يعتبر مجتمع المعلومات نظاما اقتصاديا واجتماعيا ، تشكل المعرفة والمعلومات مصدرا أساسيا فيه. الأمر الذي دفع البعض إلى تقسيم العالم – على أساس المعرفة – إلى مجتمع للمعرفة ومبتكرها ، ومجتمع مستهلك لهذا المنتج المعرفي.

والاهتمام بالمعلومات ليست ظاهرة جديدة ، وإنما اقتربت هذه الظاهرة بالبداية الأولى لخلق الإنسان ، عندما أصبح وجوده معتمدا عليها، فهو بحاجة إلى معرفة المعلومات المتعلقة بمكامن وجود الحيوانات المفترسة وهو بحاجة إلى المعلومات المتعلقة بالأعشاب والحشائش التى مصدر قوته وقد أدى هذا التراكم في المعلومات لدى الإنسان إلى إحداث نقلة كبيرة في تطوره وتقدمه.

وقد أخذ الاهتمام بالمعلومات يتصاعد مع تصاعد حركة التقدم البشري في مجالات الحياة المختلفة ، العليمة والصناعية والعمرانية .. الخ. وازدادت الحاجة لها بشكل كبير بعد الثورة الصناعية ، بسبب ما رافقها من تطورات هائلة في مختلف المجالات والميادين فمنذ تسعينيات القرن الماضي يشهد العالم مناقشات خصبة وجادة حول الطريقة الأمثل للتعامل مع ثورة تكنولوجيا الاتصال والمعلومات ، خاصة وأن التطورات الجارية تبشر بمستقبل جديد على مستوى الإنجاز المادي والتقدم التكنولوجي، ومراكز البث الإلكتروني ، وبرامج التنفيذ في مجالات الإدارة والعمل الوظيفي وكان من نتيجة تلك التطورات أن انتشرت مصطلحات جديدة " مجتمع المعرفة " و " مجتمع المعلومات " و " مجتمع الاستهلاك " و " ما بعد الحداثة " و " ما بعد المجتمع الصناعي" وعلى هذا الأساس أصبحت المعلومات تمتلك الأثر الكبر في مجمل حياتنا المعاصرة(1) .

وكانت نتيجة هذه التطورات أن أفضت الثورة المعرفية إلى مجتمع المعرفة الذي أصبح يعتمد – أساسا – على المعارف كثروة أساسية ، أى على خبرة الموارد البشرية وكفاءتها ومعارفها ومهاراتها كأساس للتنمية البشرية الشاملة. أي أن من هذه الموارد المعرفية يمكن إنتاج الكسب واستغلال الطاقات الإنتاجية بصفة أفضل من ذي قبل.

من هذا المنطلق ، أرسى اقرن الحادي والعشرين مفاهيم جديدة لمجتمع المعلوماتية ، واقتصاد المعرفة ، بوصفها الأساس الجديد الذي ترتكز إليه البنية الاقتصادية العالمية ، بعد أن أضحت تقنيات المعلوماتية – بشتى مستوياتها – النموذج المثالي في إدارة ومعالجة بيانات الأنشطة الصناعية والزراعية ، وتذليل العقبات التقنية التى تعترض تطبيقها على أرض الواقع(2) .

ثانيا: التحولات من المجتمعات التقليدية إلى مجتمعات المعرفة  :

يتجه العالم نحو اقتصاد المعرفة. وتعتبر التكنولوجيات من المعارف الأساسية في هذا الاقتصاد وتدل المؤشرات على أن نسبة صادرات المعرفة تزداد في صادرات الدول المتقدمة ، وتصل هذه النسبة لدى بعض الدول إلى 30% ، كما أن قيمة المعرفة في السلع والخدمات في ازدياد مستمر بالمقارنة مع قيمة المواد الأولية والعمالة الداخلة في إنتاج هذه السلع والخدمات.

يزداد تركيز توليد التكنولوجيا في عدد قليل من الدول ، وضمن عدد قليل من شركات القطاع الخاص. وتزيد من هذه الظاهرة عمليات التحالف الاستراتيجية التى تقوم بها الشركات الكبرى في مختلف فعاليات الصناعات والخدمات المعتمدة على التكنولوجيا المتقدمة.

تتجه نظم المعرفة العالمية نحو الانغلاق ونحو إحاطة التكنولوجيا بالسرية وبالحماية ويزداد نشاط حكومات الدول المتقدمة لدعم شركاتها المالكة للتكنولوجيا لكي تحافظ على حقوق ملكيتها الفكرية ومساعدتها في تطبيق هذه المحافظة عالميا. حتى أننا نشهد في بعض الحالات نوعا من التعصب التكنولوجي Technoationalism و Protectionsim في تكنولوجيات الفضاء والطاقة والتكنولوجيا الحيوية وغيرها.

تتعاظم قيمة المعرفة في السلع والخدمات وبالتالي تتناقص نسبيا قيمة المواد الأولية واليد العاملة ، وهذا يؤدي تدريجيا إلى انخفاض الميزات النسبية (أو التفاضلية) Comparative Advantages للدول النامية ومنها العربية ، أي انخفاض نسبي لأسعار المواد الخام وكلفة اليد العاملة والأرض ، بالمقارنة مع المعرفة والتكنولوجيا.

* إن مجتمع المعلومات هو مجتمع شامل يتمكن فيه جميع الأشخاص ، بدون تمييز من أي نوع كان ، من إنشاء المعلومات والمعارف وتلقيها ، وتقاسمها ، والاستفادة منها بأي وسيلة من الوسائل دون اعتبار للحدود الجغرافية. إن مجتمع المعلومات عبارة عن بيئة تسمح بنشر المعلومات والمعارف كما تسمح لجميع قطاعات المجتمع باستغلالها في تنميتهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية(3) .

إن مجتمع المعلومات يمثل شكلا جديدا ومرحلة أعلى من مراحل التنظيم الاجتماعي تتضافر فيه شبكات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات المتطورة ، ويمكن فيه تحقيق النفاذ المنصف والواسع إلى المعلومات ، ويتوافر فيه المحتوى الملائم في نسق يمكن النفاذ إليه ، كما يجب أن تتوافر فيه سبل الاتصال الفعالة التى تساعد الشعوب على تحقيق إمكاناتها الكاملة ، وتعزيز التنمية المستدامة.

إن توفير المعرفة وتحويلها إلى معلومات جعل من تكنولوجيا المعلومات IT أداة هائلة في وضع المعرفة في متناول العالم ، خاصة وأن شبكات المعلومات مثل الإنترنت وغيرها تجعل المسافات قصيرة والزمن مختصرا والتكلفة بسيطة والتداول سهلا. ومن ثم أصبحت المعرفة متاحة كمعلومات على شكل كتب ومجلات وأوراق عمل ومراجع وفهارس وصور وصوت وأفلام ورسومات ، إضافة لتسهيل نقلها عبر الشبكات الرقمية العالمية ، الأمر الذي جعلها أداة للتنمية الاقتصادية والثقافية والأمنية(4) .

ثالثا: العولمة وتحديات مجتمع المعلومات:

لقد أثرت المتغيرات التى صاحبت العولمة على مفهوم المعرفة ونطاق تطبيقها كما أثارت تلك المتغيرات تحديات معرفية عديدة طالت مختلف دول العالم ، وطرحت نفسها بأشكال مختلفة على تلك الدول. وكان لتلك التحديات مصادرها الداخلية والخارجية ، التى أثارت بدورها الحاجة إلى رصدها وتحليل مدى تأثيرها على المجتمع وبشكل عام ، يمكن القول إن هناك علاقة طردية محتملة بين المتغيرات التى صاحبت العولمة وتنامي الاهتمام بالمعرفة. كما يمكن القول أيضا أن هناك علاقة عكسية بين قدرة الدول العربية في تحقيق التقدم المعرفي ومدى تأثرها بمتغيرات العولمة(5) .

فلا مفر من التعامل مع متغيرات الاقتصاد العالمي الجديد ، الذي يتجه تنحو فتح الحدود الاقتصادية أمام الاستثمارات في أنحاء العالم كله. وهذا التعامل يحمل معه أخطارا عديدة وخاصة بالنسبة إلى البلدان النامية. فهناك خطر الغزو الاقتصادي والتهميش ، ولابد من السعي إلى تقليص آثار هذه الأخطار ، وأن يكون التعامل مع الوضع الاقتصادي العالمي حذرا.

وتتضمن العولمة بعدين رئيسيين، الأول هو الامتداد إلى كل أنحاء العالم ، والثاني هو تعمق العمليات الكونية. غير أن أهم ما يتضمنه مفهوم العولمة هو عولمة الإنتاج والتبادل والتحديث في ظل تنامي الابتكارات التكنولوجية والمنافسة بين القوى العظمى. وقد برز مفهوم العولمة في البداية في مجال الاقتصاد ، وكنتاج للثورة العلمية والتكنولوجية ، التى مثلت نقلة جديدة لتطور الرأسمالية العالمية في مرحلة ما بعد الثورة الصناعية التى ميزت القرنين السابقين(6) .

لكن العولمة اليوم نظام اقتصادي بالدرجة الأولى قبل أن تكون نظاما سياسيا ، وهو نظام معتمد أولا وقبل كل شيء على ثورتي المعلومات والاتصالات. وقد يقال إن للعولمة بعض المظاهر الأخرى كالعولمة الإعلامية التى تحققت عبر الفضائيات والأقمار الصناعية والتبادل الثقافي الذي أصبح تبادلا باتجاه واحدا ، وهو أقرب إلى الغزو الثقافي منه إلى حوار الثقافات ولكن ذلك كله ليس سوى أحد مظاهر العولمة ومن نتاجها أن نلمح أهم سمات العولمة في الأبعاد التالية (7) :

من التمركز إلى التبعثر:

اتسم التوجه العام لاقتصاد الثورة الصناعية وحتى السبعينيات بالاتجاه نحو تركيز أكثر لرأس المال بيد شركات ضخمة تحتكر كل شيء وتفرض ما تشاء على الأسواق ، وكانت قوتها لا تعتمد فقط على احتكار المال والتكنولوجيا بل وقبل ذلك على احتكار المعلومات التى كانت تجمعها بوسائلها الخاصة لتشكل أحد مظاهر ومنابع قوتها المتنامية. أما في عصرنا فقد أتاحت تكنولوجيا المعلومات حق الاطلاع للجميع وبدأت سلطة الشركات المركزية الصناعية الكبرى تتهاوى لصالح شركات التجزئة التى اعتمدت على قوة المعلومات التى تعالجها في قواعد المعطيات الضخمة مما جعلها تفرض شروطها في النهاية على الشركات الاحتكارية.

من النمطية إلى التنوع:

كانت الاحتكارات الضخمة في الستينيات من القرن العشرين تنتج أعداد هائلة من المنتجات ذات نمط موحد ، وكان توزيع هذه المنتجات الموحدة يتم عبر شركات توزيع ضخمة وقوية ، أو عبر أقسام التوزيع في الشركات الاحتكارية نفسها ، مما كان يفرض هذه النماذج على الأسواق القومية والعالمية. إلا أن الاتجاه اليوم انقلب تماما وأخذ مسارا معاكسا للإنتاج الضخم وخطوط الإنتاج الكثيفة ، أصبح هاجس الشركات اليوم الوصول إلى أكبر تنوع ممكن من المنتجات المطروحة في السوق ، وبالتالي لا يمكن طرح أعداد كبيرة جدا من هذه المنتجات المتنوعة. وسيطرة هذا الاتجاه نابعة أساسا من التبدلات السريعة التى تتميز بها منتجات تكنولوجيا المعلومات التى تسجل تبدلات جوهرية كل ثانية.

من الانغلاق إلى الانفتاح:

كانت شركات الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين تسعى نحو الانغلاق ، أى نحو إنتاج كل شيء ضمن أقسام الشركة بما في ذلك توزيع المنتج وتسويقه في حين يتميز اقتصاد العالم اليوم بقدراته على صنع السيارة أو الحاسوب أو أية آلة أخرى في أربعة بلدان مختلفة ، ثم يمكن أن تجمع أجزاؤها في بلد خامس ، حيث أن المنتج بشكله النهائي سيكون نتاج تعاون خمس شركات أو أكثر ضمن إطار شراكة تتخطى الحدود وتتخطى العقلية المركزية الضيقة.

وعلى الجانب المعلوماتي الاتصالي ، وهو جانب شديد الأهمية بالغ الأثر تتدافع وتتزاحم من خلاله تيارات العولمة واتجاهاتها المختلفة ، نجد أن هناك فواعل وعوامل رئيسية ذات قوة تأثيرية هائلة تدعم العولمة ، وأهمها:

- شبكة الإنترنت ، والتى تمارس دورها الرئيسي في توحيد العالم ، وزيادة ترابطه واتصاله.

- التجارة الإلكترونية ، والتى يبلغ حجمها السنوي حاليا ما يزيد عن 101.9 مليار دولار ، واستطاعت جذب مئات الملايين إليها.

- المنظمات غير الحكومية ، والتى أصبح لها دورها المهم في إعادة تشكيل التوجه الاجتماعي وخلق رأي عام مستنير تجاه القضايا العالمية.

- شبكة الاتصالات العالمية ، قد أتاح التطور المتصاعد في تقنية الاتصالات وتطور أنظمة الشبكات والدوائر الفائقة التقدم واستخدام أنظمة الهواتف النقالة والاتصالات الخلوية بالأقمار الصناعية مباشرة ، قدرة هائلة على جعل سكان العالم باختلاف أماكنهم مرتبطين ببعضهم البعض(7) .


المصدر: حسين مصطفى هلالي
ahmedkordy

خدمات البحث العلمي 01009848570

  • Currently 139/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
46 تصويتات / 4229 مشاهدة

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

30,877,171

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters