أهمية التأديب في صلاح الأطفال
يعترف المربون المسلمون بأهمية العقاب ويقرونه، وذلك لما له من دور في تعديل السلوك وتوجيهه على أن يستخدم عند الحاجة، مع مراعاة نوع العقوبة ومقدارها، فقد ثبت فيما نقل عن رسول الله r بسند صحيح أنه رأى أبا بكر t وهو يضرب غلاماً له، فتبسم ولم ينكر عليه، فضرب الولد عند الحاجة، لتأديبه وتربيته جائز ولكن يجب أن يعي الأب المسلم أن آخر العلاج الكي، فإن استخدام أسلوب العقاب البدني يجب أن يكون هو الوسيلة الأخيرة في العقاب، فإن تعود الطفل عليه، وألفه عند كل خطأ يقع فيه، فإنه لن يصبح له تأثير فيه بعد ذلك، إلى جانب أن وسائل العقاب الأخرى مثل الهجر والحرمان من المصروف وغيرهما من العقوبات النفسية لن تفلح معه بعد فشل العقاب البدني.
لهذا كان لزاماً على الأب الواعي أن يتدرج في إيقاع العقوبة على الطفل، فيبدأ بعدم التشجيع مثلاً، ثم الإعراض عنه، وإعلامه بعدم الرضا عنه، ثم الزجر والعبوس في وجهه، ثم الهجر والمقاطعة، ثم حرمانه من محبوباته، وهكذا حتى يصل إلى العقوبة البدنية مع التدرج فيها من الضرب الخفيف إلى الأشد. وتعد هذه الأخيرة هي أشد أنواع العقوبات، ولا ينبغي أن يلتفت إلى ما يقال من أن العقوبة تعقد الطفل أو تضره فإن هذا غير صحيح، بل إن العقوبة المناسبة إذا جاءت في الوقت المناسب، أي بعد اقتراف الذنب مباشرة دون أن تتضمن جرحاً للكرامة، فإنها تكون مجدية ونافعة للطفل غير ضارة به، مع مراعاة عدم لطم الوجه، فقد نهى الرسول r عن ذلك ولم ينقل عنه أنه ضرب أحداً فلو أن الأب انتهج أسلوب التهديد، دون إيقاع العقاب، وكان التهديد مفيداً مع الولد، فإنه لا ينبغي له أن ينتقل منه إلى غيره من أنواع العقوبات الأشد، إلا إذا تمادى الطفل، ولم يعد يخاف التهديد، فإن السنة المطهرة جاءت بمثل هذا، فقد أمر عليه الصلاة والسلام "بتعليق السوط في البيت" وتعليق السوط في البيت يوحى بإمكانية إيقاع العقوبة، بناء على ذلك ينزجر الولد ويرتدع.
وقد اختلف التربويون في السن الذي يستعمل فيه العقاب البدني مع الطفل، فقد ذهب بعضهم إلى أنه لا يقع إلا بعد العاشرة؛ استناداً إلى أن ضرب الطفل على الصلاة والتي هي أهم من غيرها لا يكون إلا بعد العاشرة، فغيرها من الأمور لا ينبغي الضرب عليها من باب أولى، إلا بعد هذه السن، والبعض يرى أن الطفل لا يدرك مسألة الصواب والخطأ إلا في الثامنة من عمره، وآخرون يرون أنه يدرك قضية الثواب والعقاب، والقيم الخلقية، والشعور بها، وتقبل معاييرها ما بين "3-7" سنوات والعقاب عادة لا يكون إلا بعد أن يدرك الطفل ويفهم سببه، ليحصل المقصود من إيقاعه فالتحقيق في هذه القضية هو محاولة تجنب ضرب الطفل عموماً قدر الإمكان، في جميع سنين عمره، فإن كان ولابد منه، فيكون في الوقت الذي يدرك فيه الطفل معنى العقوبة، وسببها وأنه مستحق لها، وبعد أن يكون الأب قد هدد بها، مراعياً في ذلك التدرج -الذي ذكر سابقاً- والتوسط في إيقاعها بأن لا يحس الطفل أنها للتشفي، أو الانتقام؛ بل يربط الذنب بالعقاب ليفهم الطفل ويعي سبب عقابه. فإن أوقع الوالد العقوبة بالولد فاستنجد بالله وذكره، فلا ينبغي للوالد أن يسترسل في العقوبة، بل يكف عنها تعظيماً لله في نفس الطفل، فقد ورد النهي عن ضرب الخادم إذا ذكر الله والولد أولى.
وقد ذكر بعض المتصلين بالتربية أهمية العقاب بالهجر والتوبيخ وغيرهما من العقوبات النفسية مرجحينها على العقوبات البدنية، وذلك لأن الأطفال يكرهون الضرب ويبغضونه، وإن العقوبات النفسية أكثر جدوى، وكيف ما كانت آراء التربويين فإن الفطن يدرك من ولده ما لا يدركه غيره, فيستعمل كل عقاب في حينه, حسب خبرته وتوقعاته للفوائد.
وعلى الوالد أن يلاحظ حين قيامه بأمر الطفل أو نهيه أن يجذب انتباهه أولاً, ثم يحاول أن يفهمه الأمر بلغة سهلة يدركها الطفل, مع مراعاة الوضوح والبطء وعدم الإكثار من الأوامر, مبيناً أن هذا الأمر يؤذيه- إن كان الامر يؤذيه فعلاً- أو يؤذي الآخرين, فالطفل إن عومل بهذه الطريقة, فإنه في العادة يستجيب.
ونقطة أخيرة يجب الاهتمام بها، وهي قضية مراقبة الطفل والتجسس عليه وفضحه إذا أخطأ, وهتك ستره, ففي هذا يقول الإمام الغزالي بعد أن ذكرأهمية تشجيع الطفل على القيام بالأعمال المحمودة, ومكافأته على ذلك, قال: "… فإن خالف ذلك في بعض الأحوال مرة واحدة فينبغي أن يتغافل عنه, ولا يهتك ستره … لا سيما إذا ستره الصبي, واجتهد في إخفائه, فإن إظهار ذلك عليه ربما يفيده جسارة حتى لا يبالي بالمكاشفة, فعند ذلك إن عاد ثانياً فينبغي أن يعاقب سراً, ويعظم الأمر فيه". وهذا من الرفق والرحمة بالولد فليس كل خطأ أو زلة توجب العقاب والزجر، وهذا مشروع مع الحيوان البهيم فضلاً عن الإنسان المكرم, فقد ذكر أن السيدة عائشة رضي الله عنها ركبت بعيراً فاستعصى عليها ((فجعلت تردده, فقال لها رسول الله r عليك بالرفق)) فإذا كان المسلم مأموراً بالرفق عند قيادة البعير فكيف بولده؟