطلق للمبادرات والمواقف القيادية

  8. القيادة ادراك لمحصلة تمثيل المعلومات .‏ حتي وان كانت غير مرتبطة ظاهريا

  9. الادراك الجيد يلقي الضوء علي الواقع .‏ والواقعية أحد أركان القيادة

  10. قد تموت القيادة قبل موت مدعيها

المصدر: دكتور يحيى عبد الحميد إبراهيم أستاذ بجامعة أسيوط أستاذ دكتور محمد رجائي الطحلاوى محافظة أسيوط دكتورة نبيلة توفيق حسن كلية التجارة جامعة أسيوط
ahmedkordy

خدمات البحث العلمي 01009848570

  • Currently 45/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
15 تصويتات / 533 مشاهدة
نشرت فى 7 نوفمبر 2010 بواسطة ahmedkordy

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

30,858,946

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters