- الخطوة الأولى : العلم
أساس الورع : العلم ، ولا يمكن تحقيق الورع بدون علم ، وهذا أمر سهل وليس بصعب ، يقول سفيان الثورى : ( ما رأيت أسهل من الورع , ما حاك في نفسك فاتركه ) .
وهذا العلم المحقق للورع يدور في أمور ثلاثة :
1- أن تتعلم خير الخيرين : لتفعله
2- أن تتعلم شر الشرين : لتتجنبه
3- أن تتعلم مقاصد الشريعة : لتوازن
واحترس من عدم توفر العلم ، فيحل محله التلبيس مباشرة .
وصور التلبيس للفرد أربعة :
1- يترك الواجبات ويفعل المحرمات باسم الورع , مثل من لا يطيع قائده فتكون الهزيمة .
2- يترك الواجـبات باسم الورع ، مثل من يترك الجمعة لأن الإمام مبتدع .
3- يترك الواجب باسم الورع ، مثل من لا يفِ بديْن أبيه الميت , لشبهة في ماله .
4- يترك قبول سماع الحق الذي يجب سماعه باسم الورع ، بسبب بدعة أو شبهة أو فجور ، فأنت تسمع الحق بغض النظر عن قائله .
الخطوة الثانية : الفهم
فقه الورع مهم جداً ، بمعنى فهم تطبيق الورع في حياتنا ، وهذا الفقه أو الفهم يمثل قواعد الورع ومنها :
1- الواجبات والمستحبات لا يصلح فيها زهد أو ورع .
2- المحرمات والمكروهات يصلح فيها الورع .
3- ثلاثـة لا يتورع أحد عنها ، وهو ما يعرف بقولهم : مالا يجوز الورع فيه ، وهم : ( المباح والمستحب والواجب )
4- وشروط المباح الذي لا يجوز الورع عنه ، أمران : ( ألا يشغله عن الله وأن يوافق للسنة ) ، مثل : الطعام أو الزواج أو غيره .
5- يمكنك أن تقلب المباحات إلى عبادات ، مثل : من يأكل بنية التقوى على العبادة , ومن نام بنية الاستيقاظ لصلاة الفجر, ومن تزوج بنية عفة النفس والولد , وفي كل ذلك لا يسوغ له الورع ، ولكن التورع عن المباح ، الذي يؤدى إلى : ( حرام أو شغل القلب عن الله ) ، هو الورع المطلوب .
الخطوة الثالثة : السلُّم الرباعى
بالعلم والفهم يمكنك الآن صعود درجات سُلُّم الورع الرباعى :
الدرجة الأولى : تجنب القبائح ( احذرها )
الدرجة الثانية : توفير الحسنات ( اجمعها )
الدرجة الثالثة : صيانة الإيمان ( زده )
الدرجة الرابعة : البعد عن حدود الله ( لا تقربها )
فكـل درجة مكتوب عليها محـتواها ، حتى تصل إلى الرابـعة ، التى تعلن لك : إن الاقتراب من حدود الله يوشك أن تقع فيها ، والحل في قوله تعالى :
{ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا } البقرة / 187 , وفي قوله تعالى : {تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا } البقرة / 229 .
والمراد بالحدود : أى لا تتعدوا ما أباح الله لكم ، ولا تقربوا ما حرم الله عليكم ، فنهاية الحلال بداية للحرام ، لأن مجاوزة الحد في الحلال , يمكن أن توقع الإنسان في الحرام .
الخطوة الرابعة : التنفيذ
أو بمعنى آخر : نتورع عن ماذا ؟
نعم عن كل شئ ، عـن النظر ، واليد ، والسـمع ، والـفرج ، واللسان ، والشم ، والقدم ، والبطن ، يقول النبى صلى الله عليه وسلم : [ إنك لن تدع شيئا لله عز وجل , إلا بدَّلك الله به , ما هو خير لك منه ] رواه أحمد .
فعلام إذن تنزعج ، لتركك أى شئ من هؤلاء ؟ وتذكر حديث النبى صلى الله عليه وسلم ، وهو يحدث نفسك من الداخل : [ الإثم ما حاك في صدرك وإن أفتاك عنه الناس ] رواه أحمد .
فالورع صفة جامعة ، وتنفيذها يحتاج أيضاً إلى شمولها كل جوانب الحياة ، لقد دخل الحسن البصرى مكة ، فرأى غلاماً من أبناء على بن أبى طالب , قد أسند ظهـره إلى الكعبة يعظ الناس ، فوقف عليه الحسن , وقال : ( ما ملاك الـدين ؟ قال : الورع ، قال : فمـا آفة الدين ؟ قال الطمع ) فتعجب الحسن منه ، وقال : ( مثقال ذرة من الورع , خير من ألف مثقال من الصوم والصلاة ) .
الخطوة الخامسة : التحقق
كيف تتحقق أنك فعلاُ تنفذ الورع ؟
هذه العلامات إذا شعرت بها ، وتمكنتْ في وجدانك ، وظهرتْ في أعمالك ، فاشهد لنفسك بأنك في طريق الورع ، فاثبت عليها ، واسأل الله الدعاء بالتثبيت , وهي :
1- الكف عن الحرام والابتعاد تماماً عن الاقتراب منه أو ممن يفعلونه .
2- الابتعاد عن الانشغال بقضاء أوقات فيما لا فائدة تعود عليك منها .
3- الشعور بمحبة الله لك لأن الله تعالى يحب أهل الورع , وإذا أحب الله عبداً وضع له القبول في الأرض .
4- طمأنينة النفس وسكينة القلب ، فى اختياراتك وقراراتك في الحياة .
5- استجابة دعواتك دليل على تطهير المطعم والمشروب والبعد عن الشبهات .
6- الاستمرار في الطاعة والمحافظة على العبادات وحب جمع الحسنات ، فكل ذلك دليل على رضا الله لورعك .
7- كلما أحسست بقلة الإيمان أو نقصه فراجع الخطوات السابقة ، فإن التفاوت في الدرجات الإيمانية بتفاوت الورع .
الخطوة السادسة : التأكد
للتأكد من تحققك بالورع ، لابد أن تسأل نفسك : هل ما أفعله هو الورع الحقيقى ؟ وفى أى نوع من أنواع الورع هذه أنا ؟
1ـ الورع الكاذب :
هو في صورته ورع ، ولكن في حقيقته ليس بورع ، ولذلك أطلقوا عليه : الورع الكاذب , مثل : من يمسك سجادة الصلاة ثم يقول فى نفسه : لعل بال عليها طفل فيتورع عن الصلاة عليها .
ولعلنا من خلال هذا المثال نستخرج صفات الورع الكاذب :
ـ ليس هناك قرينة أو دليل .
ـ يخالف صاحبه الأصل في الأشياء .
ـ ورع غير منضبط بالشرع .
ـ ولذلك فهو ورع كاذب .
ومثل ذلك المال المختلط : رجل يتعامل بالربا , وفى نفس الوقت يبيع ويشترى ، أى حلال وحرام في وقت واحد ، يقول العلماء :
الخلاصة : يجوز التعامل من ماله المختلط , بشرط أن يعلم الحرام أين بالضبط ، وإلا فالورع ألا يأخذ منه شيئاً .
2- ورع الصالحين :
وخلاصته : لا تتم التقوى عند الصالحين إلا بالورع , يقول الحسن :
مازالت التقوى بالمتقين حتى تركوا كثيراً من الحلال مخالفة الحرام ,
ويقول الثورى :إنما سّموا المتقين لأنهم اتقوا ما لا يتقى , ويقول ابن عمر :
إنى لأحب أن أدع بينى وبين الحرام سترة من الحلال لا أخرقها .
ويقول سفيان :لا يصيب عبد حقيقة الإيمان , حتى يجعل بينه وبين الحرام حاجزاً من الحلال , وحتى يدع الإثم وما تشابه به .
3- ورع الفروع :
يقول ابن رجب : ( كمن يترك أصلاً ، ويقع في حرام ثم يتورع عن جزيئات ) , عـندما سأل أهل العراق ابن عمر, عن المحرم يقتل البعوضة ، قال : تسألونى عن دم البعوضة ، وقد قتلتم الحسين ؟! وقد قال صلى الله عليه وسلم : [ هما ريحانتان من الجنة ] .
4- ورع الموسوسين :
يقول ابن حجر : خلاصة الوسوسة إن لم يكن هناك دليل , مثل : سلعة تباع وليست هناك علامة تدل على شئ ، فلماذا يترك الشراء بزعم أنه من مجهول ، لا يدرى ماله حرام أم حلال !
5ـ ورع المتساهلين :
هذه تسمية الإمام أحمد بن حنبل ، فقد جاء رجل يسأل الإمام أن أمه تأمره بطلاق زوجته قال : إن كان باراً لأمه في كل شئ ، ولم يبق من برها إلا طلاق زوجته فليفعل .
الخطوة السابعة : الحفظ
ومعني الحفظ : كيف تحفظ الورع وتحافظ عليه وتثبت في طريقه ، رغم كل ما يحاصرك من أزمات وكوارث وصعاب ؟
فما قيمة أن يتورع الإنسان في مواقف , ثم فجأة يتخلى عن الورع في مواقف أخرى ، فالورع في كل مكان , وكل زمان , ومع كل إنسان , ومع كل مواقف الحياة .
ومما يساعدك على الحفظ أربعة أمور :
1- لأنك قدوة :
يقول الأوزاعى : كنا نمزج ونضحك , فلما صرنا يُقتدى بنا ( أب ـ زوج ـ قائد ـ مسئول ـ معلم ـ مربى داعية ـ عالم ) خشينا أن لا يسعنا التبسم .
2- لأنه علم :
يقول الضحاك : ( أدركت الناس وهم يتعلمون الورع وهم اليوم يتعلمون الكلام ) ، هذا ما كان فى عصره ، فماذا يقول في عصرنا ، عن علم يسمى الورع يجب أن لا نفقده !! فالورع ليس تشدداً أو تضييقاً أو ضرراً أو تطرفاً .
3ـ لا للحرام :
لانقول : اصنع مثل ما صنع الصحابى مكين بن حزام : فبعد شرائه حصان بـ 300 دينار ، ذهب لصاحب الحصان وقال : إن حصانك أقيْم عندنا من 300 ، فقال : أرضى بـ 600 دينار ، فأعطاه إياها .
ولكن نقول : لا تقع في الحرام ، لا تغش ، لا تخدع ، لا تسرق في الميزان , لا تبيع على بيع أحد ، لا لا لا للحرام .
يقول النبى صلى الله عليه وسلم : [ من قال لا إله إلا الله غرست له شجرة في الجنة ] ، فقال له بعض أصحابه : إذن إن شجرنا في الجنة كثير , فقال صلى الله عليه وسلم : ( ولكن لا ترسلوا عليه ناراً فتحرقوها ) .
فحافظوا على ورعكم ولا تحرقوه .