نشأة المصرفية الاسلامية:
ترجع بدايات المصرفية الإسلامية ، بمفهومها الواسع ، إلى الأيام الأولى للتشريع الإسلامى وقيام الدولة الإسلامية , فإن المتأمل للتاريخ الإسلامى يجد فيه تطبيقات لبعض المفاهيم الخاصة بالعمليات المصرفية الإسلامية .
فقد أدى ازدهار التجارة الداخلية والخارجية فى فجر الإسلام الى وجود أدوات مالية ومصرفية واكبت هذا التطور التجاري , مثل الوديعة والقرض والمضاربة والحوالة والصرف , وغيرها.
في مجال الإيداع : كان الناس يضعون أموالهم لدى من يثقون فى أمانته , وظهر التمييز بين الوديعة التى تودع كأمانة , وبين الوديعة الجارية المضمونة (القرض) التي تمكن الوديع من إستعمالها بشرط ضمان رد المثل لصاحبها عند طلبها .
يؤيد ذلك ما ورد فى الطبقات الكبرى – لإبن سعد - عن عبد الله بن الزبير أن أباه الزبير بن العوام- رضى الله عنهما - كان يشترط على من يودع أمواله عنده من أجل الحفظ أن يضمن له أمواله ( فكان يقول : بل هو سلف , إني أخشى عليه الضيعة ) ليتم إخراج هذه الأموال من شكل وديعة الأمانة إلى شكل القرض المضمون , ليتمكن من إستثمارها ، وكان من نتيجة ذلك أن بلغ مجموع ما كان عليه من أموال عند وفاته مليونين ومائتي ألف درهم , كما أحصاها ولده عبدالله .
ومن صور الإستثمار :كان سائدا ( قبل وبعد البعثة النبوية ) صيغتا المضاربة والإقراض بالربا , وقد أبقى الإسلام على المضاربة وأقرها , وحرم الربا لما فيه من ظلم وآثار سلبية على الفرد والمجتمع.
كما عرف نظام الحوالات : الذى مكن التجار من الحصول على أموالهم من بلد غير تلك التى بها أموالهم , وجنبهم مخاطر التنقل بها , وتسمى هذه العملية بالسفتجة ( بضم السين) , وتعامل بها التجار بشكل واسع بعد إنتشار الفتوحات الإسلامية وإتساع رقعة الخلافة الإسلامية .
يؤيد ذلك ما ورد في مخطوطة للهمداني بمكتبة باريس أن سيف الدولة الحمدانى-أمير مدينة حلب فى القرن الرابع الهجري- دخل سوق بغداد متنكراً وتعامل فيه , فكانت طريقة الدفع صكوكا مسحوبة على صراف محلى بألف دينار قبلها الصراف ودفع قيمتها وعرف الصراف محرر الصك من توقيعه .
ثانيا :تطور التطبيق العملي للمصرفية الإسلامية :
- بدأت أول محاولة لإنشاء مصرف إسلامى فى مصر عام 1963م متمثلة فى تجربة بنوك الإدخار المحلية التى أسسها د. أحمد النجار ( رائد البنوك الإسلامية ) في مدينة ميت غمر بمحافظة الدقلهلية وامتد نشاطها إلي 53 قرية وإستمرت ثلاث سنوات , ثم تم دمجها مع البنك الأهلى المصرى عام1968م .
- وفي عام 1971م , تم إنشاء بنك ناصر الإجتماعى كأول بنك ينص فى قانون انشائه على عدم التعامل بالفائدة المصرفية أخذا أو إعطاءاً, وهذا البنك ذو طابع إجتماعي مملوك بالكامل للدولة .
- وفي عام 1975م تم إنشاء البنك الإسلامى للتنمية فى جدة بالسعودية , كبنك دولى هدفه تنشيط حركة التنمية الإقتصادية والإجتماعية وتشجيع التجارة البينية بين الدول الأعضاء فى منظمة المؤتمر الإسلامي .
- وفي عام 1975م تم إنشاء أول مصرف تجارى إسلامى بالمعنى الحديث وهو بنك دبى الإسلامي , الذي يعتبره البعض البداية الحقيقية لميلاد المصارف الإسلامية .
- ثم توالى إنتشار المصارف الإسلامية فى كثير من دول العالم الإسلامى وحتى في دول أوربا وأمريكا , مثل مجموعتا دار المال الإسلامى ودلة البركة التى تضم عددا من المصارف والشـركات المالية الإسلامية فى العالم العربى والإسلامى والغربي .
وتشير الإحصاءات المتوفرة إلى تجاوز عدد المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية الـ 267 مصرفا ومؤسسة مالية إسلامية حتى نهاية عام 2003 تدير ما يزيد على 260 مليار دولار منتشرة فى 48 دولة فى خمس قارات .
ثالثا: تقديم البنوك التقليدية للمصرفية الإسلامية :
على أثر النجاح الذى حققته المصارف الإسلامية وتنامى حصتها فى السوق المصرفية بسبب الإقبال الكبير على منتجاتها , مدعومة بالوازع الديني الذي حرك جانبا كبيرا من العملاء للتعامل معها , كان من الطبيعي أن تلحظ البنوك التقليدية- عربيا وعالميا- هذا النجاح الذى ينمو على حساب تراجع حصتها من السوق المصرفى , لذا وجدت من الأفضل أن تدخل هذا الميدان حفاظا على عملائها الحاليين والحصول على شريحة من هذا السوق المتنامى.
فى هذا الصدد يقول أحد الباحثين:
إن إقبال غالبية البنوك التجارية التقليدية على فتح فروع إسلامية يرجع إلى دوافع مختلفة ,فقد يكوا الإيمان بأن المستقبل للبنوك الإسلامية ,وقد يكون وراء ذلك التحرك بمقاييس المنافسة والتقليد وعدم الرضا بغياب إسم البنك عن هذا الميدان الجديد,كما قد يكون الدافع تحقيق العائد الأعلى عما يتحقق من التعامل بالإسلوب التقليدى للبنوك التجارية
إن وجود شريحة سوقية كبيرة ومتنامية من العملاء الراغبين في إيداع أموالهم في البنوك دون أخذ الفوائد المصرفية عليها قد فتح شهية البنوك التقليدية لإستغلال هذه الفرصة السوقية الواعدة بأرباح هائلة نظراً لضخامة الأموال المتاحة في هذه الأسواق وانخفاض كلفتها. ومن ثم أقدمت هذه البنوك على ممارسة العمل المصرفي الإسلامي بأشكال مختلفة, مثل انشاء فروع إسلامية متخصصة أو نوافذ إسلامية داخل الفروع التقليدية أو تقديم بعض المنتجات المصرفية الإسلامية فى مجالى جذب الأموال وتوظيفها وغيرها من الصور التى سوف نتعرض لها تفصيلا فى الفصل الثالث من هذه الدراسة.
تشير بعض الإحصاءات إلى أن عدد البنوك التقليدية التى تقدم منتجات مصرفية إسلامية بلغ 310 بنكا على مستوى العالم تدير إستثمارات إسلامية تقدر بـ 350 مليار دولار .
وعلى الرغم من أن هذه الظاهرة تعتبر إعترافا من البنوك التقليدية بأهمية ونجاح العمل المصرفي الإسلامي والمصارف الإسلامية، وقد تكون خطوة مشجعة للتحول الكامل للعمل المصرفى الإسلامى إلا أن النظام المصرفي الإسلامي ، كأي نظام آخر، له كيانه الخاص به وأسسه التي يقوم عليها وقواعده وأنظمته التي يتميز بـها عن غيره.
لذلك فإن هناك حاجة ماسة لدراسة ظاهرة تحول البنك التقليدية نحو العمل المصرفى الإسلامى , للتعرف على حقيقة تلك الظاهرة وأسباب إنتشارها وتطورها ومستقبلها وإمكانية التعامل معها من الناحية الشرعية , وهو ما سوف يكون محل دراسة وتقويم فى الفصول القادمة.
الخلاصـــة
(1) المصرف الإسلامي : مؤسسة مالية تقوم بدور الوساطة المالية بين فئتى الفائض والعجز المالى وفقا لآلية المشاركة فى الربح والخسارة المبنية على أحكام عقد المضاربة الشرعية وقاعدة الغنم بالغرم .
(2) تتمتع المصارف الإسلامية بخصائص عدة تميزها عن غيرها من البنوك التقليدية , حيث تستمد مشروعيتها من إلتزامها بأحكام الشريعة الإسلامية فى كافة تعاملاتها المصرفية والإستثمارية , ومن أهمها عدم التعامل بالفائدة المصرفية التى هى من الربا المحرم والمشاركة فى دفع عجلة التنمية الإقتصادية والإجتماعية.
(3) ترجع بداية المصرفية الإسلامية - بمفهومها الواسع- إلى بداية ظهور الإسلام , فقد عرف المسلمون ألوانا من العمل المصرفى الإسلامى فى صدر الإسلام , مثل القرض والمضاربة والحوالة والصرف وغيرها.
(4) كان لقرار مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف عام 1965م بحرمة التعامل بالفائدة المصرفية , ولتجربة بنوك الإدخار المحلية التى أسسها د.أحمد النجار فى بداية الستينات من القرن الماضى الأثر الإيجابي على إنتشار المصارف الإسلامية عربيا وعالميا , والتى وصل عددها الى 267 مصرفا ومؤسسة مالية إسلامية في نهاية عام 2003م.
(5) على إثر النجاح الذي تحقق في المصارف الإسلامية سارع عدد من البنوك التقليدية الى تقديم العمل المصرفى الإسلامى- بأشكال مختلفة- حفاظا على عملائها وكسبا لحصة من هذا السوق المتنامى.
المصدر: منتدى التمويل الإسلامي :: منتدى المؤسسات المالية الإسلامية :: المصارف الإسلامية
نشرت فى 24 أكتوبر 2010
بواسطة ahmedkordy
أحمد السيد كردي
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
30,764,717