إن من أعظم حقوق المرأة على المجتمع أن يتعامل معها على أنها إنسان، لـه عقله، ومشاعره، وآماله، وشخصيته، إلا أن الواقع المحلي والعالمي يدفع المرأة دفعاً ليجرِّدها من كل معالمها الإنسانية التي وهبها الله ليحصرها في فتنة الأنوثة، وليحبسها في جسدها، فهي الراقصة، والمغنية، والممثلة، وهي خلفية الإعلانات التجارية للمواد الاستهلاكية، وهي واجهة المحلات التجارية، والسكرتيرة الرشيقة، والمسوِّقة اللبقة، فهي المتعة للجميع.

ولقد أجمعت الدراسات، وكثرت النداءات من العقلاء والعاقلات أن حصر المرأة في "صورة الجسد" أمر مرفوض، وفيه مهانة للمرأة واحتقار لها، ومع ذلك يسير الوضع على هوى أصحاب رؤوس الأموال في امتهان الأنوثة، واستخدامها في مواقف لا تليق بكرامة الإنسان.

ويتعجب المسلم من حجم الاستهانة التي يصل إليها الاستغلاليون بعقول الناس، حين ينزلون الإعلان التجاري الربوي في صحيفة الشرق الأوسط يتضمن صورة امرأة فاتنة متبرجة؛ لكون الصحيفة تصدر خارج البلاد،فيصح خارج البلاد ما لا يصح داخلها, وفي نفس اليوم ينزل الإعلان نفسه في صحيفة محلية تصدر في الداخل, يتضمن صورة المرأة بعينها, ولكن قد وضعت على رأسها خرقة صغيرة  يظنون أنها تعطيها الصبغة الشرعية، وكأن الإسلام قد انحصر في نظر هؤلاء الاستغلاليين في قطعة من القماش.

إن المرأة الكريمة لتأبى كل صور الاستغلال للأنوثة التي يمارسها المجتمع محلياً أو عالمياً، وترفض أن تستمتع بوسائل الإعلام حين تختزل أختها الأنثى في "الجسدية"، وتحصرها في الفتنة الجنسية.

إن مشكلات الأمة الإسلامية مشكلات كثيرة ومتشعبة، وكثيراً ما يرتبط بعضها ببعض، فمن الصعوبة بمكان وضع حل لمشكلة ما دون حل أسبابها وجذورها، والمتغيرات التي تتدخل في صنعها، وهذا جار في وضع المرأة ومشكلاتها، فلا يكفي مجرَّد إصدار قانون،أو تنظيم لحل مشكلة من مشكلات المرأة، وإنما الحاجة ماسة إلى الحلول الشاملة للمشكلات، بحيث يُنظر للمشكلة وجذورها، والأسباب المثيرة لها، ثم يُوضع الحل الأمثل في ضوء كل ذلك.

وكثيراً ما يتوجه الحديث عن حقوق المرأة والمطالبة بها، دون الحديث عن واجباتها وما ينبغي أن تقوم به، فإن الرابطة في غاية القوة بين الحقوق والواجبات، ولا يمكن أن يقوم نظام اجتماعي صحيح إلا بهما معاً، إلا أن التوجه العالمي يُقر الجميع على المطالبة بحقوقهم ولا يُلزمهم بواجباتهم، في حين أن الأصل أن يقوم العضو الاجتماعي بواجباته ثم يُطالب بحقوقه، والسؤال الذي يطرح نفسه: هل قامت المرأة السعودية بواجباتها المناطة بها قبل أن تطالب بحقوقها، أم أنها قصَّرت في شيء من واجباتها فقصَّر المجتمع بالتالي فيما عليه من حقوق تجاهها، فكم وجدنا في مجتمعنا من نساء سعوديات زلَّت بهن القدم في مهاوي الرذيلة والقبائح في:  السرقة، والغش، والتدليس، والسحر، والزنا، وهذه الإحصاءات الرسمية التي تصدرها وزارة الداخلية في كل عام تشير بصراحة إلى مثل هذا الهبوط السلوكي في بعض النساء السعوديات.  ولئن كان هؤلاء النسوة لا يشكِّلن- قطعاً - الأغلبية فإن المظلومات أيضاً في المجتمع والمضطهدات لا يشكلن أيضاً الأغلبية، ومن هنا فلا يصح تهويل وتضخيم الشكوى من ظلم الرجل للمرأة، حتى إن الناظر في بعض ما يُنشر يظن أن المجتمع قد انقسم إلى قسمين : رجال ظلمة ونساء مظلومات، فلابد من الاعتدال في النظرة، والموضوعية فيها.

وكثيرًا ما تطالب النساء بحقوقهن ولا يبالين - في كثير من الأحيان - بحقوق الآخرين، والواقع التاريخي، والطبيعة الفطرية، والنظر المنطقي يشهد بأن المرأة لا يمكن أن تنال حقوقها بصورة متكاملة قبل أن ينال الرجل حقوقه، ولا يُعرف مجتمع في القديم أو الحديث نالت فيه النساء حقوقهن دون الرجال، والثابت أن الخير أو الشر، الحق أو الباطل كل ذلك يصل إلى المرأة عن طريق الرجل، فهي دائماً، وبصورة مستمرة تبع لجملة الرجال في كل هذا؛ ولذا لا تكاد تجد المرأة رأساً في الخير أو رأساً في الشر، وإنما هي تبع في كل ذلك لأهل الخير أو لأهل الشر من الرجال.

ومن المعلوم أن الظلم الذي يقع على النساء في أي مجتمع لابد أن جزءاً منه قد وقع على الرجال، ولا يُعرف مجتمع ظُلم فيه النساء خاصة دون الرجال، إلا أن حجم الظلم وآثاره تكون عادة أثقل على النساء والأطفال منها على جملة الرجال.

إن صور الظلم الاجتماعي لا تتخذ - بصورة دائمة - اتجاهاً واحداً من الرجال على النساء كما يصورها بعضهم، فكم من مظالم قادتها النساء تجاه الرجال من الاختلاسات المالية، والخيانات الزوجية، والاستغلال الاجتماعي، بل وحتى القتل، أو التآمر عليه، كل ذلك موجود، ولو رُصد لكان كثيراً، ومع ذلك لا يُتحدث عنه في ظل الحديث عن حقوق المرأة، وكأن الحقوق يمكن أن تُعطى للمرأة دون قيامها بواجباتها تجاه الرجل: الأب، أو الأخ، أو الزوج، أو الولد.

ثم إن الظلم لا يتخذ هذين الاتجاهين فحسب فهناك ظلم المرأة للمرأة، من الكيد بين المتنافسات، لاسيما الضرائر، والحاقدات والحاسدات، إضافة إلى ظلم الأم والأخت والابنة والحفيدة وأم الزوج وغيرهن ، كل أولئك يشاركن في مظالم المرأة وليس الرجل وحده هو الذي يظلم المرأة .

إن من الثابت واقعياً وتاريخياً أن الرجل حين يكون صالحاً هو الذي يعطي  عن طواعية الحقوق للمرأة، وأما قوة السلطان فإنها محدودة النفوذ، ولن تكون كافية لزجر المعتدين على حقوق النساء، والواقع العالمي والمحلي يشهد بهذا، فعلى الرغم من كل الاحتياطات الأمنية في العالم المتقدم لحماية النساء من الاعتداء في الشوارع والبيوت والنوادي وغيرها فإن الاعتداءات بكل صورها مستمرة عليهن ومتنامية، ولن يوقفها إلا صلاح الرجل بإذن الله، ثم إن السلطة مهما ادعت من النزاهة والموضوعية فإنها لا تعدو أن  تكون رجلاً مرة أخرى؛ فإن السلطات في العالم يقوم عليها الرجال، فلن تأخذ المرأة حقها صحيحاً موفَّراً إلا بصلاح الرجل.

المصدر: عدنان باحارث
ahmedkordy

خدمات البحث العلمي 01009848570

  • Currently 75/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
25 تصويتات / 741 مشاهدة
نشرت فى 8 أغسطس 2010 بواسطة ahmedkordy

أحمد السيد كردي

ahmedkordy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

29,836,904

أحمد السيد كردي

موقع أحمد السيد كردي يرحب بزواره الكرام free counters