يهل رمضان على المسلمين في شتى بقاع الدنيا كل عام . ويعتقد الباحثون أن ما يربو على 400 مليون مسلم يصوم هذا الشهر العظيم
وليس كل أولئك الصائمين من الأصحاء ، فهناك الملايين من المرضى الذين يتوقون لصيام شهر رمضان ، ويتحرقون لوعة وأسى إن وجدوا أنفسهم غير قادرين على الصيام .
ولا بد للطبيب الذي يوصي مريضه بعدم الصيام من معرفة أحدث الأبحاث العلمية التي أجريت في هذا المضمار . وللأسف الشديد ، فما زالت الأبحاث العلمية حول رمضان قليلة جدا ، ففي بحث علمي أجري عام 1997 م لرصد كل ما نشر في المجلات الطبية حول تأثير صيام رمضان ، وجد الباحثون أنه لم يكن هناك سوى 282 بحثا نشر في المجلات الطبية . وقد أجريت تلك الدراسات في عدد من البلدان الإسلامية وأمريكا ، وتصدرت المملكة العربية السعودية القائمة بـ 32 بحثا ، ثم الولايات المتحدة وكندا (16 بحثا )، وتونس (15 بحثا )، والمغرب ( 13 بحثا )، و 9 أبحاث من كل من باكستان وماليزيا . وفي شهر ديسمبر 1997 م عقد في استانبول مؤتمر أقامته منظمة الملك الحسن الثاني للأبحاث الطبية في رمضان ، لدراسة تأثير الصيام على الأمراض المختلفة . وقُدِّم في هذا المؤتمر خمسون بحثا . ومع ذلك تظل تلك الأرقام ضئيلة جدا نظرا للأهمية القصوى لذلك الموضوع بالنسبة للملايين من المرضى المسلمين الذين يتوقون لصيام شهر رمضان . وفي حين أظهرت الدراسات عدم تأثر فحوص الدم المختلفة من سكر الدم ، ووظائف الكلى و شوارد الدم ، ووظائف الكبد بالصيام عند الأصحاء ، فقد كان هناك بعض التباين في نتائج تأثير الصيام على دهون الدم . فقد أشارت بعض الدراسات إلى أن الكولسترول والدهون الثلاثية لا تتأثر بالصيام لا زيادة ولا نقصانا ، إلا أن دراسات أخرى أشارت إلى زيادة معدلاتها في رمضان .
ويعزو الباحثون سبب ذلك لا للصيام ، وإنما للإفراط في تناول الطعام وإتخام المعدة بما لذ وطاب عند الإفطار .
ولم تظهر الدراسات العلمية أي تأثير للصيام على هرمونات الدم . كما أكدت الأبحاث انخفاض حدوث الذبحة الصدرية وارتفاع ضغط الدم ، وهبوط معدلات الانتحار في رمضان ، ولم يشاهد أي ازدياد في نسبة حدوث فشل القلب والسكتة الدماغية أو نوبات نقص سكر الدم خلال شهر رمضان .
وأشارت دراسات أخرى إلى أن معظم المرضى اضطر إلى تغيير نمط تناول الدواء ، بحيث يأخذ الأدوية التي تعطى مرة أو مرتين في اليوم ، كما اختلف موعد تناول الدواء عما هو عليه الحال خارج رمضان .
تأثير دواء Lanzoprazole على قرحة الاثني عشري الحادة في رمضان :
أجرى باحثون من تونس دراسة على 57 مريضا مصابا بقرحة حادة في الاثني عشري أعطي المريض دواء Lanzoprazole 30 ملغ يوميا .
واختار 27 مريضا منهم عدم الصيام ، في حين اختار 30 مريضا متابعة صيام رمضان .
و تبين في نهاية رمضان عدم حدوث أية اختلاطات للقرحة الهضمية في المجموعتين ، ولم يكن هناك اختلاف يذكر في معدل شفاء القرحة في المجموعتين .
واستنتج الباحثون أن إعطاء دواء Lanzoprazole للمرضى المصابين بقرحة الاثني عشري ربما يساعد المرضى المصابين بالقرحة والذين يودون متابعة الصيام .
وهذه بالطبع دراسة صغيرة تحتاج إلى مزيد من الدراسات لتأكيدها .
وتظل النصيحة المثلى للمريض المصاب بالقرحة الحادة هي استشارة الطبيب ، فهو أدرى بالحالة ، وهو الذي يستطيع أن يتخذ القرار الحكيم فيما إذا كان المريض يستطيع الصيام أم لا .
مريض السكر في رمضان :
يقدر الباحثون -كما يقول الدكتور " عزيزي " في بحث قدمه في المؤتمر الثاني عن الصحة ورمضان والذي عقد في شهر ديسمبر 1997 - أن هناك 8 ملايين مسلم مصاب بمرض السكر يصوم شهر رمضان كل عام . وهذا يكفي لدفع الأطباء في العالم الإسلامي إلى معرفة تأثيرات الصيام على مرضى السكر في رمضان معرفة عميقة ، ومن ثم يستطيعون توجيه المرضى السكريين إلى ما فيه خيرهم وصلاحهم .
و لقد أظهر عدد من الدراسات أن مستوى السكر عند مرضى السكر ينخفض بشكل طفيف في الأيام الأولى من رمضان ثم يعود إلى مستواه الأصلي في اليوم العشرين من شهر رمضان ، ثم يرتفع ارتفاعا خفيفا في آخر شهر رمضان
وقد يتأرجح مستوى السكر بشكل طفيف تبعا لعادات المريض الغذائية وآليات استقلاب سكر الدم .
وتشير الدراسات الحالية إلى أنه لم تحدث أية مشاكل هامة عند صيام المرضى السكريين من النوع الثاني ( الذين يتناولون الحبوب الخافضة لسكر الدم ) ، أما المرضى الذين يتناولون الإنسولين فلا ينصحوا عادة بالصيام . أما في الأشكال الخفيفة من مرض السكر المعتمد على الإنسولين فقد يصر بعض المرضى على الصيام ، وربما يمكن إعطاء هؤلاء جرعة واحدة من الإنسولين المتوسط التأثير قبل السحور ، و قد يعطى جرعة أخرى عند الإفطار. ومع ذلك يجب استشارة الطبيب قبل ذلك .
أما في المرضى الذين يتناولون جرعتين من الحبوب الخافضة لسكر الدم فينبغي تناول الجرعة الأولى عند الإفطار وهي الجرعة التي كانت تؤخذ عند الصباح. أما الجرعة الثانية فتؤخذ عند السحور، ويعطى نصف الجرعة التي كان يأخذها في المساء .
تأثير الرياضة على مرضى السكر في رمضان :
أظهرت دراسة نشرت في شهر ديسمبر 1997 ، وأجريت على 38 مريضا مصابا بالسكري غير المعتمد على الإنسولين ( أي المرضى الذين يعالجون بالحبوب الخافضة لسكر الدم ) . ولقد قسم المرضى إلى مجموعتين ، فأما الأولى – وشملت 18 مريضا – فقد اختارت القيام بتمارين رياضية خفيفة إلى معتدلة يوميا . وأما المجموعة الثانية فاختارت عدم إجراء أي تمرين رياضي في رمضان .
وبعد ثلاثة أسابيع من الصيام ، تبين حدوث انخفاض وضبط أفضل لمستوى السكر عند الذين كانوا يمارسون النشاط الرياضي منه في المجموعة الثانية . وقد انخفض مستوى الدهون الثلاثية بشكل ملحوظ في المجموعة الأولى أيضا .
واستنتج الباحثون أنه لا مانع من ممارسة نوع من الرياضة البدنية الخفيفة في رمضان عند المرضى السكريين الذي يتناولون الحبوب الخافضة لسكر الدم ، ويحتاج الأمر إلى مزيد من الدراسات ، كما أن قدوم رمضان في فصل الصيف قد يعطي نتائج مختلفة .
هل تتأثر هرمونات الجسم بالصيام ؟
وجد الباحثون أن هرمونات الشدة وهي الكورتيزول والبرولاكتين لا تتأثر بالصيام . أي أن الصيام حالة صحية غير مجهدة للجسم .
وفي بحث قدمه الدكتور فريدون عزيزي في مؤتمر استانبول ، استعرض فيه كافة الدراسات التي أجريت على الهرمونات في رمضان ، فتبين أنه لم تحدث أية تبدلات تذكر في هرمونات الغدة الدرقية . ولم تحدث أية تبدلات تذكر في معدلات هرمون الذكورة التوستسترون ، أو الهرمونات الأنثوية LH , FSH أو البرولاكتين .
واستنتج الباحث أن وظائف الغدد ومستوى هرمونات الغدة النخامية أو الغدة الدرقية أو هرمونات الذكورة والأنوثة لم تتغير خلال صيام رمضان .
ارتفاع دهون الدم في رمضان : قصة لم تكتمل :
وجد بعض الباحثين حدوث ارتفاع في معدل دهون الدم في رمضان .
وفي بحث آخر نشر عام 1991 شرح الدكتور صباح محمد باقر أسباب ارتفاع دهون الدم عند الصيام ، ومن هذه الأسباب اقتصار بعض الصائمين على تناول وجبة واحدة ، عالية السعرات الحرارية عند الإفطار ، وكذلك نوعية الطعام المتناول المفرط بالدهنيات والسكريات ، وعدم القيام بأي نشاط يذكر أثناء الصيام ، والخلود إلى الكسل والراحة .
فإذا ارتفعت الدهون قليلا في نهاية رمضان ، فإنما سبب ذلك بعض الممارسات المغلوطة لبعض الصائمين ، حيث يحرص هؤلاء على تناول كميات كبيرة من الطعام أثناء شهر رمضان . وإذا ما أردنا أن نستفيد من صيام رمضان فلا بد لنا من التأسي بالرسول صلى الله عليه وسلم في هديه عند الإفطار وفي تناول الطعام .
هل يزداد حدوث السكتة الدماغية في رمضان ؟
سؤال طرحة باحثون من جامعة استانبول . فقد قام هؤلاء الباحثون بدراسة 5559 حالة سكتة دماغية حدثت خلال الفترة ما بين 1984 – 1994 وأدخلت مستشفى جامعة استانبول . وكان عمر هؤلاء المرضى يتراوح ما بين 17 – 101 سنة . استنتج الباحثون في نهاية بحثهم أن معدل حدوث السكتة الدماغية لم يختلف في رمضان عنه في الأشهر الأخرى ، كما أن نسبة الوفيات من السكتة الدماغية لم تختلف أيضا في شهر رمضان عنها في بقية الشهور . وقد قدم هذا البحث في المؤتمر العالمي الثاني عن الصحة ورمضان ، والذي عقد في استانبول في شهر ديسمبر 1997 .
وأشارت دراسة أخرى من جامعة سليمان ديميريل وأجريت على 1579 مريضا أصيب بالسكتة الدماغية ( ما بين 1991 – 1995 ) إلى نفس النتيجة السابقة ، وهي عدم حدوث أي اختلاف في معدل حدوث السكتة الدماغية في شهر رمضان عنه في بقية أشهر العام .
رمضان .. والذكاء والتركيز :
في جسم الإنسان هرمون يطلق عليه اسم " هرمون مانع خروج الماء " .
ويفرز هذا الهرمون من الدماغ ، ويعمل على امتصاص الماء في الجسم عن طريق الكلية .
ومن العوامل التي تزيد من إفراز هذا الهرمون عدم شرب الماء وكثرة التعرق .. إلخ .
ومن المعلوم أن الصائم في رمضان يمتنع عن شرب الماء من الفجر وحتى الغروب ، ومن المفترض أن مستوى هذا الهرمون يرتفع في فترة الصيام .
وقد وجد الباحثون في بحثين نشرتهما مجلة اللانست البريطانية ، وأجريا على بعض الحيوانات المخبرية أن هذا الهرمون يزيد من سرعة تعلم تلك الحيوانات وينشط ذاكرتها .
ولا يعرف بالضبط علاقة هذا الهرمون بالذاكرة عند الإنسان ، وربما تشير الأبحاث المستقبلية إلى أن الصيام لا يؤدي إلى ضعف ذهني أو قلة في التركيز كما يظن البعض ، بل ربما يحسن من القدرة على التركيز .
ونود أن نؤكد هنا على أن المقصود بالصيام هو الصيام الصحي وليس صيام الذين يسهرون الليل كله وينامون معظم النهار .
وكنا في بريطانيا نصوم – عندما يأتي رمضان في فصل الصيف – حتى التاسعة أو العاشرة مساء ( وقت الغروب ) ، ونعمل في المستشفيات بنشاط ومثابرة ، وما تأثر تركيز أو محاكمة بالصيام .
هل يستطيع مرضى القلب الصيام ؟
قدم كاتب هذا المقال بحثا في مؤتمر جمعية أمراض القلب في شهر فبراير عام 1998 وقد قام بإجراء هذا البحث في مستشفى الملك فهد للقوات المسلحة بجدة بالمشاركة مع الدكتور فواز الأخرس والدكتور مجد رستم على 86 مريضا مصابا بأمراض القلب المختلفة من مرض شرايين القلب أو فشل القلب أو آفات صمامات القلب . وكان وضع هؤلاء المرضى الصحي مسيطرا عليه بشكل جيد بالأدوية .
وقد استطاع 86 % من هؤلاء صيام كل شهر رمضان ، و 10 % من المرضى اضطروا إلى الإفطار لعدة أيام في رمضان . ومع نهاية شهر رمضان ، شعر 78 % منهم بتحسن في حالتهم الصحية ، في حين شعر 11 % منهم بازدياد الأعراض التي كانوا يشكون منها. وواظب على تناول الدواء 93 % من المرضى بشكل جيد ، وتبين من الدراسة أنه لم تكن هناك تبدلات تذكر في الفحوص الدموية الكيميائية من سكر الدم أو الكولسترول أو شوارد الدم أو حمض البول أو وظائف الكبد .
واستنتج الباحثون أن معظم المرضى المصابين بأمراض القلب والمستقرين من الناحية الصحية يستطيعون صيام شهر رمضان بدون أية مشاكل تذكر ، شريطة تناولهم لأدويتهم بانتظام . ولا بد من الإشارة إلى ضرورة استشارة الطبيب قبل اتخاذ أي قرار في الصيام .
المصدر: الدكتور حسان شمسي باشا
نشرت فى 5 أغسطس 2010
بواسطة ahmedkordy
أحمد السيد كردي
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
30,887,854