لقد استهلت الدراسات المعمقة الخاصة بإدارة الموارد البشرية مع القرن العشرين ، حيث ظهرت إيديولوجية جديدة تخص عنصر الأفراد كعنصر أساسي في تحريك العجلة الاقتصادية ، و كان رائد هذه الدراسات هو " فريدريك تايلور " ، و ذلك لأن ارتفاع تكلفة الفرد و التكاليف الرأسمالية جعل المنظمات تهتم بالكفاية الإنتاجية للعاملين ، حيث أن الحاجة إلى تطوير أساليب العمل و إيجاد معايير للحكم على مدى كفاءة الفرد ، مما أدى إلى ظهور حركة عملية نشأت و بدأت مع أفكار تايلور صاحب نظرية الإدارة العلمية التي تعني استخدام المعرفة و الاستقصاء العلمي و تهدف إلى مبدأ تقسيم العمل .
فكانت مساهمة " تايلور " في مجال إدارة الموارد البشرية من خلال ما توصل إليه من نتائج أدت إلى تغير النظرة تجاه العنصر البشري و ظهور قاعدة جديدة تعتبر العنصر البشري عاملا هاما في تنمية المنظمة ، و بالتالي و بناء الإقتصاد فلم تكن الحاجة إلى إنشاء جماعة أو نقابة عمالية متخصصة في حل النزاعات الإنسانية إلا في الحرب العالمية التي كانت تمثل عمال المؤسسات .
و تمارس على العمال سلطة كاملة و بسبب الضغوطات مثل الإضراب و النزاعات انتعشت حركة العمل ، مما دفع بحكومات الدول المتقدمة في تلك الفترة جماعة قادرة على حل المشاكل المتعلقة بظروف العمل و المنظمة ، و منه ظهرت وظيفة جديدة أوكلت لها مهمة إدارة الموارد البشرية في المنظمة.
كما أحدثت الثورة الصناعية تحولا كبيرا حتى في مجال إدارة الموارد البشرية ، فأصبحت هذه الأخيرة تشغل حيزا هاما في فكر الإداريين ، فالتغيرات التي حدثت في مجال الأفراد ليست وليدة التقدم التكنولوجي و المعارف الجديدة التي تولدت عن الثورة الصناعية فقط ، و إنما هي نتيجة التغير في تركيب قوة العمل ، و التطور في المفاهيم المتعلقة بالسلوك الإنساني .
و قد عكس التوجه الذي سار عليه بعض المفكرين الإداريين أمثال تايلور الذي يعد احد رواد هذه المرحلة الذي نادى بتطبيق المنهج العلمي التنظيمي في العملية الإنتاجية و إيجاد معايير محددة للحكم على كفاءة الفرد ، تأثرت إدارة الأفراد بحركة الإدارة العامية التي ترتب عنها توتر العلاقات مع الأفراد نتيجة الصدمات المتكررة معهم .
و قد عمل تايلور على تطبيق مبادئ رئيسية اعتبرها سر نجاح المؤسسات و أهم هذه المبادئ :
- العمل بمبدأ العمل و توزيع المسؤوليات .
- إتباع السبيل العلمي في اختيار العمال مع تعهدهم بالتدريب و التعليم لتحسين مستوياتهم .
- تشجيع التخصص بين المهارات .
مع حلول النصف الثاني من القرن العشرين ظهر مفهوم جديد لإدارة الموارد البشرية أضفى عليها بعدا استراتيجيا دفع بالعلاقات الصناعية بين المجموعات العمالية و الإدارية إلى تكييف نشاطاتها ، بغية تقليص الفجوة بينها و خلق جو عمل مناسب تحكمه طبيعة العلاقات السائدة بين عناصره و امتداد لمفهوم العلاقات الإنسانية بقيادة " التون مايو " و التي توصلت بعد نصف قرن من الدراسة و التجارب إلى أهمية العنصر البشري من خلال تنمية مهاراته و قدراته و إشباع حاجاته فالتطورات المستمرة التي عرفها العالم في نهاية القرن العشرين أدت إلى تغيير تسيير الموارد البشرية من وظيفة عملية إلى وظيفة إستراتيجية تمكنها من مواجهة اكبر التحديات .
إضافة إلى أن الموارد البشرية المتوفرة لها ، تتوقف على مدى قدرة تنظيمها في المساعدة على النمو و التطور الصحيحين لشخصيات العاملين فيها .
المطلب الثاني : مراحل تطور ادراة الموارد البشرية.
1/- مرحلة ما قبل الإدارة العلمية :
تميزت تلك الفترة و التي تمتد من القرن السابع و الثامن عشر بظهور الكثير من الكتابات و الدراسات ، نادت بضرورة الاهتمام بالعنصر البشري ، فقد ركز كتاب (روبارت تايون) في عام 1971 بعنوان " ROBERT " على ضرورة تبني نظرة جديدة للمجتمع ، حيث كان الصالح العام للعاملين هدفه الأساسي و إجراء تغير داخل المصنع ، و كذلك كان كتاب آدم سميث تحت عنوان " ثروة الأمم " الأثر البالغ فبظهور الأفكار و المبادئ الخاصة بإدارة الموارد البشرية .
حيث ظهرت تلك المبادئ واضحة في تركيز ) باباج ( " BABAGE " على مبادئ التصنيع كتقسيم العمل ، علاوة على تأكيده للمنفعة المتبادلة بين العاملين و أرباب العمل ، و بصفة عامة نستخلص أن هذه المرحلة بكتاباتها الرائدة الاقتصادية و الإدارة دفعت باتجاه تطور الفكر عامة و ظهور أنشطة وظيفية متخصصة كإدارة الموارد البشرية خاصة ، و تزامنت هذه التطورات مع تطورات خاصة بميدان العمل أهمها :
- زيادة مستوى التفضيل للعمل .
- التغير في مستوى المعيشة .
- التوجه الكبير باتجاه الكفاءة و الإنتاجية .
- إدراك المصانع للحاجات البشرية للعاملين .
مما ساهم في تطور إدارة الأفراد ظهور الثورة الصناعية ، حيث صاحب ظهورها منها:
·ظهور مبدأ التخصص و تقسيم العمل .
·إنشاء المصانع الكبرى التي تستوعب الآلات الجديدة .
·تجميع عدد كبير من العمال في مكان واحد و هو المصنع .
2/- مرحلة حركة الإدارة العلمية ( 1850 – 1944 ) :
سميث هذه المرحلة كذلك بمرحلة ظهور الوظيفة ، و تميزت هذه الفترة في بداية الأمر بعدم وجود أفراد أو مديرية ، فكان لإنشاء حركة الإدارة العلمية بقيادة " تايلور " ، و قد حدثت هذه الحركة عام 1890 حتى بداية الحرب العالمية الأولى ، و قد ركز تايلور على التعاون بين الإدارة و العاملين ، فيعتقد أن القياس العلمي للعمل ( دراسة العمل ) ، و تحديد أفضل الأساليب في الأداء و الاختيار و التعيين للأفراد المناسبين في الأعمال التي تتناسب و مؤهلاتهم ، و وضع الأجور المناسبة و إزالة مصادر الصراع بين الإدارة و العاملين ، يمكن أن يقود إلى زيادة الأجور من خلال زيادة الأرباح .
كما ساعد تايلور في مجال إدارة الأفراد من خلال ما توصل إليه من نتائج حيث ذكر بأنه يوجه اختلاف المهارات بين الأفراد ، و أن الكثير منهم ثم وضعهم في اعملا غير مناسبة ، و أن تربيتهم لما يهيئ لهم الفرص لبيان هذه القدرات مما يضر بمصلحتهم و مصلحة الشركة.
و كنتيجة للإدارة التايلورية بأهمية العنصر البشري في المنظمة فقد توصل إلى مل أسماه بالأسس الأربعة للإدارة و هي:
1.تطوير حقيقي في الإدارة .
2.الاختيار العلمي للعاملين .
3.الاهتمام بتطوير و تنمية العاملين و تعليمهم .
4.التعاون الحقيقي بين الإدارة و العاملين .
3/- حركة العلاقات الإنسانية :
إن المشبع لمبادئ حركة العلاقات الإنسانية يستنتج بان هذه الحركة لم تبلغ مبادئ حركة الإدارة العلمية في مجال ادراة الموارد البشرية ، و إنما انتبهت إلى جانب مهم من حياة الفرد العامل يتمثل في علاقته مع زملائه في العمل داخل المنظمة ، فقد ركزت حركة العلاقات الإنسانية على الملائمة ما بين الفرد و الجماعة و المنظمة إضافة إلى بعض الأفكار الأخرى التي ركزت عليها حركة الإدارة العامة 1 و عن طريق الربط بين الأفكار و مبادئ الحركتين يمكن الاستنتاج بان حركة الإدارة العلمية ركزت على المبادئ الموحدة في التنظيم و سلسلة القيادة و نطاق الإشراف ، في حين ركزت حركة العلاقات الإنسانية على التنظيم الرسمي و معايير و ضغوطات الجماعات و برامج المشاركة و الأخذ بعين الاعتبار الخاصية المعقدة للإنسان .
و انعكس التركيز في توجيهات المدرستين إلى ظهور النظرية X و Y التي اعتمدت مبادئ الحركتين بقيادة ( ماك كريكور ) " MACRICOR " حيث تقوم نظرية X على فكرة الإنسان كسول و أناني ، يهدف إلى تحقيق أهدافه الذاتية فقط ، و ليس له استعداد في تحمل المسؤولية لذا وجب وضع قوانين تحكم الرقابة على العمال .
أما النظرية Y فتقوم على أساس أن الإدارة المسؤولة عن عملية المزج و التوجيه للموارد بغرض تحقيق أهداف المنظمة ، و أن العنصر البشري لا يتسم بالخمول و الكسل بل يتسم بالعزم و المثابرة و الجد ، و هذه النظرية تؤكد على ضرورة إعادة الأهمية للعنصر البشري كمسؤول و ترى أن المزج الأمثل و الأنسب هو النموذج بين العزم و العمل .
المصادر
- سهيلة محمد عباس ، إدارة الموارد البشرية ، دار وائل للنشر ، 1999 ، ص 43 .
- عبد الغفار حنفي ، السلو التنظيمي و إدارة الأفراد ، المكتب العربي ، 1993 ، ص 120 .
- خالد عبد الرحيم ، إدارة الموارد البشرية ، الطبعة الأولى ، 1999 ، ص 99 .
- عبد الرحيم الهثي ، إدارة الموارد البشرية ، الطبعة الأولى ، 1999 ، ص 53 .
- صلاح عبد الباقي ، إدارة الأفراد و العلاقات الإنسانية ، المكتب العربي الحديث الإسكندرية ، 1988 ، ص 31 .
- عبد الرحيم الهثي ، إدارة الموارد البشرية ، مرجع سابق ، ص 19 .
- صلاح عبد الباقي ، إدارة الأفراد و العلاقات الإنسانية ، مرجع سابق ، ص 25 .