إن دور الاستراتيجية في الشركة هو تحديد العوامل الحاسمة للتنافس متوسط وبعيد الأمد.
وتقليدياً كانت قضايا كقضايا تمركز السوق و تقنية الإنتاج محطةً محوريةً للجهود الأكاديمية لتحديد العوامل الاستراتيج ية (أي تلك القضايا التي مكنت الشركات من الحصول و المحافظة على الميزة الأدائية).
ومن جهة أخرى في السنوات الحديثة، زادت أهمية الموارد البشرية على جدول الأعمال الاستراتيج ي، ليس فقط بسبب أنّ نفقات الرواتب تشكل حصة كبيرة من التكلفة الكلية لشركات اليوم، و إنما أيضاً لأنها حاسمة للتنافسية. وفي ظل اقتصاد متزايد الاعتماد على المعرفة، تعتمد الميزة التنافسية على قدرة الشركات على الابتكار، و نقل المعرفة لأقسام أخرى من المنظمة التي هي بحاجة إليها. وتكمن المعرفة في النهاية في الأفراد، كما أن الإدارة الاستراتيج ية للموارد البشرية تحدد تنافسية الشركة القائمة على المعرفة.
ومن جهة أخرى، فإننا نجادل بأن مسألة القوى العاملة لشركة ما، هيّ ذات أهمية استراتيجية لسبب مختلف: فعلى الرغم من أهمية ما يعرفه الموظفون و يقدرون على فعله، إلا أنّ استعداداته م لنشر معرفتهم و قدراتهم ذات أثر حاسم أيضا على أداء الشركة. و إن تعزيز رأس المال البشري هو وحده الذي يمكّن الشركة في النهاية من تحقيق امكاناتها الأدائية الكاملة. وخذ على سبيل المثال شركة لديها جميع العوامل لتكون شركة تنافسية: وضعها في السوق الذي يسهل ربحيتها، وأفضل التقنيات الإنتاجية المتاحة، والقوى العاملة عالية التأهيل والمتفوقة، فإنه ستكون للشركة مثل هذه الامكانات للإنجاز المالي غير العادي ( أي تكوين "ريع اقتصادي").
ولكن ما لم يحفّز موظفو هذه الشركة بشكل كافٍ للعمل على تحقيق أهداف الشركة الاستراتيج ية، فمن الواضح أن تنافسية الشركة ستظل أقل من الجهات المنافسة. فالعمل في السوق نفسها مع تقنيات انتاجية متشابهة، و قوى عاملة ليست متساوية المهارة فقط، و انما أيضا عالية التحفيز، سيجعل الشركة الثانية تتغلب على الشركة الأولى.
ونتيجة لذلك، فإن مدى تحفيز أفراد المنظمة للتصرف بانسجام مع الأهداف التنظيمية، ما نسميه بموازنة المصالح التنظيمية، هوّ عامل مهم لمدى تحقيق الشركات لامكاناتها الأدائية الكاملة. ولذا فإن لها أهمية استراتيجية للتنافس في مجال النشاط العملي. ومع تساوي العوامل الأخرى، يبقى أداء الشركات ذات المستوى الأقل درجة لموازنة المصالح، أدنى من الأداء التنافسي. ومن جهة أخرى، تصل الشركات الأفضل في موازنة مصالح مديريها و موظفيها مع أهدافها الاستراتيج ية إلى الميزة التنافسية.
المكافآت و المنافع
إدراكاً منا لأهمية الاستراتيج ية للحوافز، أنجزنا برنامج بحث شامل يهدف الى:
1. تحديد آليات العمل التي تستطيع من خلالها الشركات أن توسع موازنة تنظيم المصالح للحصول على ميزة تنافسية.
2. فهم العوامل التي تحد من قدرات المنافسين على استغلال أفضل الممارسات خلال عملية موازنة المصالح للتمكن من اللحاق بنا.
ومن زاوية أخرى، يمكن فهم آلية تحفيز الشركات موظفيها للعمل بالأهداف التنظيمية بالسؤال عمّا يتطلع اليه الأفراد في وظائفهم. و بالرجوع إلى أبحاث سابقة في علم النفس الاجتماعي، ركزنا على ثلاثة عوامل:
العامل الأول: يبحث الناس عن بعض أشكال المكافأة لسلوكياتهم في العمل التي يمكن أن تأتي على شكل رواتب، أو علاوات، أو منافع غير محسوسة مادياً، كزيادة النفوذ أو التقدير.
العامل الثاني: يسعى الناس إلى الرضا الشخصي، وتحقيق الذات، والقدرة على التعلم والتقدم، و بالتالي فإن عوامل الجذب الوظيفي، والاستقلال الذاتي، وامكانية التقدم الفردي هي عوامل ذات أهمية خاصة.
العامل الثالث: يبحث الناس عن فرصة ليصبحوا جزءاً من المجتمع الاجتماعي في العمل، وبالتالي يصبحوا متأثرين بأعراف وقيم بيئة العمل.
وأعطى علماء النفس الاجتماعيو ن مسميات لأنواع مختلفة من الحوافز الناتجة عن تلك العوامل الثلاثة:
1. الحافز الخارجي : مرتكز على الحصول على مكافآت من البيئة الخارجية.
2. الحافز الجوهري المتعي: مرتكز على جاذبية الخصائص الوظيفية.
3. الحافز الجوهري المعياري: مرتكز على أعراف و قيم الشركة ذاتها.
ويختلف الناس بصورة واضحة حول مدى أهمية تلك العوامل الثلاثة بالنسبة لهم. ويمكن في الحالات المتطرفة ألا يعيروا اهتماماً لأي منها.
القوى المحركة للتحفيز
انّ الشركات التي تدرك تماماً ما يتطلع اليه موظفوها يمكن أن تستخدم هذه المعرفة لموازنة مصالح قواها العاملة مع أهدافها الاستراتيج ية. وحددنا ثلاثة متغيرات استراتيجية حاسمة تعرف بقوى موازنة المصالح التي من خلالها تؤثر الشركات على مستويات التحفيز الكلي لقواها العاملة. فعلى سبيل المثال، يمكن تحفيز الحافز الخارجي عن طريق استخدام نظام المكافآت ( أو العقوبات). وبالنسبة لسلوك معين، ورغم بساطة مكافأة الموظفين الذين يتصرفون بالطريقة المطلوبة، ومعاقبة أولئك الذين يتصرفون بعكس ذلك، الا أنها عمليا أكثر تحديا. فيجب على الشركة تحديد ماهية " السلوك المرغوب فيه" لوضع نظام مكافآت مناسب له، ولمراقبة وضبط السلوك اللاحق، ومن ثمّ تحديد المكافآت والعقوبات.
ومن جهة أخرى، يرتكز الحافز الجوهري المتعي على جاذبية الخصائص الوظيفية، وبالتالي يمكن التأثير فيه من خلال تغيرات تصميم الوظائف الفردية. و من الأمثلة على كيفية محاولة الشركات استخدام هذه القوة، الانتقال إلى مستوى أعظم من تمكين الموظفين في أسفل السلم الهرمي. وهولا يؤدي فقط إلى عمليات داخلية أكثر فعالية، و لكنه أيضا يغني وظائف الأفراد إلى درجة توقع أن يصبحوا أكثر سعادة وتحدياً واستقلالاً ذاتياً مما يدعم الحافز الجوهري المتعي.
وأخيراً، يمكن للشركات تفعيل أثر الأعراف و القيم التنظيمية على سلوك الموظفين من خلال الحافز الجوهري المعياري مستخدمة الأساليب الاجتماعية كاستخدام المناسبات المهمة للشركة أو جلسات التدريب لتعزيز عملية تعريف كل من المنظمة و الموظف، و بالتالي انتشار الأعراف و القيم التنظيمية بين جميع الموظفين.
إيجاد الدور المناسب
من المحتمل أن تختلف ردود الأفعال الفردية على مثل تلك الجهود لتعزيز الحافز الكلي، وذلك بصورة أساسية. وقبل كل شيء، فإن الناس لا يختلفون فقط في أهدافهم وقيمهم الفردية، و إنما أيضا يختلفون من حيث تقييمهم للمكافآت والمناصب الوظيفية التي تجتذبهم، وكذلك سهولة استيعاب الأعراف والقيم التنظيمية. ولذا ينبغي أن تأخذ الشركة بعين الاعتبار عند استخدام القوى موازنة المصالح والخصائص المعنية للقوة العمالية الموجودة.
وفي الوقت ذاته، تكمن في مسألة المصالح مضامين مهمة لعملية التوظيف. فالى جانب معرفة ما إن كانت معرفة و مهارات و قدرات المرشح تنسجم مع متطلبات عمل ما، ينبغي على الشركة أيضا الاهتمام بدوره أو دورها في قوى موازنة المصالح. فمثلا، الشركات التي تبذل جهودا جوهرية لتقدم لموظفيها وظائف ذات سلطة وتحدٍ مع احتمال كبير للتعلم و التحقيق الذاتي، ينبغي أن تفضل المرشحين الذين يقيّمون مثل تلك الصفات الوظيفية و يتجاوبون معها على مستوى عال من التحفيز الجوهري المتعي. ومن جهة أخرى، إذا حاولت الشركات الارتكاز على استخدام أنظمة مكافأة رفيعة القدرة، ينبغي لها أن توظف أفرادا يتفاعلون بشكل ايجابي عن طريق التصرف وفقا لنظام المكافآت الموضوع.
من المهم أيضاً إدراك أنّ الحافز في حد ذاته لا يعني بالضرورة موازنة المصالح والأداء. فالحافز مجد فقط للأداء الوظيفي في حال توجيهه لإنجاز أهداف الشركة الاستراتيج ية. ولذا لابدّ من الأخذ بعين الاعتبار عند وضع أفضل التصاميم لقوى موازنة المصالح الأهداف الاستراتيج ية و الصفات المحددة لمنظمة محددة ( مثل القيم والأعراف الموجودة ضمن الهيكل التنظيمي للمنظمة).
تسوية الأمور المعقدة
إذا كانت موازنة المصالح بالضرورة محدداً مهماً للأداء، فلابدّ من معرفة سبب عدم قيام جميع الشركات ببذل جهود كافية لزيادة وتعظيم موازنة مصالح قواها العاملة مع أهدافها الاستراتيج ية. وأظهرت دراسة حديثة أنّ تحسين موازنة المصالح تطبيق معقد و ذو تحد. وهو يتطلب مراعاة متزامنة لصفات محددة متعددة للمنظمة، والتفضيلات التحفيزية للقوى العاملة، إلى جانب القدرة التنظيمية لتعديل قوى التنظيم النفعي بالطريقة المرغوبة.
وليس من التافه على سبيل المثال، تحديد التغيرات الضرورية في نظام المكافآت وتصميم الصفات الوظيفية للفرد إذا رغبت الشركة في تحفيزموظفي ها ليصبحوا أكثر توجهاً لتقديم الخدمة، مما يجعل التحديات المتعلقة بذلك أكثر وضوحا من حيث نتائج البحوث التي توضح أنّ تغيير احدى قوى موازنة المصالح يمكن أن يؤدي إلى نتائج فعالة لقوى أخرى. فنجد مثلاً أن استخدام حوافز عالية الأثر على أداء الأفراد يمكن أن يكون حاسماً تحت ظروف محددة للجهود المتزامنة التي تعمل على اجتماع الموظفين ضمن مجموعة من الأعراف والقيم، معززة بذلك المعرفة و الدعم المشترك و الجماعية.
ورغم أنّ الخبر غير السّار هوّ أنّ موازنة المصالح صعبة المنال، إلا أنّ الخبر السّار هوّ أن الشركات التي تمكننا من الوصول إلى مستويات عالية من موازنة المصالح هي إلى حد ما محمية من تقليد المنافسين السهل لأساليبها لبلوغ موازنة المصالح. وإن أفضل طريقة لموازنة المصالح هي خاصة بكل شركة معينة ، وترتكز إلى خصائص متعلقة بالشركة وقواها العاملة. وبمعنى آخر، فإن ما ينطّبق على شركة ما لا يعني بالضرورة الأثر ذاته على شركة أخرى. واضافة إلى ذلك، غالباً ما تكون الصلات الخاصة للشركات المحفزة لموظفيها غير واضحة، إلى جانب أنّ الأوجه الجديدة المرتبطة بقوى موازنة المصالح و أثرها على التحفيز الكلي ضمنية و صعبة الملاحظة.
تقسيم الفطيرة
توصلنا في بحثنا إلى نتيجة هي أنه ليس من الممكن فقط استخدام موازنة المصالح المعززة لتحقيق منافع أدائية إزاء المنافسة، وإنما الحفاظ أيضا على هذه المنافع لمدى متوسط وبعيد أحياناً. ونتيجة لذلك، ينبغي على أصحاب القرارات الاستراتيج ية توجيه اهتمام كبير للعوامل المؤثرة على موازنة المصالح لشركاتهم، وبذل جهود فعالة لتعزيز الأداء والبقاء في المقدمة على صعيد المنافسة.
ومن جهة أخرى، فان قدرة الشركة على بلوغ موازنة المصالح ليست ذات صلة بالأداء فقط، وانما بمدى قدرة الأفراد على بلوغ احتياجاتهم و أهدافهم من خلال وظائفهم. فإذا زادت الشركات من موازنة المصالح زادت من أدائها الوظيفي عن طريق " منح الناس ما يريدونه" عن طريق تسوية قوى موازنة المصالح بطريقة تتجاوب بشكل أفضل مع احتياجات الموظفين للمكافأة وتحقيق الذات، والانتماء إلى المجموعة الاجتماعية مبتعدة عن التفكير التقليدي الذي يركز على تقسيم المنافع بين الموظفين و الشركة (تقسيم الفطيرة). إن الاستخدام الذكي لقوى موازنة المصالح يمكن أن يكون طريقة لخلق وضع ربحي صحيح للموظفين والشركة ( زيادة حجم الفطيرة)، و بالتالي يمكن بلوغ الأهداف، أي تحقيق احتياجات الفرد وإنجاز الأهداف الاستراتيج ية تزامنيا. وفي النهاية، يمكن لذلك أن يؤدي إلى طريقةٍ جديدةٍ في التفكير حول طبيعة الشركة التي تركز على الأداء الكفء للتعاملات الاقتصادية في حد ذاتها، وتركز كثيرا على دور الشركات كأدوات محفزة للموظفين لبلوغ الأهداف الاقتصادية ، ولسدّ الاحتياجات المهمة لقواها العاملة الجوهرية والخارجية.
آلية استخدام قوى موازنة المصالح لتعزيز أداء الشركات
شكل الحافز محركات التحفيز قوة موازنة المصالح تأثير الشركات فيها تحذير
الحافز الخارجي الرغبة في بلوغ حوافز خارجية مادية أو غير مادية (التعويض، والسلطة والتقدير) نظام المكافآت من خلال تقديم المكافآت للسلوك المطلوب من الصعب تحديد السلوك المرغوب فيه وتقييم المساهمة الفردية بالنسبة للأداء
الحافز الجوهري المتعي الرغبة في المشاركة في نشاطات ممتعة تعمل على التعزيز تصميم الوظائف من خلال تمكين الموظفين وإثراء وظائفهم الفردية الحاجة الى تصميم الوظائف لتحفيز وتقسيم العمل بكفاءة
الحافز الجوهري المعياري الرغبة في التوافق مع الأعراف و القيم التنظيمية نظام التأقلم الاجتماعي استخدام جلسات التدريب والمناسبات لتعزيز انتشار الأعراف و القيم التنظيمية بين الموظفين خطورة اندماج الموظفين مع القيم و الأعراف التي تتعارض مع أهداف المنظمة
المصدر: قطر للأعمال والتوظيف .
نشرت فى 12 أكتوبر 2010
بواسطة ahmedkordy
أحمد السيد كردي
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
30,747,729