الإسلام والنظام الديمقراطي

الديمقراطية هي نظام غربي ارتبط بنشأة الدولة الأوروبية الحديثة وبسياق تطورها الاقتصادي والاجتماعي، ذلك أن قيام الثورة الصناعية وما تبعه من تغيرات في بنية المجتمع والسلطة والعلاقة بينهما ومع انتشار الفكر التنويري طرح الديمقراطية كآلية لنظام الحكم بصورة عامة، وآلية لتنظيم مسألة السلطة التي تتمكن من تحقيق الحد الأقصى من إقامة العدل بين الناس في توزيع الواجبات والحقوق.. وبسط الحرية وتفعيلها لنقلها من معناها اللفظي المجرد إلى التطبيق الواقعي..

 الغرب اكتشف حاجته إلى الديمقراطية كحل تنظيمي لكثير من المشاكل التي واجهته في طريق التطور والتقدم؛ ولذلك اعتمدها في المجال السياسي والاقتصادي وفي تنظيم المجتمعات. فهل يمنع ذلك المسلمون من الأخذ بها كونها على حد قول رئيس الوزراء البريطاني السابق تشرشل (أقل الوسائل سوءًا في الحكم)؟! الإسلام -وبشكل مبدئي- لا يقف موقفا متباعدا من الإنجازات الإنسانية التي تقدم إضافات نافعة للحياة، وكما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (الحكمة ضالة المؤمن يأخذها أينما وجدها).

وهو الحديث الذي يشير بدقة ووضوح إلى أن المسلم إنما هو كائن يسعى إلى نشدان الحقيقة التي هي ثمرة السعي الإنساني الجاد في هذه الحياة سواء أكان هذا السعي منطلقا من منهج إسلامي أم من مناهج أخرى. ونحن نؤمن بأن اعتماد المبادئ الإسلامية في البحث عن الحقيقة له دوره الفاعل في إيصالنا إليها من أقصر الطرق بصورة أشمل وأسرع مما لو حاولنا أن نكتشفها بمعزل عن مبادئ الإسلام، فإذا كانت الديمقراطية بهذا المعنى إنجازا إنسانيا فالإسلام يدعو إلى الأخذ الجدي بكل معطيات ومكونات النظام الديمقراطي؛ لأن ذلك يتصل اتصالا وثيقا بما دعا إليه الإسلام على مستوى الشورى.

تعقد آليات الشورى في العصر الحديث

والشورى مبدأ إسلامي أساسي ورد في القرآن الكريم مرتين في قوله تعالى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ}[الشورى:38]. وقوله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ}[آل عمران:159]. ويبدو لنا الحزم والقطع في التوجيه: (وشاورهم في الأمر)، و(وأمرهم شورى بينهم). وجمله أمرهم شورى بينهم (إخبار)، والإخبار في اللغة كما يقول علماء البلاغة هو أعلى أشكال الحسم والتحديد، وبالتالي فالكلام هنا لا يمكن حمله على الاختيار والمفاضلة، بمعني إذا شاء الحاكم أن يشاور فعل، وإن لم يشأ لم يفعل، فصيغة الأمر هنا واضحة جدا. في مرحلة دولة المدينة كان العالم الإسلامي محصورا في مدينة واحدة ويمكن أن تجرى الاستشارات في يوم وليلة دون آليات معقدة لتحقيق الشورى.. الآن وبعد اتساع المجتمع الإسلامي وتباعد الأقطار الإسلامية تعقدت آليات تمثيل الشورى.. وكان لا بد من وضع نظام وآلية دقيقة وواسعة، هذه الأنظمة والآليات لا تختلف مع ما نسميه اليوم النظام الديمقراطي.. لا أتصور أن هناك اختلافا إذ كيف تتحقق الشورى دون مجلس شورى؟ وكيف يتكون هذا المجلس إذا كنت أريد أن استشير شعبا تعداده بالملايين؟ لا بد إذن أن تكون هناك انتخابات.. إذن الديمقراطية نفسها هي مبدأ الشورى نفسه.. الشورى فريضة ملزمة، ولو أن المسلمين التزموا بها وحققوها في حياتهم على مدار التاريخ لتطور نظام الشورى ولأصبح له آليات تحدده وتوسع إطاره ومساحته ولأمكن للمسلمين أن يكتشفوا الديمقراطية قبل أن يكتشفها الغرب مع توافر ضمانات قيمية وأخلاقية تتصل بالإسلام تصونها وتحميها من أي تلاعب.

أهمية النظام الجمهوري

الحديث عن الديمقراطية يدعونا للحديث عن النظام الجمهوري الذي هو مجرد نظام وليس نظرية فلسفية أو وجهة نظر للكون والحياة والإنسان، إنه حصيلة ما توصلت إليه تجارب الفكر السياسي وتجارب النظام السياسي في كثير من البلدان التي سبقتنا للبحث عن الأنظمة الفاعلة التي تحقق أفضل إدارة سياسية للمجتمع.

النظام الجمهوري مجرد إطار للنظام ولا يدخل في صميم الأفكار التي يقوم عليها هذا النظام وبالتالي فمن الطبيعي أن نستفيد من هذه الأنظمة التي توافرت عبر التاريخ البشري ووصلت إلينا على النحو الذي نعرفه اليوم، والإسلام يدعونا للاستفادة من التاريخ، ولو كان للإسلام نظام خاص ومحدد في الحكم والسلطة لكان ذلك حريا أن يظهر في المصادر الأساسية للتشريع الإسلامي (الكتاب والسنة) الذي دعا لأن يكون الحكم إسلاميا مطبقا لشريعة الإسلام، ولكنه لم يتطرق إلى شكل النظام وبالتالي فإن المسلمين الأوائل كانوا أكثر تحررا عندما اعتمدوا أشكال التنظيم الذي استفاد بصورة واضحة من التجارب السابقة لهم واستفادوا من التنظيمات التي سبقتهم إليها الحضارات الأخرى التي أقامت دولا سابقة على الدولة الإسلامية. هذا يجعلنا نؤكد أكثر ضرورة الاستفادة من النظام الجمهوري الذي هو حصيلة تجارب أمم سبقتنا في مجال الفكر والتنظيم السياسي..

 وأن نستفيد من تجاربها في هذا المجال، بل نسعى لتطوير النظام الجمهوري نفسه فنضيف إليه عناصر جديدة كان الآخرون قد أضافوها لكي يصل إلينا النظام الجمهوري بشكله الراهن. وعندما يسعى المسلمون لإقامة نظام إسلامي فإنهم يريدون صيغة عملية وفاعلة لهذا النظام، وإذا ما أرادوا ابتكار نظام جديد فإنهم سيقعون في مشكلة التجربة والخطأ ولا يستفيدون إذ ذاك من تجارب الآخرين. في مرحلة الحكم الراشد تم تأسيس المسار الإسلامي لمسألة الحكم والسلطة وكان مسارا يؤسس لنظام العدل والحريات.. يؤسس لإسلام يتسع لاختيار البشر.. ذلك أن الإسلام لا يعرف سلطة (الحق الإلهي).. إسلام يقول إن البشر هم الذين يختارون وإن هذا الاختيار ملزم لهم وللحاكم.. وأتصور أنه لو استمرت مرحلة الحكم الراشد لكانت الإنسانية اكتشفت الديمقراطية قبل النهضة الأوروبية الحديثة كما ذكرت ولاكتشفت منظومة الحقوق -التي يفخر الغرب بإنجازها- قبل ذلك بقرون طويلة.

لكن من الأسف أن الاستبداد فوت على المسلمين فرصة أن يقودوا هذه الاكتشافات العظيمة وأن يقودوا مسألة الحريات في العالم ويقودوا مسألة حقوق الإنسان على مستوى العالم ويقودوا اكتشاف النظم الديمقراطية من خلال الأسس والمبادئ التي أرستها الشريعة الإسلامية وأرساها النص الإسلامي. الإسلام نقيض الاستبداد.. وهو البوابة الكبرى لتحرير الإنسان.. الناس عندما اتبعت الرسول صلى الله عليه وآله وسلم اتبعته بوصفه محررا للناس ولذلك كانوا يأخذون على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قد اتبعه الأراذل من الناس والمسحوقون من البشر بعد أن وعدهم بالحرية التي كانوا يفتقدونها؛ لذلك كانوا أقدر الناس على فهم المكون الجوهري لهذه العقيدة بوصفها عقيدة تحرير للإنسان.. فكيف يمكن أن يصادر هذا التحرير بإقامة حكومات مستبدة باسم الإسلام نفسه؟! وكيف يمكن أن تقوم حكومات لكي تصادر حريات الناس باسم الإسلام؟!إن موقف الإسلام من الاستبداد هو موقفه من الكفر وهو موقفه من الانحراف عن الطريق إلى الله سبحانه وتعالى؛ لذلك كان لا بد من تحرير فكرة (السلطة) إسلاميا، وتحويلها إلى سلطة تمكن الإنسان المسلم من إطلاق ملكاته وقدراته من أجل أن يصل إلى الغايات التي رسمها الله سبحانه وتعالى للمسيرة الإنسانية.

ضوابط الحرية في نظام الشورى

الإسلام يضمن حرية الاختيار لمعتنقيه فكل ما في الإسلام من واجبات وأوامر ونواه ومحرمات وأدبيات عامة وفرت أعظم الضمانات لحرية الاختيار بدءًا من اختيار الإسلام نفسه الذي لا يجوز اختياره وفقا للتقليد فالحرية إذن أسبق من الإسلام.. وبها نختار الإسلام.. لذلك قام الإسلام بتوفير أعظم الضمانات لهذه الحرية ولا يوجد في الإسلام ما ينافي مبدأ الحرية على الإطلاق، والمؤكد أنه لا توجد حرية مطلقة في الحياة، ويجب أن نفرق بين ضبط حدود الحرية من خارج قواعدها (وهذا هو تعريف الاستبداد) وضبط حدودها من داخل قواعدها (وهذا هو تنظيم الحرية) وكل نظام بالضرورة له آلياته لتنظيم الحرية.

والإسلام يضبط الحرية من داخل قواعدها، فالإسلام –مثلا- يضبط حرية معتنقه تجاه لعب القمار وشرب الخمر، ويمنع ويعاقب فهل في هذا تقييد لحرية الإنسان؟إن ذلك هو عين الحماية لحرية الإنسان فمن اعتنق الإسلام بكل حرية عليه أن يلتزم بأحكامه فإذا خولفت أحكامه فقد خولف مبدأ اعتناق الإسلام نفسه، فالمحرمات التي يفرضها الإسلام على معتنقيه هي ضبط للحرية من داخل قواعدها وليس من خارج قواعدها، وهذه نقطه مهمة للغاية. وبهذا المعنى فإن الإسلام وبكل أحكامه هو ضمانة لحرية الإنسان؛ الإسلام أراد من المسلم أن يختار سلطة العدل وأن يختار النظام الذي يبسط العدل بين الناس، والمجتمع المسلم حر في اختيار النظام الذي يرى أنه يؤمن له الحد الأقصى من العدل الذي هو الغاية من النظام السياسي وتحقيق هذه الغاية يتطلب الأخذ بالمتغيرات التاريخية. الشعب حر في اختيار النظام الذي يريده دون أن يكون ذلك على حساب عقيدته الإسلامية. حاجتنا إلى النظام الديمقراطي إن حاجتنا إلى الإسلام لا حدود لها ولكن من أهم أولويات هذه الحاجات حاجتنا إلى النظام الشورى أو الديمقراطي، التيارات الإسلامية التي تقف اليوم في وجه الأنظمة المستبدة تركز على أمر أساسي في النظام الإسلامي وهو الحرية وعدم احتكار السلطة.

نعم قد تركز على تطبيق الشريعة الإلهية وهو أمر هام جدا وسوف ينقلنا من مرحلة التخلف إلى مرحلة التقدم ولكن هذا لا يكفي، لا يكفي أن يكون النظام إسلاميا لكي يحقق التقدم والازدهار والنصر، النظام لكي يحقق ذلك يجب أن يكون إسلاميا وأن يكون معترفا بشرعية الناس، بشرعية الجماهير؛ لذلك فإن أي عملية تحول في السلطة تنقلنا من النظم التي جلبت لنا التخلف يجب أن تؤسس لفكرة أن السلطة إنما ينتجها الناس؛ أي يختارها الناس. ليس هذا فحسب وإنما لا بد لهذه السلطة أن يتم تداولها بطريقة ديمقراطية أي بطريقة الشورى؛ لذلك فلا معنى للكلام عن نظام إسلامي لا توجد ضمانات حقيقية للحرية فيه.. وبالتالي فالتيارات الإسلامية لن تستطيع أن تكون (عنصر خلاص) بمجرد أن تعد بتطبيق الشريعة الإسلامية.

 تطبيق الشريعة الإسلامية بحد ذاته لا يشكل ضمانة ضد الانحراف لأن بإمكان أي حاكم مستبد أن يقول: هذه هي الشريعة كما أفهمها وأنا أطبقها، إذن ما هو الضمان ضد الاستبداد؟ الضمان أن تكون المرجعية في اختيار السلطة هي الناس؛ لذلك فإنه لا شرعية لأي نظام دون أن تكون هناك ضمانات حقيقية لإمكانية تداول السلطة وليس الاستفراد بها واحتكارها.


ومن هنا لا يمكن الدفاع عن هذه الديمقراطية فقط لأنها توفر فرصة الوصول إلى السلطة بل يجب الدفاع عنها وحمايتها بوصفها مبدأ جذريا وأساسيا بغض النظر عن كونه يوفر لها فرصة الوصول للسلطة أو لا. فمن يقول إني آخذ الآن بالديمقراطية ما دامت تتيح لي وصول أكبر عدد من النواب إلى البرلمان وبالتالي تتيح لي تسلم السلطة وبعد ذلك نرى ماذا نفعل!! إنما يعد خائنا للأمانات، وخيانة الأمانات في الإسلام تعد من كبائر الكبائر، في فكرنا وبرامجنا مبدأ الديمقراطية أساسي وجوهري، ونؤمن إيمانا قطعيا أن السلطة يجب أن تكون موضوعا للتداول وليس موضوعا للاحتكار، وعليه فيجب أن نفهم جدا أن السلطة في الإسلام ليست شأنا مقدسا ولكنها شأن بشري.

 الشريعة شأن إلهي مقدس ويجب علينا كمسلمين أن نطبقها، أما السلطة فهي شأن بشري يختاره البشر ويحدده البشر ويغيره البشر، وبالتالي فإن شرعية أي نظام هي في اختيار الناس له لا في محتواه العقائدي فإذا اختاره الناس فإنه نظام شرعي وإن كانت إسلاميته منقوصة، أما النظام المستبد الذي لم يخرج من الناس فلا شرعية له حتى لو كان يحكم باسم الإسلام. يشهد التاريخ أن الأقليات في الحضارة الإسلامية كانت أسعد الأقليات ذلك أن الشريعة الإسلامية تحض على ذلك وتؤمنه؛ لأن ذلك يتعلق بمبادئ الإسلام نفسه في حماية حرية الاختيار للأفراد وللجماعات، لذلك نجد أن الإسلام يسع التعدد داخل المجتمعات على مستوى الشريعة وعلى مستوى أنظمة الحكم. وأحسب أننا لم نجتهد كثيرا للاستفادة من أحكام الإسلام في هذا المجال الذي يحتوى على مكرمات كثيرة وفياضة بألوان من التسامح يندر لها مثيل، فكيف إذا اجتهدنا في أحكام الإسلام أكثر وأكثر بما يتوافق مع مصلحة المجتمع الإسلامي.. إذ ذاك سوف نكتشف أن الإسلام هو المناخ الأفضل للتعايش المشترك بل مشاركة الأقليات في بنية المجتمع الإسلامي، وفي الإسلام متسع كبير لهذه المشاركة التي لا تتوقف عند حدود إقامة شعائرهم الدينية بل تصل إلى حدود مشاركتهم في السلطة نفسها.

المعارضة في ظل النظام الديمقراطي الإسلامي

يتطلب منا الحديث في هذا الموضوع أيضا إلى أن نتصور حال المعارضة في ظل نظام إسلامي اختاره الناس وأصبح نظاما شرعيا. للتيارات المختلفة في المجتمع الإسلامي أن تمارس المعارضة ضد السلطة وأن يكون لها أفكارها في التغيير وأفكارها في فهم الإسلام وحتى أفكارها في إقامة نظام علماني دون أن يتأثر ذلك بضوابط الحرية بل يجب توفير الحرية لها ولا خوف من هذه الحرية ما دام الإسلام يتيح وسائل الحوار والإقناع، فالإسلام لا يفرض معتقداته على الناس بالقسر والإكراه، وإنما يريد منهم أن يأخذوا بها بعد البرهان عليها والقناعة بها. لكن الإسلام لا يبيح قيام حزب يدعو إلى الإلحاد، وهو ما لا يتنافى مع الحرية المفترضة التي تقول (إن اختيار المجتمع لنظام ما هو ثمرة لحرية هذا المجتمع) لذلك من حق هذا المجتمع أن يحصن هذا الاختيار بأن يوجد ضوابط لهذه الحرية، يمكن أن يوجد أي تيار له آراء مختلفة مع النظام أو مع الحكومة الإسلامية المفترضة ولكن أن يأتي تيار يدعو إلى نقيض عقيدة المجتمع فمن حق المجتمع أن يمنع وجود مثل هذا التيار؛ لأنه يتناول حريته أو يتناول عقيدته في الأساس. بهذا المعنى لا حدود للحرية في الإسلام إلا ما يتنافى مع مبادئ الحرية نفسها ومع موجبات الحرية ذاتها.

هذه هي الحدود التي يأخذ بها الإسلام للحرية، يعني الحدود المشتقة من مبدأ الحرية وتصون الحرية، وقيام حزب يدعو إلى الإلحاد في داخل المجتمع الإسلامي أمر خارج الحرية أساسا لأن المجتمع حر في أن يقيم بنيته التشريعية والسياسية وفقا لعقيدته وبالتالي لا يستطيع أن يسمح لمن يحارب هذه البنية الشرعية، وبهذا المعنى فإن الحرية مطلقة إلا أن يصل الأمر إلى المسّ بنتائج هذه الحرية. الإنسان حر في أن يكون مؤمنا أو أن يكون ملحدا والإسلام لم يمنع حرية أن يكون الإنسان ملحدا أو مؤمنا، الذي يمنعه الإسلام هو الدعوة إلى الإلحاد لا أن تكون ملحدا بدليل أن الشريعة الإسلامية لا تبحث عقوبة الملحد وإنما تبحث عقوبة من يجهر بالإلحاد ويدعو إليه.. الإسلام يعاقب هذه الدعوة لأنها عدوان على المجتمع أما أن يعاقبه لأنه ملحد وحسب فهذا ليس صحيحا.

التطبيقات المعاصرة للديمقراطية

هناك كلمه لا بد منها حول الديمقراطية وتطبيقاتها في عصرنا الحالي والذي يتميز بتداخل الشأن الاقتصادي بالشأن السياسي وما صاحبه من تكوين الشركات المتعددة الجنسيات والتي تتجاوز رءوس أموالها ميزان المصروفات والمدفوعات لدول ذات سيادة. وتطالعنا الدراسات والأبحاث كل فترة عن أخبار الفضائح المالية الحزبية والسياسية المنتشرة في الديمقراطيات الغربية مما يدفع إلى التساؤل عن أسبابها وعلاقة ذلك بتغييب مفعول القيم الأخلاقية على العملية الديمقراطية. في العقد الاجتماعي لروسو -الذي يكثر الاستشهاد به- نجد أن التمثيل الشعبي المباشر في الحكم للتعبير عن إرادة الشعب كان مصحوبا بدعوة تأسيسية لما عرف بالتربية الفردية التي وضع لها صيغة شاملة في كتاباته، ولكن كل ذلك أسقط تماما بعد أن وصل التطور الفكري في الغرب إلى الاحتضان الكامل لنهج العلمانية المادية وبصوره شرسة. نعلم جميعا أن الانتخابات هي الوسيلة الإجرائية الأهم في العملية الديمقراطية للتعبير عن إرادة الناس ولا يستطيع فرد بذاته وغير منتظم في حزب تحمل النفقات الباهظة للدعاية الانتخابية خاصة بعد انتشار أجهزه الإعلام وتأثيرها الرهيب على أدمغه الناس العاديين الذين لا يعرفون أسسا موضوعية تقوم عليها عملية المفاضلة في الانتخاب.

الأحزاب نفسها لا تستطيع احتمال هذه النفقات أيضا من موازنتها المحدودة والاشتراكات والتبرعات فكل ذلك لا يكاد يكفي مرشحا واحدا. وهنا لا يوجد مصدر للتبرعات أسخى من الشركات ذات المصالح المادية المتصاعدة والقدرات المالية الضخمة. وتتحدد أسس اللعبة السياسية القائمة على تلاقي مصالح حزبية من داخل أجهزة السلطة مع المصالح المادية لهذه الشركات التي تربط استخدام المال للتأثير على القرار الذي يصدر عن السلطة التي تأتي بالانتخاب الحر!! أشكال الفساد المالي ومخاطره على العملية الديمقراطية عبر إشكاليات تمويل الأحزاب وانتشار هذه الظاهرة في الفترة الأخيرة أصبح مقلقا إلى درجة كبيرة وما تتحدث عنه وسائل الإعلام أقل كثيرا من واقع الحال القائم لارتباطه بمصالح ومستويات سياسية عليا. نفس الأمر في المستويات الأدنى وصولا إلى البلديات والمجالس المحلية في القرى.. لقد تحولت الأحزاب السياسية في الغرب معقل التطبيق الأمثل للديمقراطية من تمثيل الإرادة الشعبية إلى تمثيل إرادة الشركات الضخمة وضاعفت العولمة من حجم الظاهرة وأصبحت الشركات الكبرى أقدر على ممارسة الضغوط على الحكومات والأحزاب وحتى على الناس العاديين مع (التهديد العلني بنقل أماكن الإنتاج من الوطن الأم إلى مواطن أخرى تتوافر فيها معطيات ضرائبية أفضل!!). ظاهرة الفساد المالي وكيف تنخر في الحياة الديمقراطية -إلى درجة أشبه بأن تكون حكم الشركات والقوى الاقتصادية للشعب وليس حكم الشعب لنفسه- في الواقع الغربي أصبحت من أخطر سوءات الديمقراطية وذلك بتغليب المصلحة المادية عبر التأثير الهائل للمال وقدرة مالكه على استغلاله لتحقيق ما يريد على حساب المجتمع، وعلى الجانب الآخر يضعف تأثير القوانين والتشريعات، بل إن قوة المال ساهمت بدرجة كبيرة في استصدار التشريعات والقوانين وتعديلها بما يتلاءم مع مصالح هذه الشركات الكبرى. وهو ما يحدث بشكل عادي وطبيعي عن طريق الأحزاب السياسية والتبرعات المالية السخية التي تنهال عليها.. أي وسيلة أو آلية معرضة بحكم الطبيعة البشرية للاستخدام السيئ والاستخدام الجيد، مشكلة الديمقراطية لا تكمن في ذلك بل في غياب ضوابط تنفيذها وتطبيقها، ونحن نميز جيدا بين التعاطي الإيجابي مع دعوات الديمقراطية ورفض منظومة القيم الغربية التي باتت محكومة بالفلسفات والمصالح المادية بدرجة كبيرة وأضحت مصدر خطر كبير وتهديد دائم للديمقراطية نفسها.

 تطبيق الإجراءات الديمقراطية من انتخابات وتعددية وفصل السلطات واستقلال القضاء وسيادة القانون لا قيمه له في حقيقة الأمر ما لم يكن له سقف من مكارم القيم والأخلاق نابع بالدرجة الأولى من الضمير الذاتي للإنسان، وهي الصفة الأعلى والأسمى التي تنتج من مخالطة الإيمان بالله للنفس الإنسانية وما يتبعه ذلك من اليقظة الضميرية الدائمة والتي نعرفها في الإسلام بـ(التقوى).

 

المصدر: الدكتور عادل عامر
ahmedkordy

خدمات البحث العلمي 01009848570

  • Currently 114/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
38 تصويتات / 658 مشاهدة
نشرت فى 23 أغسطس 2010 بواسطة ahmedkordy

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

30,782,671

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters