1- الشعور بالذنب أو بالإثم Feelling of guilt، عبارة عن شعور المرء بإرتكابه أو اقترافه خطأً أو فعلاً خاطئاً، وهو حالة نفسية إنفعالية أو وجدانية تعتريه وتلازمه وتقض مضجعه عندما يرتكب فعلاً مؤثماً قانونياً أو أخلاقياً أو دينياً أو إجتماعياً، وليس من الضروري أن يكون هذا الفعل حقيقياً، فقد يتوهم المرء أنّه مسؤول عن وقوع خطأ ما، أو أذى ما، أو ضرر لشخص ما، وعندئذٍ يعتريه أيضاً شعور بالذنب. ولا يشعر الإنسان السوي بالذنب إلا إذا استيقظ ضميره الأخلاقي وكان ضميراً حيّاً، أمّا أصحاب الضمائر الضعيفة أو الميتة فإنّهم لا يشعرون بالذنب مهما ارتكبوا من الآثام والمعاصي والذنوب، ويصبح الشعور بالذنب حالة مرضية إذا لم يكن ناجماً عن إرتكاب فعل مؤثم حقيقة، وإنّما كان مجرد وهم يعتري الإنسان.
ومن الحالات التي يشعر فيها الإنسان بالندم والذنب ولوم الذات أو تأنيبها أو تعنيفها، الأخطاء الجنسية: كالزنا والدعارة أو اللواط أو حتى ممارسة الإستمناء – أي العادة السرية –، أو السرقة، أو القتل، أو الضرب، أو إيقاع الأذى المادي أو المعنوي بأي إنسان بريء. وإذا أهمل الطالب مثلاً آداب واجبه ورسب من جراء ذلك. وقد يشعر به بعض الرؤساء ورجال السلطة والإدارة بعد أن يزول عنهم سلطانهم ويحالون إلى التقاعد، فيسترجعون الذكريات المريرة ويلومون أنفسهم على ما ارتكبوه من آثام ومعاصي أو جرائم ضد أبناء شعوبهم. وينجم الشعور بالذنب من الصراع بين سلوك الإنسان والقيم السائدة في المجتمع، أو في حالة الخيانة، أي عند إنتهاك الإنسان للقيم والمثل والمعايير الأخلاقية والإجتماعية والمبادئ الدينية، والضمير يحُاسب الإنسان ليس فقط على الأفعال الواقعية الخاطئة بل يحاسبه أيضاً على مجرّد التفكير السيِّئ أو النوايا والمقاصد السيِّئة، ولذلك قيل بحق: إنّما الأعمال بالنيات.
2- العلامات أو الأعراض المصاحبة للشعور بالإثم أو الذنب: يشعر المرء بشعور قاس ومر ومؤلم، حيث يلوم نفسه دائماً على أفعال قام بها أو تخيل أنّه مسؤول عنها ويصبح ضميره مؤرقاً له وحياً، ووخازاً، وحادّاً، وقاسياً، فيلوم نفسه على كل كبيرة وصغيرة، ويصاحبه في يقظته ومنامه.
وقد يضخم الإنسان الخطأ الذي أتاه ويبالغ فيه، ويعتقد أنّه قد هدر أو خرق إما القانون الديني أو الأخلاقي أو الإجتماعي أو جميعها معاً، ويصاحب ذلك شعور بالأسى والندم.
وهناك أيضاً شعور ببخس قيمة الإنسان أو الحط من قدره في نظر نفسه، وبالتالي الشعور بفقدان الثقة في النفس وقلة إحترام الإنسان لذاته حتى وإن أنكر الإنسان الإتيان بالجريمة على المستوى الشعوري الواعي، فإنّه على المستوى اللاشعوري يشعر بوخز الضمير. والشعور بالإثم قد يعتريه الكبت أي النسيان اللاشعوري، ويظل حبيس منطقة اللاشعور. وقد يدفع الإنسان الشعور بالذنب إلى سعيه على المستوى اللاشعوري إلى طلب المعاقبة أو العقاب، وإنزال الأذى بنفسه تكفيراً عما يشعر به بداخله من الشعور بالإثم، فيتورط في إرتكاب المخالفات حتى ينال العقاب.
ويصاحب الشعور بالذنب كثيراً من الأمراض والإضطرابات النفسية والعقلية، والإنحرافات الأخلاقية والسلوكية، كالشذوذ الجنسي والجريمة والجنون والإنحراف والقلق والإكتئاب، وفي هذه الحالة يصبح الشعور بالذنب شعوراً مرضياً شاذّاً أو عصابياً.
ويحدث الشعور بالذنب، عندما يحدث صراع داخلي بين ذات الإنسان العليا المساوية لضميره الأخلاقي ورغباته العدوانية أو الشهوانية أو الجنسية أو سلوكه المضاد للمجتمع.
3- معالجة الإسلام لمشاعر الذنب والإثم بفتح أبواب التوبة أمامه على مصارعها: التوبة معناها – لغوياً – رجوع الإنسان عن معصيته إلى الله سبحانه وتعالى، وندمه على ما أتاه من آثام ومعاصي، فهو تائب، وتاب الله عليه أي غفر له ورجع عليه بفضله، فالله سبحانه وتعالى توّاب وغفور رحيم، وسعت رحمته كل شيء. ويستتاب المرء أي يطلب من الله أن يتوب عليه وأن يقبل توبته، فالمراد بالتوبة التخلي عن سائر الذنوب والمعاصي والآثام، مع شعور المرء بالندم ولوم الذات على كل ذنوبه السالفة، وعقد العزم الأكيد على عدم العودة إلى ارتكاب الذنوب مرة أخرى في مستقبل حياة الإنسان. وحين يشعر المرء بأنّه تاب توبة نصوحاً، فإنه بذلك يكون قد تحرّر وتخلص وتطهر من مشاعر آثمة وقاتلة تقود إلى الإصابة بكثير من الأمراض النفسية والعقلية، والشعور بالخوف والتوتر وعدم الأمان، وتوقع العقاب والخوف من عدم تمتع المرء برضاء الله تعالى عليه، وذلك اهتداء بقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (التحريم/ 8).
فالمسلم يشعر بأنّ للتوبة قيمة عظيمة، وفضلاً كبيراً، في التمتع برضاء الله تعالى ودخوله الجنّة. والمسلم حين يتوب إلى الله تعالى توبة نصوحاً فإنّه يتمتع بالفلاح والنجاح والسداد والتوفيق، لقوله تعالى: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (النور/ 31)، واهتداء بقول الرسول الكريم (ص): "يا أيّها الناس توبوا إلى الله، فإني أتوب في اليوم مائة مرة" (رواه مسلم).
وقوله كذلك: "مَن تاب قبل ان تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه" (رواه مسلم).
وباب التوبة مفتوح أمام المسلم طوال حياته حتى لا توصد أبواب الرحمة أمامه ويشعر باليأس والإحباط، وذلك لقول الرسول (ص): "إنّ الله عزّوجلّ يبسط يده بالتوبة لمسيء الليل إلى النهار ولمسيء النهار إلى الليل حتى تطلع الشمس من مغربها" (رواه مسلم).
وربّ العالمين يفرح بتوبة عبده، ويتلقاه بالعطف والحب والرحمة التي وسعت كل شيء. فالتوبة توثيق للصلات الروحية بين العبد وربّه، وفي ذلك ليس فقط تحريراً من مشاعر الإثم وإنّما أيضاً يشعر التائب بالسعادة والرضا، وأنّه مقبول من ربّه، ولذلك يمتلىء قلبه بالأمان والإطمئنان والراحة النفسية وهدوء البال، وكلّها تطرد المشاعر السالبة.
وفي مجال التوبة يقول رسولنا الكريم (ص): "الله أشد فرحاً بتوبة عبده المؤمن من رجل في أرض دوية مهلكة معه راحلته عليها طعامه وشرابه، فنام فاستيقظ وقد ذهبت، فطلبها حتى أدركه العطش ثمّ قال: أرجع إلى مكاني الذي كنت فيه فأنام حتى أموت. فوضع رأسه على ساعده ليموت، فاستيقظ وعنده راحلته وعليها زاده وطعامه وشرابه، فالله أشد فرحاً بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلته وزاده" (رواه مسلم).
وفي فضل التوبة روي أنّ الملائكة هنأت آدم بتوبته لما تاب الله عليه. والمسلم مدعو للإعتقاد الراسخ بأنّ التوبة واجبة من كل ذنب، فإن كانت المعصية بين العبد وبين الله تعالى لا تتعلّق بحق آدمي، فلها ثلاثة شروط هي:
أ) أن يقلع إقلاعاً نهائياً عن الإتيان بالمعصية.
ب) أن يندم على فعلها.
ت) أن يعزم أن لا يعود إليها أبداً.
فإذا فقد أحد الثلاثة لم تصح توبته. وإذا كانت المعصية تتعلّق بآدمي، فشروطها أربعة هي: هذه الثلاثة السابقة إلى جانب أن يبرأ من حق صاحبها، فإن كانت مالاً أو نحوه رده إليه، وإن كانت حد قذف ونحوه مكنه منه أو طلب عفوه، وإن كانت غيبة استحله منها. ويجب أن يتوب المسلم من كل الذنوب، فإن تاب من بعضها صحت توبته عند أهل الحق من ذلك الذنب، ويبقى عليه الباقي، ولقد كثرت دلائل الكتاب والسنة وإجماع الأُمّة على وجوب التوبة.