كما يبدو أنَّ صلة الاقتِصاد بالشَّباب كان أمرًا اتِّفاقيًّا، والآن قد أضحى أكثر تناوُلاً لدى الأمَّة بسبب اهتِزاز عروش بلادِها، ثمَّ أصبحت تلك الإيجابيَّة مسألة حديثة العهْد من أجل جفاف حواضر البلاد يومًا بعد آخَر، وبدأ يدبُّ الشَّكُّ في الخواطر أنَّ الشَّباب لا علاقة له بالاقتِصاد أو بينهما علاقة ولكن ليست لها ميزة؛ بل هِي مثلما يرتبط بالكهول والنساء والأطفال، لله دره!
قد انكشف الغطاء عن حقيقة الشَّباب ودوْرهم في بناء الدَّولة وتطوُّرها في العالم، ومع تلك الكثْرة نحن متساهلون في هذا الأمر، ولا نرْغب في تقوية القلاع والمدُن، فكأنَّما نلغي قوَّتنا بأيدينا ونُهلك أنفسنا بأرجُلِنا، إنَّنا حينما ننظُر إلى دور الشباب في مجالات الاقتِصاد، نجد إيجابيَّته على قمَّتها حيث وصلت الدُّول المهتمَّة بالشَّباب إلى ذِرْوة الرَّغد ويعيش أهلُها بالرَّخاء، وهاهي الدول التي سبقت البلاد الإسلاميَّة في فكرة اعتقال مقدَّرات الشَّباب لديها، حيث نَجد قياداتها قد أدركت أنَّ شموخ البلد وتصلُّب دعائمه لا يمكن إلاَّ باعتبار الشَّباب الرَّائد الرئيس له، ولربَّما برعت تلك البلاد الواقعة على سواحل الغرْب أو في صلبه من أجل ذلك، ونحن نعلم أنَّه اليوم أصبح الشبَّان أرواحًا للدول، حتَّى بعضها تتطلَّب سنويًّا عددًا أقصى من عشرات الطلاَّب من أنحاء العالم في كليات بمختلف أشكالها.
لأنَّهم عرفوا أنَّ الشباب هم الذين يمتلكون كفاءات علميَّة وأدبيَّة، فيتوصَّلون بها إلى مخطَّطات تخدم الأوطان من أجل جعْله بنيانًا مرصوصًا، وأدركت القيادات الدوليَّة أنَّ الارتِقاء إلى العُلا والعبور مدى الآفاق غير مسموحين دون صفوف الشبَّان واستغلال كفاءاتِهم، فتراهن عليهم الدول لديْها في الأطر كلّها؛ لأنَّ مشاعر الشبَّان تضجُّ لأداء دور هام، بارز في صنع الحياة وطبيعيًّا أنَّ قدرات الإنسان تتغيَّر من لحظة إلى أخرى، ولا تكمل فيه إلاَّ عند فترة شبابه، حينذاك يستطيع الشَّابُّ أن يبعد أشواك المستقبل ويحرِّك مثار النقع فوق رؤوس البلاد؛ لتتيسَّر الحياة، ويكنّ الاحترام لضعاف النَّاس ليحسن حالهم، ويغلب على مكائد تخذل عواطفه، ويبذُل جميع جهوده في إنهاء الهوان الذي يتردَّد في البلد بسبب ضعف الاقتصاد.
إنَّ الشباب لا يركع أمام نكبات الحياة، ولا يسجد أمام أهوال النسمة، فلا تتزلزل عزائمُه ولا يقلق هو؛ بل يتحدَّى الخسائر ويقوم ضدَّها هائجًا مبارزًا، ويصبر على معاناته من مشاكل في تَحقيق مشاركته في دعْم الوطن ونهضته، اجتماعيًّا واقتصاديًّا، وثقافيًّا وسياسيًّا، وعرفت أنَّ الأساس لتقوية العلاقات الشعبيَّة والوطنية والدولية حتَّى غاياتها هو نموُّ تلك العلاقات، وذلك أول شوط لتيسير الحياة، ولا يمكن الوصول إلى الهدف إلاَّ بشباب يوثق العرى.
بيْنما نرى البلاد الذهبيَّة الإسلاميَّة وغيرها أصبحتْ عمْياء المنارات في جَميع مجالات الاقتِصاد، وباتت مخبأَ العويل والبكاء في سطوح الأرْض، لم يبقَ للرَّجُل العادي أن يعيشَها ميسور الحياة، ولم يستطِع حتَّى كفالة زوجتِه، وقد أصابها القحط في جميع أكنافِها، وبدأت تسيل القلوب دموعًا من باحة بلاط الحاكم إلى ساحة بيوت أهاليها، ولم تلبث تصرخ النفوس الشابَّة: أين الموت؟! ولِم لا تتمنَّى ذلك؟!
صارت جياعًا لعدم عثورِها على لقمة الحلال، ويئِسَت من رغد العيْش، تسعون في المائة تتراوح أعمارُها ما بين 25 إلى 35 عامًا، عادت الآمال لديْها من الترهات، وسقطت جفونُها من دمغ الجوع، ظهرت التَّجاعيد على خدودهم للعسْر، وجفَّت عروقُها في الأبدان من عدم اليسْر، وهذه الزَّعزات كلُّها أدَّت إلى انحدار العقول من الحكْم، وانحسام الأمر من اقتِلاع جذورهم في شتَّى بقاع الأرض العربيَّة والعجمية، ظلَّت دنياهم محرقة ولا تزال تطحن ما دام الأمر كذلك، فلو لم نصارع سِنَتَنا العمياء وندفع نومَنا الهالك، فإنَّه لا مجال لليقظة والنَّهضة.
واعلم أنَّ الموت قاصد لكلِّ مَن يغرز المسامير على يديْه بنفسه عاجلاً أم آجلاً، سواءٌ أكان مدرَّعًا أو مترَّسًا عقابًا له، وهل تسمح لنا العقول دخول العقارب تحت ثيابِنا ونحن نذبُّ الذُّباب عن وجوهِنا وعن غيرنا، هذه ليست أراجيف بل هي حقائق تنبع من القرارات التي تصدرها رؤساء المسلمين اليوم دون تروية، حتى تنجز إنتاجات تفشل الدَّولة وتتحير الأسْماع من دويات جنح الظلام، وتقشعر الجلود من سوداء فراغ المحازن، وتنفجر أفئِدة الشَّباب والشَّابَّات عطشًا للقوت حتَّى لم يعد لهم الخير بعد.
هل فكَّرنا إحدى اللحظات في قابل الأيَّام، كيف نرحِّب بالغد وهو على خطيرة الفقر والغل؟! وما ذلك القحط الذي بدَّد أحلامنا؟ ليس بأدنى شكٍّ أنَّنا قد تهوَّرنا في قحط الشَّباب، ولعلَّ الأمر يلقى بإعجاب شديد في علاقة الشَّباب بالقحط، وليس الأمر بغريب جدًّا كما رأينا في مبدأ سير المقالة، فكما نؤمن انحدار الظَّلام بانفلاق الفجر، كذلك لنا أن نتعرَّف على علاقة القحط بالشَّباب؛ فالقحط هو ضدُّ الاقتصاد، والشَّباب يعنى الاقتصاد، فلا محالة أنَّ المقاومات ضدَّ الشَّباب تفرز القحط والجوع والرثاثة، ونحن نرى أنَّ الشَّباب يومًا بعد آخر يَجتازون التعطُّل واللهو عبر الأهواء والفشل، رغم أنَّهم فخار الدَّولة ومشيِّدوها، وكل ذلك بسبب اللامبالاة وعدم الاكتراث منَّا لشباب اليوم، هل لنا أن نَجهل بأن نرجو النَّجاح الباهر ولا نسلك مسالكه؟! كلاَّ وحاشا، ألَم نسمع: "إنَّ السَّفينة لا تجري على اليبس"؟!
فلا ريب أن تَخطيط بناء الدولة وتعزيزها لا يتصوَّر، طالما لا تمتلك الدَّولة قوَّتها الاقتصاديَّة تمامًا؛ لأنَّ الحكومة تتكفَّل شعبها في أوَّل الأمر وشؤونها ثانية، فطبعًا لا بدَّ لها أن تكون قويَّة في تنمية اقتصادها وتحصينها، لكنَّ الدَّاعي إلى التفكير هو كيف تحبذ الدولة اهتمام تلك المسؤولية دون أن تعي المفتاح، ألا وإن المفتاح هو دور الاقتصاد في جميع أرجائها لأنَّ للاقتصاد تواجدًا قويًّا في جميع نواحي الحياة، ومجالاته مفتوحة النَّوافذ وهي تسمح بكل ما تَجعل مسير الحياة ميسَّرًا أو مزدهرًا، سهلاً لِمن يفِد إليها، هذه المحاولات لا تتحقَّق لها إلاَّ بالشَّباب.
رغْم هذا الدَّور الهام الذي لا يمكن أن يلعب به غير الشَّباب، ألا نتوقَّف عن تعطيل شبابنا؟! ألا نستفيد من مواصفاتِهم؟! أليس ذلك حلاًّ قديرًا لإزاحة فقر البلَد؟! أليس الاقتصاد ينمو على أيدي الشَّباب؟! وأنا لا أقول: إنَّ غير الشَّباب لا يعني شيئًا، إلاَّ أنَّ تلك التيَّارات من وعي الشَّباب أكبر إسهامًا وأكثر تأثيرًا من الآخرين؛ فلذا هم يتميَّزون بالحمولات التي سبقت ويملكون الرَّغبة الزَّائدة في تنميتها، ويتوفَّرون على قدرات عقليَّة تؤهِّلهم للمزيد من الإبداع في جَميع المجالات، وبإمكانِنا أن نُلاحظ علاقة الشَّباب بالاقتِصاد من خلال علاقة الأبوَّة والبنوَّة؛ حيثُ الأبُ له أمنيات تتشبَّث بأوْلاده، فالأب يتعب نفسَه ليل نهار بالرَّجاء أن تكون أشبالُه اليوم أُسودَ الغد، وينسج الأحلام أفضل من معمورات العناكيب اتِّكاءً على أولاده دون الأموال، ثمَّ ينفق على الأوْلاد إيمانًا بأنهم اقتِصاد له، فيتصاعد بهم على سلالم النمو والازدهار، فيرحب به المستقبل، ويسعده الحال ثم يغبطه الماضي، وهذا لا يترك لنا أيَّ شكٍّ دون أن نعلم أنَّ الاقتصاد هو من الشَّباب.
فمن الأفضل أن تهتمَّ الحكومات بالشَّباب توظيفًا وتعليمًا.
تقام المؤسسات التي تراقب الشَّباب غير العاملين فترْبح بهم الحكومة في شتى شؤونها.
لا بدَّ من معاهد حكوميَّة في جميع أقاليم الدَّولة، تراهن عليهم في الأطر التعليميَّة الأساسيَّة لديْها مجَّانًا.
لا بدَّ من إصْدار القرارات التي تَمنح الشَّباب مجالاتٍ طيِّبة وفرصًا متميِّزة لبناء الشخصيَّة.
تبادل البعثات الشبابيَّة في كليات شتى.
منع الشبان من أن يغوصوا في ملذَّات سامة، وإجراء الحلول المناسبة لهم.
لنا أن نستفيد من دول أخرى عن طريق الشَّباب، فنأخذ ما لنا ونترك ما علينا.
من المسؤوليَّة اليوميَّة تشجيع الشَّباب حسب ظروفهم؛ لئلا تشعر أي فئة منهم بأي غربة.
قال علي الجارم:
إِنَّ الشَّبَابَ رَحِيقُ أَزْهَارِ الرُّبَى وَحَفِيفُ غُصْنِ البَانَةِ الأُمْلُودِ وَمَطِيَّةُ الآمَالِ فِي رَيْعَانِهَا وَسِرَاجُ لَيْلِ السَّاهِدِ المَجْهُودِ |
أنا أُريد من متلقِّي هذه المقالة القصيرة نقدًا صحيحًا، أو اقْتِراحًا، أو تَحليلاً لهذا الموضوع؛ لنتحقق سواء السبيل، وربَّما يفيد الحكومات أو المنظَّمات، أو الهيئات وغيرها ممَّا يضئ الطَّريق للجميع.