التكلفة من الناحية الاقتصادية هي قياس ما يجب أن نعطيه كي نحقق شيئاً، وتقاس بقيمة الفرصة الضائعة. ويسجل المحاسبون التكاليف التي تدفع للغير على أساس أنها تمثل تفاعل قوى العرض والطلب، إلا أنهم يسجلون تكلفة اهتلاك الأصول الثابتة من ملموسة وغير ملموسة على أساس قيمة هذه الأصول المسجلة في دفاتر المشروع في الماضي.
ولا يعترف المحاسبون غالباً بفائدة رأس المال المملوك أو راتب صاحب المشروع أو الشريك المتضامن جزءاً من التكاليف. ويطرح الاقتصاديون تكاليف المستلزمات السلعية والخدمية التي تُشترى من الغير من قيمة الإنتاج للوصول إلى الناتج الإجمالي أو القيمة المضافة الإجمالية، ثم يطرحون قيمة اهتلاك الأصول الثابتة ليتوصلوا إلى الناتج الصافي أو القيمة المضافة، التي تمثل عوائد عوامل الإنتاج المختلفة، فالأجور تمثل عائد العمل والضرائب، والرسوم تمثل عائد الحكومة والإيجار والفوائد تمثل عائد رأس المال، أما الدخل الصافي فيمثل عائد الإدارة والتنظيم.
وتصنف التكاليف بحسب وظائف المشروع، إلى تكاليف الإنتاج وتكاليف التسويق وتكاليف الإدارة والتمويل، بحيث تقاس تكاليف هذه الوظائف سنوياً عن طريق الحسابات الختامية، فحساب التشغيل يعبر عن وظيفة الإنتاج ويعمل على قياس تكلفة الإنتاج السنوية، وحساب المتاجرة يقيس وظيفة البيع، ويقيس حساب الأرباح والخسائر تكاليف وظيفتي الإدارة والتمويل.
على أن التبويب الوظيفي المشار إليه آنفاً، لا يمكِّن الإدارة من تحديد تكلفة الوحدات المنتجة أو المبيعة بدقة إذا أنتج المشروع عدة منتجات. كما أن التكلفة التي يُتوصَّل إليها في التبويب الوظيفي هي تكلفة متوسطة على مستوى العام بطوله لا تمكن الإدارة من اتخاذ القرارات الناجمة عن اختلاف بنية التكاليف طوال العام.
لذا كان لابد من تقسيم التكاليف بحسب ارتباطها بوحدات الإنتاج إلى:
1ـ تكاليف مباشرة ترتبط مباشرة بالوحدات المنتجة أو المبيعة سواء أكانت تلك الوحدات مادية أم سلعية كالمادة الأولية التي تدخل في إنتاج الوحدات المصنعة أو عمل العمال المباشر لإنجاز عملية التصنيع.
2ـ تكاليف غير مباشرة وهي التكاليف التي تساعد في العملية الإنتاجية سواء كانت سلعية أم خدمية، أو أنها تسهم في عملية الإنتاج إسهاماً ضئيلاً أو غير مباشرة كالوقود والقوى المحركة و الطاقة الكهربائية أو أجور الحراس مثلاً.
وتقتضي الرقابة على عناصر التكاليف إعداد بيانات وتقارير التكاليف في مدد تكاليف قصيرة كأن تكون شهراً أو ثلاثة أشهر مثلاً، كما تقتضي تبويب التكاليف بحسب مراحل الإنتاج لمعرفة تكلفة كل مرحلة من المراحل على حده إذا كان الإنتاج نمطياً. أما إذا كان الإنتاج بحسب الطلب أو بموجب عقد معين تبوب جميع التكاليف بحسب تبعيتها إلى طلبية معينة أو عقد معين، أما التكاليف غير المباشرة فتحمل إلى وحدات الإنتاج السلعي أو الخدمي ضمن أسس للتحميل أهمها العلاقة السببية بين التكلفة والمنفعة الناتجة عنها وعائدية هذه المنفعة إلى طلبية معينة أو إلى وحدات معينة تتضمنها هذه الطلبية أو المرحلة أو العقد. وقد يتم تحميل التكاليف غير المباشرة ضمن أسس محددة مقدماً للعمل على تحديد تكلفة الوحدات المنتجة في الوقت المناسب ثم يتم التحميل الفعلي في نهاية المدة التكاليفية أو السنة المالية، وتعالج الفروق على حسابات تكاليف الإنتاج أو على حساب الأرباح والخسائر بحسب أهميتها النسبية.
على أن الإمعان في الرقابة على عناصر التكاليف يجعل من الضروري تقسيم المرحلة أو الطلبية أو العقد إلى مجموعة من مراكز التكلفة، ويمثل مركز التكلفة وحدة تنظيمية معينة لها مسؤول معين تربط معها عناصر التكلفة، فتكون تكلفة مركز التكلفة مجموع التكاليف المباشرة على هذا المركز. فيمكن أن تكون السيارة التي يقودها سائق معين مركزاً للتكلفة، ويمكن أن يكون قسم النسيج الذي يضم عدة أنوال مثلاً ويرأَسُه مشرف معين مركزاً للتكلفة، يمكن الإدارة أن تسأله عن أي هدر أو ضياع في مركزه. وهكذا يؤدي الإمعان في تحديد مراكز التكلفة إلى تقديم بيانات مفيدة لمتخذي القرارات الإدارية من شأنها تحفيز المركز النشيط ومعاقبة المركز المهمل. إلا أن الإمعان في التقسيم الذي يعني إحداث مراكز جديدة يؤدي إلى زيادة الأعمال الكتابية التي يقتضيها تحضير بيانات التكاليف في الوقت المناسب، ولكن استخدام الحاسوب أدى إلى تخفيف عبء العمل الكتابي وجعل البيانات التكاليفية متاحة في الوقت المناسب.
إن نظرية مراكز التكلفة جعلت جميع عناصر التكاليف مباشرة في مركز معين، لكن مراكز التكلفة ذاتها تقسم إلى مراكز مباشرة تخدم عملية الإنتاج المباشر سواء أكان هذا الإنتاج سلعياً أو خدمياً، وإلى مراكز غير مباشرة تخدم الإنتاج بصورة غير مباشرة كمراكز القوة المحركة أو العمليات الإدارية أو التمويلية.
وأدَّى احتدام المنافسة بين المشروعات إلى نشوء عدة نظريات للتكاليف بحسب علاقة التكاليف بحجم الإنتاج، فإذا تغيرت التكاليف طرداً مع تغير حجم الإنتاج عدَّت هذه التكاليف مباشرة أمَّ متغيرة، أما العناصر التي لا تتغير بتغير حجم الإنتاج فهي تكاليف زمنية ثابتة لا علاقة لها بحجم الإنتاج، وإن النظريات التي نشأت عن هذا التقسيم هي:
1ـ نظرية التكاليف الإجمالية: ظهرت هذه النظرية في المراحل الأولى من تطور محاسبة التكاليف لتلبية حاجة مديري المشروعات الأساسية، وهي تحديد التكاليف اللازمة لتحديد الأسعار. وتعتمد هذه النظرية على حصر جميع النفقات المتعلقة بجميع عناصر التكاليف المباشرة وغير المباشرة في مدة التكاليف، ثم تبويب هذه العناصر تبويباً وظيفياً بحسب وظائف المشروع المتمثلة بالإنتاج والبيع والإدارة والتمويل. ثم تحميل تلك النفقات على عدد (أو وزن أو طول) الوحدات المنتجة. وبذلك تتحمل الوحدات المنتجة كافة نصيبها من جميع المصروفات المباشرة وغير المباشرة المتعلقة بوظيفة الإنتاج للوصول إلى تكلفة الإنتاج، وتقوَّم بضاعة آخر المدة على أساس تحميلها نصيبها من النفقات المباشرة وغير المباشرة، وهي الطريقة التي أوصت بها المبادئ المحاسبية المقبولة عموماً (GAAP).
أمّا الوحدات المبيعة فتحمل بالإضافة إلى تكاليف الإنتاج بتكاليف البيع والتوزيع والنفقات الإدارية والمالية.
2ـ نظرية التكاليف المتغيرة أو المباشرة: تقوم هذه النظرية على تمييز التكاليف الثابتة التي لا تتغير نسبياً بتغير حجم الإنتاج، من التكاليف المتغيرة التي تتغير بتغير حجم الإنتاج، ضمن مستوى معين للطاقة المتاحة، ويتم هذا التمييز ضمن جميع وظائف المشروع. وتحسب تكاليف الإنتاج في هذه النظرية على أساس التكاليف المباشرة أو المتغيرة لعملية الإنتاج، أما التكاليف الثابتة كالاستهلاكات (الاهتلاك) التي تصيب الأصول الثابتة، فتحمل إلى حساب الدخل، أو الأرباح والخسائر، بوصفها نفقات زمنية سيتحملها المشروع سواء أزادت كمية الإنتاج أم نقصت أم توقفت.
ولما كانت جميع التكاليف المباشرة متغيرة، استخدم كثير من المراجع نظرية التكاليف المباشرة على أنها نظرية التكاليف المتغيرة، والفارق الوحيد بينهما هو أن بعض التكاليف غير المباشرة، قد تكون تكاليف متغيرة في بعض الأحيان كتكاليف الوقود مثلاً. إلا أن ضآلة قيمة مثل هذه التكاليف غير المباشرة المتغيرة جعل التكاليف المباشرة تمثل إلى حد بعيد التكاليف المتغيرة، خاصة أنها سهلة الحصر من خلال التبويب الوظيفي لعناصر التكاليف وهو التبويب الشائع في التطبيق العملي. وبدأ العمل بهذه النظرية في أعقاب الكساد الكبير في العقد الثالث من القرن العشرين. تقدم هذه النظرية القائمة على الفصل بين عناصر التكاليف الثابتة والمتغيرة، فائدة كبيرة لإدارة المشروع، في ظروف المنافسة التامة، إذ إن تجميع التكاليف المتغيرة فقط لوحدة الإنتاج، يمثل الحد الأدنى للسعر الذي يمكن للإدارة أن تبيع به، وتمثل زيادة السعر على التكاليف المتغيرة إسهاماً في تغطية التكاليف الثابتة التي يتحملها المشروع سواء أَستمر في الإنتاج أم توقف.
أما إذا توصل ربح المساهمة إلى تغطية جميع التكاليف الثابتة ضمن حجم معين للإنتاج، فإن هذا الحجم من الإنتاج يمثل نقطة التعادل التي تتعادل عندها نفقات المشروع وإيراداته من دون تحمل أيَّ خسارة أو تحقيق أيَّ أرباح. إذا شاءت الإدارة التوصل إلى ربح مخطط أضافت قيمة هذا الربح إلى التكاليف الثابتة لتحدد في ضوء هذا المجموع السعر اللازم لتحقيق ذلك في حال ثبات حجم الإنتاج، أو أنها تحدد حجم الإنتاج اللازم لتحقيق هذه النتيجة في حال ثبات السعر.
إن لنقطة التعادل المشار إليها تطبيقات إدارية واسعة الانتشار في مجال التخطيط والرقابة بوصفهما وظيفتين أساسيتين من وظائف المشروع الاقتصادي. ومن القرارات التي تتخذها الإدارة في ضوئها: تحديد الأسعار في ظروف المنافسة التامة، وإيقاف المشروع أو استمراره في الإنتاج وتوسيع المشروع عن طريق شراء آلات أو معدات أو خطوط إنتاجية جديدة، ولابد من الانطلاق منها في دراسات الجدوى الاقتصادية في القرارات الاستثمارية.
ومع الانتشار الواسع لهذه النظرية في المجال الإداري والاقتصادي تَشترط المبادئ المحاسبية المقبولة عموماً، استخدام نظرية التكاليف الإجمالية من أجل القوائم المالية المنشورة، بحيث تقوم الإدارة باستخدام نظرية التكاليف المتغيرة من أجل اتخاذ القرارات، لكنها تدخل عليها بعض التعديلات لتنسجم مع نظرية التكاليف الإجمالية من أجل إعداد الحسابات الختامية المتمثلة في التشغيل والمتاجرة والأرباح والخسائر أو إعداد قائمة الدخل.
3ـ نظرية التكاليف المستغلة: تقوم هذه النظرية على المفهوم الفني للطاقة. فتحمَّل الوحدات المنتجة بكامل تكاليف الإنتاج المتغيرة بالإضافة إلى جزء من التكاليف الثابتة يحسب على أساس مستوى استغلال الطاقة المتاحة. أما ذلك الجزء من التكاليف الثابتة الذي يمثل الطاقة غير المستغلة، فيحمَّل على حسابات النتائج أو قائمة الدخل لأنه يمثل تكاليف طاقة لم تتمكن الإدارة من الاستفادة منها.
إن عدم قابلية هذه الطريقة لاستخدام النماذج الكمية المبنية على نقطة التعادل، جعلها قليلة الاستخدام ولا تمثل بديلاً يحل محل نظرية التكاليف الإجمالية، التي تطبق لأغراض القوائم المالية المنشورة في الدول المتقدمة، وتطبق لجميع الأغراض في الدول النامية. وإن اعتمادها على مفهوم فني للطاقة أسهم في الحد من انتشارها. إلا أنها تستخدم لأغراض الرقابة، وتحليل ربحية المشروع، وتحديد الأسعار المبنية على القرارات المتخذة من سلطات التسعير في الدولة.
ولابد من الإشارة إلى أن نظرية التكاليف الإجمالية هي النظرية السائدة لأغراض إعداد القوائم المالية المنشورة في الأسواق المالية. إلا أن نظرية التكاليف المتغيرة أو المباشرة هي السائدة لأغراض القرارات الإدارية وخاصة تلك المتعلقة بالتسعير لأغراض المنافسة في الداخل والخارج، إذ تقدم التكلفة المباشرة أو المتغيرة للإنتاج لتلك القيمة التي تمثل الحد الأدنى للسعر الذي تقبل الإدارة به، أما عناصر التكاليف الأخرى (الثابتة) فهي تكاليف متحققة على الشركة سواء تم البيع أم لم يتم. وتستخدم النظرية المباشرة هذه من أجل تسعير الصادرات في قرارات التجارة الخارجية.
أما نظرية التكاليف المستغلة فهي النظرية التي تستخدم لأغراض التخطيط الاقتصادي والرقابة على استغلال الطاقة الاقتصادية المادية المتوافرة في المشروعات الاقتصادية.
التكاليف المعيارية
التكلفة المعيارية Standard Costs هي التكلفة المتوقع حدوثها لإنتاج سلع أو خدمات معينة في مرحلة مقبلة. ويتم التوصل إلى التكلفة المعيارية أو المحددة مقدماً، أو المخططة، أو النمطية، وفق أسس علمية محددة أهمها:
1ـ المعاملات الفنية المستخلصة من وصف خطوط الإنتاج أو الآلات أو المعدات، التي تبين قدرة هذه الأصول الثابتة على إنتاج عدد (أو وزن أو طول) من الوحدات الإنتاجية أو الخدمية.
2ـ المعاملات الفنية المستخلصة من العلاقة بين المدخلات من مواد أولية أو أجور عمال أو مصروفات مباشرة أخرى والمنتجات.
3ـ معدلات تحميل مبنية على نظرية التكاليف الفعلية المعتمدة في المشروع لمعالجة التكاليف غير المباشرة.
4ـ أسعار معيارية للتكاليف المباشرة من مواد وأجور ومصروفات.
5ـ الخبرة السابقة المتعلقة بالمسموحات المتعلقة بمعدلات المواد والأجور والمصروفات المباشرة المستهلكة في العملية الإنتاجية.
إن معايرة جميع تكاليف المشروع تؤدي إلى الوصول إلى موازنة تقديرية أو تخطيطية للمشروع تتنبأ بتكاليفه وإيراداته في المرحلة المقبلة. وهي تمثل هدفاً تسعى جميع المستويات الإدارية إلى تحقيقه.
وبعد تنفيذ هذه الموازنة أو الخطة، تجري مقارنة التكاليف المعيارية مع التكاليف الفعلية، لتحليل الانحرافات، عن طريق تقسيمها إلى انحرافات كمية وانحرافات سعر. لمعرفة التكاليف التي يمكن أن تتحكم بها الإدارة، وهي من ثمّ مسؤولة عن عدم القدرة على تحقيقها، والتكاليف التي لا يمكن التحكم بها كارتفاع أسعار المدخلات التي لا تتمكن الإدارة من تخفيضها.
وتستخدم الموازنات المشروعات الخاصة والحكومية منذ النصف الثاني من القرن العشرين، حتى إنَّ كثيراً من الشركات تنشر موازناتها التخطيطية عن العام المقبل مع قوائمها المالية المنشورة عن المرحلة الماضية، وهي الميزانية العمومية، وقائمة الدخل، وقائمة التدفقات النقدية.
المصدر: حسين القاضي
نشرت فى 30 سبتمبر 2010
بواسطة ahmedkordy
أحمد السيد كردي
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
30,761,384